"نحو استراتيجية مائية في سوريا"
ندوة الثلاثاء الاقتصادية الثالثة عشرة
16/5/2000

 

7 ـ بناء استراتيجية مائية لحوض دمشق مثالاً: 

قبل استخدام الآلة لحفر الآبار وضخ المياه الجوفية وقبل الانفجار السكاني والصناعي الطارئ ومنذ آلاف السنين فقد ساد في حوض دمشق توازن مائي تقليدي هو بمثابة منظومة مائية بيئية تعكس حضارة الاجداد. كانت الينابيع المنتشرة في سهل سرغايا والزبداني والديماس وصيدنايا وسفوح جبل الشيخ تمد التجمعات السكانية باحتياجاتها من مياه الشرب والري الزراعي وكانت الفجارات الجماعية (وتدعى بالأقنية الرومانية) تمد التجمعات السكانية في سهل القطيفة جيرود (ويظن أن الدولة السومرية قد انشئت هذه الفجارات لجنودها على حدود الدولة لتامين المياه والغذاء لهم) (5) كما اقيمت السدود التحويلية على وادي بردى والاعوج ووادي منين ـ التل لتمد التجمعات على شريطي النهر. فقبل دخول بردى لدمشق انشئت ستة سدود تحويلية ليتفرع عن بردى انهاراً هي: يزيد ـ تورة ـ بانياس ـ القنوات ـ الديراني ـ المزاوي وكانت القنوات للشرب وبانياس للصرف الصحي بدمشق القديمة وبعد خروج هذه الانهار من دمشق فانها تروي عشرين ألف هكتار اضافة لشبكة صرف الغوطة كأقنية شبعا والغزلانية (أي اعادة استعمال المياه الجوفية للمرة الثانية للري) (13 ـ 14 ـ 15 ـ 16 ـ 17).

7 ـ 1 ـ المـوضـوع : يقع حوض دمشق في جنوب غرب الجمهورية العربية السورية ويشغل مساحة قدرها 6850كم2 (الصفدي) أو 8630 كم2 (جايكا 1997) أو 8596 كم2 ( حوض بردى والأعوج الذي يشترك في كثير من مساحته مع حوض دمشق) . ويقسم إلى قسم من التضاريس (حوض بردى والأعوج) ولقسم منبسط حيث تقع الغوطة في غربه ووسطه والمرج في شرقه وكثيراً ما ترد تسمية حوض دمشق مطلقة وتعني هذا السهل.. وما يصب على السهل من الأحواض الصبابة المحيطة وأشهرها حوض بردى والأعوج . 

يعد نهر بردى من منبعه (والنبع هو تدفق للمياه الجوفية)، الشريان المائي الأهم في الحوض، وتبلغ مساحة حوضه الصباب حوالي 1380كم2 ويبلغ متوسط تصريفه السنوي 3.1 م3/ثا ، ومع إهمال التصاريف الشهرية التي تبين أن الحوض الصباب مغذياً لنهر بردى بمياه سطحية في فصل الشتاء تقريباً بينما النبع (مياه جوفية ) من جبال لبنان الشرقية (سفوح جبال الشير منصور) يتدفق باستمرار على مدار السنة . يرفد نهر بردى مجموعة من الينابيع والوديان أهمها جريان وادي القرن ونبع عين الفيجة الذي يعتبر أكبر الينابيع في حوض دمشق (والذي يتغذى من حوض القلمون حتى حسية) ويبلغ متوسط تصريفه السنوي 7.71م3/ثا ويستثمر من مياهه سنوياً 4.6م3/ثا لتغذية مياه شرب دمشق (وتتصف مياهه بنوعية عالية الجودة) ، وعندما يصل نهر بردى للسهل المنبسط فقد كان تصريفه 14م3/ثا ليستخدم لأغراض الري وتغذية المياه الجوفية التي تغذي آبار مياه الشرب في الغوطة الشرقية وآبار مياه الري أيضاً. لذلك لايصل من بردى إلى بحيرة العتبة إلا القليل وفي السنوات الخيرة بالأمطار . 

يتشكل نهر الأعوج على سفوح جبل الشيخ نتيجة لاتحاد فرعيه السيبراني والجناني حيث تبلغ مساحة الحوض الصباب لنهر السيبراني 130كم2 ولنهر الجناني 124كم2 وهما مسيلان موسميان عند ذوبان الثلوج وترفد السيبراني ينابيع عين عيسى وعين المالحة وعين سابا والرشاشيح وغيرها بتصريف وسطي حوالي 0.6 م3/ثا (فيصبح السيبراني دائم الجريان نتيجة للينابيع من مياه جوفية) وترفد الجناني نبع بيت جن بتصريف وسطي 0.84 م3/ثا ونبع المنبج 0.78 م3/ثا ونبع الطماسيات 0.78م3/ثا حيث يذهب جزءاً من جريان النهر 0.5 م3/ثا إلى حوض الخنافس في الجنوب وبالتالي فالحوض الصباب حوالي 1120كم2 ويرفده إلى الأسفل من منطقة أم الشراطيط مياه نبع الطبيبية بتصريف وسطي قدره 0.83 م3/ثا ليصح تصريف نهر الأعوج 4.7 م3/ثا (في الظروف الطبيعية) وحالياً بتصريف وسطي 2.2م3/ثا؟ 

ولا تصل المياه إلى بحيرة الهيجانة إلا في السنوات غزيرة الأمطار . وموسم الفيضان لبردى والأعوج يبد من شهر كانون الأول ويستمر حتى شهر أيار أحياناً ومع تغير المناخ العالمي فقد يتأخر موسم الفيضان . وموسم التحاريق يبدء بشهر حزيران ويستمر حتى شهر تشرين الثاني . 
يرتبط نظام جريان بردى بعوامل منها : نظام التشغيل لسد التكية والسحب المائي من نبع بردى ونبع الفيجة وصرف المياه المستعملة لمدينة دمشق والسحب المائي لتزويد المياه في مناطق الاصطياف وتوسع مدينة دمشق والسحب المائي لري مزارع جديدة خارج أراضي غوطة دمشق التقليدية ، كما يتأثر جريان الأعوج بأكثر العوامل المؤثرة على جريان نهر بردى . وتلعب التغذية الجوفية لنهر بردى وسطياً بمقدار 94-97% ولنهر الأعوج وسطياً بمقدار 77-82% .

المتوسط السنوي للهطول المطري لحوض (بردى والأعوج) حوالي 2659 مليون م3/ السنة وتبلغ قيمة التبخر 1808.8 مليون م3/السنة وبالتالي فمتوسط الموارد المائية السنوية للحوض 850 مليون م3/السنة وفي دراسات جايكا قدر المتوسط للموارد المائية بـ650م م3/ السنة حيث تشكل موارد سلسلة جبال لبنان الشرقية 77% من الموارد المائية العامة في الحوض تقريباً. وعموماً فكميات المياه الممكن استثمارها من أصل الموارد العامة في الحوض لاتتجاوز 65-70% أي ما يعادل 550-595 م م3/السنة في أحسن الحالات وهي موارد مائية تقليدية (موارد مائية جوفية متجددة) وهناك الاحتياط الطبيعي أو (المياه غير المتجددة في حوض دمشق) والتي يتم اللجوء إلى استثمارها في سنوات الشح كما حصل عام 1999 وذلك أن الموارد المائية الطبيعية غير كافية لتغطية الطلب فحوض الزبداني مثلاً هو حوض فرعي في الحوض ويدعوه أحياناً بالمنطقة الجبلية في الحوض A- I .1, 2 , 3 , 6 بمساحة 1265 كم2 وبفرض أن الهبوط الممكن والمسموح به لمناسيب المياه بحدود 100م وقيمة المعطائية المائية 0.02 فإن حجم الاحتياطي الساكن يساوي 1265×0,1 × 0,02 = 2530 م م3/ والتي يمكن استنزافها خلال 3 أو 4 سنوات شحيحة وهذا يعني خللاً بالموازنة المائية لاتعوض؟ كما أن حساب الاحتياطي الطبيعي لمخزون المياه الجوفية في غوطة دمشق قد أعطى 1426,1م م3 وهو مايكفي لسنتين متتاليتين من الشح ومع المصادر الجبلية التي يمكن استجرارها خلال سنوات قليلة نكون قد وصلنا إلى كارثة محققة ؟ كما أن الاحتياطي الطبيعي في توضعات الجوراسي والكريتاسي حوالي 545.5 م م3 وهي صعبة الاستثمار ومكلفة ؟ إذاً فما هي الاحتياجات المائية المستقبلية والراهنة لمحافظة ريف دمشق ومحافظة دمشق لأغراض الشرب أو الاستعمالات المنزلية والبلدية؟ حيث يبلغ انتاج الآبار العاملة لإمدادات بلديات ريف دمشق بحدود 72م م3 سنوياً منها 29 م م3 من الآبار المحفورة على توضعات الرباعي حوالي دمشق (الشرق والجنوب والجنوب الغربي) و 10م م3 من الآبار المحفوة على توضعات النيوجين والباليوجين في منطقة القطيفة وجنوب دمشق كالدير علي وشرق دمشق كالغزلانية و 30 م م3 للآبار المحفورة على توضعات الكريتاسي على السلاسل الجبلية من ضاحية الأسد بحرستا إلى جبل أبو العطا وسفح الجبل الشمالي لقرية المضمية (في حويضة جيرود) وسلسلة جبال لبنان الشرقية لتغذية قرى منطقة النبك بينما النبك ودير عطية لها مصادر أخرى من سلسلة جبال بين منطقتي القلمون (النبك والقطيفة) ، والبقية من ينابيع بمقدار 1م م3 سنوياً وآبار الجوراسي العميقة.. ومجموع الآبار 770 بئراً ، علماً أنهم بحاجة إلى 300م م3 سنوياً كعجز حتى سنة 2030؟ وتقترح مؤسسة مياه ريف دمشق تأمين المياه من حوض الساحل كحل مؤقت ثم جر مياه حوض الفرات حتى سنة 2040 وبعدها لابد من تحلية مياه البحر بعد عام 2040 (18) علماً أن نوعية المياه بريف دمشق ذات قساوة 140مغ/ل لنبع بقين و 950 مغ/ل لبئر الضمير وفي مياه المطر 80مغ/ل والمسموح به 500 مغ/ل أما الكبريتات فقيمتها 6مغ/ل لنبع عين الفيجة ، و 1430 مغ/ل لمياه جديدة الخاص وفي مياه الأمطار 25مغ/ل والمسموح به 250مغ/ل وقيمة الأمونيا صفر غالباً و 10مغ/ل لبئر بدير عطية وفي مياه الأمطار 3.5 مغ/ل والمسموح به 0.05 مغ/ل وأما الفلور في مياه شرب رنكوس 0.05 مع/ل وفي الضمير (بئر خاص) 2.3 مغ/ل وفي مياه المطر 0.22 مغ/ل ومسموح حتى 1 مغ/ل وهناك مواصفات جرثومية تتحقق بكلورة المياه (19). 

أما الاحتياجات البلدية لمدينة دمشق وقرى وادي نهر بردى التي لها حق الشرب من مياه نبع الفيجة والمخالفات حول مدينة دمشق فهي حوالي 900 ألف م3 يومياً والانتاج الحالي عام 2000 أقل بـ 186600 م3 يومياً ، أي العجز الحالي 2.16م3/ثا وسيصل هذا العجر إلى 31م3/ثا سنة 2040 علماً أن الانتاج الحالي 35م م3 سنوياً من الآبار و 160 م م3 سنوياً من نبع عين الفيجة و 35 م م3 سنوياً من نبع بردى وتقترح مؤسسة مياه دمشق أيضاً جر مياه حوض الساحل ثم جر مياه من حوض الفرات (20) أي الحاجة لمليار م3 سنوياً (1كم3) في سنة 2040 ويظن بعض الخبراء أن الحاجة أكثر من ذلك اعتباراً من سنة 2000 وحتى سنة 2040؟ . 

7 ـ 2 ـ التنمية المستديمة لحوض دمشق : تشكل مياه الصرف الصحي لمدينة دمشق وريفها أحد العناصر الهامة للموارد غير التقليدية في حوض دمشق، والتي تستخدم للري. والتي تقدر بحوالي 350م م3 سنوياً (عام 1998) ويمكن أن يتضاعف هذا الرقم حتى سنة 2010 علماً أن استعمالات المياه البلدية يسبب فواقد تقدر بـ 10-20% كفواقد في شبكات الصرف الصحي بالتبخر والتسرب .

وتشكل المياه الراشحة من المساحات المروية المصدر الثاني للموارد المائية المستديمة حيث تبلغ المساحات المروية في حوض بردى والأعوج حوالي 66000 هكتار يستخدم في ريها 982.8 م م3 في السنة منها 430 م م3 من المياه الجوفية و 552.8 م م3 من المياه السطحية ؟ (21) . ولما كانت المياه الراشحة 42% من المياه المستخدمة للري وتغذي الطبقات الحاملة للمياه الجوفية في غوطة دمشق أي 982.8 × 42/100 = 412.78م م3 وهي قريبة من كمية المياه الجوفية التي استعملت للري 430م م3 + المياه البلدية لريف دمشق 72 م م3 + المياه البلدية لدمشق 35 م م3 . ولكن الفرق هو استنزاف للمياه الجوفية وتسبب خللاً بالموازنة المائية - البيئية ، لحوض دمشق ؟ وباستعمال المياه الجوفية مرة أخرى للري والتوسع به فإن نسبة المياه العائدة إلى الطبقة الجوفية 42% والباقي يضيع بالتبخر والانفضاج واستعمالات النباتات ولدى الجهات المعينة خرائط لمناسيب المياه الجوفية وتغيرها نتيجة لازدياد السحب المائي والصفات الرشحية غير الجيدة نسبياً للصخور وعدم توفر مصادر تغذية كافية لهذه المناطق مما تسبب في استنزاف الاحتياطي الطبيعي لحوض دمشق (21) . وترى مديرية بردى والأعوج (21) أن محدودية الموارد المائية في حوض بردى والأعوج تستوجب اتخاذ بعض الاجراءات الكفيلة بتخفيض الهدر واستخدام تقنيات جديدة في الري وترميم شبكات امداد المياه البلدية لتخفيف الفاقد وترميم أقنية الري وإكسائها ودراسة إمكانية إيجاد مصدر رديف وآمن من خارج حوض بردى والأعوج لتأمين الاحتياجات المائية اللازمة على المدى المنظور !! لكن لمديرية الري واستعمالات المياه بوزارة الزراعة آراء أخرى(7) لأن إجمالي المساحة المروية بمحافظة ريف دمشق 73180 هكتار ، يستجر لها من مصادر مائية (أنهار - ينابيع - 3962 بئر مرخص و 26072 بئر غير مرخص) 1340.4 م م3/ السنة . ويقدر البعض أن 1400-1500 م م3 بالسنة هي موارد مستعملة فعلاً بينما المتوسط السنوي للموارد المائية 850م م3 / السنة . 

وبالتالي يبلغ العجز 490.4 م م3 / السنة !! وتقدر هذه الاحتياجات المائية السنوية للزراعة (بدون الاستعمالات البلدية) بـ 1340.4 م م3/ السنة بكفاءة استخدام 45-50% ويقدر أن المياه العائدة لتغذية المياه الجوفية بحوالي 335.1 م م3/ السنة ويعاد ضخها واستخدامها . أي أن الاحتياجات المائية السنوية الصافية للزراعة 1340,4-335,1 = 1005,3 م م3/ السنة وذلك يفوق المصدر المائي السنوي القابل للاستثمار والمقدر بـ 850م م3/ السنة (ما عدا الاستخدامات البلدية والصناعية).

إذاً فالعجز المائي 1005.3 - 850 = 155.3 م م3/ السنة . وتقترح الجهات المعنية أن لانستعمل المياه الجوفية مرة أخرى للري وإنما يغطي هذا العجز بإقامة شبكة ري تعتمد على الاستثمار المشترك للمياه الجوفية (وبذلك يخف الهدر الحاصل في الآبار غير المرخصة مثلاً ..) والاقتراح الثاني للجهات المعنية مبني على تجارب مخبرية على أصناف النبات وأنواع التربة ولمناطق مناخية مختلفة ويعتمد على : استخدام شبكات الري المضغوطة لتمكين الفلاحين من استخدام الري بالتنقيط والرذاذ للمحافظة على المساحات المروية الحالية ؟ 

إذاً لابد من مسح مصادر المياه السطحية والجوفية لحوض دمشق بهدف التنمية المستديمة وإعادة ترتيب الأولويات بحيث تعطي الأفضلية الأولى لقطاع الاستعمالات البلدية (الشرب) فالتنمية المستديمة تعني تحقيق موازنة مائية بيئية دائمة فإذا كانت المصادر المائية المتاحة وسطياً 850م م3/السنة فذلك يعني أن لايزيد عدد السكان بدمشق وريفها عن 7.5مليون نسمة حتى تتوازن المصادر المائية مع الاستعمالات البلدية فقط ويظن بعض المتشائمين أننا قد تجاوزنا ذلك قبل سنة 2000 . إذاً لابد من توفير مصادر مائية جديدة أو إغراء السكان بحوض دمشق بالهجرة إلى مكان تتوفر فيه المياه كالجزيرة السورية مثلاً ، (باتجاه الفرات ودجلة ضمن خطط التنمية المستديمة المستقبلية) . إذاً إما أن ننقل المياه من حوض الفرات مثلاً لدمشق، أو ننقل السكان من دمشق إلى حوض الفرات (أيهما الأكثر اقتصاداً) وأن توفر المزيد من المياه فالأفضلية الثانية لقطاع الصناعة لأن العائد المادي لاستعمال المياه بالصناعة يعادل 30 ضعفاً عن العائد من استعمال المياه للري. وأن تعطي الأفضلية الثالثة للسياحة والاصطياف، ثم تعطي الأفضلية الرابعة للري والحصول على الأمن الغذائي النسبي، ثم تعطى الأفضلية الخامسة للتشجير وتربية الأحياء المائية في المياه التي لاتصلح للري .. . 

7 ـ 3 ـ المصادر المائية الجديدة للتنمية المستديمة لحوض دمشق :

7 ـ 3 ـ 1 ـ جر المياه السورية من الجولان : وهذا لايتحقق إلا بكسر الهيمنة الصهيونية على المنطقة واسترداد حقنا بمياه الجولان تبعاً للقوانين الدولية والسلام المنوي إقامته هو تنفيذ للشرعية الدولية وبالتالي يمكن أن نتذكر أواخر 1952 حيث تعاقدت وكالة إغاثة اللاجئين مع مؤسسات مالية عالمية للحصول على الاعتمادات الكافية لتحقيق مشروع استعمال مياه نهر الأردن واليرموك من أجل ري سهول وداي الأردن وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها. وقد تقرر حينئذ أن تدرس جميع الحلول التي وردت من مؤسسات فنية مختلفة من أجل معرفة قيمة المشروع الذي تريد تمويله وكالة اللاجئين ، من حيث توافقه مع الفن والاقتصاد وقبل الموافقة على مشروع وكالة إغاثة اللاجئين، قرر مدير الوكالة ومستشاروه تكليف إدارة مدينة تنسي فالي في الولايات المتحدة الأمريكية إبداء رأيها في الموضوع (وكانت هذه الإدارة تدرس برنامج أيزنهاور لحوض المسيسيبي وتحظى باحترامه) وتقرر أن يكون عمل هذه المؤسسة مجرداً عن الحدود السياسية ولا يأخذ بعين الاعتبار إلا الأسباب الفنية البحتة (22) وقد وضعت المؤسسة المذكورة مشروعاً سمي باسم "جونستون" نسبة إلى مبعوث الرئيس الأمريكي أيزنهاور "إيرك جونستون" ، وقد بني مشروع جونستون على الوثائق التي قدمتها وكالة إغاثة اللاجئين ، ولم يقم واضعوه بزيارة الأراضي التي سينفذ فيها، كما أنهم لم يتصلوا بالدوائر المختصة في الدول التي لها مصالح في المشروع . ومن هذه الوثائق مشاريع إسرائيلية كمشروع استصلاح الحولة، ومشروع أقنية اليرموك ومشروع بعثة كلاب أو مشاريع الإنماء الموحد ومشاريع جزئية أخرى ومشروع وادي الأردن (مشروع لودرميلك) ومشروع هايز وسافيج.. ومصادر بريطانية كتقرير أيونيدس وماكدونالد ومصدر من الأمم المتحدة (تقرير بعثة الشرق الأوسط (بونجر) عن خزان المقارن) .

ويشمل المشروع ناحية الري وناحية توليد الكهرباء ويقوم مشروع الري على إنشاء ثلاث قنوات رئيسية: القناة الأولى وتجمع مياه الينابيع المنحدرة من أنهر كالحاصباني في لبنان وبانياس ومياه حوض الحولة طبريا في سوريا والدان في فلسطين وتسير هذه القناة إلى قناة الجليل المرتفعة لإرواء مناطق وادي فجة والعفولة وبيسان ويبلغ طول هذه القتاة 120كم وبتصريف 14م3/ثا أو حوالي 450 م م3 سنوياً وكانت النتائج المنتظرة من مشروع الثلاثة أقنية في ما يتعلق بالري هو الاعتراف لسوريا بـ 45 م م3 سنوياً (22) ورفضت اسرائيل هذا المشروع لاستثمار موارد المياه في أيار 1954 وقدمت بدلاً عنه مشروعها المسمى بمشروع قطن Coton حيث أدخلت فائض نهر الليطاني اللبناني فأصبحت الموارد المائية 2345 م م3 تأخذ اسرائيل منها بحسب مشروعها 1290 م م3 سنوياً وقدم العرب مشروعاً عربياً يختلف عن المشروع الأمريكي والمشروع الإسرائيلي. ورأت اللجنة الفنية العربية أن يكون استغلال مياه نهر الأردن وروافده شمال بحيرة طبريا بحيث يتضمن: 

أ- ري المساحات الآتية الصالحة للزراعة في أحواض هذه الأنهار في لبنان وسوريا وفلسطين : 

أ . 1 - تحتاج أراضي حوض الحاصباني في لبنان بمساحة 3500 هكتار إلى 35 م م3 سنوياً مع أن مشروع جونستون قد أسقط من حسابه ري أية أراضي في حوض نهر الحاصباني مع أن هذا النهر ينبع ويمر في أراضي لبنانية . 

أ . 2 - تحتاج الأراضي بحوض نهر بانياس إلى 20 م م3 سنوياً لري 3000 هكتار وتحتاج أراضي البطيحة لـ 22م م3 سنوياً لري 2200 هكتار على أن مشروع جونستون وقد أسقط من حسابه ري أراضي حوض نهر بانياس مثلاً أي أن المشروع العربي قد أعطى 42 م م3 لري أراضي سورية شمال طبريا و90 م م3 سنوياً لسهول أعالي اليرموك وحوض اليرموك بين سد المقارن وسد العدسية وقد أقر مشروع جونستون بصيغته النهائية، حصة سوريا بـ 132 م م3 سنوياً وحصة لبنان بـ 35 م م3 سنوياً لكن اسرائيل كانت قد باشرت بمشروع ناقل المياه القومي سنة 1951 والذي انتهى سنة 1964 وكان من أسباب حرب 1967 حيث نقلت أغلب المياه المخزونة ببحيرة طبريا بعيداً إلى صحراء النقب ويمكن تقدير مجموع ما تسرقه اسرائيل من الجولان بـ 500-600م م3 سنوياً (24).

والآن إذا جرت المياه من حصتنا حسب القوانين الدولية من حوض بانياس والبطيحة إلى دمشق بقيمة تتزايد سنوياً مع زيادة الاحتياجات بحوض دمشق حتى 500م م3 (علماً أن واردات المياه في الجولان 1.2 مليار م3 سنوياً) وبكلفة مقبولة لأن جر المياه من منسوب 914 إلى 700 فوق سطح البحر بدمشق هي من أرخص المصادر المتوفرة خارج حوض دمشق وأقربها حيث المسافة بحدود 80كم وهذه الكلفة ضمن إمكانيات سوريا الاقتصادية والفنية وبأقل مدة للدراسة والتنفيذ !

تتلخص دراسات المرحوم المهندس صبحي كحالة حول هذا الموضوع وقد كان وزيراً للري بسوريا بأن اسرائيل تحتقر حقوق الآخرين وتسرق مياههم وتجبرهم على الهجرة ودراسات الاستشعار عن بعد التي تمت في سوريا لمياه الجولان ومع ماكتب عن مشاريع اسرائيل وانفاق استجرار المياه الجوفية من الجولان فمحور الدراسة الحالية حوض مياه دمشق وموازنته المائية والبيئية . 

فالجولان وماعرف عن رطوبة هواءه مع جبل الشيخ من أفضل المواقع لقطف رطوبة الهواء (5) إضافة للمياه المنقولة لحوض دمشق وبالتالي فقطف رطوبة الهواء ذات أثر يمكن إهماله على البيئة والمياه المقطوفة تتجدد باستمرار وتحتوي 2/3 حمولة المياه الصحية من المعادن الثقيلة ولاتحتوي على جراثيم وذات تهوية جيدة ولا تستهلك طاقة وبكلفة (5ل.س) للم3 أي أنها أرخص من نصف كلفة التحلية بالأزموزية العكسية الحديثة .. 

وأظن أن نجاح قطف رطوبة الهواء في الجولان وجبل الشيخ سيشجع الحكومة السورية على التوسع من الغرب إلى شرق دمشق وتصل بالتوسع العمراني إلى البادية التي يجب أن تزدهر كما كانت حسب مذكرات سنوحي (23) .

7 ـ 3 ـ 2 ـ جر المياه من الساحل السوري : يقدر الرصيد المائي لحوض الساحل بدرجة تنظيم 65% بحوالي 1494 م م3 سنوياً ويمكن استجرار مياه تقدر بـ 906 م م3 سنوياً من المياه السطحية والمياه الجوفية لحوض الساحل ولكن كيف ستجمع هذه المياه. وإذا جمعت وبغض النظر عن الكلفة العالية فإنها ستنقل من اللاذقية طرطوس إلى دمشق عبر قمة تلكلخ بناقل قطره حوالي 3م وسرعة قريبة من 5م/ثا وسطياً ولمسافة تتراوح بين 400كم من اللاذقية إلى 270كم من طرطوس أي أن المسافة الوسطية أكثر من 300كم وبرفع قد يكون من سطح البحر ذو المنسوب صفر إلى 700م منسوب دمشق فوق سطح البحر ومع فواقد الاحتكاك فرفع المياه مكلف جداًوقد يفوق قدرة سوريا على تنفيذ مثل هذا المشروع وقد تكون تحلية مياه البحر من طرطوس وضخ المياه المحلاة إلى سهول حمص وحسية طريقة لدعم النفق الجوفي المغذي لنبع عين الفيجة ومضاعفة تصريفه هو الحل البديل .. وقد يكون الأكثر ملائمة للبيئة لآن ري سهول حمص وحسية والقلمون بمياه البحر في المستقبل من الطرق القابلة للنقاش خاصة وأن الوصول من حمص باتجاه تدمر والبادية لاستصلاحها بمياه محلاة قد لاتكون طريقة مكلفة مع التقدم العلمي لتوليد الطاقة النووية ومع تقدم صناعة الأغشية لطريقة الأزموزية العكسية ..

7 ـ 3 ـ 3 ـ جر المياه من الفرات إلى حوض دمشق (17) : نتيجة لدراسة خبراء البنك الدولي سنة 1965، فقد كانت المساحات والمقننات المائية اللازمة لها على نهر الفرات الأعلى في تركيا والأوسط في سوريا والأدنى في العراق كما يلي :

مجموع كمية مياه الري بالكم3 : 13.64 لتركيا ، و 7.59 لسوريا و 18.9 للعراق والمجموع 40,13 كم3 .

ولكن نتيجة فحص ودراسة المناطق القابلة للري اقتصادياً في سوريا (في حوض البليخ والفرات والرصافة وسهل الميادين) فقد وجد أنه من أصل 1310.000 هكتار يمكن ري واستثمار 640000 هكتار وهذا يؤدي مستقبلاً إلى رفع الاحتياجات المائية في سوريا لـ 16.742كم3 وفي العراق وبنفس الطريقة فقد رفعت الاحتياجات المائية إلى 25كم3 وعليه يكون :

مجموع كمية مياه الري بالكم3 : 13,64كم3 لتركيا و 16.742كم3 لسوريا و 25 للعراق والمجموع 55.382كم3 .

واستناداً لاقتراح الجانب العراقي إلى الجانب التركي في حزيران 1990 على هامش الاجتماع الثاني لوزراء الري الثلاثة في أنقرة حول قسمة مياه نهر الفرات مثالثة أي الثلث لتركيا والثلثين لسورية والعراق ، ولم يعقب عليه الجانب التركي في حينه ، أي أنه لم يرفضه من حيث المبدأ. ومع المحافظة على الاتفاق السوري - العراقي لعام 1989 (58% للعراق و 42% لسوريا من المياه المحررة على الحدود السورية - التركية ) وبذلك تكون حصة تركيا 10.47 كم3 أي 33% من إجمالي مياه النهر البالغة 31.4كم3 وسطياً (17) وبالنظر إلى المخطط التالي سترى أن كل الأطراف قد حصلت على حقوق تعيد صلة الرحم والجوار لمعانيها السامية عبر التاريخ . حيث تنال تركيا ما تريده 13.64 وتنال سوريا 16.742 وتنال العراق 105كم3 بدلاً عن 25كم3. 

وكذلك السعودية ودول الخليج العربي فبدلاً من ري المياه لشط العرب يمكن أن يأخذوا مياهاً وعلى ضوء مثل هذه الاستراتيجية لمياه دجلة والفرات معاً يمكن اعطاء حوض دمشق مليار م3 أي كم3 لأن المياه ستصل لري سهول حمص والسلمية وهي ليست ببعيدة عن دمشق ولو افترضنا أننا سنضخ المياه من سد الطبقة فهي تعلو عن سطح البحر بـ 240م ودمشق تعلو بـ 700م والضخ سيكون متعدد المراحل ليغطي فواقد الاحتكاك وفرق المنسوب وبتذكر مشروع النقطة الرابعة لايزنهاور في منتصف القرن المنصرم سنجد أن ما يتوارد كخواطر الآن ليس ببعيد عما أقترح بالأمس وأن الفرص الضائعة في الشرق الأوسط يمكن أن تبعث من جديد وأن ما باليد حالياً هو قبض الريح وأن نهر التايمز في بريطانيا العظمى بطول نهر بردى ويستعمل ستة عشر مرة (5) قبل أن يصب ما تبقى منه في البحر، فلماذا لا نستخدم مياه دجلة والفرات معاً ولمرات متعددة ، إن التحكم بالنوعية أصبح علماً متقدماً وقليل التكلفة (5) علماً أن المياه الراشحة من الري لا تقل عن 40% وتصبح مياهاً جوفية قابلة للاستعمال مرة أخرى .

8 ـ كلمة شكر:

يشكر المؤلف وزارتي الري والزراعة والعاملين بصمت لبناء سوريا ويشكر جمعية العلوم الاقتصادية السورية.

 


 الصفحة السابقة - الفهرس