التوتر في أمريكا اللاتينية
ينذر التعب من الديموقراطية الذي تسبب به عقدان من السياسات النيوليبيرالية بخطر تجدد الأنظمة التسلطية التي طالما طبعت تاريخ أمريكا اللاتينية. وتأتي الحرب على الاتجار بالمخدرات والإرهاب لتبرر الدفاع عن المصالح الجيواستراتجية للولايات المتحدة التي تسعى إلى تعزيز نفوذها في شبه القارة ضمن إطار منطقة مستقبلية للتبادل الحر بين الأمريكيتين.
بالرغم من استمرار بعض النزاعات الحدودية المتواترة بين دول أمريكا اللاتينية إلا أن النزاعات الكبرى (بين الارجنتين والتشيلي وبين البيرو والاكوادور) قد انتهت. بيد أن الموازنات العسكرية في هذه البلدان قد ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الماضية ولا تزال أمريكا اللاتينية تشهد بعض عوامل التوتر المستمر.
فمن خلال توسيع الفروقات وتفاقم الفقر (214 مليون شخص هم معنيون بهذه الظاهرة عام 2001 أي 43 في المئة من السكان) أدت السياسات النيوليبيرالية إلى زيادة مشهودة في الهجرة السرية نحو الولايات المتحدة وتصاعد مقلق للجنوح وانعدام الامن. كما تسببت بتجدد الصراعات الاجتماعية التي تطال مختلف قطاعات الشعب: السكان الأصليون (بوليفيا، الاكوادور، المكسيك)، المزارعون التقليديون (كولومبيا، البرازيل، بوليفيا، الباراغواي)، سكان المدن و/أو القوى النقابية (الأرجنتين، بوليفيا، الاورغواي)، الحركات المدنية (الاكوادور، البيرو) والمعارضات المسلحة (كولومبيا).
الإنذار الأرجنتيني
تعزيز قانون السوق هو ما يؤدي إليه انشاء منطقة التبادل الحر للأمريكتين والتي تضم واشنطن وغالبية الثلاثة والثلاثين حكومة من ألاسكا إلى أرض النار (بما فيها دول الكاريبي ولكن باستثناء كوبا). بيد أن الازمة الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي عصفت بالأرجنتين، التي أفلست تقريبا بعد أن كانت التلميذ النجيب لصندوق النقد الدولي، تمثل تحذيرا خطيرا من مساوئ هذه السياسة. لا يمنع ذلك أن تواجه إرادة القطيعة الديمقراطية "البوليفارية "التي قادها هوغو شافيز في فنزويلا، محاولة انقلاب أولى في 11 نيسان/ابريل 2002 بدعم ضمني من الولايات المتحدة.
وتبرر واشنطن الدفاع عن مصالحها في شبه القارة عبر مكافحة الاتجار بالمخدرات ومحاربة "الإرهاب" بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001. فمن المافيات الكولومبية والمكسيكية إلى حلقات وصلها في أمريكا الوسطى والكاريبي مرورا بالنظام المالي الذي يبيض أرباحها، لم يظهر هناك أي تراجع في تجارة المخدرات. لكن القمع يتركز على المزارعين الذين يدفعهم الفقر إلى انتاج الكوكا والخشخاش في كل من بوليفيا والبيرو وكولومبيا.
وقي هذا البلد الأخير يبقى الهدف المميز هو قوات التمرد، الحليف التقليدي للفلاحين، والتي يمول فصيلها الرئيسي أي القوات المسلحة الثورية الكولومية (فارك) نفسه جزئيا من الضريبة التي يفرضها على الكوكا. وبدل التطلع إلى إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية، لعبت الحكومات الكولومبية المتعاقبة ورقة إرهاب الدولة. فقد أدى بروز المجموعات شبه العسكرية المرتبطة بالجيش وببعض القطاعات الاقتصادية المتورطة بالعمق في تجارة المخدرات إلى تفاقم النزاع. و تسعى واشنطن من خلال "خطة كولومبيا" التي تحولت عام 2001 إلى "مبادرة الأنديز الإقليمية" إلى القضاء على الثورة المسلحة ولو أدى ذلك إلى أن يتخذ النزاع بعدا إقليميا.
وبعد أن اضطرت الولايات المتحدة للتخلي عن قواعدها في بنما في 31 كانون الاول/ديسمبر 1999، استبدلت هذه بمواقع متقدمة أصغر حجما تضاف إلى قواعدها البرية والبحرية الكبيرة في غوانتانامو (كوبا) ومانتا (الاكوادور) والقنطرة (البرازيل). وبسبب معارضة البرازيل بشكل خاص لم تتمكن واشنطن من تشكيل قوة أمريكية لاتينية متعددة الجنسية بهدف التدخل "الإنساني" في كولومبيا. بيد أن اعتداءات نيويورك وواشنطن سمحت لها بفرض ميثاق ديموقراطي قاري يصادق على "حق التدخل" ويعمل البنتاغون على إنشاء قوة عسكرية موحدة أمريكية شمالية بالاشتراك مع المكسيك وكندا.
إضافة إلى السعي لمنع الحركات المعارضة من زيادة نفوذها، الهدف هو الاحتفاظ بالسيطرة على "المثلث الراديكالي" : أي كولومبيا، الاكوادور وفنزويلا. فهذه البلدان التي تملك على غرار البرازيل حيزا أمازونيا معروفاً بتنوعه البيولوجي والغني بالموارد المعدنية والمائية، تنتج أيضا الغاز والنفط. ولهذا السبب توازي هذه البلدان الشرق الاوسط من حيث أهميتها بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
حروب العصابات في الأمس |
|