شيخ الأزهر عمامة ضد التيار  
العدد 9818 الخميس 11 ربيع الأول 1423 هـ / 23 - 5 - 2002 م
http://www.4palestine.ae
  تخفيف فوائد قروض الفنادق الأردنية ولا برامج سياحية مع إسرائيل  
     










  
  
   

  شيخ الأزهر عمامة ضد التيار:


القاهرة- حمدي رزق:

يرفض الامام الاكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الازهر ان يرافقه حارس في رياضته الليلية، يمشي ساعتين بعد صلاة العشاء، وعندما اشتكى الحراس من رفض الامام الاكبر قال لهم بحدة الحارس ربنا وظل يمارس رياضة المشي رافضاً وجودهم الى جواره·
تعود الامام الاكبر ان يمشي مسرعاً ولهذا يمشي وحيدا لساعتين اخريين بعد صلاة الفجر، لا يلحق به أحد، يلقي التحية مسرعا ويتلقى احسن منها من المارة الذين يدهشهم ان امامهم مثلهم يمشي على قدميه بلا حراسة·
تلك عادة الإمام الأكبر منذ ان كان مفتيا سطع على سطح الحياة السياسية والدينية المصرية في العام ،1986 وحتى الآن لا ينقطع عنها رغم زيادة الاعباء ومرور السنوات عمره 74 عاما ولكنه يظل مخلصا لرياضته كما أنه مخلص لزيارة اهله في سوهاج بصعيد مصر حيث ولد وحيث تنبأ له احد الصالحين بأنه سيكون يوما ما شيخاً للازهر الشريف! ويتندرالمصريون بأنه اذا تعثرت بغلة فى أرض العراق فإن الامام الاكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي مسؤول عن عثرتها· وهكذا يصرون على تحميل الامام الاكبر كل مشاكل الامة الاسلامية من ختان البنات الى فشل إطلاق القمر الصناعي الاسلامي حتى الآن·

محرك الأحداث

هكذا الإمام الأكبر محور جدل مع طلعة كل نهار ومحور اهتمام خاص كل يوم جمعة عندما يتوافد المراسلون الأجانب على صحن الجامع الأزهر ليشهدوا صعود الإمام الأكبر الى المنبر ليشحن المصلين ضد اعداء الله الذين يعيثون في الأرض المحتلة فساداً ثم يعود ليطلب منهم الهدوء وعدم الخروج في التظاهرات حفاظا على السلم والأمن العام·
الإمام الأكبر يصلح محركا للاحداث في مصر، وفي غيرها ففي كل مناسبة له رأي، ومع كل رأي يثور الجدل، وفور اندلاع الجدل تتشكل جبهة معارضة فوراً للامام، وتتوالى البيانات المناهضة لافكاره وارائه لدرجة ان احد معارضي الإمام قال ذات مرة ضاحكا اخشى نهاية الإمام، لاننا -كمعارضة- سنفقد خصماً لا يهدأ ولا يكف عن الضجيج·
عمر الإمام الأكبر الآن 74 عاماً كاملة منها عشر سنوات قضاها مفتيا وست اخرى في الإمامة الكبرى،
اختلف طنطاوي مع الأزهر عندما كان مفتياً من النقاب و فوائد المصارف حتى نقل الاعضاء، شكل ثنائية كانت الأولى من نوعها في حياة الأزهر الشريف ·
الثنائية تحولت وطوال عشر سنوات الى حالة صحفية عاشت عليها بعض الصحف العربية لدرجة ان فتاوى الحلال والحرام كانت تجري ما بين الإمامة ودار الافتاء مع طلوع كل شمس وبالعناوين الساخنة، والمقابلات العنيفة، رأسا برأس، وعمامة بعمامة والأزهريون مذهولون مما يجري بين العمائم الكبيرة في ظل حياد حكومي غريب·
كلاهما طنطاوي وجاد الحق كانا ينكران الخلاف علانية، ولكنه اصبح على كل لسان ووصية الرئيس حسني مبارك للمفتي السابق الدكتور نصر فريد واصل في أول يوم توليه مكان طنطاوي الذي تولى الإمامة الكبرى في العام 1996 كانت وبوضوح ضرورة انهاء الخلاف والعمل معا لصالح الاسلام والمسلمين، بما يعني ان الخلاف بلغ اسماع مؤسسة الرئاسة وقررت حسمه·
لم يسع واصل للثنائية، واحترم الدكتور طنطاوي حق واصل في الفتوى وكان يرد السائلين بقوله هناك مفت يعمل الآن بجد ونشاط·

حاخام في الأزهر

عزف طنطاوي عن الفتوى الى ماهو أهم·· ويقولون انه حاول جاهدا احياء الدور السياسي لمشايخ الأزهر القدامى قبل ثورة يوليو، دخل طنطاوي دنيا السياسة من احرج نقاطها وهي نقطة الصراع العربي الاسرائيلي وقدم في هذا السياق حالات صارخة حولته لحالة خاصة، وجعلته هدفا لليمين واليسار، للقوميين والاسلاميين وحتى من الأزهريين انفسهم الذين تطاولوا عليه ونادوا بخلعه مرات من الإمامة الكبرى·
طنطاوي التقى حاخام اسرائيل الكبير اسرائيل لاوي وكانت قضية مأساوية وصلت الاعتراضات ذروتها ·
ربما كان هذا هو الاختبار الاول والمحنة الكبرى التي تعرض لها طنطاوي خريج كلية اصول الدين عام ،1958 فالرجل الذي دبج كراهيته لليهود في رسالته للدكتوراه في العام 1966 والذي بين افعالهم وقتلهم للنبيين والرسل يستقبل الآن حاخامهم في الأزهر الشريف،
ضراوة الهجوم ومن كل الاتجاهات افقدت طنطاوي حلمه ولعلها المرة الاولى التي يفقد فيها الإمام الأكبر اعصابه ويطرد صحفيين من مكتبه ويصفع مصليا في صحن الجامع الأزهر جاء اليه عاتبا عدم دعوته للجهاد· ضاقت الدنيا على الإمام بما رحبت وتحمل وحده صابرا مأزق اللقاء الذي جاء في تفسيرات حدوثه الكثير من الضغوط السياسية، لم يشأ الإمام الأكبر الكشف عنها ولكنه كشف عما دار بينه وبين الحاخام، وقال بلغة صعيدية حاول فيها تبيان منطقه للبسطاء، ايوه انا قابلته ورددت عليه ولو كان -الحاخام - يعرف اني سأقابله بهذه الطريقة والله ماكان يفكر يهوب ناحية الأزهر، وقال لي - يقصد الحاخام- نعمل بياناً نقول فيه نحارب الارهاب لكني قلت له نحن نحارب الارهاب قبل مانشوف خلقتك، واضطرب الحاخام لما سمع كلامي وقطع المقابلة وكان وشه زي قفاه··· يقول الإمام الأكبر ردا على منتقديه طب انت ياللي خايف تقابله وجبان، طب ما تسيبوا الشجاع اللي يقدر يقابله ويرد عليه
التطاولات على الإمام الأكبر لم تخف رغم محاولاته وتوضيح وجهة نظره واضطر تحت قصف جبهة علماء الأزهر المعارضة له لتحويل أربعة من كبار علمائها إلى القضاء بتهمة السب والقذف في حقه الأمر الذي شبهته الجبهة بانها محاكم التفتيش في الأزهر الشريف·

القيادة الوسطية

الدور السياسي للأمام الأكبر برز أكثر مع تحول المشيخة الأزهرية لقبلة لكل سياسي من الشرق والغرب، وإذا كان طبيعيا زيارات لرؤساء ورؤساء وزراء ووزراء دول إسلامية مثل ماليزيا واندونيسيا وبنجلاديش وجزر القمر وغيرها، فأغلبهم درسوا في الأزهر ويعرفون فضله وبعضهم درس له الإمام الأكبر ويقرون له بالإمامة الكبرى لكن طابور الرؤساء الغربيين كان لافتا للنظر خاصة زيارات نائب الرئيس الأميركي السابق آل جور، ومن قبله وبعده رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وحتى المستشار الألماني شرودر، وتعددت لقاءات الإمام الأكبر مع الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا لدرجة ان زيارة المشيخة الأزهرية اصبحت بندا رسميا في جدول الساسة الغربيين من مختلف الفئات والطبقات· وخلال شهر يناير الماضي فقط زار المشيخة في مبناها الجديد في طريق صلاح سالم شرقي القاهرة أربعة وفود من الكونجرس الأميركي جميعا جاءوا ليعرفوا ما هو الإسلام من فم القيادة السنية الوسطية الإمام الأكبر·
كان لافتا للنظر اهتمام الصحافة الغربية بمقولات الإمام الأكبر بعد احداث 11 سبتمبر وما تلاها، والإمام الأكبر من جانبه لم يتأخر في ادانة الإرهاب والعدوان على الابرياء، ودعا لمؤتمرات صحفية عالمية لادانة الارهاب، واعتبرت مقولات الإمام الأكبر في هذا السياق مأثورات توزعها سفارات أميركا وانجلترا على كل مسلمي العالم باعتبارها الرؤية الإسلامية الصحيحة في ظل ترهات وضلالات تنظيم القاعدة وابن لادن الذي يستهدف المصالح الأميركية·
الباب السياسي الواسع الذي دخله الإمام الأكبر اتسع أكثر فأصبح مطلوبا منه تفسير ما تفعله حركة طالبان من تدمير تماثيل دميان وقرار ملاليها منع المرأة من الخروج للشارع، مرورا برؤيته في تفجير الاستشهاديين الفلسطينيين انفسهم في المدنيين الإسرائيليين·
وعمدت الصحافة والفضائيات العربية ومثلها الأجنبية إلى محاولة خلق حالة جدل حول تلك العمليات وفي كل مرة كان مصدرها الإمام الأكبر الذي لم يستقر على رأي موحد فهو يراها بعين استشهادية وبالعين الاخرى انتحارية وربما تغيرت الشهادة التي يرضى عنها الله ورسوله الى انتحار ينهي عنه الاسلام بين عشية وضحاها، الأمر الذي أوقع بينه وبين الدكتور يوسف القرضاوي مرة، وبينه وبين علماء فلسطين مرات، وكان ذلك خلافا حادا بينه وبين مفتي مصر الدكتور نصر فريد واصل انتهى بنهاية مدة واصل في دار الافتاء·
حضور طنطاوي مؤتمرا مشتركا بين مشايخ فلسطين وحاخامات إسرائيليين في الإسكندرية بدعوة من الكنيسة الانجليكانية مؤخرا كان آخرحلقات تدخلاته في السياسة التي جلبت عليه المتاعب والمؤتمر وما صدر عنه رفضه الفلسطينيون والمصريون على السواء ان يقبل حضور مؤتمر مثل هذا الذي ساوى ما بين ما تفعله إسرائيل في فلسطين وعمليات المقاومة، ورغم نفي الإمام تورطه إلا انه تورط في اصدار بيان المؤتمر بالحضور على كل حال·

حليم غضوب

الإمام الأكبر ليس بالرجل الذي يقع في الشرك، ويسهل اصطياده ولكنها تبدو قناعات خاصة به لا تراجع عنها، ربما لانها تجري في عروقه مثل الدماء فالرجل لمن لا يعرفه لا يلين، وربما ينطبق عليه القول المأثور اتق شر الحليم إذا غضب فهو حليم بشوش، واذا غضب يضبط اعصابه إلى اقصى الحدود ولكن احيانا يضيق صدره فينفعل وتنفلت كلماته مخلفة قضايا ومحاكم واقلها مقالات صحفية تهاجم أكبر عمامة ازهرية وبشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الأزهر الشريف·
يقولون ان الإمام الأكبر لا يجد غضاضة في دوائر الجدل من حوله ولا يكترث بها، ولا يأبه بمحركيها، وكما يقول- هو شخصيا- انه يجتهد، وقد يخطئ وقد يصيب· ويضيف: من يراني مصيبا فليتبعني ومن يرى عكس ذلك فلا جناح عليه· يقول أيضا هذا اجتهادي وانا لم اغصب احدا عليه· ويتساءل بعد كل مشكلة·· لماذا هم غاضبون؟!
لا يحب الإمام الأكبر الجدل ويعتبره نوعا من الشقاق، يفضل الحوار الهادئ المتزن، خاصة ان اي قول يستحق النقاش لكنه لا يتسامح في التطاول عليه لانه خروج عن الأدب· في هذا السياق يبدو الإمام الأكبر مثل أي رجل صعيدي من جنوب مصر، صعب المراس له نفس الصفات التي لا تفرط في حق اعتقده ولا تغالي في رأي توصل إليه·
فهو في لقاء الحاخام منتصر ويعتقد ذلك ويقول خرج الحاخام قفاه يقمر عيش!! وفي قضية تقليص المواد الشرعية الأزهرية اتهم معارضي سياساته بانهم جبناء !! وامام البرلمان حمل كتبه ومناهجه وبرهن امام الجميع على ان ما قصده من تطوير المناهج هو حذف الحشو مع الحفاظ على صلب المواد الدينية· لم يتوقف الإمام عند مقالات الدكتورة نعمات أحمد فؤاد الهادرة ضد لقائه مع آل جور، ولم يهادن جبهة علماء الأزهر بل جرهم واحدا تلو الآخر إلى ساحات المحاكم، وايد قانون الخُلع الذي اعتبره المعارضون صناعة أميركية ووقف ضد الحكومة ووزارة الثقافة في قضية رواية وليمة لاعشاب البحر وهاجم الابداع وأصر على رقابته لوجه الله، وذهب ليحاضر في الليونز وعاد ليقول المهم ماذا قلت ولمن·
القريبون منه يعرفون انه مازال صعيديا في لغته واخلاقه، واحتفظ من صعيديته بالاخلاق والشهامة ومن الاسلام بالحلم والتواضع والسماحة والصفاء·
الإمام الأكبر في المسلك البشري بسيط يفضل ان يأكل الحلو من يد ابنته الوحيدة ثناء طبيبة أطفال ويجالس في حدب وعطف اطفالها اسماء وسارة ومحمد اما زوجته الحاجة فتقول ان اكله قليل ومسلوق وفي الغالب لا يحب المسبك أو الأكل الدسم، يفضل العسل واللبن، أما عن برنامجه اليومي فيبدأ بعد صلاة الفجر حيث يصلي حاضرا ثم يبدأ رياضته اليومية يمشي في طريق مدينة نصر لمدة ساعتين حتى شروق الشمس· نفس الأمر يكرره ليلا بعد صلاة العشاء· روتينه اليومي لا يتغير وهو داخل مصر، ينام قليلا بعد صلاة العصر، ويصحو لصلاة المغرب ويقضي ما بين المغرب والعشاء في الترتيل، ينام مبكرا ليصحو مبكرا ويذهب الى عمله في الثامنة صباحا بالضبط، ومن الطرف التي ترويها ابنته ثناء عنه ان خطوته سريعة ترهق من يمشي جواره لذا لم تعد تمشي معه خاصة مع وجود أولادها كما ان الحراس من حوله اشتكوا من رفضه وجودهم معه أثناء رياضة المشي وكانوا يمشون وراءه من بعيد الا انه رفض بشدة حراسته· وقال الحارس ربنا وطلب ان يمشي منفردا، وإذا لقي الناس ألقى التحية وعادة ما يسلم عليه الناس وهو يرد عليهم التحية بأحسن منها ·