"النهار"

الاثنين 26 آب 2002

الفلسطينيون في لبنان وتعديل قانون الملكية العقارية

سهيل الناطور

 

لعل مصير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان (373440 الفاً) وتبلغ نسبتهم 10 في المئة من مجموع اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث (وفقاً لتقرير المفوض العام للاونروا في 2000)، (1) هو الاكثر غموضاً ومأسوية بالنسبة لبقية اللاجئين، هذا فضلاً عن ان معاناتهم تبدو هي الاشد، بسبب ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، المؤسسة على حرمانهم من الحقوق المدنية وتهميشهم على كل الاصعدة، اضافة لغياب أي مرجعية فلسطينية كانت أم عربية او دولية مكلفة برعايتهم، رغم ان الاونروا تنجز بعض المهمات في التعليم الرعاية الصحية.

القسم الاول:التوزع العملي لسكن الفلسطينيين

يقوم على الصيغ التالية: الاولى: خارج المخيمات، وينتشرون في المدن والقرى، خصوصاً بيروت وصيدا وصور وطرابلس وبعلبك (يقدر عددهم 162217 نسمة) (2).

الثانية: داخل 12 مخيماً موزعة في شتى ارجاء لبنان، كالتالي: (الجدول (1) مع المساحة بالمتر المربع)(3).

الثالثة: مع مرور الزمن وازدياد الكثافة السكانية او بسبب مواقع العمل، نشأت تجمعات سكنية فلسطينية، لم تعترف بها الدولة او الاونروا كمخيمات، مثل جل البحر 750م، القاسمية 1000م،2 الشبريحا/ البرغلية 110،000م2 والمعشوق 13،600م2 في منطقة صور(4). كذلك في البقاع: بر الياس وتعلبايا وسعدنايل. وفي الشوف: وادي الزينة الخ...

فاذا احتسبنا ان معدل افراد الاسرة الفلسطينية لا يزيد عن خمسة اشخاص، فان اللاجئين خارج المخيمات يحتاجون الى:

162217 ¢ 5= 32،443 منزلاً، ولما كانت الشقة العادية المؤلفة من غرفتين وقاعة استقبال ومطبخ لا تتجاوز المئة متر مربعاً، تكون الحصة العقارية 3،244،300م2= 32،5 كلم.2 أي ان التقدير العام هو اشغال الفلسطينيين لنحو 47،5 كلم2 من اجمالي مساحة لبنان المعتمدة 10415 كلم،2 أي بنسبة 0،004 في المئة (طبعاً هذا الرقم يفترض نظرياً ان المنازل متجاورة على سطح الارض وليست شققاً في مبان متراصة عمودياً).

علماً ان ارقام وزارة المال اللبنانية، افادت انه منذ بداية 1993 حتى 25/8/1993 كانت ملكية الفلسطينيين العقارية، خارج المخيمات كما يبينها الجدول(2): (5) بالمتر المربع.

أي ان ما يمتلكه الفلسطينيون شكل ربع ما امتلكه الاجانب في لبنان، وعادل ما نسبته 0،00001 في المئة من اجمالي مساحة لبنان في الفترة المذكورة.

ويلاحظ الآتي:

ان هذه النسبة غير الملموسة من المساحة، تم تسجيلها بناء للقانون السابق المنفذ بالمرسوم 11614 بتاريخ 4/1/1969 المتعلق باكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية والعقارية في لبنان. وهي تظهر عدم اندفاع الفلسطينيين لاستغلال السماح بالتملك، نحو شراء قطع كبيرة من الاراضي لاقامة مشاريع توطينية، بل على العكس فان الاداء في المجال العقاري وندرته فلسطينياً يؤكد المبدأ المعلن من جميع فئات الفلسطينيين باصرارهم على حق العودة ورفضهم التوطين.

ان اوضاع سكن الفلسطينيين في المخيمات، ازدادت سوءاً خلال سنوات الصراع المحلي في لبنان، وتناقص عدد المخيمات بزوال مخيم النبطية ومخيم تل الزعتر ومخيم جسر الباشا، وانتقال النازحين الى اماكن سكن اخرى، زادت في الكثافة السكانية للمخيمات الباقية. اضافة الى عوامل اخرى أثرت اضافة للعامل السياسي، كارتفاع اسعار الاراضي، ومحاولة فك الاطار الثقافي الاجتماعي الموحد للفلسطينيين وبعثرته في اماكن تجمعاتهم الخ...

ان مخيمات الفلسطينيين، وبسبب عدم تقديم الخدمات لترميم البنية التحتية او تطويرها من جانب الوزارات اللبنانية المختصة او البلديات التي تقع هذه المخيمات ضمن سلطاتها، قد تحولت الى اماكن البؤس والفقر، والمساكن المتداعية، دون توافر اية شروط صحية مناسبة، وغاب عن معظمها تمديد المجاري لازالة مياه الصرف، وشحت فيها الطرق المسفلتة،  وشحت فيها شبكات المياه والكهرباء الخ...

ان الحكومات اللبنانية المتعاقبة اتخذت موقفاً ثابتاً في منع التوسع الأفقي للمخيمات، رغم ازدياد السكان، كما منعت باصرار البناء العمودي، خصوصاً بعد تطبيق اتفاق الطائف وبسط السلطة الشرعية نفوذها على كامل الاراضي اللبنانية. وما تم من اعادة اعمار مخيم شاتيلا، كان امراً واقعاً اضطرارياً، بعد الفشل المعلن بتوفير بديل لنازحي المخيمات المدمرة لاقامة مآوي لهم في القريعة في الشوف، وهكذا تمكنت 110 عائلات فقط من بناء مساكن لها في المخيم.

منذ بدء تطبيق اتفاق الطائف، اصدرت السلطة اللبنانية توجيهات واضحة الى الاونروا، بمنع اعمار البنى التحتية والمساكن في مخيمات اللاجئين وترميمها في لبنان، خصوصاً في بيروت(6). لذلك اقتصرت هذه المؤسسة الدولية على حصر نشاطاتها بترميم بعض مدارسها او انشاء مدارس جديدة او عيادات، بأذونات خاصة من السلطات اللبنانية.

بحجة الاوضاع غير المستقرة داخل المخيمات، وانتشار السلاح فيها لدى المواطنين، والقرار بامساك القبضة الامنية اللبنانية واحكامها عليها، وضع الجيش اللبناني مراكز له على مداخل مخيمات صور، وأغلق بالسواتر جميع المداخل اليها ليسمح بممر واحد يشرف عليه، ومنع ادخال اية مواد اعمارية او لترميم المنازل، بما أدى الى تصدع العديد منها، ومغادرة عائلات لها بحثاً عن مآوي افضل، وابتعاداً عن التعقيدات لعمليات التفتيش على الحواجز بما يؤدي يومياً لاختناق السير، وتأخرات دائمة عن اللحاق بالعمل او المدرسة الخ...

مع استمرار هذه الاجراءات الخانقة، وفشل دعوات اهالي المخيمات لالغائها، اتضح ان السياسة الحكومية تهدف الى:

1- منع تطوير شروط السكن او تحسينها في المخيمات، بما دفع العديد لمغادرتها سواء الى المدن والقرى اللبنانية، او الى مغادرة لبنان كله.

2- تخصيص مخيمات الجنوب، في منطقة صور (الرشيدية وبرج الشمالي والبص) بضغوط استثنائية، لدفع اهاليها للهجرة الى الشمال، وخصوصاً بتشجيع الاونروا على بناء منازل للنازحين اليها من المخيمات المدمرة كما حصل في النهر البارد (50 منزلاً جديداً).

3- ادى اتساع حركة الهجرة للشباب الفلسطيني للخارج، سواء بحثاً عن عمل او طلباً للجوء اقتصادي في بلاد الغرب، الى تمكن عدد واسع منهم من مساعدة ما تبقى من الاسرة على البقاء والصمود في الظروف الصعبة في لبنان عبر امدادهم بدعم مالي.

وهذا أتاح لعائلات كثيرة ان تتجه لشراء عقارات لسكنها في المشاريع الجديدة، التي توسعت كثيراً مع استقرار تطبيق اتفاق الطائف، من جهة اخرى ساهم بعض المتمولين الفلسطينيين في مجال البناء والعقارات في لبنان.

أدى الجمود الاقتصادي اللبناني في مجال العقارات، الى تسهيل اندفاع الفقراء اللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم على السواء، لشراء المنازل بالتقسيط، بمعدلات قاربت شهرياً أجرة المنزل ذاته(7)، وهم لا يحق لهم تسجيل الملكية العقارية الا بعد تسديد الاقساط، التي تأخذ سنوات عدة عادة، وقدر عدد الاسر التي تملكت نظرياً، ودفعت عملياً، وبقي عليها التسجيل بنحو خمسة آلاف أسرة فلسطينية.

الفلسطينيون الذين تملكوا سابقاً شققاً وعقارات، اما كانوا قد سجلوها رسمياً ودفعوا الرسوم التي كانت مرتفعة مقارنة باللبناني (بدلاً من 6 في المئة يفرض على الاجنبي ومنه الفلسطيني 16،5 في المئة)، لكن تعديلاً لهذا القانون طرأ في السنوات الخمس الاخيرة، شجع الكثيرين ممن كانوا لم يسجلوا املاكهم الى انجاز ذلك. وهكذا جرى تسجيل مكثف نسبياً منذ ثلاثة اعوام، مما استغلته اطراف طائفية ومذهبية، معادية تاريخياً للوجود الفلسطيني في لبنان، وحولته الى مادة لحملة شعواء معادية تحت شعار ان شراء الشقق السكنية، يخفي مخططات توطينية للاجئين في لبنان.

مشاريع وعقارات متعددة

عانى سكن الفلسطينيين في لبنان من آثار حملة، اعلامية اتسمت بالسلبية الشديدة ازاء وجودهم، ومخيماتهم واية مشاريع اقترحت لحل مشكلات سكنهم، بعد اتفاق الطائف، وأهم ما اثير من قضايا:

1) مشروع القريعة: لاستضافة ستة آلاف عائلة مهجرة من المخيمات المدمرة، وقد نظر لها بعض اصحاب الحملة المضادة للفلسطينيين بأنها تهدف الى ابقائهم في لبنان، معللين بأن المساحة المقترحة في الشوف (1،200،000 متر مربع) تكفي لمعدل 12 ألف اسرة وليس فقط ستة آلاف، وان البناء مقرر لقرية نموذجية، ومشاغل خفيفة لتوفير عمل للفلسطينيين، لتشكل نموذجاً لتوطينهم. وعملياً تجمد المشروع ورمي بالمهجرين اللاجئين في الشارع ليرتب كل واحد اموره بنفسه(8).

2) اوتوستراد الحازمية - المطار الجديد، رسم ليعبر داخل مخيم برج البراجنة، بما يؤدي لجرف ثلاثمئة بناء، ويقطع اوصال المخيم بفصل نحو 350 بناء آخر، وقد تجمد العمل بهذا الجزء بعد احتجاجات صاخبة من اهالي المخيم الذين رفضوا عملياً تدميره(9). اضافة لتجميد العمل من قبل حكومة الرئيس الحص في ظل سياسة التقشف التي اتبعتها.

3) منطقة جزين: تناولت وسائل الاعلام اللبنانية ان هناك خرائط في مكاتب الاونروا لمناطق لبنانية تم استطلاعها، ووضعت تقارير حول ملاءمتها لسكن اللاجئين الفلسطينيين، وقد تم استطلاع ارض في منطقة وادي خالد مساحتها 14 هكتاراً، اضافة لقطعة ارض اخرى واسعة في شرق صيدا في البيسارية.

وقد اعلنت الاونروا ان لا صحة لذلك، لكن الاتهامات ظلت لفترة بأن المناطق شملت مراح الحباس - عبرا القديمة، عين المير، لبعا، وذلك لاسكان نحو 400 عائلة فلسطينية هناك، وفي اطار الحملة المضادة ذاتها نشرت "الديار"(10) في اليوم ذاته ما وصفته بمخاوف من مشروع اسكاني توطيني آخر في وادي لامارتين في جبل لبنان. وهكذا فإن سكن اللاجئين وعددهم تحول الى سلاح في معركة التمييز السلبي تجاه المجتمع الفلسطيني اللاجئ في لبنان، وأدى الى التشدد الرسمي في منع البناء في المخيمات او توسيعها او اقامة بدائل للمدمر منها.

القسم الثاني: تعديل قانون تملك الاجانب عقارياً

عندما يصطدم تشريع ما بالعدالة، كما يفهمها او يرى طرف ما مصالحه بصيغة محددة منها، فالعادة ان يبحث المتضرر مباشرة لمواجهة هذا التشريع عن الصيغ القانونية المناسبة. ولما كانت ثقافة حقوق الانسان قد انتشرت نسبياً في شكل اوسع من النصف الاول للقرن الماضي، فان الادوات الدولية المتوافرة تبدأ بالاعلان العالمي لحقوق الانسان وتتسلسل طويلاً، لذلك لا عجب ان يعمد الفلسطينيون في لبنان، والى جانبهم طاقات كبيرة من القانونيين والمشرعين والقوى السياسية، وجمعيات حقوق الانسان، الى التفاعل والعمل المشترك، للطعن بالتعديل الذي تم لقانون تملك الاجانب للحقوق العينية العقارية في لبنان، وفقاً للقانون رقم 296 المنشور في الجريدة الرسمية العدد 15 في 5/4/.2001

التعديل الذي أدى لوقوع المواجهة بالاجحاف بحق الفلسطيني في التملك العقاري ورد في المادة(1) من المرسوم رقم 11614 المؤرخ 4/1/1969 الذي أضيف له في القانون الجديد نص مفاده "لا يجوز تملك اي حق عيني من أي نوع كان، لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، او لأي شخص اذا كان التملك يتعارض مع احكام الدستور لجهة رفض التوطين". وهذا الامر خصص عملياً الفلسطينيين، اذ انهم المجموعة البشرية التي لم يستكمل الاعتراف بدولتهم ولا بالجنسية الصادرة عن السلطة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، المنبثقة عن اتفاق أوسلو ،1993 اضافة الى كونهم الفئة المعنية برفض توطينها، وفقاً للدستور اللبناني الصادر بعد اتفاق الطائف.

هذا الاستثناء أثار العديد من القضايا والمشكلات، بعضها يحتاج الى مستوى سياسي بعنوان العلاقات اللبنانية - الفلسطينية، وبعضها قانوني في المدى النظري، الفقهي والعملي معاً.

يبرر التعديل ذاته سياسياً انه ضد التوطين. لذلك فإنه يعتمد ضمناً الترابط الواضح بالمسارات القائمة في المنطقة، ضمن الصراع العربي - الاسرائيلي، والحلول المقترحة في المفاوضات، والمتوقع الوصول اليها في محطات الصراع المتبدلة، ففي هذا الحساب ان الانتفاضة الثانية للشعب الفلسطيني، والمستمرة منذ 28/9/2000 لا بد ان تصل الى خواتيمها، وذلك برضوخ الطرفين الى صيغة تسوية تعكس ميزان القوى العام، سواء أكانت دائمة للحل النهائي أم لحلول مرحلية لصراع دام اكثر من قرن. وفي  الحالتين فإن مصير اللاجئين وحق عودتهم الى ديارهم، أمر مختلف عليه بتناقض حاد بين العدوين. ولما كان لبنان يأوي جزءاً من اللاجئين، وانطلاقاً من اعتبار أغلب القوى السياسية والطائفية، معنية بصيغة او بأخرى بنتائج هكذا مفاوضات، لما تخلفه من آثار في الوضع اللبناني، فإن سياسة استباقية تنطلق من احتساب اسوأ التوقعات واتخاذ الاجراءات قبل بلوغها، هي المعتمدة عملياً دون اعلان رسمي. ومضمون هذه السياسة المتشائمة ان حلاً لا يوفر عودة اللاجئين يعني البديل بالزام الدول المضيفة بخيارين اما توطينهم حيث هم، واما تأمين وطن بديل ونقلهم اليه. وعليه فإن السياسيين اللبنانيين بدأوا اتخاذ اجراءات قانونية ذات مفاعيل، مؤثرة على الحياة اليومية لمجموع اللاجئين على الارض اللبنانية، باتجاه حملهم على المغادرة، او على الاقل ترسيخ اغلاق أفق أي مستقبل في لبنان، بأية صيغة كانت، بما يمنعهم من التفكير في البقاء واختيار لبنان، اذا ما ترك لهم حق تحديد بلد مضيف ووافقوا عبر قيادتهم على ذلك او أذعنوا له. ويعلل الدكتور جان شرف، استاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية، الخلل الذي سيترتب على المجتمع اللبناني، على الصعيدين الديموغرافي والطوائفي جراء التوطين، بأن التوطين، في رأيه، "هو زيادة سكانية مفاجئة على مجتمع وطني يتصف بالتوازن. واذا أخذنا في الاعتبار، ان عدد اللاجئين قد تزايد منذ 1948 حتى اليوم، فإن ذلك يعني نمواً ديموغرافياً مستمراً ومتزايداً حتى اليوم. واذا ما تم التوطين، فإن نمو اللاجئين الديموغرافي سيستمر في شكل تصاعدي في المستقبل... ويزيد بالتأكيد من الاعباء المترتبة على الدولة، على صعيد التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

اما الخلل الطوائفي الذي يتسبب به التوطين، فيكمن في كون اللاجئين ينتمون الى طائفة معينة، وكون النظام اللبناني قائماً على التوازن الديموغرافي بين الطوائف، وكون ان هذا التوازن ينعكس على التمثيل الشعبي الطائفي وعلى توزيع السلطات العليا بين الطوائف، فإن التوطين سيؤدي الى تعديل نسبة تمثيل الطوائف انسجاماً مع نموها السكاني"(11).

كما حدد الصحافي فارس خشان اجواء نقاش مجلس النواب للقانون، فذكر ان "الحكومة - تبغي من وراء مشروع القانون اضفاء مزيد من الحوافز للاستثمارات الخارجية، لكن المعارضين انما انطلقوا من هواجس تغيير هوية الارض اللبنانية، واستبدال التوطين السياسي الممنوع دستورياً بتوطين عقاري، تحت ستار جذب الاستثمارات، الامر الذي يجعل من مستوطني العقارات لاحقاً قوة ضغط، تسمح بتمرير المحظور، تحت طائلة خلق مشكلة اقتصادية كبيرة للبنان"(12). وهكذا يمكن فهم لماذا اعتمدت السلطة اللبنانية سابقاً منع عودة اللاجئين حملة وثائق السفر الى لبنان، وكذلك الابلاغ الرسمي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الاونروا) بمنع البناء وتحسين البنى التحتية للمخيمات الباقية، لا بل فرض اغلاق شبه حصاري على عدد منها.

واذا كانت القضايا القانونية والسياسية تتداخل في طيات هذا التعديل، فإن أهمها يندرج كالآتي:

اولاً: قانون تمييزي أم لا؟

يرى الفلسطينيون عموماً بفصائلهم وشخصياتهم الوطنية، ان هذا الاجراء يمثل تمييزاً عنصرياً قائماً على اساس الجنسية، وادراكاً لخطورة هذا الاتهام ولاتضاح واقعيته المريرة يتصدى النائب نعمة الله ابي نصر للدفاع عن القانون المعدل بالقول "ان المطالبة بعدم تسهيل مسألة التوطين ليست عدائية، بل تعبر عن حرص على القضية الفلسطينية. اما القول ان هناك عنصرية، ولاسيما عدم السماح بتملك الفلسطينيين، فثمة دول عربية عديدة تمنع تملك الاجانب، وان الضجة التي أثيرت لا مبرر لها"(13).

ويحاجج النواب اللبنانيون، المطالبون بالغاء التعديل التمييزي بأن لبنان وقع الاتفاق الدولي للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري، وهو يتضمن تعريفاً واضحاً متكاملاً في مواده. فقد نصت المادة الاولى على تعريف المقصود بالتمييز العنصري بأنه "أي تمييز او استثناء او تقييد، او تفضيل يقوم على اساس العرق، او اللون، او النسب، او الاصل القومي او الاتني، ويستهدف او يستتبع تعطيل او عرقلة الاعتراف بحقوق الانسان والحريات الاساسية او التمتع بها او ممارستها، على قدم المساواة في الميدان السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي او الثقافي، او في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة". فهل يندرج تخصيص التعديل لفئة وصفها بعدم حمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، ضمن اي من الفئات في تعريف المادة الاولى اعلاه؟

تقدم لوحة مواقف واعلانات الفئات المتعددة في لبنان، ازاء هذا الامر، ثلاثة اتجاهات رئيسية:

الاتجاه الاول: يرى ان لبنان يشكل أمة خاصة، رغم التزام اصحاب هذا الاتجاه الدستور اللبناني الجديد المكرس لعروبة لبنان فإن تفسيرهم العملي أقرب الى اعتبار الأمة اللبنانية لا تمت الى الأمة العربية والقومية العربية الا بصلة الجوار. وان اية سياسات او قوانين واجراءات تهدف الى صون لبنان ووحدة أمته، يجب بالضرورة ان تكون منعزلة ومفصولة عن التداعيات العربية. وبذا يكون الفلسطينيون شعباً آخر وقومية اخرى، يستمر العمل للتخلص من بقاء استمرار وجودهم في لبنان، لما يحتمله من مخاطر التوطين، وتبديل مكونات الأمة اللبنانية! وبذلك تتبرر لدى هذا الاتجاه كل الوسائل، مهما كانت تمييزية، لتحقيق الغاية المعلنة، وهي عملياً تهجير الفلسطينيين الى خارج لبنان.

مثلاً النائب بطرس حرب، قال اثناء مناقشة الجلسة العامة البرلمانية لمشروع القانون انه "لا رغبة لدى أحد أن يتحول هذا الموضوع الى جدل، انما القصة أن لدى قسم منا خوفاً من أن يؤدي النص الغامض الى التوطين. الخوف أن يؤدي تملك 200 ألف فلسطيني 200 ألف شقة عملياً الى التوطين"(14). ثم بعد اقرار المنع النهائي على الفلسطينيين اعتبر "ان اقرار قانون تملك الاجانب لم يبعد شبح التوطين عن لبنان، لكنه حال دون تسهيل أية فكرة او مؤامرة ترمي الى توطين الفلسطينيين، وتالياً القضاء على حقهم في العودة الى ديارهم"(15).

بدوره مثل النائب نعمة الله ابي نصر النموذج المتطرف ضد الفلسطينيين، اذ قال في الجلسة النيابية "ان الكثافة السكانية في لبنان هي اكبر الكثافات السكانية في العالم، حيث هناك ألف شخص في الكلم المربع الواحد، ولا يجوز وضع قوانين متساهلة في بيع الارض، وخصوصاً ان هذه الكثافة والسهولة والبطالة أدت الى هجرة نعرف ماهيتها. هذا النص يسهل للفلسطينيين العودة الى وطنهم. ونحن امام قانون معمول به راهناً وهو سيئ. لسنا ضد تملك الفلسطيني، ولكن التملك بهذا الحجم قد يضمر عدم العودة الى دياره"(16).

وعاد للتأكيد على ضرورة وضع قوانين اشد، بالتشكيك في القانون الذي ساهم في اقراره بنفسه، فأعلن ان "هذا النص يمنع التوطين في صورة موقتة. لكن ماذا اذا أعلن السيد ياسر عرفات دولته من طرف واحد، من دون اقرار حق العودة؟ او ماذا اذا انعقد الصلح بين السلطة الفلسطينية واسرائيل من دون اقرار حق العودة وحصل الفلسطينيون على هويات؟ في هاتين الحالتين يصبح مضمون المادة الاولى من دون فائدة، مما يخالف وثيقة الوفاق الوطني، التي اصبحت دستوراً لجهة عدم التوطين"(17).

وأضاف محام لبناني يدعى فرنسوا ضاهر ايضاً في تبرير التمييز بقوله "لأن الشعب الفلسطيني مستضاف ومحتضن على الاراضي اللبنانية، وفق مواثيق دولية يتم التعامل معه على اساسها. لا يصح ضمن هذا الاطار ان يعطى حقاً جماعياً بالتملك... ان المشترع باقرار التمايز بين الاجانب الفلسطينيين والاجانب غير الفلسطينيين، قد راعى الضوابط والأسس والتنازلات المتبادلة والمعادلات الجديدة، التي أرسي على اساسها ميثاق العيش المشترك المتجدد بين اللبنانيين، والداعم وحدتهم، ارضاً وشعباً ومؤسسات"(18).

الاتجاه الثاني: ايضاً يقبل بمؤدى رفض التوطين، وينزع لقبول بل وتوفير المبررات للتمييز ضد الفلسطينيين، ويتعلل بسلبيات تجربة الحرب الاهلية اللبنانية وممارسات المسلحين الفلسطينيين اثناءها. لكن هذا الاتجاه يحاول التخفيف من حدة التمييز، تهرباً من تحمل نتائجه الكارثية سواء بالادعاء بضرورة العمل للحفاظ على حق العودة للفلسطينيين وتمسكهم به، وتعزيز رفضهم التوطين، اضافة الى وجوب مراعاة التركيبة اللبنانية الطائفية والمذهبية، والحساسيات الشديدة ازاء الوجود الفلسطيني في لبنان.

قدم الرئيس السابق لمجلس النواب وعضو مجلس النواب اللبناني الحالي حسين الحسيني، نموذجاً لهذه الفئة، اذ صرح بالقول "لسنا ننتقص من الأخوة لدى القول برفض التوطين. انها اخوة ثابتة وواضحة عبر تضحيات لبنان، منذ نشوء القضية الفلسطنية. نحن امام نص ميثاقي. والميثاق أب الدستور، ويعبر عن ارادة العيش المشترك. ورفض التوطين غايته المحافظة على الهوية الوطنية للفلسطينيين، والمحافظة على الكيان العربي للبنان. حق التملك لا يسري على الفلسطينيين، وهذا ليس انتقاصاً من كرامتهم، ما دامت لم تحل قضيتهم"(19).

اما النائب مخايل ضاهر، رئيس لجنة العدل والادارة في البرلمان، فقال: "في لجنة الادارة والعدل صوتنا مع النص (لا يجوز لأي شخص طبيعي، لا يحمل هوية الا بموجب ترخيص يصدر عن مجلس الوزراء) ولكن مع الاسف تم التصويت بالاكثرية في مجلس النواب على انه لا يجوز تملك أي حق عيني"(20).

من جهته ذكر شكيب قرطباوي، نقيب محامي بيروت السابق، بصراحة "لا شك ان هذا القانون له جانب اساسي سياسي، بالاضافة الى جانبه القانوني. لا شك في انه يحوي مخالفة للمواثيق الدولية، لكن ايضاً ان غيرناه، سيكون هناك مخالفة في الدستور اللبناني الذي يمنع التوطين... ان مبدأ لا توطين أهم بكثير من تغليب مصلحة حقوق الانسان"(21).

في هذا المجال، يثير الصمت المطبق لممثلي حركة "أمل" الكثير من التساؤل. فنواب الحركة لم يوقعوا أي عريضة لتعديل القانون، كذلك لم يناقشوا في جلسة البرلمان ضدها، ولم يساهموا بأي اجتماعات او تصريحات تطالب بإلغائه، كذلك فإن الطريقة التي تم التصويت على القانون فيها وبإدارة مباشرة من الرئيس نبيه بري، أوحت للجميع انه يريد تمرير القانون بسرعة، اضافة الى احالته لطلب النواب لقانون مكرر معجل الى اللجنة المختصة بالعدل والادارة، فسر من البعض على انه استمهال لانضاج التعديل، بينما قرأه آخرون انه تأجيل مفتوح للامر، واضاعة وتمييع للقانون المقترح لينام في الادراج، والحؤول العملي دون اعادة عرضه على مجلس النواب.

الاتجاه الثالث: يرفض على الاطلاق اية اجراءات تمييزية ضد الفلسطينيين، وينادي باعطاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية ومعاملتهم بكل الحقوق الانسانية، مع الاحتفاظ بهويتهم الفلسطينية وعدم تجنيسهم رفضاً للتوطين، وتمسكاً بحق الفلسطينيين بالعودة. لذلك كان اصحاب هذا الاتجاه هم الاكثر تفاعلاً في رفض التعديل التمييزي في قانون تملك الاجانب للحقوق العينية والعقارية في لبنان.

وقد شمل هؤلاء التمثيل الاوسع للمجتمع اللبناني كالآتي:

أ- نواب ومنهم محمد قباني (كتلة الرئيس الحريري) الذي قال انه "لا يجوز الوقوع في فهم خاطئ كأن تملك شقة يقود الى التوطين"(22) وذكر النائب وليد عيدو ايضاً انه "من المعيب ان نلتقي من اجل هذا الامر لانه ما كان يجب ان يصدر هكذا قانون"(22). واضاف "الفلسطيني سابقاً كان يعتبر من رعايا الدول العربية. وبامكانه تملك خمسة آلاف متر ومن دون ترخيص... ما حصل ان الاقتراحات بدأت تنهال في الجلسة، حتى وصلنا الى الصيغة الاخيرة التي... منعت تملك الفلسطيني في شكل كامل"(24).

كما اعرب عن مثل هذا الرأي ممثلون نيابيون لـ"حزب الله" (محمد برجاوي ومحمد رعد) (25)، ومن "الحزب السوري القومي الاجتماعي" (الدكتور مروان فارس، اسعد حردان) (26)، ومن الحزب التقدمي الاشتراكي (النائب علاء الدين ترو) الخ...

ب- رجال دين ومنهم الشيخ محمد علي الجوزو، مفتي جبل لبنان، الذي اعتبر "ان القانون المذكور طائفي"... مشيراً الى ان "لبنان منح الجنسية اللبنانية للفلسطينيين المسيحيين والشيعة، وأخذ يضيق على سائر المسلمين، تحت حجج واهية تسمى التوطين"؟! (27). كذلك الشيخ محمد كنعان، رئيس المحكمة الشرعية السنية العليا (28) والشيخ فيصل مولوي، الامين العام لـ"الجماعة الاسلامية" في لبنان. والنائب زهير العبيدي (29)، اضافة الى مجلس المفتيين، الذي طالب في بيانه باعادة النظر في القانون "لجهة حرمان الفلسطينيين المقيمين في لبنان من حقوقهم الشرعية في الارث وتملك الشقق السكنية، التي تقيهم الحر والبرد، وتوفر لهم المأوى، والتي لا صلة لها بموضوع التوطين، لا من قريب او من بعيد"(30).

ج- احزاب وشخصيات: ومنها رئيس مجلس الوزراء السابق رشيد الصلح(31)، كتلة "حزب البعث العربي الاشتراكي" في لبنان(32)، المحامي سليمان فرنجيه(33)، المحامي ابرهيم عبدالله، رئيس "الجمعية اللبنانية لحقوق الانسان"(34)، المحامي سنان براج: رئيس "لجنة الدفاع عن الحريات العامة والديموقراطية في لبنان"(35)، المحامي سمير الحلبي: رئيس هيئة المحامين في "الحزب التقدمي الاشتراكي"(36)، المحامي كميل داغر(37)، ومعن بشور، رئيس "المنتدى القومي العربي"(38) والكثير غيرهم...

ان الامر الواضح كان احتدام النقاش حول وقوع تمييز سلبي ضد الفلسطينيين، وهذا ما تمسك به المدافعون عن حق الفلسطيني في العيش متمتعاً بالحدود المقبولة لشرعة حقوق الانسان، وما حاولت الاطراف الاخرى ايجاد المبررات لتكريس القانون والعمل على طرح انه ليس تمييزاً.

ثانياً: في مسألة جنسية الفلسطينيين!؟

1- يخصص التعديل استثناء واضحاً في جزئه الاول لفئة محددة بقوله "أي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها"، علماً انه في لبنان ينحصر الدخول والخروج، وفقاً للقانون، بمن يحمل جواز سفر لدولة معترف بها، وحاصل على سمة دخول اذا كان مطلوباً حيازتها كشرط للسماح له بالدخول او لوثيقة من هيئة رسمية اقر لها لبنان بذلك مثل حاملي وثائق هيئة الامم المتحدة، وتكون الاستئناءات التسهيلية محددة بوضوح وفي شكل قانوني، مثل تنظيم دخول السوريين وخروجهم من لبنان من دون جواز سفر بل اعتماد بطاقة الهوية. وبذلك ينحصر معنى النص، رغم المحاولة الواضحة من المشرع، للتهرب من الاتهام بتمييز فئوي، اذ انه يكرس الاستثناء بالفلسطينيين الذين تثور مسألة جنسيتهم وجواز سفرهم والاعتراف بهما.

2- العرف القانوني الدولي أدى الى وقوع نوعين من الاعتراف: الاول قانوني رسمي يصدر ببيان او نص واضح، وتبادل التمثيل الديبلوماسي بناء عليه. والثاني سياسي، باجراءات عملية بالاعتراف، دون اعلانه نصاً. وقد دأب القانونيون في لبنان على ابراز مواقف مختلفة ازاء الفلسطينيين:

أ- فئة منهم تعتبر ان فلسطين التي كانت قبل 1948 تحت الانتداب البريطاني، تتمتع بالاعتراف الدولي والعربي، كدولة ناقصة السيادة، لذلك تعامل لبنان بقبول جوازات السفر الصادرة عن سلطة الكومنولث البريطاني للفلسطينيين خلال هذه الحقبة.

ب- فئة اخرى اعتبرت ان هذه المنطقة الخاضعة للانتداب لم تنل الاعتراف الكامل كدولة مستقلة، لذلك ما ان وقعت هجرة اللاجئين، واذيبت الشخصية الدولية لفلسطين او ما تبقى منها: جزء خضع للادارة المصرية هو قطاع غزة، وجزء آخر اكبر جرى ضمه الى شرق الاردن، وعومل اهله كمواطنين اردنيين، ولم يعد هناك دولة اسمها فلسطين، وبذلك انتهت المفاعيل القانونية المنبثقة عنها واستبدلت بالموقف المعترف اولاً بوضعية اللاجئين ثم تطور بعد الاعتراف بـ"م. ت. ف" الى تبني الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني توافقاً مع قرارات جامعة الدول العربية.

ج- فئة ثالثة رأت في اعادة بناء الشخصية الوطنية الفلسطينية المستقلة، ومصادقة لبنان في مؤتمر القمة 1974 على اعتماد "منظمة التحرير الفلسطينية" كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وتعامل لبنان مع التمثيل الفلسطيني في جامعة الدول العربية بقبول رفعه الى مستوى (دولة فلسطين)، والمؤشر العملي الاخير ايضا كان قبول لبنان اعتماد جواز السفر الصادر عن السلطة الفلسطينية وذلك بعدما ذكرت الصحف ان لبنان أبلغ جامعة الدول العربية موافقته، وانه عمليا صار يعطي أذونات خاصة فقط لوفود رسمية قادمة من السلطة الفلسطينية. كل ذلك اعتبر اعترافاً واقعياً بالدولة الفلسطينية وشكل احد أسس التضامن اللبناني والعربي مع الانتفاضة بهدف بلوغ استكمال طرد الاحتلال وانجاز حق عودة اللاجئين.

وعليه فان الاستئناء الوارد في التعديل القانوني يمثل اشكالية، لان المشترع اللبناني لم يوضح اية صيغة يعتمدها علانية في التعاطي مع مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية القائمة واقعاً، والمكافحة لاستكمال الاستقلال.

3- من جهة ثانية، يبدو الفلسطينيون امام ثلاث حالات قانونية ازاء هذا القانون:

الاولى: هم حاملو جنسيات دول متنوعة وأصلهم فلسطيني، كالاردن او غيره، والذين لا خلاف حول التعامل معهم في مضمار حق الملكية العقارية باعتماد الجنسية المكتسبة اذا كانت من دولة معترف بها.

الثانية: الفلسطينيون حاملو جنسية السلطة الفلسطينية، وهم حصلوا على اعتراف لبنان بجواز السفر، ولكن لا وثيقة رسمية لبنانية تكرس تحويل الاعتراف الواقعي الى اعتراف نصي رسمي. وان كان يحق لهم زيارة لبنان قانونياً بعد الاستحصال على سمة الدخول اليه، من المراجع اللبنانية المختصة، فان هؤلاء عملياً يميز ضدهم بمنعهم من حق التملك، على اساس ان جواز سفرهم ليس صادراً عن دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة ومعترف بها.

الثالثة: هم اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، وقد تم تسجيلهم لدى وزارة الداخلية اللبنانية، ومنحوا من جانبها اوراقاً تثبت جنسيتهم الفلسطينية، فهل يعتبر القانون انهم ليسوا من دولة معترف بها، والدولة اللبنانية ذاتها هي التي اعترفت بهم كفلسطينيين، وسجلتهم وفقا لاصلهم الوطني، وتتمسك معهم بمطلب تطبيق حق عودتهم الى ديارهم وفقا للقرار 194 الصادر عن الامم المتحدة، وحتى تحقيق عودتهم اعفتهم من اثبات الاقامة الدائمة. بل وانها أقرت رسميا بان جنسيتهم فلسطينية بكتابتها واضحة على وثائق السفر الممنوحة لهم من وزارة الداخلية اللبنانية، ولم تكتب بدلاً من ذلك عديم الجنسية. وفي هذا الاطار يثور ايضا الاستشهاد بالتطبيق القانوني السابق للمرسوم 11614 الذي جرى تعديله، اذا كان التطبيق بمعاملتهم أسوة بالعرب الآخرين، فيما يتعلق بالحقوق العقارية، وذلك بناء لبروتوكولات جامعة الدول العربية، الصادرة في ،1965 وبناء عليه تم تسجيل حقوق عقارية لهم.

وكي ندرك ان المقصود بالتمييز الوارد في التعديل القانوني، هم الفلسطينيون ارتبط الاستثناء الوارد في التعديل بالشق الثاني عندما يقرر المنع لأي شخص اذا كان التملك يتعارض مع احكام الدستور لجهة التوطين أي توطين الفلسطينيين، كذلك فان المناقشات التي تمت في لجنة العدل والادارة ثم في الجلسة العامة للبرلمان اللبناني، تركزت حول الفلسطينيين وتملكهم الحقوق العقارية كتفسير لهذا الاستثناء، وكان مشروع القانون في صيغته المعدلة في لجنة العدل والادارة، يعطي مجلس الوزراء حق البت بطلبات الفلسطينيين للحقوق العقارية، لكن التعديل ركز على التمييز سلباً بالحرمان الكامل.

ثالثا: في مسألة الاعتراف!؟

يقرر التعديل وصف الدولة صاحبة الجنسية بانها غير معترف بها، ولا يحدد بالدقة من جانب  من يتم هذا الاعتراف. فقد يحمل التأويل على القول خيارات عدة:

الاول: هو الاكثر منطقية ان تكون معترفاً بها من الدولة اللبنانية. وهنا نعود الى مطلب الاعلان الرسمي من جانب السلطة اللبنانية لتحديد موقفها من الدولة الفلسطينية، وصيغة تعاطيها معها اذ لا زال مبهماً جداً. ورغم ان دولاً عربية واجنبية قبلت الاعتراف ومنحت فلسطين حق اقامة بعثات ديبلوماسية لديها، فان لبنان صامت ازاء هذا الامر في شكل ملفت رغم الوجود الفلسطيني المهم فيه.

الثاني: ان يكون المقصود غير المعلن، والذي تعمد المشرع الابهام به بصيغة "غير معترف بها"، ان يكون الاعتراف دولياً، عبر الأمم المتحدة. لكننا نعلم ان هذه المنظمة الدولية قد ارتقت بالتعاطي مع مسألة الاعتراف بدرجات متقدمة، حتى بلغت منح صفة مراقب لدولة فلسطين. صحيح ان هذا الامر ليس معادلاً للاعتراف كما هو حاصل مع كاملي السيادة، لكنه مع ذلك اعتراف وليس انكاراً او الغاء. كما ان اللبس يثور في هذا المعيار بان الأمم المتحدة تعترف باسرائيل ولا يمكن لهذا الاعتراف الدولي ان يكون ملزماً في شكل آلي لدولة مثل لبنان. ويظهر التطبيق ان المشرع اللبناني اعتبر هذا الاعتراف غير كامل ولا يحمله الزاماً باقراره وتالياً التعامل مع مفاعيله ايجاباً، وبذلك يقع الامر في دائرة التفسير السلبي. وقد جاء الجواب بالتطبيق العملي سلباً ازاء الفلسطينيين، ذلك عبر اجراء جديد في تموز 2001 عندما اصدرت مديرية الامن العام اللبناني صيغة معدلة من وثيقة السفر للاجئين الفلسطينيين ألغت من نصوصها اعتماد بند الجنسية الفلسطينية.

رابعاً: ما هو مفهوم التوطين؟

ان ربط الاستثناء بمسألة مهمة جدا وذات أبعاد خطيرة، تحتاج الى وضوح شديد في الموقف والاداء، ضمن المفهوم الذي يتبناه لبنان للعروبة. فاذا كان الفلسطينيون واللبنانيون يجمعون على رفض التوطين، وتكررت المواقف والبرامج والاعلانات عن ذلك بوضوح، كما ان الانتفاضة الفلسطينية (انتفاضة الاستقلال في 28/9/2000) كرست النضال لاقامة دولة مستقلة مستكملة السيادة مع حق عودة اللاجئين الى ديارهم، وعززت عملياً الثقة باستمرار تمسك الفلسطينيين بحق عودتهم، ورفضهم التوطين، وساهمت في تقليص مخاوف اللبنانيين عموماً ازاء هذا الامر، الذي كانت الحملات المضادة قد طرحته بصيغة ان لاجئي لبنان يريدون التوطين بديلاً من العودة لفلسطين.

يضاف لكل ذلك ان مفهوم التوطين لم يعلن اي توضيح له من الجانب اللبناني، وما هو معروف فان المفهوم الاعم هو التجنيس، اذ لا توطين دون تجنيس، مهما كانت مدة الاقامة للاجئين طويلة. والتجربة العملية المعاشة هي البرهان، فاللاجئون الفلسطينيون وصلوا لبنان منذ اكثر من 53 عاما، وما زالوا يتمسكون مثل اخوتهم اللبنانيين بان اقامتم موقتة، وانهم يريدون العودة الى ديارهم، وفقا للقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة عام ،1948 وحافظوا على جنسيتهم الفلسطينية، ولم يكن احد قبلا يرى او يفسر ان امتلاك حق عقاري سواء في لبنان او غيره هو التوطين. وقد جاء الاستثناء الحالي في نص القانون اللبناني ليربط باحكام ان مفهوم التوطين لا يقتصر على الجنسية، بل ان طرحاً جديداً برز مع التفسير بان امتلاك الحقوق العقارية هو التوطين او يمكن له ان يكون قاعدة او ممراً للتوطين، وانه يتعارض مع احكام الدستور لجهة رفض التوطين. كل هذا ولم يقدم من المشرع اللبناني او الفقهاء القانونيين اي تفسير حقيقي لهذا المفهوم وكيفية وصوله لايقاع التوطين، علما ان التجربة السابقة لتطبيق المرسوم 11614 تبرهن ابتعاد الطرفين اللبناني والفلسطيني عن التوطين في شكل راسخ ودائم. وهذا ما تطرق اليه النائب سليم سعاده عندما قال "كلنا ضد التوطين، ولكن لا علاقة للتمليك بهذه المسألة. المالك قد يكون مواطناً وغير مواطن. لا يجوز الدمج بين الامرين"(39).

وحدد النائب محمد قباني الامر بوضوح بقوله: "اننا نعتقد ان وراء هذه الخطوة استهدافات سياسية، تنطلق من تفسيرات معادية للفلسطينيين وحقوقهم. واذا ما كان البعض يربطها بالخوف من توطين الفلسطينيين في لبنان، فاننا نقول لهذا البعض ان هذا مبرر مرفوض، لأن التوطين يتعلق بمنح اللاجئين حقوقاً سياسية، لا الحقوق المدنية والاجتماعية"(40).

ان عدم إيراد اية شروحات او تفسيرات لكيفية بلوغ أي تملك عقاري مرحلة التعارض مع احكام الدستور، وما هي هذه الاحكام، لجهة رفض التوطين، تحيل الامر الى سلطة استنسابية تقديرية لمن ينظر بأية دعوى قضائية في هذا المجال، وهذا ما سيؤدي حتماً الى انتفاء العدالة، فالحسم بان الامر يتعارض ام لا، مع احكام غير واضحة - وبصراحة كاملة لا نعلم عن أي معيار ثبت حتى الآن باستثناء التجنيس - ومن دون نصوص قانونية، يحوّل هذا الاستثناء الى سلاح خطير مطلق الصلاحية، بفزاعة تثير العصبوية السلبية والتحريض بأن الفلسطينيين يتحايلون عبر شراء العقارات كي يفرضوا توطينهم، وهذا ما أدى الى تعبئة شديدة السلبية ازاء الوجود الفلسطيني في لبنان.

 

1- تفيد بعض المصادر ان الرقم الفعلي لا يتجاوز 227 الف لاجئ، كما جاء في دراسة الاستاذ طارق الدباغ المنشورة في "النهار"، 26/5/.1999

2- خريطة عمليات الاونروا - مكتب الاعلام - رئاسة الاونروا - غزة - آذار - الارقام في 30/11/.1999

3- سمير أيوب، "البناء الطبقي للفلسطيني في لبنان "بيروت دار الحداثة، .1984

4- ماري زعرب غندور، "تحقيق عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان"، "النهار"، 12/12/.2000

5- عدنان الحاج، "قضية تملك الاجانب بين التدابير المؤقتة وفتح باب الخلافات والتلاعب"، "السفير" 25/10/.1993

6- هيام القصيفي، "من أصدر تعليمات بعدم إعمار المخيمات؟" "النهار"، في 21/2/.1997

7- أسعد الاتات، "أزمة السكن: هل هي الازمة ام انها ازمة مداخيل"، "النهار"، 5/5/.1997 وقد ورد فيها: "وتشير مختلف التقديرات الى ان ما يزيد عن مئة ألف شقة سكنية فارغة حالياً، لا يقيم فيها اي ساكن. وهذا الفائض الاسمي... يرجع الى ان اصحابها هم خارج لبنان، وثانياً وهو الاهم، عدم وجود أشخاص يملكون القدرة المالية على الشراء او الايجار".

8- فدى نصر الله، "رؤى لبنانية عن الفلسطينيين في لبنان: مؤتمر اوكسفورد عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان 27 - 30/9/1996" "النهار" 8 و9/11/.1996

9- هناء دندن، "الفلسطينيون يرفضون ازالة جزء من المخيم"، "اللواء" 7/8/،1998 أيضاً، "اوتوستراد الحازمية - المطار يشق مخيم البرج في "السفير"، 23/6/.1998

10- غسان وهبه وجوني منير، "المطران جون كويتر يثير التوطين في منطقة جزين" "الديار"، 24/2/.1998

11- مرجع سابق رقم (4).

12- فارس خشان، "تملك الاجانب يسلك دربه للنقاش القانوني..." "السفير" 13/2/.2001

13- نعمة الله ابي نصر، ملحق "نهار الشباب": العدد 412 من 27/3- 2/2/.2001

14- "السفير": 22/3/.2001

15- "السفير": 23/3/.2001

16- "النهار": 22/3/.2001

17- مرجع سابق رقم .13

18- فرانسوا ضاهر: رد على الطعن "الوفاء للمقاومة" بالفقرة الثانية من قانون تملك الاجانب"، "النهار" 28/4/.2001

19- "النهار": 22/3/.2001

20- "اللواء": 11/5/.2001

21- "المستقبل": 7/4/.2001

22- "الديار"، لقاء حول قضية حرمان الفلسطينيين حق التملك 7/4/.2001

23- المصدر نفسه.

24- رنا صيداني، حول التملك: جريدة "المستقبل" اللبنانية في 7/4/.2001

25- "الانتقاد" في 18/5/.2001

26- "السفير" 3/4/.2001

27- "النهار" 7/4/.2001

28- "المستقبل" 24/3/.2001

29- "الديار" 7/4/.2001

30- "السفير" 10/4/.2001

31- "البيرق" 6/4/.2001

32- "اللواء" 6/4/.2001

33- "المستقبل" 22/4/.2001

34- ابراهيم عبدالله، قانون لصالح الشركات الاجنبية: "النهار" في 6/4/.2001 وندوة "اللواء" في 11/5/.2001

35- "السفير" في 7/4/.2001

36- "الديار" 7/4/.2001

37- "السفير" 5/4/.2001

38- "اللواء" 5/4/.2001

39- "النهار" 22/4/.2001

40- لا أحد يريدنا: سعيد محيو، وكالة "سويس انفو" للاخبار 22/6/.2001

خامسا: اية مفاعيل عملية

ان التعديل الصادر في القانون رقم 296 الصادر في 4/5/2001 واضح في اقامته تمييزاً سلبياً ضد الفلسطينيين على اساس اصلهم الوطني، وهذا ما ينشئ مفاعيل شديدة الضغط على الفلسطينيين عملياً، اضافة لمخالفته الاتفاقات والمعاهدات الدولية واعلانات حقوق الانسان. وفي هذا الاطار تثور ثلاث مشكلات:

1- المشكلة الاولى: تخص عدداً من المالكين الفلسطينيين، الذين اشتروا منذ زمن، ولكن لم يسجلوا في السجل العقاري لاسباب متعددة اما لعدم توفر اللازم من المال لقيمة الرسوم، او لانهم ما زالوا يدفعون الاقساط بناء لعقود بيع ممسوحة، ولا تسجل الا بعد انتهائها.

هذا الجزء منطقي ان يكون خاضعاً للقانون القديم، وان يتمكن اصحاب الاملاك من التسجيل، لكن الواقع مغاير، فالذين حاولوا ذلك وجدوا ان أوامر وقرارات قد جرى تعميمها وتطبيقها منذ نحو نصف سنة مسبقاً، وبشكل غير معلن على موظفي السجل العقاري، وأيضاً على كتاب العدول بالامتناع عن التسجيل، انتظاراً للقانون الآتي، والذي عندما صدر كرس الحرمان. ورغم ان العرف القانوني يلزم تطبيق القانون حتى تاريخ صدور بديله، وان بعض النواب والمحامين نادوا بضرورة التسجيل وفقاً لروح القانون، بان اي اجراء يتم سليماً في ظل قانون سار، لا يلغى بصدور قانون لاحق معاكس له الا اذا نص على مفعول رجعي. وهذا غير واقع في التعديل الحالي. لكن النتيجة العملية ما زالت سلبية. وكان لافتا موقف وزير العدل اللبناني سمير الجسر، الذي اكد ان التعميم على جميع كتاب العدل والدوائر العقارية الملزم بالامتناع عن انجاز اي معاملات رسمية تتعلق باثبات ملكية الفلسطيني مخالف للقانون، وشدد على ان "من حق الفلسطينيين الذي دفعوا ثمن املاك عينية، قبل اقرار القانون، تسجيلها في الدوائر الرسمية، قبل صدور نص القانون في الجريدة الرسمية، وان الدوائر العقارية ملزمة التسجيل، عندما يمتلك الفلسطيني المستندات المطلوبة" (41). وبذلك اعتبر الوزير الجسر ان انشاء الحق العقاري قد تم بعملية العقد للشراء والبيع، ونظم اولياً لدى كاتب العدل، وان الحاجة الى مهلة زمنية، سواء لاجراء عملية التسجيل وفقاً للتسلسل الاداري والمعوقات البيروقراطية المعهودة، او لأن توفير السداد المالي في طريقه للاكتمال، لا تنقص الحق بالتسجيل في الدوائر العقارية، فيما اعتبر غيره ان القانونين القديم والحالي لا يقران رسمياً ملكية العقار إلا بعد انجاز المعاملات لدى السجل العقاري مهما كانت ظروف الاتفاقات والعقود خارج ذلك السجل. اضافة لذلك فمن المعروف ان اللجوء الى المحاكم لتثبيت الحق يحتاج لتكاليف باهظة وعبئها ثقيل على اللاجئين.

2- المشكلة الثانية: ان هذا القانون يؤدي عملياً الى اضطرار المالك الفلسطيني للوقوف امام عدة احتمالات:

أ- اما التسجيل باسم شخص لبناني: وما يحمل ذلك من ايقاع خلافات بين البشر، الذين قد توثر نوازع متعددة بهم. واذا كان أهل الخير وافرين، فان الطمع والغدر أيضاً قد يشكلان حوافز للبعض لانكار حقوق المالك الحقيقي او لاخضاعه لابتزازات متنوعة، من موقع الادراك بعدم القانونية الشكلية لما يمتلكه في الواقع ولكنه مسجل باسم غيره.

ب- اما الاضطرار الى عرض الحق العيني للبيع والاستحصال على الثمن. وهنا ايضاً وفقاً للقواعد التجارية في السوق (العرض والطلب)، فان ازهد الاسعار ستعرض على المالكين، انطلاقاً من معرفة المشترين الجدد للاضطرار القانوني السلبي تجاه الفلسطيني البائع، اضافة الى ان سوق العقارات اصلاً تشهد في لبنان مأزقاً حاداً منذ عدة سنوات، بفائض العرض عن الطلب والجمود القاسي، مما يجعل الفلسطينيين مضطرين للبيع بأبخس الاسعار وفي هذا الواقع الظلم الشديد.

وفي هذا المضمار يكون القانون قد أوقع أذى شديداً في حق التملك الفردي، كحق يكفله القانون اللبناني، ويوفر له الحماية، ويمنع نزعه الا في حالة الضرورة للمنفعة العامة، وبعد تأمين التعويض المناسب. ورغم ان التعديل الجديد يؤدي لمخالفة حق الملكية الفردية، فانه لم يتطرق الى اي تبرير بالمنفعة العامة، ولم يذكر اي بند خاص بالتعويض على المتضررين من تطبيقه.

3- المشكلة الثالثة: هي التناقض مع الحق في الارث: وهو يؤدي عملياً الى الغاء الارث العقاري، سواء للمسلمين او المسيحيين من الفلسطينيين. واذا كان الفلسطيني المورث مالكاً ومسجلاً وفقاً للقانون قبل تعديله، او اذا كان الارث متأتياً عن نسيب لبناني كالأم او الزوجة مثلاً، فان هذا القانون الوضعي دخل عملياً في نزاع وتناقض مع حق يدخل ضمن نطاق القوانين الشرعية للاحوال الشخصية، التي حفظ المشرع اللبناني لها هذا المجال. وهنا تثور مسألتان:

1- يمكن ان يحتجج البعض بسوابق صدر فيها قانون وضعي، كانت له مفاعيل الغت احكاماً شرعية، وتكرست حتى اليوم، واكثر امثلتها شهرة هو التعويضات وفقاً لقانون الضمان الاجتماعي في لبنان الذي شمل:

أ- الاراضي الاميرية: يتساوى الذكر والانثى في ميراث العقارات التي تكون رقابتها للدولة والتي يمكن ان يجري عليها حق تصرف (42).

ب- تعويض الصرف من الخدمة، في حال وفاة الموظف او المضمون المنتسب الى فرع تعويض نهاية الخدمة، أو الاجير الخاضع لقانون العمل، او المعلم في المدارس الخاصة، يوزع بين أصحاب الحق وفقاً لترتيب أولوية ونسب محددة بالتساوي ضمن الفئة الواحدة (43).

ج- المعاش المستحق في حال وفاة المضمون بنتيجة طارئ عمل او مرض مهني يوزع وفقاً للقاعدة المذكورة، أي مساواة الذكر والانثى (44).

د- معاش التقاعد للموظفين التابعين لشرعة التقاعد، يوزع أنصبة متساوية على مستحقيه (45).

هـ- مساعدة العائلة في حال وفاة الموظف، توزع أنصبة متساوية على مستحقيها (46).

لكن الخلاف الابرز في هذه المسألة ان القوانين الوضعية المذكورة، قد تم اعتمادها بعد نضالات واسعة، وبتأييد قطاعات شعبية وحقوقيين، بهدف تعديل ايجابي لصالح الاسرة، او لتعزيز ومساواة حقوق المرأة، ولم تكن طعناً بالحقوق الفردية او الانسانية اطلاقاً، باعتبارها تعويضات وليست ارثاً.

2- اذا كان الفلسطيني لا يستطيع تسجيل الارث العقاري، فماذا يفعل؟ هل يبقى شاغلاً للملكية عملياً دون تسجيل؟ هل يضطر للبيع لعدم تمكنه من التسجيل ومن الابقاء على الملكية العقارية دون تسجيل؟ هل يعتبر الفقه القانوني انه في هذه الحالة يطبق القانون العام المعروف بان الدولة هي الوارث لمن لا وريث له، وبذلك تصادر الحقوق العقارية للورثة الفلسطينيين؟ هل يسجل باسم لبناني، بما يجعل هذا الاخير متواطئاً للتحايل على القانون، ويوقعه تحت طائلة تطبيق العقوبات التي ينص عليها القانون لجهة سجن المتواطئ ومصادرة العقار، والغاء مفاعيل الملكية الشكلية. وبذلك خسارة مطبقة للاجئ الفلسطيني مالك العقار الموروث؟!

ان كل احتمال من هذه الاحتمالات يحمل مخاطر شتى في البنية والعلاقات المجتمعية والقانونية، تؤدي الى نزاعات لا متناهية. فاذا استمر الفلسطيني شاغلاً الحق العقاري، يتحقق بذلك وضع اليد على الملكية واستخدامها دون التوثيق الرسمي القانوني، وعليه اذا كان المفهوم الجديد الذي يربط الحق العقاري بالتوطين، فان بقاء الفلسطينيين هكذا، ولو بدون صيغة قانونية عقارية ولكن ممارسة مستديمة يفرغ التعديل من مضمونه، او يجعل المالك الفلسطيني الحقيقي خارجاً على القانون، باستمرار ممارسته للتمتع بحقه العيني.

كذلك فان التسجيل باسم شخص لبناني، لتكون الملكية العقارية وهمية، ويستمر الفلسطيني بالتمتع بملكيته عملياً، يؤدي الى الأمر ذاته بخواء تطبيق مضمون التعديل القانوني لجهة التوطين، ويجعل المواطن اللبناني القابل بان يتم تسجيل العقار باسمه رغم عدم ملكيته حقيقة له، مشاركاً في مخالفة القانون بالاحتيال عليه عملياً.

اما الاحتمال الاخير، بان تصادر الدولة اللبنانية الحقوق العقارية لأي فلسطيني بعد وفاته، لعدم احقية التسجيل الرسمي لورثته، فهذا يكون تعدياً مباشراً وغير مبرر قانونياً، لأن الارث محفوظ للورثة ولكنه غير مثبت في السجل العقاري، وليس انعداماً لوجود ورثة. وفي هذه الحال يصبح إرثاً موقوفاً لدى المسلمين، ويتيح القانون ان يذهب الارث الى الدولة لدى المسيحيين... ان اية مصادرة من الدولة للموروث لعدم القدرة على التسجيل عقارياً توقع في نزاع غير محسوب العواقب الاجتماعية والاقتصادية، اضافة لتفاعلاته السياسية والوطنية... وفي خضم هذه الاحتمالات الخطيرة، يبقى المشترع، وحتى ادوات التنفيذ القضائية، في حالة ارتباك، والابتعاد عن اي تدخل فظ من جانب الدولة اللبنانية، في كل حالات الوفيات وموارثيها التي وقعت، وما زالت تنتظر الحلول القانونية والادارية المناسبة...

القسم الثالث: استمرار المواجهة القانونية

في العشرين من نيسان 2001 تقدم عشرة نواب لبنانيين بطعن قانوني امام المجلس الدستوري للتعديل في الحق العقاري لغير اللبنانيين، وهم يمثلون كتلاً سياسية متعددة في لبنان، منها كتلة "الحزب التقدمي الاشتراكي" بزعامة وليد جنبلاط، كتلة الوفاء للمقاومة أي "حزب الله" برئاسة حسن نصرالله، و"الحزب السوري القومي الاجتماعي" بزعامة انطوان عريجي، اضافة لكتلة رئيس الوزراء رفيق الحريري  و"حزب البعث العربي الاشتراكي". وقد اعلن المجلس الدستوري قراره في 10/5/2001 حاسماً الجدال. وفي التدقيق بالمراجعة القانونية المذكورة، نجد ان الموقعين قد اعتمدوا عدة أسس لدحض التعديل ووصفه بعدم الدستورية، وأهمها التشريعات والمعاهدات الدولية من جهة، نصوص الدستور اللبناني من جهة اخرى، معتمدة ان التعديل يحرم الفلسطينيين بسبب أصلهم الوطني. وقد اثار قرار المجلس الدستوري قضايا اساسية عدة، خصوصاً ان احكامه لا تقبل اي شكل من اشكال المراجعة، وتكون مبرمة.

أولاً: أ- في التشريعات الدولية: تحفل نصوص الاعلانات والتشريعات والمعاهدات الدولية بالكثير من النقاط حول الحق في المأوى او السكن، وترد احياناً بصيغة التملك او توفير المأوى بشكل عام دون اشارة الى الصيغة القانونية سواء بالاستئجار او التملك او الهبة.

نصوص التملك: الاعلانات والاتفاقات الصادرة عن الامم المتحدة: اعتمدت مذكرة الطعن النيابية وثيقتين هما:

1) الاعلان العالمي لحقوق الانسان، الصادر (1948) عن الجمعية العامة للامم المتحدة، بموجب القرار 217 أ (د-3) بتاريخ 10/12/،1948 في مادته رقم .17

2) الاتفاق الدولي للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري الذي اعتمدته الجمعية العامة للامم المتحدة، بموجب القرار 2106 أ ف (د-20) في 21/12/،1965 وبدأ نفاذه في 4/1/.1969 في المادة الخامسة منه فقرة د-(5) (47).

وتعزيزاً لتنفيذ الاتفاق، اصدرت الامم المتحدة عدة تشريعات لمكافحة التمييز العنصري، نصت في احدها تحت عنوان الجرائم وفقاً لميدان النشاط. بند :3 التمييز العنصري في ميدان السكن - رقم 40 - يجرم اي فعل من الافعال التالية متى قام على دوافع عنصرية: (أ) حرمان اي فرد او مجموعة افراد من فرصة، او تقييد فرصتهم في، استئجار او تأجير، او شراء او بيع او احتياز او التنازل بطريقة او اخرى عن ملكية عقار او التمتع به، سواء من حيث الشروط التي تم وفقها عرض العقار، او معاملة الافراد او مجموعات الافراد الذين يبحثون عن هذا العقار (48).

اثارت قرارات المجلس الدستوري في لبنان، في العديد من المراجعات ومنها الطعن بقانون الملكية العقارية لغير اللبنانيين الكثير من الاحجاج، حتى ان الرئيس حسين الحسيني دعا الى اعادة النظر في قانون المجلس الدستوري، (49) كما ان النائب السابق حسن الرفاعي اعتبر ان المجلس خدم الحكم والحكومة ولم يخدم القانون والعدالة (50).

ان اخطاء المجلس الدستوري في تعامله مع القانون حملت البعض لاتهامه بالانتقال من مهمة مراقبة القوانين الى مهمة اصدار الفتاوى التي تنطوي على تعديل للدستور، واول ما يصدم المتابع لهذا الامر هو استخدام المجلس الدستوري فتاوى من التجربة الفرنسية، ونقل نصوص استشهاداً بها، ولكن للاسف مع ادخال تفسيرات غير واردة بالنص الفرنسي، وكذلك باعتماد تفسير محدد مخالف تماماً لما قصده المشرّع الفرنسي كما ورد النص. وهذا يتجلى في الحديث عن واجب السلطات العامة ان تتمكن من تنظيم سياستها وفقاً للظروف المتبدلة للمصلحة العامة. وهي بالترجمة العربية التي اوردها المجلس الدستوري تتوسع لتلبس معان قصد بها لتحقيق اهداف سياسية: فصارت "السلطات الدستورية!" وتعديل سياستها وتشريعاتها (51)! والتفسير اللاحق يستكمل هذا المنحى بالقول ان وضع القيود في التشريعات لاكتساب الملكية يمكن ان يصل الى حد الحظر المطلق، لتبرير ذلك لاحقاً بتحقق "المصلحة العامة" وربطها افتعالا برفض التوطين. ولكن لنعد معاً الى عدد من الملاحظات الاولية:

*- الطعن المقدم من عشرة نواب ركز على حرمان الفلسطينيين كليا من حق ممنوح بقيود معينة الى رعايا الدول العربية والاجنبية. ولم يطرح اطلاق مسألة حق الدولة اللبنانية وصلاحيتها بممارسة عمل سيادي قانونا في ما يتعلق بملكية غير اللبنانيين العقارية. وجاء رد المجلس الدستوري ليتهرب من الرد على تقديم مبررات التمييز السلبي ضد الفلسطينيين من دون جميع غير اللبنانيين، باللجوء الى نقاش حق الدولة اللبنانية - الذي لا يخالفه ولم يطرحه احد للنقاش - في تحديد شروط تملك غير اللبنانيين. طبعاً الاشارة التبريرية الوحيدة عامة وغامضة، تصلح لكل زمان ومكان، وهي في بعض التجارب السابقة في العالم كانت دائماً المبرر سواء للقوانين ذات السمات العنصرية والتمييزية، او حتى لانظة القمع والاستبداد بحجة "المصلحة العليا". ويكون المجلس قد اعطى لنفسه صلاحية التوسع في التفسير. واذا كانت المصلحة العليا عادة تبرر القيد على حق الملكية فذلك لا يعني ابداً حظره والغاءه ورفع الامر الى مستوى المنع، اذ هنا بالدقة التعارض مع الشرعة العالمية لحقوق الانسان التي تكفل حق كل فرد بالملكية. وفي هذا المجال يقول المحامي نزار صاغية ان "هذا القرار هو في الواقع مبني على سلسلة من الافتراضات اكثر مما هو مبني على علل وحجج قانونية مترابطة، فاذا كان المجلس (الدستوري) قد تحقق من وجود مصلحة عليا برفض التوطين، فقد جاء تعليله في المقابل مجرداً من الحجج الآيلة الى اثبات الرابط بين الاحكام القانونية التي نص عليها القانون المطعون فيه ومقتضيات المصلحة العليا، وبالاخص ما بين منع اللاجئين من التملك بالشراء او الإرث ومنع التوطين" (52).

هذا الامر سيتكرر دائماً. فما هو معنى "المصلحة العليا" وكيف يتم تقديرها؟ عملياً لم يتم عرفاً ان المجلس الدستوري لديه صلاحية تحديد هذه المصلحة العليا. ان مهمته محصورة بالدقة في النظر بدستورية القوانين. عبر النظر بشكل شمولي في القانون موضوع الطعن وسائر مواده، وابراز ما لها وما عليها، اما المصلحة العليا للدولة فهي امر ذو طبيعة سياسية، يعود للسلطات السياسية حق تقديرها، وليس للمجلس الدستوري. وهذا ما اكده النائب وليد عيدو بقوله: "ان تقدير المصلحة العليا، على عكس ما ورد في القرار، يخرج عن رقابة المجلس الدستوري، لأن المصلحة العليا ذات طبيعة سياسية، ويعود للسلطات حق تقديرها، وليس للمجلس الدستوري الذي عليه ان ينظر فقط، في ما اذا كان القانون المطعون فيه، ينطبق على الدستور ام يخرقه" (53) وتأسيساً على التعريف للمصلحة العليا قال مصدر حقوقي، فضل عدم الكشف عن اسمه: ان تملك الفلسطيني لمساحات عقارية في لبنان بحدود التقييد القانوني، لا يمكنه بالمعنى الذي يقدمه المجلس الدستوري ان يمس مبدأ المحافظة على الارض اللبنانية، والا لكان صح ذلك على تملك السويسري والسوري والاميركي والمصري (54).

 

صدرت في العدد الاخير في مجلة "دراسات فلسطينية" حزيران 2002

 

41- "السفير" في 3/4/.2001

42- قانون انتقال الاموال غير المنقولة العثماني، الصادر في 21/3/.1913

43- المرسوم رقم 8496 الصادر في 2/8/،1974 الذي وضع موضع التنفيذ مشروع القانون المعجل المحال على مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 7173 بتاريخ 16/2/.1974

44- المادة 39 من قانون الضمان الاجتماعي.

45- المادة 27 (فقرة اولى) من المرسوم الاشتراعي، رقم 47 بتاريخ 29/6/.1983

46- المادة 13 (فقرة 3) من نظام المنافع والخدمات، المصدق بموجب المرسوم 5693 بتاريخ 8/10/.1966

47- تشريعات مكافحة التمييز العنصري: منشورات الامم المتحدة. نيويورك - جنيف .1966

48- منشورات المفوض السامي لحقوق الانسان مركز حقوق الانسان في جنيف ص.20

49- "المستقبل" 14/5/2001 و"النهار" 29/5/.2001

50- "النهار" 15/5/.2001

51- "النهار" 11/5/.2001

52- نزار صاغية: القانون السادي ليس دستوريا: "النهار" 17/10/.2001

53- فارس خشان: منع الفلسطينيين من التملك بين الرقابة والتحالفات: "السفير" 12/5/.2001

54- المرجع السابق.

55- أمير قانصوه: رد الطعن بقانون التملك نكبة اخرى للفلسطينيين في لبنان: مجلة "الانتقاد" (يصدرها "حزب الله). 18/5/.2001

56- نزار صاغية: المرجع السابق رقم .52

57- ظافر بن خضراء: سوريا واللجئون الفلسطينيون العرب المقيمون. دمشق دار كنعان للدراسات والنشر، الطبعة الاولى ،1999 ص 113-.119

58- ابرهيم ابو رحمة، تملك الاجانب عقارات في الاردن: من التقييد الى السماح المشروط. "الحياة" 5/7/.1999

59- جميل مصعب، فلسطينيو الشتات في العراق: دراسة قدمت في العراق: دراسة قدمت في مؤتمر مستقبل فلسطينيي الشتات، المنعقد في عمان 11-13 أيلول (سبتمبر) ،2000 ص.10

60- "النهار" 28/7/2001 وقد وقعه النواب: وليد عيدو، غسان الاشقر، عبد الرحمن عبد الرحمن، محمد قباني، مروان فارس، اكرم شهيب، قاسم هاشم، احمد فتفت ونزيه منصور.

61- أحمد زين: هل تكون الحالة دستورية وغير دستورية في وقت واحد؟ "السفير" 19/5/.2001

 

"الاتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين"

* صدرت في العدد الأخير من مجلة "دراسات فلسطينية" (حزيران 2002).


الصفحة الأولى| محليات سياسية|اقتصاد-مال-أعمال|العرب والعالم| قضايا النهار|القضاء والقدر|مقالات|المقسم 19|وراء الحدث| مذاهب وأديان | تحقيق| مناطق| بيئة وتراث| مفكرة|أدب-فكر-فن|مدنيات-تربويات|وفيات| رياضة| حول العلم والعالم|مرايا الأحوال| نهار الشباب| كومبيوتر وانترنت | النهار الرياضي |مساعدة|

الدليل| الملحق الثقافي| سلامتك| الاغتراب اللبناني| الصفحة الرئيسية


PDF Edition (Arabic) | HTML Edition (Arabic) | Listen to An-Nahar | Ad Rates | naharpost | Classified Ads | Archives | Contact us | Feedback | About us | Main | Help

Copyright © 2002 An-Nahar Newspaper s.a.l. All rights reserved.