اخبار الدار
منبر القراء
رأي ودراسات
اخبار وتقارير
مذكرات
تقرير
الوطن العربي
ثقافة
فنون
محطات
كاريكاتير
اليوم في التاريخ
افتتاحية الخليج
الخليج الاقتصادي
الخليج الرياضي
مجلة الصائم
 
 
وحــــدة الــــدراســـات 2003, 11, 02- Sunday
الصفحة الأولى> رأي ودراسات
02:01 آخــر تحديــــث 2003-11-02

استقطاب العون الدولي لإعمار العراق وسيلة أخرى للخروج من الورطة....د. عبدالهادي بوطالب

 أمام توالي مسلسل التعقيد والتفاقم في ورطة العراق، تعمل الولايات المتحدة جاهدة للبحث عن المخارج من ورطتها المستعصية.

ولعل الإدارة الأمريكية أمست تعي أن خبراء البيت الأبيض أخطأوا عندما لم يحسبوا بدقة عواقب غزو العراق بقرار أمريكي انفرادي لم يُشركوا معهم فيه لا منظمة الأمم المتحدة، ولا حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، ولم يبذلوا الجهد اللازم لاستقطاب تأييده من لدن الرأي العام الدولي، وتصرفوا كما لو كانت الحرب التي شنوها على العراق ستكون مجرد نزهة لتغيير الهواء، أو على الأقل حرباً خاطفة لا يسقط فيها من الأمريكيين لا قتلى ولا جرحى، ولا تكلف الجيش الأمريكي خسارة تذكر.

لكن تبدو اليوم حصيلة معاناة الولايات المتحدة في العراق حافلة بالمخاطر، وتداعياتها صعبة وشاقة لا يستطيع تحملها لا الجيش الأمريكي المرابط بالعراق الذي طال مقامه، ولا إدارة “بول بريمر” الحاكم بأمره في العراق، ولا الرأي العام الداخلي في الولايات المتحدة الذي يصب جام انتقاده على تصرفات الرئيس “جورج والكر بوش” غير الموفقة في جميع المراحل التي اجتازها مشروع غزو العراق تنظيراً إلى أن اكتملت ممارسته في الميدان، وعلى صعيد العلاقات الخارجية للولايات المتحدة التي تتميز بالتناقض وضيق الرؤية وتراكم الأخطاء، مما أصبح به القطب الأعظم في عزلة أخذ يعمل جاهداً لتوفير مخارج منها.

للخروج من العزلة قبلت الولايات المتحدة أن تستصدر بصعوبة من مجلس الأمن قراراً يعطيها شرعية “القوة المحتلة” بعد أن كانت تطمح إلى أن تأخذ منه صك براءة، بل كانت تنتظر منه أن يتبنى أطروحة اعتبار الحرب حرب تحرير لإنقاذ العراق. وهو ما ظلت تروّج له بدون نجاح. وكم كان وفد الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن سعيداً بصدور القرار الذي أضفى على الولايات المتحدة صبغة القوة المحتلة لأنه على الأقل أعطى جيشها حق الوجود ولو بوصف غير مشرّف، وسمى الأشياء بمسمياتها.

أما المخرج الثاني فقد وفره للولايات المتحدة قرار مجلس الأمن 1511 الذي اتخذه بالإجماع، ولكن بعدما أدخلت على المشروع الأمريكي الأصلي تعديلات جوهرية، وكان مخاضه عسيراً، وقدمت الولايات المتحدة فيه تنازلات، لكنها استفادت من القرار تأييد مجلس الأمن لوجودها بالعراق، ولكونه يعتبرها مسؤولة عن التسريع بنقل العراق في أسرع وقت من وضع البلد المحتل إلى وضع الدولة المستقلة ذات السيادة.

وكانت سلطة الاحتلال الأمريكي للعراق تعاني من فقد الموارد المالية اللازمة لإعادة إعمار (أو بناء) العراق. وكانت تسعى إلى خروجها من هذه الورطة بتوريط المجتمع الدولي في تحمل تكاليف الإعمار التي قدرها مبدئياً البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة ب 56 مليار دولار. فنجح البيت الأبيض في عقد مؤتمر دولي للحصول على هذه المبالغ. ودُعي المؤتمر الذي انعقد بمدريد خلال 23 و24 أكتوبر/تشرين الأول باسم مؤتمر المانحين.

لقد استجابت إلى دعوة الولايات المتحدة منظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمات دولية، وحرصت وزارة الخارجية الأمريكية على أن يُلقي الأمين العام للمنظمة “كوفي أنان” خطاب افتتاح المؤتمر. وهو ما يعني تراجع الولايات المتحدة عن سياسة تهميش المنظمة الأممية وتقليص دورها والاستغناء عنها لأنها أصبحت في نظر الولايات المتحدة متجاوزَة، ولأن زمام قيادة العالم أصبح في يدها، ولم تكن تقبل أن تشرك معها في القيادة أحداً. لكن تداعيات حرب العراق وخاصة ما أفرزته عزلة الولايات المتحدة عن المجتمع الدولي من وقوعها في ورطة العراق المستعصية، أعطتها (أي الولايات المتحدة) درساً في التواضع والتعامل مع الواقعية السياسية، وحتمت عليها العودة إلى رد الاعتبار للمنظمة لشدة الحاجة إليها، والتحلي بحسن التعامل معها. وقد انتهز الأمين العام “كوفي أنان” هذه الفرصة المتاحة له  وكان ينتظرها على أحر من الجمر  ليرد على تحية الولايات المتحدة بأفضل منها، فناشد في خطابه بحماس الدول الأعضاء والمنظمات المالية المشاركة في المؤتمر أن يكون عطاؤها للعراق سخياً بلا حدود، وأن يتنافس في ذلك المتنافسون بلا قيود. وهذا ما أثلج صدر الرئيس بوش الذي لم يسند رئاسة المؤتمر للأمين العام إلا ليُسهم هذا الأخير في إخراج الولايات المتحدة من ورطتها، ذلك أن الولايات المتحدة توجد في حاجة ماسة إلى مساعدتها في تحمل تكاليف إعادة الإعمار لأنها عاجزة عن تحملها وحدها. فالنفقات اللازمة للإعمار لم يَجُد بها الكونجرس الأمريكي حتى اليوم.

لم تأتِ الدول المشاركة في المؤتمر (وعددها ستون دولة  أي ثلث أعضاء الأمم المتحدة ) وهي متفقة على طبيعة توفير النفقات اللازمة للإعمار، بل ظلت مختلفة بين التي تريد أن تعطي هبات نقدية لا تنتظر عليها جزاءً، وتلك التي تريد أن تعطي العراق قروضاً تستردها منه في استحقاقات محددة آجالها، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة التي تعلم أن العراق لا يوجد في وضع الدولة القادرة في أقرب الآجال على الوفاء برد الديون في استحقاقاتها. وأكثرية الدول لم تكن مستعدة لإعطاء هبات، ومنها الولايات المتحدة نفسها التي أعلنت عن التزامها بدفع قسط من عطائها في شكل منح وهبات، وأقساط أخرى في شكل قروض. وهو ما يبدو أنه غير منطقي، لأن منطق الأشياء يقتضي أن يكون “متلف الشيء غارمه”، لأنها المسؤولة عن خراب العراق ودماره، وكان عليها أن تتحمل هي وقوات التحالف المحتلة للعراق وخاصة بريطانيا العظمى تكاليف الإعمار.

وبتوزّع العطاء الدولي الموعود به بين المنحة والقرض، لم يعد المؤتمر مؤتمر مانحين كما سمي بل مؤتمر مانحين ومقرضين، علماً بأن حجم القروض يبدو أكبر من حجم المنح، كما أن خيار إعطاء القروض يطرح مشاكل عدة من بينها مشكل قانوني ناتج عن ضرورة أن تتولى حكومة العراق الشرعية الإمضاء على عقود القروض مع الدول المقرضة، والالتزام فيها برد القروض وفوائدها في أجل معين. ولايعترف العديد من الدول بشرعية مجلس الحكم والحكومة المؤقتة المنبثقة عنه. ومن أجل ذلك فلا يمكن لدول القروض أن تبرم مع جهاز غير شرعي أو مطعون في شرعيته عقدا ملزماً وهو لا يملك صلاحية الإمضاء. وهذا المشكل القانوني هو الذي جعل بعض الدول المعارضة لحرب العراق -كفرنسا وروسيا- تغيب عن هذا المؤتمر.

لقد كان “كوفي أنان” يستحضر في ذهنه هذا المشكل قبل افتتاح المؤتمر. لذا بادر في تصريح له إلى حث الدول على تجاهل هذا المشكل “فحل مشكلة إعادة الإعمار لا يقبل الانتظار” لأنه “يفرض نفسه بقوة ويأخذ صبغة الاستعجال” كما قال. وهذا دعم قوي من الأمين العام للأطروحة الأمريكية.

يلاحظ ان الدول العربية الغنية التي اقتصر عددها على ثلاث دول من الخليج لم تكن سخية مع العراق، فالمملكة العربية السعودية أعطت مليار دولار، أما دولة الكويت فأعلنت أنها ستقدم مليار ونصف المليار دولار فقط، بينما كانت أعلنت قبل المؤتمر أن عطاءها سيكون سخياً إلى حد كبير.

وقد أعلن في ختام المؤتمر أن أعماله أسفرت عن تعهد الدول والمنظمات الدولية المشاركة بدفع مبلغ 33 مليار دولار، لكن في واقع الأمر لم يقع التعهد إلا بمبلغ 13 مليار دولار فقط، لأن العشرين مليار دولار الباقية التي تعهدت بها الولايات المتحدة ما تزال قيد الدرس بالكونجرس الأمريكي ولا يُعلم ما إذا كان سينتقص منها أو سيرفض إعطاءها.

بقي أن نذكّر بأن الصندوق الدولي لمساعدة افغانستان لم يتلق المساعدات الموعود بها من طرف الدول المانحة، وأنه يشكو من خصاص مدقع، فأرجو ألا تتكرر هذه السابقة مع صندوق العراق الجديد.

ألا ما أسهل الوعود! ألا ما أصعب الوفاء بها!



Print إطبع الخبر Email a friend أرسل الخبر لصديق Email the Author أرسل تعليقك للكاتب
عودة إلى السؤال الأساس..................د. محمد السعيد ادريس
الولايات المتحدة تعرض العراق للبيع!
“كاي” يطلع المسؤولين الأمريكيين قريباً على نتائج بحثه عن أسلحة محظورة في العراق
خاتمي وكروبـي ينتقـدان السياســة الأمريكيـة تجـاه إيران وخــرازي يســتبعد نجاح الاتصـالات مع واشـنطن
عن دار الخليج اتصل بنا الاعلانات الاشتراكات مساعدة البحث خريطة الموقع بريد منبر القراء
جميع الحقوق محفوظة لدار الخليج © 2003