من المسلم به أن القصيمي
ينتمي إلى أسرة "الصعيدي" وهي أسرة ضاربة بعمق في نجد ومنتشرة بين
منطقتي حائل والقصيم، ولكن من أين جاءت التسمية بالصعيدي؟
في الوقت
الذي يرى فيه الأستاذ عبدالرحمن البطحي "مؤرخ مقيم في عنيزة بالقصيم"
أن أحد أجداد الأسرة كان يعمل بالعقيلات بين مصر ونجد قبل قرون، فنسب
إلى المنطقة التي كان يذهب إليها متاجراً، وهذه عادة منتشرة في العديد
من المدن النجدية، ويؤيده في ذلك الأستاذ الباحث يعقوب الرشيد والمؤرخ
إبراهيم المسلم، إلا أن الدكتور فيصل القصيمي يروي لـ "إيلاف" روايتين
حول سبب التسمية بالقصيمي، فإضافةً إلى الرواية الأولى يطرح رأياً آخر
وهو أنه ربما يكون جد الأسرة بالفعل قد قدم من الصعيد المصري، واستقر
في نجد، إلا أنه يذكر أن أسرة الصعيدي في حائل وبريدة يلتقون في جدٍ
جامع لهم، إلا أن الأستاذ إبراهيم عبدالرحمن ( محامي مصري وصديق مقرب
جدا من القصيمي) ينكر الرواية الأخيرة، ويذكر أن أول من قال بها هو
صلاح الدين المنجد في رده على القصيمي، وكان هدف المنجد كما يذكر
المحامي عبدالرحمن هو تبرئة الساحة النجدية من القصيمي!! ويذكر المحامي
عبدالرحمن أن فكرة المنجد قد لاقت قبولاً ورواجاً داخل السعودية، إلا
أنه يستطرد قائلاً : أن الشيخ حمد الجاسر قد بحث المسألة وتوصل إلى
نتيجة وهي أن أصول القصيمي من نجد وأن أحد أجداده قد سافر إلى مصر وعاد
مرةً ثانية إلى نجد فعرف بلقب الصعيدي!.
ورداً على سؤال " إيلاف" للمحامي عبدالرحمن الذي صحب القصيمي
مدة خمسين عاماً من أن القصيمي لا بد وأن يكون قد تحدث معه في هذه
المسألة خلال هذه المدة الزمنية الطويلة ، قال : أبداً لم يحدث أن تحدث
معي الشيخ عبدالله في هذه المسألة ولا غيرها، لأنه كان يرفض دائماً
الحديث عن كل مسائله الشخصية!.
" إيلاف" رغم اعتزازها بصعيد مصر كجزء من أرض العروبة والإسلام،
إلا أنها لا ترى أن مجرد النسبة إلى هذا الإقليم أو ذاك سبباً قاطعاً
في أن يكون هذا الشخص من تلك المنطقة أو ذاك الإقليم، والدليل أن هناك
العديد من الأسر النجدية منسوبةً إلى أقاليم خارج الجزيرة العربية
فهناك العماني والتركي والشامي والهندي والرومي والمصري واليماني
وغيرها كثير، وفي الوقت الذي لا يرى الدكتور فيصل القصيمي أية إشكالية
في أن يكون جد الأسرة قد قدم بالفعل من صعيد مصر، فالأمر سيان لديه،
إلا أن إيلاف ترى وجوب حشد الأدلة القاطعة، لأن مجرد الانتساب وحده لا
يكفي ليكون دليلاً قاطعاً.
نشأ القصيمي فيما بين " خب الحلوة" و "
الشقة" في ظروف سيئة للغاية، فإضافةً إلى فقده لحنان والديه، فقد كانت
الأحوال المعيشية سيئة جداً، الأمر الذي دعاه أن يغادر قريته إلى
الأبد!! وهو في سن العاشرة من عمره، وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن
قرار المغادرة قد أتخذه الفتى بنفسه هروباً من تلك الأوضاع الصعبة يرى
الدكتور فيصل القصيمي أن أخوال الشيخ عبدالله هم الذين دفعوه إلى
الهجرة بحثاً عن الرزق، وأصروا على مغادرته أمام إصرار والدته، وكانت
حجتهم أن يبحث عن أبيه ليطعمه ويكسوه بعد أن ضاقت بهم السبل في تلك
الظروف المعيشية السيئة! ركب الفتى عبدالله القصيمي المخاطر مع أول
قافلة اتجهت إلى الرياض بعد اتخاذه للقرار الخطير، الذي قاده إلى رحلة
طويلة تنقل فيها بين العديد من الأقطار العربية، فما بين مولده في " خب
الحلوة" إلى مدفنه في مقابر باب الوزير بالقاهرة رحلة من البحث الطويل
المعيشي بدايةً ثم الفكري، الذي أصبح واحداً من أبرز فاعليه على مستوى
الوطن العربي .
في الرياض حيثُ درس القصيمي على الشيخ سعد بن عتيق،
تعرف إلى وفد من الشارقة جاء لزيارة الرياض، وكانت المصادفة أن
رئيس الوفد صديق لوالده ويعرفه تمام المعرفة، فلاحت في أفقه بوادر أمل
في لقاء أبيه، وهذا ماتم على ساحل خليج عمان، إلا أن الدهشة أصابت
الفتى الذي كان يتطلع ليس إلى مقابلة والده فحسب، بل إلى ذلك الحنان
الذي حُرم منه عشر سنوات، كانت المفاجأة أن والده الذي كان يعمل تاجراً
في اللؤلؤ ومتشدداً في تفسيره لكثير من تعاليم الدين الإسلامي قد قابله
بشيء من الجفوة والقسوة وفرض عليه أسلوباً في التربية غاية في القسوة.
هذا اللقاء الجاف لا بد وان يكون له تأثيره اللاحق على
حياة القصيمي، يقول القصيمي واصفاً ذلك اللقاء في إحدى رسائله التي بعث
بها إلى الأستاذ أحمد السباعي( كانت صدمة قاسية لأكثر وأبعد من حساب،
لقد وجدت والدي متديناً متعصباً بلا حدود، لقد حوله الدين والتدين إلى
فظاظة أو حول هو الدين والتدين إلى فظاظة .. لقد جاء فظاً بالتفاسير
والأسباب التي جاء بها الدين وحاول أن يبدو كذلك ولا يراه رجل دين
وداعية صادقاً إلا بقدر ما يجد فيه من العبوس والفظاظة .. ) .
التحق القصيمي في مدرسة الشيخ علي المحمود، ثم توفي والده
عام 1922م فتحرر من تلك القيود التي كبل بها وانطلق يواصل تعليمه،
فأعجب به التاجر عبدالعزيز الراشد الذي أخذه معه إلى العراق والهند
وسوريا، تعلم القصيمي بدايةً في مدرسة الشيخ أمين الشنقيطي في الزبير،
ويذكر الأستاذ يعقوب الرشيد أنه التحق بالمدرسة الرحمانية
بالزبير، ثم انتقل إلى الهند ومكث بها عامين تعلم في إحدى
المدارس هناك اللغة العربية والأحاديث النبوية وأسس الشريعة الإسلامية،
ثم عاد إلى العراق والتحق بالمدرسة الكاظمية ثم انصرف عنها إلى دمشق ثم
إلى القاهرة التي شهدت الميلاد الحقيقي للقصيمي.