الاقتصاد السياسي للسياسة التجارية

في مصر

أ.د/  نهى مكاوى*

د/  أحمد غنيم  **

                    

أكتوبر 2002


مقدمة:

إنتشار ظاهرة العولمة والتي تزامنت مع مرحلة تطبيق اتفاقية دورة أوروجواي دفعت الأكاديميين وواضعي السياسات لإثارة أهمية السياسة التجارية من جديد و قد حظت الأسئلة المتعلقة بإصلاح السياسات التجارية باهتمام كبير سواء في دوائر صنع السياسات أو بين الأكاديميين خلال العقد الماضي: في أي اتجاه يجب أن يتم إصلاح السياسة التجارية وما هي أفضل الوسائل وأكثرها كفاءة لتحقيق ذلك الهدف.

 

وقد اتفقت الكثير من الأدبيات على أن إصلاح السياسات التجارية يعني بالضرورة تحرير التجارة لإن ذلك يؤدي حتمياً إلى معدلات نمو أعلى. وبالتالي تصبح التجارة الحرة شئ مفيد في حد ذاته. الهدف من هذا الاتجاه هو توضيح أهمية إزالة العوائق التجارية وتخفيض درجة تدخل الدولة استنادا إلى الفرض المتعلق بعدم قدرة الدولة على صياغة سياسة تجارية كفء
(Krugmann, 1993 ); بينما دعم هذا الإتجاه بالكثير من الدراسات التطبيقية إلا أنه افتقر إلى الجزم النهائي بصحته Rodrik2001)). فهناك الكثير من حالات الإصلاح التجاري اتسمت بالنجاح والتي اشتملت على سياسات تدخلية من جانب الحكومة ولم تعتمد كلية على حرية التجارة. فعلى سبيل المثال فإن كوريا الجنوبية وتايوان ادمجوا سياسات التجارة الحرة مع خليط من سياسات حمائية إلى حد ما تتعلق بالتعريفة الجمركية، حرية انتقال رأس المال وسياسات البنوك. التحرير الكامل لواردتهم لم يتم إلا بعد أن حققوا معدلات مرتفعة لنمو اقتصاديتهم. بل نجد أنه في حالة كوريا الجنوبية فإن التحرير لم يكن شاملاً بل اقتصر على بعض المجالات

(Rodrik, 2001; Rodrik,1996).

 

إن الاصلاح التجاري إذا ترجم على أنه سياسات تتعلق بتحرير التجارة فإنه له معاني كثيرة بعضها يركز على الجانب المؤسسي وقد ازداد الأمر صعوبة بعد إدراج الكثير من الأمور المتعلقة بالتجارة تحت مظلة منظمة التجارة العالمية. فالأمر لم يعد مقتصراً على التعريفة الجمركية والعوائق غير الجمركية بل إمتد ليشمل الكثير من السياسات المحلية والقوانين والتشريعات الوطنية. وعلى سبيل المثال فهل إذا كانت هناك دولة تتمتع بتعريفة جمركية منخفضة وليس لديها عوائق غير جمركية ولكنها تعاني من درجة قرصنة مرتفعة لحقوق المؤلف تعتبر تتبع سياسة تجارية سيئة؟  أو هل إذا كانت هناك دولة قد تقدمت بعدد ضئيل من الإلتزامات في إطار إتفاقية التجارة في الخدمات  (GATS)بالرغم من تحرير كثير من الصناعات الخدمية لها فإنها تعتبر دولة ذات سياسة تجارية حمائية؟ إن إصلاح السياسة التجارية مع الأخذ في الاعتبار هذا الإطار المؤسسي الجديد يمتد إلى أكثر مما تعنيه إزالة العوائق الجمركية وغير الجمركية ليشمل هذاالبعد المؤسسي والذي ليس بالضرورة أن يتوافق مع متطلبات منظمة التجارة العالمية ولكن قد يكون يهدف إلى تحقيق تنمية حقيقية والتي قد تختلف كمفهوم من عصر إلى عصر ومن دولة إلى أخرى كل حسب ظروفها السياسية والإقتصادية و الاجتماعية (انظر(Rodrik, 2002  .

 

إن الهدف من إصلاح السياسة التجارية من خلال تحقيق تجارة حرة تعقد بسبب الخلاف حول تحديد كيفية قياس درجة الإنفتاح التجاري (trade   openness)  . فالبعض يقيسه على أنه نسبة مجموع الصادرات والواردات منسوباً للناتج المحلى الإجمالي، بينما البعض الآخر يقيسه ببعض المؤشرات التي ليس لها صلة مباشرة بالسياسة التجارية كسعر الصرف(Dollar,1992; Edwands1998; Sachs&Waner,1996; Oliva,2000) وهناك أيضاً خلاف حول كيفية قياس مستوى الحماية التجارية باستخدام التعريفة والعوائق غير الجمركية. فهناك القياس بإستخدام المتوسطات الموزونة  أو بإستخدام التعريفات السائدة  أو نسبة حصيلة الجمارك لإجمالي الواردات. وكل هذه المقاييس لا تخلو من المشاكل (Dornbush,1992 ;Hoekman & Messerlin,2002)  هناك اتجاه آخر للإصلاح التجاري يتمثل في إزالة التحيز ضد الصادرات. وهناك مشاكل ظاهرة في تعريف السياسة التجارية كسياسة تنشيط للصادرات. فالمؤشرات يصعب تحديدها سواء كانت مباشرة تتمثل في الإعانات المباشرة أو غير المباشرة من خلال نظم سعر الصرف وتقليل اللوائح والقوانين المتعلقة بتحديد الأسعار والأجور. وهكذا نرى أن هناك ثلاثة مشاكل تخص الإصلاح التجاري.

 

أ-فوائد تحرير التجارة كانت مقومة بأكثر من حقيقتها وذلك بسبب الإجماع العالي على أن الإنفتاح التجاري هو مصدر أساسي للنمو، بينما تجارب عدد من الدول أكدت أن تحرير التجارة والإنفتاح هى أدوات وليست أهداف .

ب- الإصلاح التجاري وأدواته هى أجزاء من منظومة اقتصادية معقدة تجعل الإصلاح التجاري من الصعب فصله عن بقية السياسات وتجعل الإصلاح التجاري عرضه للبيروقراطية في مختلف الوزارات المعنية.

ج- وأخيراً فإن الإصلاح التجاري هو عملية سياسية لإن السياسات التجارية متصلة بشبكة من المصالح المختلفة.

هناك اتجاه لإعادة تحديد مفهوم الإصلاح التجاري ليشمل بالإضافة إلى التعريفات والعوائق غير الجمركية منظومة أكثر تعقيداً في الإصلاحات الديناميكية والمؤسسية والتى تشمل الجوانب السياسية و الاجتماعية بجانب الاقتصادية. بمعنى آخر فإن الاقتصاديين بدأوا يعوا أهمية البيئة السياسية والمؤسسية اللازمة لضمان نجاح الإصلاح التجاري. الشكل رقم1 يوضح المنظومة المعقدة للإصلاح التجاري وارتباطها بعدد من الأمور المؤسسية.

 

 

شكل رقم (1)
Oval: أدوات السياسة التجاريةOval: المؤشرات المتعلقة بالإقتصادالكليOval: البيروقراطية
Oval: إدارة المصالح المختلفة
 

 

 

 

 

 

 

وبالتالي نحن نرى أن مفهوم الإصلاح التجاري هو عبارة عن مجموعة من الأدوات الاقتصادية والمؤسسية اللازمة لخلق بيئة موائمة للعاملين في مجال التجارة حيث تتسم هذه البيئة بالقدرة على التوقع، الإتساق، والإستمرارية حتى يتحقق توزيع أفضل للموارد. هذا يتطلب التنسيق بين السياسات والأدوات كما هو موضح في الشكل أعلاه. وهذه مهمة ليست بالسهولة الظاهرة إذ أنها تحتاج إلى ربط التحليل الإقتصادي بالسياسة الاقتصادية وكذلك فهمنا الصحيح للثوابت الاقتصادية والسياسية في ٍبلدنا والتي تمثل عوائق الإصلاح.

 

هذه الورقة تبحث في الاقتصاد السياسي للإصلاح التجاري في مصر ودور الدولة المنتظر منها في هذا الصدد. وفي القسم الأول تحدد الورقة أهم مظاهر السياسة التجارية المصرية في التسعينات وتوضح أهم التحديات التي يجب مواجهتها. وفي هذا القسم نبحث أيضاً في ما حققته مصر في مجال الإصلاح التجاري. القسم الثاني يناقش أهم الثوابت في ظل الإقتصاد السياسي والتي تقف كعائق أمام الإصلاح التجاري في مصر. وأخيراً نقدم بعض التوصيات والتي نرى أنه من الأفضل أن تتبعها الحكومة المصرية حتى تحقق الإصلاح التجاري المنشود.

 


القسم الأول:- إصلاح السياسة التجارية في مصر خلال التسعينات:

هذا القسم يتابع تطور الإصلاح التجاري في مصر ويوضح مدى إنحراف التجربة المصرية في هذا المجال عن المفهوم المعتاد في هذا الشأن بدءا بتحديد الخطوات المتعلقة بالسيلسات التي اتخذت ثم ننتقل إلى النتائج التي حدثت في مجال الإصلاح التجاري.

 

الخطوات المتعلقة بالسياسات المتخذة:

خطوات إيجابية:

لقد بدأ الإصلاح التجاري في عام 1986 حيث شمل إصلاح شامل للهيكل الجمركي واستمر هذا الإصلاح مع تبني مصر برنامج الإصلاح الإقتصادي عام 1991. وقد تضمن البرنامج الأخير جزء متعلق بتحرير التجارة وكان يهدف أساسا إلى تغيير سياسة مصر من سياسة إحلال محل الواردات إلى سياسة تنشيط الصادرات. ويوضح الجدول رقم 1 تطور التعريفة الجمركية خلال عقد التسعينات.

 

جدول 1 تطور التعريفة الجمركية في مصر خلال التسعينات

تعليقات

أقصى حد للتعريفة

السنة

 

100%

1991

قائمة استثناءات متغيرة

80%

1993

قائمة استثناءات متغيرة

70%

1994

قائمة استثناءات متغيرة

55% ثم 50%

1996/1997

قائمة استثناءات متغيرة

40%

1998

المصدر: منظمة التجارة العالمية، 1999

 

وقد صدر قرار جمهورى عام 2001 يهدف إلى تخفيض معدلات الجمارك على بعض السلع وزيادتها على البعض الآخر مما يعنى زيادة درجة تشتت التعريفة (Tariff dispersion) . معدل الحماية الفعلي حظى بتطور إيجابي إذ تناقص بين عامي 1991-1998 (WTO,1999) وقد استطاعت مصر بنجاح تخفيض متوسط التعريفة الجمركية حيث انخفضت إلى 26.8% (30.1% إذا اخذنا الرسوم الأخرى في الحسبان) عام 1998 وذلك من 42.2% عام 1991. كذلك كان هناك انخفاض في التصاعد التعريفي
tariff escalation)) في جميع القطاعات. في عام 1998، كان هناك سقف جمركي لأكثر من 98% من البنود الجمركية بمتوسط 45% (من المنتظر أن ينخفض إلى 37% بحلول عام 2005). هذه النسبة 98% هى نسبة جيدة إذا ما قورنت بمتوسط الدول النامية (73%).

 

تخفيض العوائق الغير جمركية:

مصر استطاعت أن تحقق نتائج إيجابية في هذا الصدد. فقد قامت مصر بإزالة القيود على الاستيراد باستثناء الملابس الجاهزة وبعض منتجات اللحوم. ولا تستخدم مصر الحصص الاستيرادية، وليس لديها حد أدنى لأسعار الواردات أو حصص موسمية.  كذلك فقد أزالت مصر كثير من السلع التي كانت على قائمة السماح بالدخول بإشتراطات معينة حيث انخفضت السلع الواردة على هذه القائمة من 15 مجموعة سلعية عام 1991 إلى 3 مجموعات سلعية عام 1998.


الإرتداد:

إن تخفيض التعريفة الجمركية لم يتضمن كل السلع. كثير من السلع مثل سيارات الركوب، منتجات التبغ والمشروبات الكحولية بقيت خارج التخفيضات لأسباب بعضها متعلق بالحفاظ على عائد الإيرادات الجمركية.

 

لتعويض تأثير انخفاض التعريفة بدأت الحكومة في فرض رسم جمركي يمثل 1% من قيمة السلع المستوردة، مما زاد من درجة انعدام الشفافية. بالإضافة إلى هذا فقد زادت درجة تشتت التعريفة جزئياً بسبب انخفاض متوسط التعريفة الجمركية مما أظهر ما يسمى بالقمم التعريفية (tariff peaks) في بعض القطاعات الهامة التي لم تتعرض للتخفيض الجمركي والتي تضمنت سيارات الركوب، الملابس، والمشروبات الكحولية. وباستمرار التحرير التجاري فقد زادت درجة انعدام الشفافية وتشتت التعريفة. فعلى سبيل المثال فإن انخفاض التعريفات عام 1994 لم يحدث أثر إلا في قطاع السلع الرأسمالية. وكان هذا بسبب أن انخفاض التعريفة الجمركية عام 1994 صاحبه  فرض رسوم استخدام وصلت إلى 3% من قيمة السلع والتي تتمتع بتعريفة أقل من 30% وإلى 6% من قيمة السلع التي لها تعريفة أعلى من 30% . هذه الرسوم تطبق حالياً على السلع التي يتراوح جمركها بين 29.5% بنسبة 2% من قيمتها و 3% من قيمة السلع التي يزيد جمركها عن
30% . في عام 1998،  كان هناك حوالي 12% من البنود الجمركية تطبق تعريفة أعلى من السقف الجمركي الذي التزمت به مصر تجاه منظمة التجارة العالمية. هذا بالإضافة إلى أن السقف الجمركي (40%) أعلى بكثير من متوسط التعريفة المطبق فعلياً. بمعنى آخر فإن هناك درجة عالية من الماء في التعريفة (Water in the tariff)   مما قد يعطي مؤشراً بالتراجع في الإصلاحات. و يتميز هيكل التعريفة في مصر بالتصاعدية الملحوظة حيث تنخفض التعريفة الجمركية على المواد الأولية وتستمر في الإرتفاع بزيادة درجة التصنيع . في عام 1998 كان متوسط الضريبة القيمية المطبقة على السلع الأولية 14.5% مقارنة بـ 20.2% على السلع نصف المصنعة و
30.9% على السلع تامة الصنع والتي مثلت بدورها 57% من إجمالي السلع المستوردة
(انظر الجدول الثاني). وبجانب السلع الغذائية والمشروبات والتبغ فإن الضريبة التصاعدية تمثل صفة هامة لصناعة الأخشاب. أما في صناعات الملابس والمنسوجات والجلود فإن متوسط التعريفة المطبقة على السلع تامة  الصنع يصل في بعض الأحيان إلى خمسة أضعاف التعريفة المطبقة على السلع الأولية.


الجدول رقم 2 التعريفة المطبقة باختلاف درجة التصنيع

متوسط التعريفة متضمناً الرسوم الاخرى %

متوسط التعريفة

%

% من كل البنود

(6032)

 

30.2

26.8

100

متوسط بسيط

17.7

14.5

11.2

سلع أولية

23.5

20.2

31.6

سلع نصف مصنعة

36.3

32.9

51.1

سلع تامة الصنع

24.4

21

100

متوسط بسيط باستثناء المشروبات الكحولية

17.7

14.5

11.2

سلع أولية

23.5

20.2

31.7

سلع نصف مصنعة

26.1

22.7

57

سلع تامة الصنع

المصدر: WTO (1999)

 

وقد قامت مصر بإدخال العديد من الواردات الغير مقيدة الى قائمة السلع الخاضعة لاختبارات الجودة.

 

إن المراجعة الدورية للسياسة التجارية المصرية من قبل منظمة التجارة العالمية عام 1993 أظهرت وجود 69 بنداً خاضعة لاختبارات الجودة وقد زاد عدد هذه البنود الى 182 بنداً عام 1998. هذه البنود تتضمن سلع غذائية، مكونات الكترونية، وسلع استهلاكية. بالاضافة الى ذلك، فان المعايير المصرية أظهرت درجة توافق منخفضة للغاية مع المعايير الدولية المعترف بها فعلى سبيل المثال مصر تتوافق فقط مع أقل من 20% من المعايير الدولية سنوياً منذ عام 1992.

باختصار يمكن الجزم ان قيام مصر بالعديد من الاصلاحات التجارية على مستوى السياسات صاحبه العديد من النواقص عند مراجعة نتائج تطبيق تلك السياسات.

نتائج السياسات:

ان استخدام نتائج السياسات كمؤشر لقياس مدى نجاح سياسات الاصلاح التجاري في مصر يظهر أداءً متواضعاً للغاية.

ويوضح الجدول رقم 3 انخفاض مؤشر الانفتاح من 33% عام 92/1991 الى 14% عام 2001/2000.

 

جدول رقم 3 "درجة الانفتاح التجاري"

درجة الانفتاح (%)

السنة

33.28

92/1991

30.81

93/1992

27.11

94/1993

29.55

95/1994

27.68

96/1995

27.65

97/1996

26.69

98/1997

24.12

99/1998

24.82

2000/1999

23.88

2001/2000

المصدر: محسوبة على أساس بيانات وزارة التجارة الخارجية, 2002

 

ويوضح الجدول رقم 4 انخفاض درجة أداء السياسة التجارية في مصر مقارنة بالدول الاخرى وذلك بمقارنة نصيب مصر في اجمالي صادرات العالم مع الدول الاخرى. وقد انخفضت نسبة صادرات وواردات السلع والخدمات الى الناتج المحلي الاجمالي من 91% عام 1985 الى 50% عام 96/1997

 

جدول رقم 4 "تطورات الانفتاح التجاري في مصر وبعض الدول النامية"

النصيب من اجمالي واردات العالم

النصيب من اجمالي صادرات العالم

 

93/1996

83/1986

93/1996

83/1986

0.23

0.54

0.07

0.17

مصر

1.31

0.52

1.05

0.41

تايلاند

1.39

0.67

1.4

0.83

ماليزيا

0.77

0.69

0.94

1.08

اندونيسيا

0.3

0.15

0.28

0.21

شيلي

2.51

1.58

2.35

1.63

كوريا

1.26

0.72

1.2

0.83

المتوسط باستثناء (مصر)

المصدر: Rifaat 1999


وانه من الجدير ملاحقة تطورات مؤشرين اخرين هما معدل نمو الصادرات والواردات بالاسعار الثابتة كما هو موضح بالشكل رقم 2 ونصيب الصادرات الصناعية من اجمالي الصادرات السلعية كما هو موضح بالشكل رقم 3. والمؤشران يدلان على ضعف الاداء.

 

 

شكل رقم (2)

 

المصدر : البنك الدولى، 2002

 


شكل رقم (3)


المصدر : البنك الدولى، 2002

 


وبالتالي فان الحكم النهائي على  تطور السياسة التجارية في مصر يدل على أن السياسة التجارية عانت من نتائج مختلطة لو أدرجنا السياسات الناجحة ونتائجها المتواضعة.

هذا التقييم لم يتضمن ملاحقة التطورات التنظيمية والتي كانت تشير الى زيادة درجة التحرير الاقتصادي (مثال قانون 8 للاستثمار، التزامات اتفاقية التجارة في الخدمات، الخ....).

 

الى أي مدى تعتبر الحالة المصرية تقليدية بشأن السياسة التجارية ؟

في حقيقة الامر، لو قمنا بمسح شامل للسياسات التجارية المتبعة في مختلف العالم لوجدنا أن السياسات الحمائية تتغلب في أغلب الاحيان مع التركيز على دعم الصادرات المباشر والذي يعاني غالباً من عدم الكفاءة في التطبيق نتيجة غياب العوامل المؤسسية والسياسات الاقتصادية الكلية المساعدة. ان حالة جنوب شرق آسيا هي حالة استثنائية. ولكن النظرة التقليدية لتحرير التجارة والانفتاح لا تستطيع مساعدتنا في تقييم الحالة المصرية وخاصة بالنسبة للعوائق الجمركية.

 

إنه من الصعب تقييم أداء الاصلاح التجاري في مصر نتيجة المشاكل المتعلقة بتحديد مفهوم الاصلاح التجاري. لو حددنا أنفسنا بالتحليل التقليدي لانتهينا بنتائج مختلطة كما تم توضيحه في القسم السابق. لذا عند تفسير الاصلاح التجاري يجب أن نتوخى الحذر. هناك بعض الدراسات التي أوضحت أن مصر تنتقل من وجود هيكل جمركي نمطي الى هيكل جمركي متشتت (Olivia,2000) ، وإذا حصرنا أنفسنا بقراءة البيانات المنشورة في التقارير لحصلنا على نفس الانطباع. ولكن يجب تعديل هذه التقديرات حيث أن التشتت الجمركي بالرغم من حقيقة زيادته الا أن هذا يرجع الى أن بعض السلع بعينها كالمشروبات الكحولية، السيارات والمنسوجات بقيت مستثناه من تطبيق السقف الجمركي و مع وجود هذه القمم التعريفية والتى أدت الى زيادة درجة التشتت الجمركي. وبالتالي هكذا نرى أن متابعة المؤشرات دون تحليل دقيق قد تكون مضللة.

 

ولم يحدد الادب الاقتصادي بشكل صحيح ما اذا كان تخفيض مستوى التعريفة الجمركية أفضل من تخفيض القمم التعريفية. وقد أكد الادب الاقتصادي على أهمية هذين المقياسين بدون تحديد أفضلية إحداهما على الاخر. وهذا شئ هام لانه يعطي انطباعات مختلفة. بالاضافة الى ذلك فهناك مشكلة اذ أنه وفقاً لما تم ذكره فان من أفضل انجازات الاصلاح التجاري في
مصر هو تخفيض معدل الحماية الفعلية  ( Rifaat, 1999 ) الا أن هناك بعض المتخصصين مثل (Harrison and Hanson,1999 ) قد أوضحوا أنه في حالة المغرب فان القطاعات التي تمتعت بمعدل حماية فعلي مرتفع استطاعت تنمية صادراتها بشكل ملحوظ بعد أن بدأت المغرب في إصلاحها التجاري في الثمانينات. وبالتالي يبقى هنا التساؤل هل يجب على الحكومة المصرية أن تعمل على تخفيض معدل الحماية الفعلي أم كما أوضحت الدراسات التطبيقية أن ارتفاع معدل الحماية قد يكون مفيداً في بعض الاحيان.

 

ان تعريفنا للاصلاح التجاري يخرجنا من هذه المشكلة لو طبقنا تحليلات أخرى لوجدنا أن مصر وفقاً لمؤشرات معينة (كتلك المستخدمة فى Sachs and Warner, 1996) سوف تعطي نتائج أخرى في حالة استخدام مؤشرات أخرى كتلك المستخدمة بواسطة (Dollar, 1992 , Edwards, 1998 ) في محاولة لقياس مدى التقييد التجاري ظهرت مصر ،أن لها نفس مستوى الحماية كالمغرب لو أخذنا في الحسبان العوائق الجمركية وغير الجمركية فقط وقد تظهر أنها أكثر حمائية لو أضيف التشتت الجمركي الى حساباتنا (Olivia, 2000) هذا يعني أن مساواة الاصلاح التجاري بالانفتاح التجاري أو التحرير هو عرضة للفروض المستخدمة والمنهجية المتبعة في التحليل.

 

وباتباع تعريفنا نجد أن السياسة التجارية في مصر ضعيفة من الناحية المؤسسية حيث تفتقر الاتساق فنجد أنه مع انخفاض التعريفة كانت رسوم الواردات تتزايد. وقد عانت أيضاً من انعدام الشفافية اذ نجد أنه في عام 1994 كان 23% من اجمالي حصيلة الجمارك محصلة من اجراءات تخليص الجمارك (Olivia, 2000) مما يعني نقص الشفافية والتلاعب بجداول التعريفة المعلنة. باختصار فان السياسة التجارية المصرية تفتقر الشفافية والمصداقية في تقييم الواردات.  و مصر يشار اليها كمثل في عدم احترام المعايير الدولية. فعلى سبيل المثال عام 1997 كانت التعريفة في مصر محددة وفقاً لجدول التعريفة والذي بدوره كان يعني أن التعريفة يتم حسابها بناء على الاوراق والوثائق التجارية المقدمة عند استيراد السلعة لاول مرة بصرف النظر عن جهة الاستيراد. وقد كانت مصلحة الجمارك تستخدم هذه الوثائق في تحديد التعريفة ولا تسمح بتقبل أي سعر أقل من أول سعر حصلت عليه عند استيراد السلعة لأول مرة. وكان هذا يعني في التطبيق ارتفاع الجمارك المطبقة (عند اضافة الرسوم) عن جدول التعريفة المعلن (Olivia, 2000). وقد صرح وزير المالية عدة مرات أن هذا النظام قد تم وقفه (قرار وزاري رقم 765/2001) ولكن موظفو الجمارك مازالو يطبقون هذا النظام.

 

مثال أخر ورد في تقرير مفوضية الاتحاد الاوروبي عن مصر حيث أكدت أن التعريفات المطبقة في مصر أعلى من التعريفة المربوطة في جداول مصر بمنظمة التجارة العالمية في عدد كبير من البنود الجمركية وقد وصل عدد هذه الحالات الى أكثر من 1300 حالة. وقد ردت الحكومة المصرية على هذا الوضع أن التعريفة المربوطة بجداول المنظمة تطبق على أعضاء منظمة التجارة العالمية بناء على التقدم بطلب لمصلحة الجمارك (EU  Delegation, 2002) على أية حال فان افتقار الشفافية أمر واضح في هذا المثال و الأمر متكرر على نطاق واسع في أنظمة الدروباك كما يوضح المصدرون. هذه الادلة توضح أن مقاييس التجارة التقليدية المستخدمة لتقييم الاصلاح التجاري ممكن أن تؤدي بنا الى اساءة تقييم المواقف والسياسات اذا لم نأخذ في اعتبارنا الجوانب المؤسسية (مثل الشفافية، التوقع). هذه الجوانب تلعب دور أساسي في فهم النتائج المختلطة التي حصلنا عليها عند تفسير الاصلاح التجاري في مصر.

 

وبالتالي نحن نرى أن الاصلاح التجاري في مصر عانى من عدم التوقع و عدم الاتساق، و عدم الاستمرارية وافتقار الشفافية مما أدى في النهاية لاداء متواضع.

 

القسم الثاني: محاولة لفهم الاقتصاد السياسي للاصلاح

1/2 الجوانب السياسية لاقتصاديات السياسة التجارية

 

الخصائص السابق التي تم عرضها في القسم السابق للسياسة التجارية المصرية في عقد التسعينات تدل على أنها مازالت سياسة حمائية تتمتع بتشتت للتعريفة وحزمة من العوائق الغير الجمركية وارتفاع في تكلفة المبادلات وتحيز صريح ضد الصادرات.

 

السياسة التجارية الحمائية تدل على أن هناك مصالح لبض القطاعات والصناعات والتي ستخسر أو تنخفض مكاسبها في حالة الانفتاح على العالم الخارجي بسبب ضعف القدرة التنافسية لديها. واذا كانت هذه القطاعات أو الصناعات يعمل بها عدد كبير من الافراد والذين لا يستطيعون الانتقال بسهولة الى قطاعات أخرى فان الدوافع وراء استمرار الحماية المرتفعة تظهر بدرجة أكبر من الوضوح. وبالتالي تظهر حلقة مستمرة من الدوافع حيث أن القطاعات التي حصلت على حماية مرتفعة تستمر في عدم المرونة وضعف التنافسية ورفض التحرير. وهذا ما يؤدي الى تكوين جماعات ضغط Lobbies بينهم.

(Rodrik, 1994; Brainard and Verdier,1998; Grossman and Helpman,1992)

هذه السياسة التجارية هى سمة لادارة سياسة ضعيفة للمصالح المجتمعة  (Collective Interests) وهو مايوجد في العديد من السياسات التجارية المتبعة على مستوى العالم. عادة تستمر الحماية نتيجة ظهور جماعات ضغط لا تستطيع تقييم ما اذا كان أعضاؤها سيستفيدون من الانفتاح أم لا وهو ما يدفعهم الى تفضيل استمرار الحماية بدلاً من الحصول على اعانات. وبالاضافة الى هذا فانه في الاقتصاديات النامية التي تنتقل الى مرحلة اقتصاديات السوق فإن  الأفراد أو القطاعات التي قد تستطيع الافادة من الانفتاح قليلة وبالتالي غير قادرة على بناء توازن مضاد للمصالح المطالبة باستمرار الحماية. والتجارب والادلة تدل على أن الحماية عادة ماتكون مرتفعة لدى الصناعات كثيفة العمالة والتي تكون فيها العمالة ذات مهارات منخفضة وأجورها متدنية. كذلك تكون الحماية مرتفعة في الصناعات ذات المكون الاجنبي المرتفع والتي تنتج سلع استهلاكية تستهلك على مستوى قطري واسع بالرغم من تركز انتاجها (Rodrik 1994). وهذا ما يفسر الوضع بالنسبة للكثير من الصناعات في مصر وهو مايؤكد ضعف قدرة المصدرين على تكوين جماعات ضغط قوية قادرةعلى عمل توازن مع جماعات الضغط المطالبة باستمرار وارتفاع درجة الحماية.

 

السياسية الحمائية لها بعد آخر غير التعريفات والعوائق غير الجمركية وهو البعد المؤسسي الذي يقاوم الاصلاح وذلك بسبب بعض الاسباب البيروقراطية أو عدم كفاءة الادارة الحكومية. ففي الدول النامية المقدمة على الاندماج في التصنيع بشكل واسع تعتمد الحكومات على حصيلة الجمارك بشكل كبير وخاصة في مراحل تباطؤ النمو. وعندما يدفع تحرير التجارة الحكومات للاستغناء عن هذه الحصيلة فقد تتحمل الحكومة اذا ما وجد  لديها موارد أخرى تعوض نقصان حصيلة الجمارك. ولكن عندما تجف تلك المصادر الاخرى أيضاً وذلك في حالات تباطؤ النمو فان الضغط للعودة لزيادة الجمارك يزيد.

 

كل ما سبق يفسر التحيز الواضح ضد التصدير، الامر الذي يتم مراجعته بشكل جدي الآن من قبل الحكومة المصرية. نضيف الى ذلك عدم توافر المعلومات التي قد تساعد المصدرين الكامنين على معرفة المكاسب المتوقعة والتصرف بشكل جماعي لدفع السياسة التجارية نحو تبني وسائل أكثر فاعلية لتنشيط الصادرات. ان تزامن عدم توافر المعلومات مع عدم وجود كيفية تعويض الخاسرين يضيف الى الاحساس العام بالتخوف من الانفتاح وتحرير التجارة.

2/2 الطلب والعرض في اصلاح السياسة التجارية

النقاط السابقة تشير الى أن هناك قوتان تؤثران على السياسة التجارية واصلاحها. فهناك قوة أو عامل الطلب للاصلاح وعامل العرض. الطلب مبني جزئياً على أداء السوق وعلى التوازنات السياسية بين أصحاب المصالح المعنيين والذين يرشدون سياسات الاصلاح. أما جانب العرض فانه يتوقف على قدرة النظام السياسي على ربط الاحتياجات الاقتصادية ببدائل السياسات الرشيدة وصناعة السياسات ذاتها. وهذا يتطلب أن يتمتع النظام السياسي بكفاءة وقدرة على تنفيذ السياسات المعلنة. وهذا في الاساس أمر يتعلق بالادارة والنظام التشريعي.

وهكذا نرى أن الاصلاح التجاري يعكس طبيعة النظام السياسي الذي يربط المدخلات بالمخرجات من خلال عمليات افصاح وتجميع للمصالح. وهناك الكثير من نماذج الاقتصاد السياسي التي تستطيع أن تتبع ديناميكية هذا النظام. وهذه النماذج تسعى عادة الى تفسير الديناميكيات التي تساهم في وضع وتنفيذ السياسات التجارية التي لا تصل الى مرحلة الامثلية. عادة لا تقوم هذه النماذج بالتوقع متى وكيف يحدث الاصلاح التجاري انظر
(Adsera, Alicia and Carles Biox, 2001; Douglass Nelson, 1998; Rodrik, 1994)

هذا النموذج الموضح في الشكل رقم 4 يعكس هذه الحقيقة المعقدة في تركيبها.


شكل (4): نموذج الطلب والعرض للاقتصاد السياسي للسياسات
التجارية في مصر.

 

 

 

 


 
ومن ناحية المدخلات فإن الطلب على الإصلاح ينبع أساساً من ما يملكه الفاعلون من عناصر الإنتاج (نموذج Downs-Mayer model في Kindelberger 1951 و Rogowski 2001) . إن تكلفة المبادلات المرتفعة تخلق في الحال طلب على الإصلاح ولكن الإجماع على هذا الإصلاح ليس بالضرورة أن يحدث.  بعض الفاعلين الإقتصاديين سوف يرغبون في الإصلاح بينما البعض الآخر سوف يرفضه . عنصر آخر مهم في الطلب على الإصلاح هو صانع السياسة نفسه. بعض صناع السياسة يرغبون في الإصلاح والبعض الاخر يرفضونه. إن تفاعل كل هذه العوامل يمكن توضيحه في الشكل السابق الذي يوضح تفاعل السياسات. النظام السياسي له الكثير من الأساليب التي تستطيع استيعاب  الطلب على الإصلاح ورفضه والعديد من الخيارات الخاصة بإدارة عملية التفاعل بين المؤيدين والمعارضين للإصلاح. في ظل نظام ديمقراطي متكامل فإن العروض يمكن أن تعرض على العامة. اهتمام الناخب المتوسط  (median voter) في التوقع دائماً أن يؤثر على السياسات بشكل قوي. فعلى سبيل المثال إذا كان أغلبية الناخبين يملكون عناصر الإنتاج المتوفرة بكثرة في الإقتصاد، فإنه من المتوقع أن يتم التصويت ضد التحرير. من ناحية صنع العملية فإن مقترحات الإصلاح قد تكون عرضه لجماعات الضغط من جانب اشخاص أو صناعات معينة. في هذه الحالات يصبح السؤال ما هي قوة ضغط اللوبي وصلتهم بمتخذي القرار. عملياً فإن الطلب على الإصلاح قد ينبع أيضاً من خلال التشريعات والإجراءات الإدارية. والتشريعات أكثر شفافية من الإجراءات الإدارية حتى في حالة الأنظمة ذات البرلمانات الضعيفة. وأخيراً فإن جودة العملية تتوقف على قدرة العاملين على الحصول على المعلومات الجيدة وتوظيفها لصنع سياسة كفء. غياب هذه المعلومات يعرقل العاملين الإقتصاديين والنظام بأكمله عن ربط المعلومات بالسياسات . المرجح إذاً إما أن يكون مناصرا لتحرير التجارة وترويج الصادرات أو العكس. ولكن المسالة لا تنتهي هنا. فهى تتعقدعندما يقرر متخذو القرار أي الوسائل سوف يستخدمونها  للتحرير.

نماذج الإقتصاد السياسي تحاول ربط هذه المرحلة بطبيعة اللوبي. فعلى سبيل المثال عندما تعمل الشركات منفردة لصنع اللوبي فهم يسعون للحصول على إعانات. ولكن عندما تتحد الصناعات لصنع اللوبي فهم يسعون لإيجاد تعريفات عالية.

أهمية المعلومات في إتخاذ الوسيلة الكفء هامة في هذه المرحلة. وغيابها يؤثر على صنع موقف جماعي يستطيع دفع تنفيذ هذه الأدوات. نفس الشئ ينطبق على صناع السياسة. عامل هام في جانب الطلب على الإصلاح يظهر في مرحلة التنفيذ. كما يتوقع جانب الطلب فإنه ليس بالضرورة أن يوافق جميع صناع السياسة على الإصلاح . ونفس الشئ  ينطبق على الأدوات المستخدمة. عندما يحدث تعارض هكذا فإن اختيار الأدوات يصبح غير واضح وغالباً تتوزع مسئولية التنفيذ على عدد من الوزارات مما يؤثر سلبياً على التنفيذ. إن كفاءة المنفذين هامة حيث تتطلب وجود عناصر بشرية مدربة على التنفيذ في ظل نظام  تجاري مفتوح ويسعى لتنشيط الصادرات. وأخيراً إذا  تأخر إصدار اللوائح التنفيذية أو أتت  بصورة غير واضحة فإنه لا يمكن للبيروقراطي أو القضاه تنفيذ وظائفهم بكفاءة.

 

2.3 السياسات المتاحة للإصلاح : لماذا تستمر السياسات غير الفعالة ؟

مستوى المدخلات: إننا نستطيع أن ننوه بإقتناع تام عن وجود طلب على الإصلاح التجاري في مصر. فعلى مستوى الإقتصاد الكلي، فإن الآداء التجاري غير الكفء سواء كان مقاساً بالأدوات المتبعة (كالتعريفات والعوائق غير الجمركية) أو بالنتائج (نسبة التجارة للناتج المحلي الإجمالي) يخلق طلب على الإصلاح التجاري: فعلى مستوى الإقتصاد الجزئي ، فإرتفاع تكلفة العاملات التي يتحملها المصدرون بهذه الطريقة تؤثر على قدرتهم على المنافسة في الخارج وبالتالي تخلق طلب على الإصلاح التجاري. بالإضافة إلى هذا فهناك إطار عالمي يخلق طلب للإصلاح وخاصة ما يسمى بالالتزامات الدولية في إطار منظمة التجارة العالمية والإتفاقيات الإقليمية. السؤال الذي يطرح نفسه هو من يطلب الإصلاح التجاري وكيف.

بالرغم من صعوبة إجابة هذا السؤال بدقة و تأكيد، فإن أصحاب المصالح العصريون في الإصلاح التجاري متأثرين بواقعهم وقوة المنظمات والمؤسسات التي ينتموا اليها كما هو موضح في الجدول رقم 5 (التحليل في الجدول 5 يختلف مع تقييم Waterburg,1989 في حالة البيروقراطيين فقط) .


الجدول الخامس: أصحاب المصالح ومواقعهم المختلفة فيما يختص بالسياسة التجارية في مصر

 

مصادر القوة

الموقف

أصحاب المصالح

أقوياء من خلال غرف التجارة

ضد تحرير التجارة للخوف من المنافسة

التصنيع لاحلال محل الواردات

ضعفاء

مع تحرير التجارة وتنشيط الصادرات

المصدرون في القطاع الخاص

أقوياء من خلال غرف التجارة واللوبي الشخصي

 

يستفيدون من تخفيض التعريفات

المستوردون في القطاع الخاص

أقوياء من خلال غرف التجارة

موقف غير محدد والذي يتراوح بين مؤيدين آملين في التحديث وزيادة التنافسية إلى معارضة للخوف من المنافسة

مديرو القطاع العام

أقوياء خاصة في مرحلة التنفيذ

موقفهم يتراوح من محايدين إلى معارضين للتحرير إذا احسوا أنهم لا يستطيعوا ممارسة قدرتهم على التأثير لمصلحتهم الشخصية. هناك أيضاً عنصر طبيعي يتمثل في البيروقراطية والخوف من التغيير

البيروقراطيون

أقوياء من خلال الإتحادات

ضد التحرير للخوف من المنافسة من الواردات الرخيصة والتي قد تؤدي إلى بطالة.

العمالة المنظمة

ضعيف

قد لا يكون لهم موقف واضح في تنشيط الصادرات لتحرير التجارة بسبب أنهم تعودوا على العمل في أسواق غير منظمة بتعاقدات مؤقتة.

العمالة غير المنظمة

ضعيف

 

 

مواقف مختلطة تتراوح من الخوف من التحرير الذى قد يؤدي إلى انخفاض حصيلة الجمارك ومشاكل بعض الصناعات مساندين  آملينً في اقتصاد أكثر قوة وبالتالي قاعدة ضريبية واسعة و فرص عمل أكثر

 

مجلس الوزراء

 

 

وبالتالي يظهر أن أصحاب المصالح المناصرين لتحرير التجارة وتنشيط الصادرات غارقون وسط مجموعة من التشككات بشأن نجاحهم. هذا يفسر جزئياً في أدبيات الاقتصاد السياسي والاقتصاد المؤسسي بما يسمى استمرارية الطريق  path dependency . وبسبب أن مصر استمرت في سياستها التجارية الموروثة من زمن اتباع استراتيجية الإحلال محل الواردات لفترة طويلة فإن السوق مازال موجهاً محلياً لإنتاج سوق محلي مغلق.

العملية:-

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف تتم عملية استيعاب الطلب في مصر ؟ هل تقابل التمييز في الأغراض الأخرى لأصحاب المصالح ذوي الأهداف الحمائية أو أنها انعكاس لهذا التحيز؟

أن عملية الإصلاح التجاري في مصر تعتمد في المقام الأول على الأدوات التشريعية بينما تتوارى الأساليب الإدارية وراء القوانين المعلنة والمنفذة. في هذه العملية، فإن قوة اللوبي المختلفة تظهر في فترة صنع السياسة ومناقشتها في البرلمان. الدراسات الأولية لدراسة هذه العملية تشير إلى ضعف واضح في النظام والمعلومات من جانب جماعات الصالح(EL- Mikawy and Handoussa,2002 )

في مجال إدارة المصالح السياسية فإن المصريين أمامهم 3 بدائل:

- تمثيل للمصالح تلقائي (متعدد)

- تمثيل للمصالح مشترك

- سيطرة ديكتاتورية إذا كان النظامان السابقان غير فعالين لإدارة الصراع.

هناك مشكلة في الأنظمة التي تجمع جزء من كل ما سبق وهذا هو الحال بالنسبة لمصر. التعددية مصاحبة بالهياكل الخاصة بالتجمعات القريبة من الحكومة (اتحادات العمال والغرف التجارية) في زمن يكون تدخل الحكومة المسموح بما يتيحه الدستور من إجراءات وقائية يخلق جو من عدم الثقة. عادة ما يغضب القادمون الجددإلى اللوبيات المتتعدة إذا لم يترجم صوتهم إلى سياسات وعادة ما يفقدوا الأمل والثقة في النظام. ويصبح ظاهراً أنهم أقل رغبة في مراجعة استراتيجية اللوبي التي اتبعوها بسبب أنهم يفترضون في البداية عدم القدرة على اعادة اللعبة من جديد والتي قد يخرجوا منها فائزين . إن التجربة مع مثل هذه الأنظمة التي تجمع بين الكثير من الأنظمة التعددية والتجمعية مع الأنظمة الحكومية تشير إلى  وجود خوف دائم من التدخل الحكومي في مرحلة التحول ( مزيد من الدراسات في هذا المجال مرغوباً).


مستوى المخرجات:

بالنسبة للمخرجات، فإن اتجاه السياسات في مصر منذ بداية 1990 كانت في اتجاه تحرير التجارة مع ادماج الإلتزامات الدولية مع تخفيض الحواجز التجارية و تنشيط الصادرات (نتيجة ذلك كان إصدار قانون جديد في يونيو2002). إن الأدوات المصاحبة لاتجاه  هذه السياسات تم تقديرها بدرجات مختلفة من المصريين من ذوي أصحاب المصالح الإقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي فعلى سبيل المثال، فإن الحكومة المصرية أخذت وقت طويل لتخفيض عملتها وعندما فعلت كان الوقت متأخر للغاية. إن المخاطر السياسية المتعلقة بسعر الصرف لها وزن كبير لإزالة العقبات أمام تحرير التجارة يؤدي في الحال لزيادة الواردات  ولكن بالرغم من أن المدخلات تصبح متوفرة بشكل أكبر ويتحسن مستوى التكنولوجيا فإن المزايا المحققة من زيادة الصادرات لا تحدث في الحال حتى ولو عند اتخاذ القرار بتخفيض العملة. وبدون تخفيض العملة فإنه يكون من الصعب سداد فاتورة الواردات. وبسبب المشاكل المزمنة للميزان التجاري فإن الإصلاح التجاري الشامل يحتاج لشرط من هاذين الشرطين : إما أن تكون الدولة في موقف يسمح لها سياسياً بإتخاذ قرار تخفيض كبير في سعر الصرف (لتنشيط الصادرات) أو أن يكون لها مصدر آخر للحصول على النقد الأجنبي لفترة طويلة من الزمن. إن التخفيض الحقيقي للعملة يعني كثير من المشاكل حيث أنه يؤدي إلى انخفاض في الأجور الحقيقية إلا إذا كان مصاحباً بتحسين في مستوى المعيشة. لو كانت الإحتياطيات النقدية غير كافية وتنضب بسرعة فإن قرار التخفيض لا يصبح اختيارياً بل يصبح اجبارياً. إن الحل الواقعي الوحيد هو تحقيق تحرير تدريجي للسياسة التجارية  (Dornbush,1992). وهذا ما يفعله صانعو السياسة التجارية في مصر. إن الأداة الآخرى هو استمرار زيادة حجم القطاع العام بالرغم من أن هذه الأداة مثلت اتجاه واضح خلال فترة الإنفتاح الإقتصادي في السبعينات واستمرت خلال الثمانيات، فإن السياسة المعلنة عن الخصخصة تعني اتخاذ اتجاه مخالف. ومع ذلك فإن البيروقراطيةالمدنية ما زالت تمثل شبكة الآمان (Safety net ) لحجب ما قد يعني بشكل آخر ارتفاع درجة البطالة عن الحد الموجود الآن. في مجال التجارة هناك مزيج من الأدوات التي تم استخدامها وأدوات أخرى لم تستخدم. وهنا يعطى أصحاب المصالح الإقتصادية صناع السياسة درجات متفاوتة لادائهم.

 

- الحمائية المختارة

- الدعم المباشر للمصدرين

- برامج تعويضية للخاسرين من الإنفتاح.

 

إن التحليل الذي ورد في الجزء الأول في هذه الورقة أوضح أن الحمائية الإختيارية هي الوسيلة التي استخدمت في مصر خلال التسعينات. وغالباً ما تظهر السياسة التجارية على أنها فاشلة إذا لم يستطيع صانعو السياسات احتواء غضب وأهداف رافضي تحرير التجارة. هذا  اتضح في السياسات الخاصة بالمنسوجات والملابس الجاهزة في بداية عام 2002. هذه الصناعة كانت دائماً تتمتع بدرجة حماية مرتفعة لإنها كانت وما زالت ينظر إليها على انها صناعة وليدة. وبسبب الوضع الحساس لهذه الصناعة في توظيفها لعدد كبير من العمال (فوق المليون ونصف عامل) وارتفاع نصيب القطاع العام في ملكية مصانعها خاصة المتعلقة بالمنسوجات فإنها بقيت ولا زالت لا يتعرض لها برامج الإصلاح . ولقد كان لمصر حق مسموح  من قبل منظمة التجارة العالمية في منع دخول المنسوجات والملابس الجاهزة. وكان من المفترض أن يتم إزالة هذا المنع بحلول عام 1998 بالنسبة للمنسوجات و في يناير 2002 بالنسبة للملابس الجاهزة. وقد تم إزالة المنع بالنسبة للمنسوجات ولكن ما زال هناك غموض بشأن إزالة المنع المتعلق بالملابس الجاهزة. وقد تم فرض ضريبة قطعية على الملابس الجاهزة مع بداية عام 2002 وهى ضريبة مانعة بسبب إرتفاعها المبالغ فيه بينما بقيت التعريفة على المنسوجات أعلى من الحد الأقصى المسموح وهو 40% والسؤال الآن هل هذه الحمائية تعالج مشاكل الصناعة "الوليدة" وتساعد على زيادة تنافسيتها؟ السؤال في الغالب لا. فهناك دراسة حديثة   UNCTAD  أوضحت ان هذه الصناعة تعاني من إنخفاض الإستثمارات في الماكينات الحديثة وعدم الصيانة مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وجودة المنتجات. بالإضافة إلى هذا فقد تم التأكيد على ضرورة اعادة هيكلة النظام المالي لشركات القطاع العام في هذا المجال في تقرير قدم الى مجلس الشعب عام 1997. وقد أوضح التقرير أن الخسائر الملحقة بـ31 شركة قطاع عام زادت من 0.7 مليون جنيه في نهاية يونيو 1995 الى 2.3 مليون جنيه في نهاية عام 1996 ومن المتوقع أن تصل الى 4 مليون جنيه نهاية عام 1997 (WTO, 1999).

 

باختصار نجد أن الاختلالات المحلية يتم معالجتها باستخدام الحواجز التجارية والتي فشلت في الماضي وليس من المتوقع أن تنجح الآن أو في المستقبل. ان استمرار الحماية لهذه الصناعة باستخدام الحواجز الجمركية المرتفعة يعني أن للحكومة اهتمامات تتعلق باعادة توزيع الدخل خاصة اذا ما أدخلنا في الحسبان نسبة العاملين في هذا القطاع. بالاضافة الى هذا فان الحمائية المختارة هي غالباً تمثل الملجأ الاخير لاخفاء الفشل في تجهيز قطاع الصناعة للانفتاح على العالم الخارجي.

 

ان أداة الدعم المباشر لم تستخدم بكثرة في مصر مقارنة بدول أخرى. و تشير أدبيات الاقتصاد السياسي  إلى حقيقة أن اللوبي عادة ما يهدف الى التعريفة الجمركية وليس الدعم ( Rodrik, 1991). هناك محللون أخرون للسياسة التجارية يرون أن استخدام الدعم المباشر كأداة يتطلب ادارة حكومية كفء قادرة على إدارة هذا الدعم. فدعم الصادرات هو نظام معقد يحتاج الى ادارة حكومية قادرة على تنفيذه. في الحالة التركية أدى دعم الصادرات الى سوء استخدام واضح وقد أوضحت كثير من الحالات الاتي:

1-   تصدير سلع صناعية منخفضة القيمة مثل الحديد الخردة تحت مسمى سلع صناعية تتمتع باعفاءات ضريبية وجمركية.

2-   تقويم سلع متوسطة أو منخفضة الجودة على أنها سلع مرتفعة الجودة للاستفادة من الاعفاءات الجمركية.

3-   المبالغة في تصدير كمية شحنات بعض السلع.

4-   تنفيذ كثير من عمليات التصدير على الورق فقط دون أن تتم في الحقيقة

5-   ممارسة الموظفون الحكوميين لكثير من البيروقراطية مما أدى الى عدم عمل النظام بكفاءة (Low 1992; Rodrik 1993 a).


ان النظام المصري الجديد بشأن منح مزايا للمصدرين ليس متوقع أن ينجح لعدة أسباب، واستراتيجية التصدير هي مثل على ذلك (انظر وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية 2001). ان السياسة المقترحة والمؤيدة في هذه الاستراتيجية هي عرضة لسوء الاستغلال من قبل المشروعات الفردية مما يهدد أهداف الحكومة. فالنظام المقترح لا يضع أي عقوبات على المصدرين الذين لا يحققوا الاهداف المرجوة.

 

وبمعنى أدق فان النظام يتيح الجزرة وليس العصا. ولم يتم تحديد أهداف رقمية يجب الوصول اليها على مستوى المنشأة، وظلت الاهداف على مستوى الصناعة ككل. بل ان الفشل في الوصول لهذه الاهداف لم يوضح ما سيعقبه من توابع اذا حدث بالفعل.

هذا في مقابلة تجربة الصين وكوريا حيث تم وضع أهداف رقمية على مستوى المنشأة وقد استخدمت هذه الاهداف وكانت ناجحة الى حد كبير (Rodrik,1996). وقد يؤدي نظام ترويج وتنشيط الصادرات المصري الجديد الى نظام "rent seeking" حيث يزيد الريع للمصدرين على مستوى تصديرهم الحالي ولا يدفعهم الى زيادة صادرتهم. الامر يصبح أكثر تعقيداً عندما نأخذ في الحسبان الاجراءات المعقدة التي يواجهها المصدرون عند التعامل مع الاجراءات الجمركية. هذه الاجراءات تنفر المصدرين من زيادة حجم صادرتهم وبالتالي فمن المتوقع أن يعتبر المصدرين هذا الدعم هو ريع "Windfall gain" على حجم صادرتهم دون السعي لزيادة هذا الحجم.

 


وقد أكدت النظرية الاقتصادية على أن دعم الصادرات ليس من المتوقع أن يؤتي بثمار ايجابية. هذا ما يوضحه الشكل التالي.

شكل رقم (5)

 

 

 

 

فاذا افترضنا أن المصدرين يسعون لتعظيم الربح وأنهم يصلوا الى هذا الهدف حينما تتساوى كل من تكلفتهم الحدية MC وايرادهم الحدي MR واذا أخذنا في الاعتبار أنهم يواجهون منحنى طلب لا نهائي المرونة فاذا سعوا لتعظيم الربح فان هذا يعني انخفاض تكلفتهم المتوسطة AC وتحرك المنحنى AC لأسفل بينما يظل المنحنى MC كما هو. النتيجة هي ارتفاع الارباح الغير طبيعية abnormal profits للمصدرين دون زيادة في حجم الصادرات. وتؤكد النظرية ان وجود مثل هذه الارباح الغير طبيعية من شأنها أن تدعو المصدرين الكامنين الى الدخول للسوق ومن ثم زيادة الصادرات. ولكن ليس من المتوقع أن يحدث هذا في الحالة المصرية لعدة أسباب: ارتفاع تكلفة الدخول إلى السوق نتيجة ارتفاع تكلفة المعاملات بسبب الإجراءات الجمركية المعقدة، ضرورة التوافق مع المعايير الدولية للصادرات، قلة نظام  subcontracting  وارتفاع الفرق بين هامش الربح للبيع في السوق المحلي مقارنة بالخارج. النتيجة النهائية هي ريع يحصل عليه المصدرون، خسارة مالية للحكومة وعدم زيادة في الصادرات . ولكن يجب أن لا نفهم إن إعطاء دعم شئ ليس صحيح بالضرورة ولكنه غير كافي لإعطاء الدفعة القوية لتنشيط الصادرات. إن غياب العصا في هذا النظام هو فجوة لم يتم الالتفات إليها. والنظام يؤدي إلى زيادة الريع وليس التصدير . إذا ادخلنا عنصر العقوبة في الحسبان فإن المصدرين سوف يسعوا لزيادة الصادرات وهو ما قد يؤدي إلى زيادة تكلفتهم المتوسطة لفترة ما مما يعني نقص الأرباح ولكن بمرور الوقت سوف يؤدي هذا النظام إلى ضرورة نقل منحنى التكلفة المتوسطةAC  (أي حجم منشأة جديد) لتعظيم الأرباح.

 

وأخيراً فإن هذه السياسة الحمائية ذات التشتت الواسع والمصحوبةً باستخدام للعوائق غير الجمركية وارتفاع تكلفة العاملات تشير إلى استفادة الحكومة من هذا الوضع. ومن المعروف أن الكثير من الدول حديثة التصنيع تلجأ للتعريفة الجمركية للايراد في فترات تباطؤ النمو. وعندما يدفع تحرير الحكومة للإستغناء عن مصدر هذا الإيراد فإنه عادة توجد مصادر أخرى للدخل يمكن الإعتماد عليها ولكن عندما تنضب ايضاً هذه المصادر الأخرى خاصة وقت الأزمات فإن الضغوط لزيادة التعريفة تتزايد.

 

أما عن التعويض كأداة فهى ما زالت تفتقر إلى الرؤية الواضحة والفاعلية في مصر. ليس هناك ما يمكن أن يسمى بالتعويض الذى يصاحبه رؤية واضحة تأخذ في الإعتبار مخاوف العمال سواء في مجال التدريب أو في مجال إعانات البطالة. وكذلك الحال في مجال تحديث الصناعة فالبرغم من وجود برنامج تحديث للصناعة بالتعاون مع الإتحاد الآوروبي إلا أنه ليس بالإمكان القول أن هناك برامج تعويضية للصناعات الخاسرة. تنفيذ كل الأدوات السابق ذكرها يتطلب وجود قاعدة معلوماتية لتقييم التأثير واحتياجات التنفيذ فهناك حاجة ماسة إلى المعلومات لتحسين القدرات الإدارية اللازمة لتنفيذ السياسات. الخيارات المتاحة في هذا المجال تتضمن الآتي:

-نظام معلومات يتسم بالشفافية ويتيح تبادل المعلومات بتكلفة قليلة.

-نظام واضح يحدد الوزارات والهيئات المسئولة عن تنفيذ السياسة التجارية وتنشيط الصادرات.

-بناء القدرات اللازمة للإداريين.

بالنسبة للحال في مصر فنرى أن قليل من العناية والإهتمام تم توجيها إلى أى من هذه الخيارات وإن كانت هناك بعض المحاولات لإحداث ذلك مثل قانون التصدير الأخير الذي صدر فى يونيو2002.

 

ولأن السياسة التجارية تتضمن مناطق أخرى كثيرة للإصلاح فإن هناك حاجة شديدة لاختيار التوليفة الصحيحة من الأدوات والوسائل وكذلك الترتيبات الإدارية التي ستزيد من قدرة وتحفيز البيروقراطيين على التنفيذ وتقليل فرص عرقلتهم للأمور.وقد يتطلب هذا التفرقة بين المجالات التي يتطلب التنفيذ فيها موارد محدودة والمجالات التي تحتاج لتنمية وتقوية المؤسسات وبالتالي تحتاج لاستثمارات كثيرة (Martin, 2001) .

وهناك حالتين هما حالتي كوريا الجنوبية والبرازيل اللذان يوضحان أهمية البيروقراطيات القادرة على تنفيذ سياسة تجارية فعالة.

إن قدرة الحكومة الكورية على الحصول على الإستجابة المرغوبة من المنشآت وذلك من خلال استخدام القوة في بعض الاحيان والتلويح بها كانت ظاهرة أساسية في الطريقة التي تم بها إدارة إعانات التصدير. وكان
هناك تفهم واضح من جانب المنشآت أن الأداء الجيد للصادرات سوف يقابل بأنواع مختلفة من المزايا الحكومية بينما الأداء السئ سوف يقابله عقوبات  (Rodrik, 1993a) وبدون ممارسة وتحديد أهداف للتصدير وإقامة مؤتمرات شهرية لتنشيط الصادرات فإن الحوافز التصديرية لم يكن ليكتب لها هذا النجاح  .(Rhee 1984)وكانت هذه الأدوات محورية في اتصالات القيادات العالية وعلى قائمة اهتمامتهم مع الموظفين الصغار والمنشآت في حل المشاكل الإدارية بسرعة وكفاءة. اما بالنسبة للسؤال المتعلق بسبب عدم قيام المنشآت بالتحايل على الحوافز أو تحديد أهداف أقل طموحاً فالإجابة تكمن في أن الموظفين الحكوميين كانوا على دراية بكل صغيرة وكبيرة. وبالتالي فإنه حتى الفساد لم يجد له مكان بين الموظفين بسبب وجود الأهمية الكبيرة المعطاه لتنشيط الصادرات من قبل القيادة العليا   (Rodik, 1993   ;Evans,1992)  صورة أخرى للحكومة البرازيلية حيث كانت الإتصالات الشخصية لها دور أكبر والبيروقراطية الكفء حجم أقل بالمقارنة بكوريا. ولم يكن هناك تنسيق للسياسات داخل الحكومة ولكن كان هناك علامات واضحة لكفاءة الحكومة في التعامل مع هذا الهدف بالرغم من ضعف الحكومة بشكل عام.

 

 

204-متى يحدث إصلاح السياسة التجارية الفعال ؟

مما سبق يتضح لنا الأسباب التي تجعل السياسات الغير فعالة تستمر . ولكن السؤال الآن كيف ومتى يحدث الإصلاح الفعال ؟ لإحداث إصلاح سياسة تجارية فعالة فإن الأمر يتوقف على مدى الرغبة والإمكانية والمصداقية للسياسة التجارية المتبعة. إن تحديد الإختيار الملائم ليس بالضرورة أن يكون مبني على حكم اقتصادي على أساس قوي (أي للإختيار المرغوب فيه). عادة ما يكون الإختيار مبني على أساس سياسي (الإمكانية السياسية للإصلاح). أما عن مدى فعالية السياسة المختارة فإن الأمر يتوقف على الموارد التي يتم حشدها لخلق نوع من المصداقية للسياسة المتبعة.

 

الرغبة

لقد أوضحنا من قبل أن هناك طلب كبير على اصلاح السياسة التجارية في مصر. وهناك أيضاً بعض الدلائل التي تؤكد عدم مساندة هذه الرغبة في الاصلاح. ويرى بعض الاقتصاديين أن الرغبة في الاصلاح تعتمد على النظام القائم وتغيير التحالفات أو على وجود كارثة اقتصادية (Galal et.al, 1995). كما يجب اضافة عامل أخر يحدد الرغبة والذي ينبع من أدبيات الاقتصاد المؤسسي وهو وجود تكلفة مبادلات مرتفعة بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين الذين تمسهم السياسة المقترحة. في هذه الحالات فهناك رغبة في الاصلاح لتقليل تكلفة المعاملات. عندما تظل تكلفة المعاملات مرتفعة لفترة طويلة، يتأثر الاداء وبمرور الوقت تزداد حدة الكارثة. مصر لم تمر بأي تغيير للنظام ولا تأثرت مواردها الخارجية مما يدفع بها الى حافة هاوية كارثة اقتصادية ولكن أيضاً فان شكوى المصدرين من ارتفاع تكلفة المعاملات لم تلقى المعالجة المطلوبة من قبل صانعي السياسة التجارية. في الحالة المصرية فان النظام الحاكم موجود في موقعه منذ فترة طويلة وقد أخذ على عاتقه عبء الانفتاح الاقتصادي بينما في نفس الوقت خلق شبكة أمان للمتضررين من هذا الانفتاح.

 

ان تحرير التجارة يعني تقليص منافع عدد من الفاعلين على الاقل في الاجل القصير. هؤلاء الفاعلون المتعرضون للخسارة يتضمنوا الحكومة والتي ستخسر ايرادات الجمارك، الصناعات الوليدة الغير قادرة على التنافس والتي لا تملك الوقت والجهد اللازمين لزيادة حجم التجارة لها في الخارج خاصة واذا كانوا يعلمون أن حصتهم في السوق المحلية سوف تتقلص أمام المنافسة الاجنبية، وأخيراً العاملون الذين سيصبحوا عاطلين خلال المرحلة الانتقالية ولا يعرفوا كيف يحسنوا من مهارتهم. أما بالنسبة للطبقة الحاكمة فان التحرير يعني فقدان مساندة بعض الفاعلين الاقتصاديين الذين أيدوها طوال فترة اتباع سياسة الاحلال محل الواردات. وفي نفس الوقت فان الطبقة الحاكمة عليها أن تتوائم مع الحركة الايدولوجية الاشتراكية التي تعمل ضد الانفتاح التجاري وتؤكد على أمور متعلقة بالعدالة الاجتماعية (الحركة الاسلامية على سبيل المثال).

 

ولهذا نرى تعارض بين ماتعلنه القيادة السياسية وما تفعله حيث تواجه الحكومة  تعارض صارخ بين دورها كدافع أساسي لحركة التحرير الاقتصادي ودورها كموزع للدخل. الى الان حاول الحزب الحاكم أن يضم كل هذه الاتجاهات المتعارضة سواء لليمينيين أو اليساريين على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

 

الاحزاب اليمينية كحزب الوفد لم يستطع بناء التحالف اللازم ودفع المطالب بالانفتاح. المصدرون والمستوردون أيضاً واجهوا مشاكل في بناء مثل هذا التحالف. ويحاول الحزب الحاكم مراضاة العمال حتى يضمن ولائهم المستمر. ولكنه لا يستطيع أن يكون اشتراكياً أو يسارياً للغاية حتى لا يخسر مناصرة المصدرين والمستوردين. ولكن بسبب عدم شفافية ووضوح التنظيمات الخاصة بالمصدرين والمستوردين فان اللوبي الذي يمارسوه هو مجهود فردي في المقام الاول وبالتالي غير مؤثر بالدرجة الكافية بل ويؤثر على مشروعية الحكومة عند الاستجابة له.

 

العامل الوحيد الذي يزيد من الرغبة في الانفتاح التجاري هو وجود كارثة اقتصادية وهو الامر الذي تحاول الحكومة المصرية تحاشيه منذ منتصف الثمانينات. وبالتالي ولانه ليس مسموح لدولة مثل مصر من قبل المانحين الدوليين بالسقوط في كارثة اقتصادية فان الضغط اللازم لتوليد الرغبة في الإصلاح في حالة احتمال وجود كارثة اقتصادية تدعو للاصلاح لم يتوافر بعد. (Rivlin, 2001; Glasser ,1995)

 

وبالتالي تصبح السياسة التجارية احتواء للخسائر بدلاً من ان تكون سياسة مرغوب فيها بالفعل.

 


امكانية التنفيذ:

امكانية تنفيذ السياسة التجارية مرتبطة طردياً بحجم المساندة والتنسيق المتاح لصنع السياسة بين الوزارات المعنية والهيئات وفي البرلمان ووحدات الحكومة المحلية. عادة ما تكون السياسة التجارية غير ممكنة التنفيذ لانها تمس اختصاصات كثيرة للوزارات حيث ترى كل وزارة أن هذا اختصاصها لوحدها فقط. هذا يؤدي الى كثير من المشاكل المتعلقة بالاتصال والتنسيق والتي تؤثر سلبياً على توزيع المسئوليات ودوائر اتخاذ القرار.

 

التعارض داخل الجهاز التنفيذي للحكومة بين الحاجة لتنشيط وتنمية الصادرات وحماية ايرادات الحكومة من أي نقصان كنتيجة لتحرير التجارة مثال واضح لذلك.هذا التعارض، اذا لم يحل قد يجعل اصلاح السياسة التجارية مستحيل التنفيذ. احدى الامثلة الموضحة لذلك في الحالة المصرية هو نظام استرداد الضريبة (Duty draw back system). النظام يتم ادارته بواسطة موظفي وزارة المالية والذين لديهم هدف أساسي في زيادة حصيلة الايرادات. هذا يتعارض مع الهدف المعلن الخاص بتنشيط الصادرات والذي يعني بادارته موظفي وزارة التجارة الخارجية. مثال أخر هو المعايير والمقاييس التي يتم وضعها بواسطة هيئة الرقابة على المواصفات والفنية بينما الموافقة على الالتزام بالمعايير والمقاييس هي مسئولية وزارات أخرى كالصحة والزراعة وهيئة الطاقة الذرية. ان عنصر صنع المواصفات بواسطة هيئة أو وزارة والاشراف عليها من قبل وزارات أخرى يجعل ادارتها معقدة للغاية. في عام 2000 صدر القرار الجمهوري رقم 106 للتغلب على هذه المشكلة جزئياً حيث نص على ضرورة قيام جميع الاجهزة والوزارات المعنية بالاشراف على القيام بعملها من خلال مقر هيئة الرقابة على الصادرات والواردات حتى يقلل من تكلفة ضياع الوقت والمال بالنسبة للعاملين في مجال التصدير والاستيراد.

 

وبينما نرى جميعاً أن تشجيع الصادرات هو هدف اسمي أعلنته القيادة السياسية والحكومة الا أننا نشاهد أن هذا الهدف يتدهور في قائمة الاولويات حينما يحدث تعارض مع مستتبعاته المتعلقة بانخفاض حصيلة الجمارك.

 

وبالتالي تظهر المشاكل في التطبيق وفي تحصيل المدفوعات. امكانية تنفيذ السياسة تحتاج أيضاً لمهارة سياسية في ادارة المصالح المتعارضة وخلق توافق جماعي حول السياسة حتى بالرغم من وجود خاسرين. ان فترات انتقالية طويلة مع وجود وسائل رقابة مرنة قد تؤدي الى تقاعس في تنفيذ الاصلاح بل والردة في بعض الاحيان.

 

الادلة من تجارب الدول الاخرى توضح ان الخوف من عواقب توزيع الدخل بسبب الاصلاح التجاري تتوقف على الاصلاحات في المجالات الاخرى. فعلى سبيل المثال الاصلاح التجاري في كل من المكسيك والمغرب كان له آثار مختلفة على العمالة بسبب الاختلاف في مرونة سوق العمل في كل من البلدين (Harrison and Hanson, 1999). وبالتالي نستخلص أن امكانية الاصلاح التجاري تتوقف على امكانية الاصلاح في قطاعات أخرى للاقتصاد التي قد تكون في حاجة للاصلاح قبل الاقدام على اصلاح السياسة التجارية.

 

المصداقية

من البديهي ان الاصلاحات ذات المصداقية يجب أن تكون مرغوب فيها في المقام الاول. وتحقيق المصداقية يتطلب أكثر من ذلك. التشكك في مصداقية الاصلاح قد يكون ذو أثر سئ للغاية على عملية الاصلاح ذاتها (Rodrik, 1992).

 

النقطة الاساسية هي أن التوقعات بشأن الردة في الاصلاح كافية لاثارة اضطراب في هيكل الاسعار النسبية وتغيره عبر الزمن، بالرغم من أنه قد تكون الحكومة مصممة على الاصلاح. وبالتالي فان وجود اطار يضمن الحماية ضد الردة هو شئ هام للغاية.

ان الفشل في احداث التنسيق اللازم كما هو موضح في الامثلة المذكورة سابقاً يقلل من ثقة الفاعلين الاقتصاديين في صنع السياسة. وكذلك فان عدم الاتساق بين السياسات يحدث نفس الاثر.

 

فعلى سبيل المثال، فان تراخيص الاستيراد قد تم الغاؤها في عام 1993 بقرار وزاري رقم 288 لعام 1993 ولكن في الاتفاقية الثنائية مع لبنان، فان السلطات المصرية تطلب تراخيص استيراد لعدد من السلع تتضمن الاسمنت، الاسلاك المغلفة والنحاس وبعض السلع الاخرى. هذا المثل يوضح أن الاصلاح التجاري بمعناه التقليدي يتم على المستوى المتعدد الاطراف ويواجه عراقيل على المستوى الاقليمي مما يخالف المنطق المتعلق باتباع سياسة موحدة على جميع المستويات.

 

ان ربط الاصلاحات التجارية بالدخول في العديد من الالتزامات والاتفاقيات الدولية يعتبر ضمان ضد الردة في الاصلاحات. ولكن في بعض الاحيان لا يكون هذا هو الحال. في ظل وجود نظام تجاري ونظام سعر صرف مضطربين واللذان كانا يمثلان الحال في كثير من الدول النامية قبل الثمانينات فانه من الصعب معرفة أي سياسات اصلاح تؤدي الى وضع رفاهية أفضل حتى بالرغم من وجود بعض الارشادات الاساسية (Finger and Nogues, 2001)

 

بشكل عام يمكن القول بأن الدول النامية بدأت تتغير وان كان بتأخير واضح في سياستها الخاصة بالاحلال محل الواردات. ان الجاذبية السياسية لسياسات الاحلال محل الواردات لصناع السياسة في الدول النامية لم تقابل بنظام متعدد الاطراف قادر على ادارة التجارة الدولية بشكل أفضل وذلك خاصة قبل دورة اورجواي. وبالتالي فان صناع السياسة في الدول النامية ظلوا يتبعون سياسة الاحلال محل الواردات بينما كانوا يستخدمون الجات لتحسين فرص نفاذ صادرتهم الى أسواق الدول المتقدمة في ظل "المعاملة الخاصة والتفضيلية" التي تتيحها لهم اتفاقية الجات. هذه السياسة افادت عدد من الدول التي حصلت على مزايا تفضيلية بالنسبة لنفاذ لصادرتها للاسواق الخارجية وخاصة من خلال تحسين معدلات التبادل التجاري لمنتجاتهم. ولكن هذه السياسة كان لها الكثير من العواقب الاقتصادية الوخيمة. أولاً فقد أدت هذه السياسة الى صعوبة التفاوض والمجادلة مع الدول المتقدمة حول فرص نفاذ أفضل بالنسبة للسلع ذات الاهمية الكبيرة لهم. ثانياً فرص النفاذ كانت مقيدة للغاية في كثير من الاحيان بقيود كمية ومخاطر ازالة هذه المعاملة التفضيلية في أي وقت. ثالثاً هذه السياسة لم تخلق أي حافز للمصدرين من الدول النامية بممارسة الضغط اللازم لتخفيض الحماية على أسواقهم الداخلية كمقابل لزيادة فرص نفاذ صادرتهم للخارج (Martin, 2001).

 

وقد يرى البعض أن الشروط الموضوعة بواسطة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كان لها أثر هام في تنفيذ الاصلاحات.وهذه النظرة غير صحيحة بالمرة. فهذه المؤسسات تقلص دورها كمؤسسات قائمة خلال التسعينات وبالتالي قلت فاعليتها في التأثير على السياسات الاصلاحية في الدول النامية. ان دول هامة كالصين والهند قامتا بتنفيذ سياستها الاصلاحية في الوقت الذي رأى فيه صناع السياسة أنه مناسب وبالتدريج المناسب دون ضغوط من الخارج. واخيراً فهناك أدلة تشير الى أن الشروط المفروضة من قبل المؤسسات الدولية على حكومات غير راغبة في الاصلاح تؤتي بنتائج عكسية في الغالب.

 

ان الدول الاخرى التي قامت باصلاحات لتحرير أسواقها قامت بها لان صناع السياسة فيها كانوا مقتنعين بفائدة هذا الاصلاح واستخدموا شروط المؤسسات الدولية كأداة لمواجهة المعارضة الداخلية للاصلاح. ان عملية صنع السياسات الداخلية تتضمن عادة فقط جماعات الضغط التي تتأثر بالعوائق التجارية. في هذه الحالة فان جماعات الضغط القوية هي التي تستطيع دفع صناع السياسة لفرض عوائق تجارية تخدم مصالحهم فقط، بينما تتلاشى مصالح المجتمع ككل.

 


وجدير بالذكر أن الاختلالات التجارية في بلد ما تسبب آثار سلبية على شركائها التجاريين عن طريق دفعهم لتخفيض معدلات التبادل التجارية الخاصة بصادرتهم اليها. كما نجد أيضاً أن التزامات حكومة بسياسات الاصلاح ليست ملزمة للحكومات اللاحقة لها مما يصعب من تأمين الاستثمارات التي تتم في الانشطة الموجهة للتصدير وأخيراً نجد أن التركيز على صنع السياسة في الدول يترك لحكوماتها بدون قواعد تنظم تعاقدتها مع شركائها التجاريين. وبالتالي فانه كما هو الحال في التفاعلات المحلية فان هناك فوائد جمة ولكنها كامنة للكيانات التجارية الصغيرة (Martin, 2001).

 

بينما التركيز على سياسة الاصلاح التجاري يجب أن يركز على الاصلاحات التلقائية وبناء المؤسسات اللازمة فانه هناك دور واضح للمشاركة الخارجية كوسيلة لمحاربة جماعات الضغط المحلية التي ترغب في الحماية ومحاربة العواقب السلبية للسياسات التجارية للدول الاخرى (Martin, 2001). ولكن كل هذا لا يمنع الحكومة من اقامة اطار مؤسسي يخدم مصالحها في ظل تعقد وتشابك علاقتها الخارجية. الاصلاح التجاري عادة ما يتضمن استيراد مؤسسات من الخارج كقواعد وقوانين منظمة التجارة العالمية واتفاقية المشاركة مع الاتحاد الاوروبي. وفي أحيان أخرى تكون المؤسسات هي حصيلة تفاعل قوى السوق (Rodrik, 2002). وحينما يكون الاصلاح منظم بشكل جيد ومتسق مع الاحتياجات المؤسسية للاقتصاد فانه قد يكون له فوائد عديدة تتعلق بتوليد ديناميكية عالية في حركة السوق وتحقيق معدلات نمو أعلى. واذا لم يكن الامر كذلك فان الاصلاح الغير التام قد يؤدى إلى تباطؤ بل إلى حالة ثبات في الاقتصاد (Rodrik, 2002). ومن الجدير بالذكر أن العضوية في منطقة تجارة حرة ليس شرط ضروري أو كافي لتحقيق مزيد من التجارة الحرة كما أوضحت الدراسات التطبيقية. ان المفتاح الاساسي لتحقيق الاصلاح يكمن في تقبل سياسة تجارية حرة بشكل عام (Rifaat, 1999).

 

ان التفاوض على أكثر من منطقة تجارة حرة في نفس الوقت يمثل تحدي اضافي. فكل منطقة تجارة حرة لها قواعد منشأ مختلفة. وبالتالي يجب على فريق المفاوضين المصريين أن ينسقوا بين مختلف الاتفاقيات لضمان أن قواعد المنشأ المختلفة متسقة مع بعضها البعض. تعدد قواعد المنشأ يخلق تعقيدات إدارية وارتباك لدى المصدرين مما قد يعني عائق تجاري جديد
(Rifaat, 1999). وحيث أن الحكومة المصرية تخطط للدخول في عدد من اتفاقيات التجارة الحرة، كل منها له قواعد المنشأ الخاصة به فانه من الضروري ضمان الاتساق بين قواعد المنشأ لكل هذه الاتفاقيات. واذا لم يحدث ذلك فان الامر سينتهي بارتباك لدى المستوردين، والمصدرين والادارة الحكومية (Rifaat, 1999).

 

ان المشكلة الاساسية في اقتصاديات التنمية ليست بالضرورة تحديد الممارسات الصحيحة بقدر ما تعني بتحديد التجهيزات المؤسسية اللازمة لخلق مصداقية لهذه الممارسات (Francois, 1997).والتغيير المؤسسى مكلف ويحتاج للانفاق على الموارد البشرية، الطاقات المؤسسية ورأس المال السياسى. وبالتالى نجد ان الأولويات على الصعيد العالمى ليس بالضرورة
ان تتوافق مع الاوليات الخاصة بالتنمية على الصعيد المحلى (Rodrik,2000).وحيث أن الموارد البشرية والطاقات المؤسسية ورأس المال السياسى نادرة الوجود فى الدول النامية فإن صناع السياسة عليهم تحديد ال00اوليات، والإصلاحات المؤسسية الناجحة عادة ما تأتى من الخارج مطعمة بالظروف المحلية (Rodrik, 2002 ).

 

النتائج ومقترحات للسياسات:

ونستخلص من هذه الورقة أنه من الخطأ أن نرى أن الاصلاح للسياسة التجارية لمصر فيه حل لجميع المشاكل الاقتصادية التى تواجهها. فى أغلب الاحوال نجاح الإصلاح يتوقف بدرجة أقل على المستتبعات المباشرة للسياسات الجديدة عكس الحال بالنسبة لنجاح السياسة التجارية الذى يتوقف فى الاساس على علاقتها بالاصلاحات على مستوى الاقتصاد الكلى واصلاح المؤسسات. إن الإطار المؤسسى الذى تعمل فيه السياسة التجارية هام للأداء الاقتصادى بدرجة أكبر من المستويات التي تحدد عندها العوائق التجارية
(Rodrik, 2002 ). وكما أكد ( Rodrik, 1992 ) ”إن إصلاح تجارى غير جاد قد يكون أسوأ من القيام بأى إصلاح على الإطلاق وأن الحكومات يمكنها تعقيد اجراءات مجهودات التثبيت الاقتصادى بالتوهم أن تحريرالتجارة هو الحل لكل ما تعانيه من مشاكل".

إن السياسة التجارية فى مصر فى كثير من القطاعات والصناعات ما هى الا اعادة لتوزيع الدخل القومى لصالح مجموعات المصالح النشيطة وكذلك توزيع الدخل لصالح المستهلكين المتواجدين فى الحضر. والسياسة التجارية المصرية تعكس رغبة الحكومة في الحصول على الإيرادات (حصيلة الجمارك والرسوم) في فترات تقل فيها عوائد الريع الاخرى (من السياحة وتحويلات العاملين بالخارج). وفي ظل هذه الاهداف للسياسة التجارية نرى أنها قد ضعفت بسبب عدم وجود نظام يقوم على بناء اجماع بين مجموعات المصالح التي تعتمد جزئياً على الحكومة ولكنها ضعيفة.

وتشير السياسة التجارية إلى ضعف القدرات الادارية نتيجة لغياب التنسيق والمعلومات وبالتالي نرى أن اهتمامات السياسة التجارية لتطرق الى ما هو أبعد من اتباع سياسة جمركية صحيحة لتتضمن الاتي:

-       ايجاد وسائل كفء لتوزيع الدخل.

-       ايجاد أدوات صحيحة لتحصيل الايرادات.

-       بناء نظم كفء لادارة أهداف المصالح المختلفة

-       تطوير النظام البيروقراطي والعمل على رفع كفاءته.

ولاحداث اصلاح حقيقي سوف نتحدث ببعض التفصيل عن ما هو مطلوب في كل من الامور الاربعة المذكورة أعلاه.

 

المعلومات:

الحكومة في حاجة الى قاعدة معلوماتية وشبكات لانتاج المعرفة حتى تستطيع مساعدة الطبقة الحاكمة لتقييم سريع وصحيح لوسائل توزيع الدخل وتحصيل الايرادات. هذه القاعدة المعلوماتية قد تستطيع أيضاً مساعدة ممثلي المصالح للقيام بتقييم أفضل وأسرع لمواقفهم بالنسبة للسياسات المختلفة وتأثيرها على مصالحهم.

 

تمثيل المصالح:

الحكومة المصرية في حاجة الى توضيح وضعها بالنسبة لاستقلال السلطة وقدراتها على الاتصال بممثلي المصالح. والاستقلال مطلوب لضمان عزل قرارات الحكومة عن التأثر بجماعات الضغط بينما الاتصال مطلوب لضمان معرفة رغبات هذه الجماعات وممثلي المصالح.

وقد أوضحت التجربة الاسيوية أن الاتصال بدوائر المصالح المختلفة هام وفعال لاحداث الاصلاح. والمشكلة في مصر تكمن فى عدم قدرة الحكومة على ادارة التعارضات المختلفة بسبب عدم وضوح الرؤية بالنسبة للاستقلال والاتصال.

 

الادارة:

ان القيام باصلاح ناجح يتطلب ادارة حكومية كفء. السياسات التي قد تكون متشابهة على المستوى النظري تؤدي الى نتائج مختلفة في الواقع العملي والسياسات التي تظهر على أنها مصممة بكفاءة قد تفشل. ان الادلة تظهر أن أكثر السياسات الاصلاحية نجاحاً هي السياسات التي كان فيها البيروقراطيون عندهم مرونة كافية وتفاعلوا بكثرة مع بيئة قطاع الاعمال الخاص. وقد أظهرت الادلة أيضاً ان التجارب الناجحة لا يمكن تكرارها في ظل أوساط تعاني من حكومات ضعيفة (Rodrik, 1993a).

 

ان تركيز بعض الوظائف كمنح الاعانات في يد بعض الهيئات (كما هو الحال في تركيا)، أو استرداد الضرائب على الصادرات من خلال وزارة التجارة الخارجية بدلاً من وزارة المالية (كما هو الحال في الهند) هي أمثلة للاعتبارات المؤسسية التي قد تؤثر في الواقع العملي بشدة.


الاولويات يجب أن تحدد بصورة واضحة ويتم الالتزام بها من قبل  القيادات العليا. ففي كل من كوريا، البرازيل وتركيا كان النجاح حليفاً بسبب (ولو جزئياً) وجود التزام واضح وصريح من قبل الانظمة الحاكمة. ان حالة اعانات التصدير توضح أن الحكومات الغير متوافقة داخلياً (أي بين أعضائها) قد تستطيع انتاج سياسات متوافقة اذا حددت الاولويات بصورة واضحة.

 

ادارة الالتزامات الخارجية

بالنسبة للضغوط الخارجية فان الحكومة أمامها أكثر من طريق للتغلب عليها.

أولاً: يجب أن تعمل على بناء التحالفات الصحيحة مع البلاد المتأثرة من ضغوط طلبات المؤسسات الدولية حتى تخلق حوار صحي (مثل حالة أدوية مرض الايدز وعلاقته باتفاقية التريبس في حالة جنوب افريقيا).

ثانياً: يجب على الحكومة التأكيد ضرورة المشاركة في أي نظام للاصلاح التجاري من قبل المانحين ليس فقط بالطريقة التقليدية من خلال منح الدعم المادي المشروط ولكن ألا تتبع منهج "اجماع واشنطن" "Washington Consensus"  في الاصلاح ولكن يجب عليها أن تدرس الجوانب الاساسية الهيكلية والمؤسسية لطبيعة البيئة السياسية والاجتماعية في مصر.

ثالثاً: يجب على الحكومة مواجهة الادعاءات الدولية لها في بعض الامور بتقديم الادلة القوية بناء على تعليل قوي ومنطقي. هذا بدوره يحتاج لمزيد من البحث بواسطة المجتمع المصري (الحكومة، المجتمع المدني، والقطاع الخاص). وعلى سبيل المثال اتهمت الولايات المتحدة مصر بأنها من أكثر الدول عدم احتراماً لحقوق المؤلف بناء على تقرير ليس معلوم مصادر بياناته وقد كان على الحكومة المصرية الرد على مثل هذه الادعاءات بتقديم أدلة قوية تثبت عكس ذلك وهو ما لم يحدث (Ghoneim, 2002).

 

ان البيئة السياسية عالية الجودة هي التي تعطي اشارات للمنتجين والمستثمرين وتمنع الاستخدام السئ للموارد الاقتصادية، وتضمن وجود ادارة حكومية كفء قادرة على الحفاظ على السلام الاجتماعي. ونختتم برأي الاقتصادي (Rodrik, 2002) "ان الاصلاح التجاري يساهم في التمية الاقتصادية طالما يسمح ببناء مؤسسات ذات جودة عالية. صناع السياسة القائمون على الاصلاح التجاري يجب أن لا يتساءلوا فقط هل سيؤدي هذا الاصلاح الى حجم أكبر للتجارة أو يحدث فرص نفاذ أفضل للصادرات بل يجب أن يتساؤلوا أيضاً عن ضرورة مصاحبة هذا الاصلاح ببيئة سياسات ذات جودة عالية داخل الوطن نفسه.


References:

 

Adsera, Alicia & Carles Boix (2001), "The Political Economy of Trade and Economic Integration: A Review Essay", Unpublished Paper.

 

Anderson, James E. (1997), "Trade Reform with a Government Budget Constraint", in J. Piggott and A. Woodland (eds) International Trade Policy arid the Pacific Rim, London Macmillan for the IEA.

 

Andriamananjara, Shuby and John Nash (1997), "Have Trade Policy Reforms Led to Greater Openness in developing Countries? Evidence from Readily Available Trade Data'", World Bank Working Paper No. 1730.

 

Baer, Werner et al (2002), "The Achievements and Failures of Argentina's Neo‑Liberal Economic Policies", Oxford Development Studies, vol 30, #1, pp. 63‑85.

 

Baldwin, Robert R. (1989), "Measuring Non‑tariff Trade Policies", NBER Working Paper No. 2978.

 

Dollar, David (1992), "Outward‑Oriented Developing Economies Really Do Grow More Rapidly: Evidence from 95 LDCs, 1976‑85", Economic Development and Cultural Change, pp. 523‑544.

 

Dornbush, Rudiger (1992). "The Case for Trade Liberalization in Developing Countries", Journal of Economic Perspectives, Vol. 6, Number 1, Winter 1992, pp. 69‑85.

 

Edwards, Sebastian (1998), "Openness, Productivity and Growth: What Do We Really Know?", Economic Journal 108 (March), pp. 383‑398.

 

 

El‑Mikawy, Noha & Heba Handousa (2002), "Institutional Reform and Economic Development in Egypt", Cairo: American University Press.

 

European Delegation in Egypt (2002), Annual Report

 

Finger, J. Michael and Julio J. Nogues (2001), "The Unbalanced Uruguay Round: The New Areas in Future WTO Negotiations" , World Bank Working Paper No. 2732.

 

Francois, Joseph F. (1997), "External Bindings and the Credibility of Reform" in Ahmed Gala] and Bernard Hoekman (eds), The European‑Egyptian Partnership Agreement: Limits and Possibilities", Cairo and London: ECES and CEPR.

 

Gala], Ahmed, et. al (1995) "Bureaucrats in Business ", New York: Oxford University Press.

 

Ghoneim, Ahmed Farouk (2002, forthcoming), "Cultural Industries in Egypt" , Report submitted to the World intellectual Property Organization.

 

 

Glasser, Bradley (1995), "External Capital and Political Liberalizations: A Typology of Middle Eastern Development in the 1980s and 1990s", Journal of International Affairs, summer, vol 49, no. 1, pp. 46‑73.

 

Grossman, Gene (1987), "Strategic Export Promotion: A Critique", Paul Krugman (ed.), Strategic Trade Policy and the New International Economics, Cambridge,: MIT Press.

 

Harrison, Ann and Gordon Hanson (1999), "Who Gains from Trade Reform? Some Remaining Puzzles", NBER Working Paper No. 6915

 

Hoekman Bernard and Patrick Messerlin (2002), "Harnessing Trade for Development and Growth in the Middle East", Report submitted by the Council on Foreign Relations.

 

Krugman, Paul (1993), "The Narrow and Broad Arguments for Free Trade, American Economic Review", May, pp. 262‑366.

 

Martin, Will (2001), "Trade Polices, developing Countries, and Globalization" World Bank Working Paper No.

 

Meier, Gerald M. & Joseph E. Stiglitz (eds.) "Frontiers of Development Economics"  Washington: Oxford U Press 2001.

 

Ministry of Economy And Foreign Trade (2001), "Egyptian Exports Promotion Strategy", Cairo: MOEFT.

 

Michalopoulos, Constantine (1999), "Trade Policy And Market Access Issues for Developing Countries: Implications for the Millennium Round", World Bank Research Paper No. ??

 

Nelson, Douglas (1998), "The Political Economy of Trade Policy Reform" A paper prepared for the Ford Foundation CREDIT Conference on Export Promotion in a Global Environment.

 

Noll, Roger (1997), "The International Dimension of Regulation Reform: With Application to Egypt" , ECES Distinguished Lecture Series No. 8

 

Oliva, Maria‑Angles (2000), "Estimation of Trade Protection in Middle East and North Africa Countries", IMF Working Paper No. WP/00/27.

 

Rifaat, Amal (1999), "New Trends in Egypt's Trade Policy and Future Challenges" , ECES Working Paper No 36.

 

Rivilin, Paul (2001), "Economic Policy and Peifornzance in the Arab World" , Boulder: Lynne Rienner.

 

 

Rodrik, Dani (1992), "The Limits of Trade Policy Reform in Developing Countries", Journal of Economic Perspectives, Vol. 6, Number 1, Winter 1992, pp. 87‑105

 

Rodrik, Dani (1993a), "Taking Trade Policy Seriously: Export Subsidization as a case Study in Policy Effectiveness", NBER Working Paper No. 4567

 

 

Rodrik, Dani (1993b), "Trade and Industrial Policy Reform in Developing Countries: A Review of Recent Theory and Evidence", NBER Working Paper No. 4417

 

Rodrik, Dani. 1994 "What Does the Political Economy Literature on Trade Policy (Not) Tell Us That We Ought To Know?" , NBER Working Paper No. 4870.

 

Rodrik, Dani (2001), "Trading in Illusions", Foreign Policy, March‑April.

 

Rodrik, Dani (2001 a), "The Global Governance of Trade As if Development Really Mattered", UNDP

 

Rodrik, Dani (2002), "Trade policy Reform as Institutional Reform in Bernard Hoekman" Handbook on Developing Countries and the Next Round of WTO Negotiations" forthcoming

 

Rogowski, Ronald, (2001), "Globalization, Policy Convergence and Inequality" Paper presented to Annual Meeting of the American Political Science Association August 30`h in San Francisco.

 

Rogowski, Ronald. (1989), "Commerce and Coalitions: How Trade Affects Domestic Political Alignments", Princeton University Press.

 

Sachs, Jeffery and Andrew Warner (1995), "Economic Reform and the Process of Global Integration", Brookings Papers on Economic Activity, No, 1, pp, ]‑ 118.

 

Thomas, Vinod, John Nash and associates (1991), "Best Practices in Trade Policy Reform", Oxford University Press published for the World Bank.

 

Waterbury, John (1989), "The Political Management of Economic Adjustment and Reform" In: Economic Adjustment in Algeria, Egypt, Jordan, Morocco, Pakistan,

 

Tunisia, and Turkey An EDI Policy Seminar Report, # 15, Economic Development Institute of the World Bank.

 

World Trade Organization (1999), "Trade Policy Review of Egypt, Geneva", August, 1999.

 

World Bank (2002), World Development Indicators CD ROM.

 

 

 



* أستاذ العلوم السياسية بجامعة بون

** المدرس بقسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية