بيان الكتب

الأربعاء 14 صفر 1424هـ - 16 أبريل 2003 -العدد 180                 

مسئوليات أساسية للمجتمع المدني الفلسطيني

بقلم: د. أحمد مجدلاني


لعبت التنظيمات السياسية، والمؤسسات الأهلية الفلسطينية دوراً أساسيا ومميزا في مواجهة الاحتلال وساهمت بشكل فعال في بلورة الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني إلى جانب إسهامها المباشر في تقديم خدمات اجتماعية مباشرة، في حين أن بعضها شكل أفرعا اقتصادية، ساهمت في النهوض بقطاعات اقتصادية مهمة، ووفر لها بنية تحتية ملائمة إلى جانب تطوير البنى اللازمة للمرافق العامة.

لقد شكلت مؤسسات المجتمع المدني، في إطار هذا الدور التاريخي الذي لعبته بديلا عمليا، فرض نفسه كسلطة موازية لسلطة الاحتلال الأمر الذي يفسر تعدد وتنوع مجالات عمل هذه المؤسسات وكذلك توسع نطاقها لتشمل بخدماتها مختلف فئات الشعب الفلسطيني، مما يعكس نزوعا وطنيا للخروج من سلطة الاحتلال وتشكيل بديل شعبي وطني لها، ساهمت منظمة التحرير الفلسطينية وقواها السياسية بدور أساسي فاعل ونشط، والتي اعتبرت هذه العملية في جوهرها عملية سياسية وطنية موجهة ضد الاحتلال.

بيد أن التطورات اللاحقة في مجرى النضال الوطني الفلسطيني، وما أحرزته عملية السلام وتحول م.ت. إلى سلطة سياسية نتيجة للاتفاقيات الانتقالية، افرز وضعا جديدا على الارض تميز بوجود تنافس (بين الحلفاء)، وهو تنافس محدود بطبيعة الحال، خاصة أن الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المؤسسات يكمن في الحد من سلطة الدولة.

هذا التنافس بين حلفاء الأمس، أكد ضرورة وجود بيئة قانونية تستند إليها العلاقة وتنظمها، وطرح أيضا الحاجة إلى وجود إطار ينظم هذه العلاقة ويوجهها بما يخدم مصالح الفئات الشعبية المستفيدة من نشاط هذه المنظمات، وبنفس الوقت لا يمس بالمسئوليات السياسية والمجتمعية للسلطة الوطنية الفلسطينية.

ولقد شكلت مبادرة دائرة المنظمات غير الحكومية مع المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والاعمار (بكدار) إلى طرح تصور أولي ينظم تلك العلاقة في نهاية 1994، بداية لعملية مأسسة هذه العلاقة التي لاقت التجاوب والتعاون من مختلف مؤسسات المجتمع الأهلي الفلسطيني، غير أن مشروع مسودة (قانون الجمعيات الخيرية) الذي تقدمت به وزارة العدل في منتصف العام 1995، لاقى النقد الشديد لما احتواه من مواد تقيد حرية العمل الأهلي في فلسطين وتعيده لما قبل الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية .

بيد أن الانتخابات التشريعية الأولى التي جرت في فلسطين مطلع العام 1996، وما أفرزته من جسم نيابي منتخب يتمتع بصلاحيات تشريعية، رغم محدوديتها فتح الأفاق لان يلعب هذا الجسم من خلال موقعه، والدور المناط به لعملية مشاركة حقيقية مع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني على اتساعها باعتبارها أولا جسما منتخبا من الشعب، ويعبر عن تطلعاته، ليس السياسية فحسب، وإنما الاجتماعية والاقتصادية، ونزوعه نحو التحول من مجتمع تحت الاحتلال إلى مجتمع مدني ديمقراطي تعددي، تلعب فيه هذه المنظمات بتشكيلاتها المختلفة دورا أساسيا في إحداث هذه العملية.

وعليه فان المسئوليات الأساسية للمجتمع المدني الفلسطيني أن يشارك بفاعلية للضغط على المجلس التشريعي لإنضاج بنية قانونية وتشريعية، ولإقرار سياسيات عادلة تستجيب لاحتياجات المجتمع المحلي، وتعبر عن طموحاته وأولوياته، وان من حق المجتمع المدني على المجلس التشريعي، أن يتجاوب مع هذه الاستعدادات ويتيح الفرصة، للمشاركة الدائمة في جلساته ومداولاته، وتنويع وتطوير هذه العلاقة التشاركية يتطلب إيجاد صيغة لسريان تبادل المعلومات وانسيابها بشكل سلسل وتلقائي بين المجلس التشريعي ومنظمات المجتمع المدني، مما يتيح له الإطلاع على هموم ومشاكل وقضايا المجتمع وبنفس الوقت يتيح المجال لهذه القوى لممارسة دورها ونشاطاتها، بشكل مستقل وبعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية التي يزداد ميلها لإخضاع هذه النشاطات وفق أجندتها الخاصة، وبالمقابل هناك مسئولية كبيرة تقع على عاتق منظمات المجتمع المدني تجاه المجلس التشريعي،

تتصل بمساعدة المجلس من خلال رصد ومراجعة انتهاكات السلطة التنفيذية للحريات العامة والأساسية، وللحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، وتزويد المجلس التشريعي، بكافة المعلومات التي تساعده في أعماله الرقابية على أداء السلطة التنفيذية، ومدى تطابقها مع أو خروجها عن القانون الأساسي، والقوانين الاجتماعية والاقتصادية المقرة، لذلك فان دورا مميزا تلعبه القوى السياسية والمنظمات النقابية والمهنية ومنظمات المجتمع الأهلي والجمعيات الأهلية بمختلف اهتماماتها واللجان الشعبية لمكافحة الفساد، والدفاع عن المستهلك.وغيرها، للتأكد من ضمان التزام السلطة التنفيذية بالقوانين المقرة، ودفع المجلس التشريعي لاتخاذ الإجراءات والقرارات الملائمة ووفق ما يمليه عليه دوره الرقابي اتجاه السلطة التنفيذية ومساءلتها.

كما أن من مسئوليات منظمات المجتمع المدني الفلسطيني تكريس مبدأ الفصل بين السلطات وتقوية وتوفير كافة المستلزمات التي تمكن المجلس التشريعي من تقليص هيمنة السلطة التنفيذية ونزوعها الدائم لتوسيع سلطاتها على حساب المجلس، وتقليص دوره وتهميشه لان من شأن استفحال هذه الظاهرة أن تقوض أسس التوازن في العملية الديمقراطية ويضعف بالتالي دور وفاعلية هيئات ومنظمات المجتمع المدني.

لقد برزت خلال السنوات القليلة من تجربة المجلس التشريعي وبوتائر مختلفة، علاقات جيدة لكنها غير كافية ما بين السلطة التشريعية الفلسطينية من جهة، ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مختلف حقوله وميادينه ولقد استندت هذه العلاقة على رغبة هذه المؤسسات بالمشاركة الفعلية في صياغة مجموعة الأنظمة والقوانين والسياسات العامة التي ستنظم الحياة العامة الفلسطينية، والتي ستمهد لإنشاء وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

وعليه فقد شاركت منظمات المجتمع المدني بنشاط وفاعلية كبيرة في المداولات والصياغات والحملات التأثيرية الضاغطة عند مناقشة مشاريع قوانين مثل انتخابات المجالس المحلية، وتطبيقه لاحقا، وقانون العمل ووضع اللوائح التفسيرية لتطبيقه، وكذلك قانون الجمعيات الخيرية وقد استطاعت عبر تلك الحملات أن تحقق إنجازات كثيرة وهامة على هذا الصعيد.فيما شهدت المسودة الأولى والثانية لمشروع قانون الأحزاب السياسية التي طرحها المجلس التشريعي، حوارا ساخنا، وانتقادا شديدا، لم ينصب فحسب على مضمون القانون ومواده، وإنما على أهمية وجود القانون نفسه وجدواه في المرحلة الانتقالية، وعمدت اللجنة السياسية لعقد لقاءات تشاورية، مع الأحزاب السياسية للاستنارة برأيها حول المشروع، إلا أن الاتجاه الغالب ظل معارضا لوجود القانون نفسه، مما دفع المجلس لوقف نقاش مشروع المسودة الثالثة من القانون.

أن عدم انتظام العلاقة ما بين المجلس من جهة، وبقية منظمات المجتمع الأهلي وغياب رؤية جديدة لصورة العلاقة والإطار الذي ينظم هذه العلاقة ويقيمها على أساس مبدأ المشاركة، قد أتاح الفرصة لوجود توترات ما بين السلطة التنفيذية، من جهة والعديد من مؤسسات المجتمع المدني، ولم تصل دعوات الحوار الوطني التي أطلقتها السلطة التنفيذية إلى نهايتها، بل وفي اغلب الأحيان لم تستكمل، واعتبرتها بعض القوى لغايات استخدامية وتكتيكية، في حين أثارت وزارة العدل زوبعة كبيرة من الاتهامات ضد بعض منظمات حقوق الإنسان، وانشغل المجتمع الفلسطيني، بما فيه المجلس التشريعي بين مؤيد ومعارض،

وتم تحشيد الرأي العام حيث تبدلت الاتهامات، ولم يوقفها سوى تقرير اللجنة الوزارية المكلفة بموضوع المنظمات الأهلية التي أكدت على الدور الهام الذي تقوم به هذه المنظمات في حياة المجتمع الفلسطيني وضد الاحتلال، وعلى صعيد تعزيز التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، لكنها أشارت بنفس الوقت إلى ضرورة التزام هذه المنظمات بمجموعة من المبادئ المتمثلة في الشفافية والمساءلة والمحاسبة ومحاربة الفساد.لقد كان من نتيجة هذه الإشكاليات أن قامت السلطة التنفيذية بإنشاء وزارة شئون العمل الأهلي، قبل التصديق على مشروع قانون الجمعيات الخيرية الذي من المفترض أن ينظم هذه العلاقة، لكن التصديق على القانون لاحقا، ومحاولة الوزارة انتهاج منهج عملي، ديمقراطي لإرساء مناخ من الثقة، ومد جسور التعاون مع مؤسسات العمل الأهلي، ساهم إلى حد بعيد في بلورة إطار فاعل للتعاون بين السلطة التنفيذية، ومؤسسات المجتمع المدني.

في حين ما زالت العلاقة بين المجلس، ومجمل منظمات العمل الأهلي بما فيها الأحزاب السياسية تفتقر إلى آلية محددة وواضحة، للتواصل على أساس مبدأ الشراكة، انطلاقا من حق المجتمع المدني، في مساءلة المجلس التشريعي باعتباره المرجعية الانتخابية له، ولكون المجلس المعبر عن ارادته ومصالحه.

عودة الى البيان

الأعداد السابقة

عودة الى الصفحة الرئيسية

info @albayan.co.ae

حقوق الطبع محفوظة لدى مؤسسة البيان للطباعة والنشر