القطاع الخاص بين الحماية والمنافسة

د. خالد عبد النور*

لا يمكن الحديث عن القطاع الخاص القائم في ظل الحماية، ووضعه المعياري (أي ما يجب أن يكون عليه) والوضعي (أي ما قد سيكون عليه) في ظل المنافسة إلا إذا اتضح لنا بداية الدور الذي سيلعبه مستقبلاً في عملية التنمية. وهذا يستدعي حل إشكالية المفارقة والمواجهة بين القطاع العام بمعناه الشامل، بما في ذلك تدخل الدولة إلى هذا المدى القصير أم ذاك البعيد، من جهة وبين القطاع الخاص وإلى أي حد يقع عليه العبء في مسيرة التنمية المستقبلية من جهة أخرى. وعلى هذا فتعالج هذه الورقة المحاور التالية: إشكالية العام والخاص أولاً واقع القطاع الخاص في ظل الحماية ثانياً والقطاع الخاص تحت ظل المنافسة ثالثاً وتطوير مناخ الاستثمار رابعاً.
أولاً: إشكالية العام والخاص
1 – 1. تطورات القرن العشرين
سادت سياسات الحرية الاقتصادية في القرن التاسع عشر كرد فعل على سياسات التدخل المسرفة التي سيطرت في القرن الثامن عشر، مجسدة لنظريات "آدم سميث" كما عرضها في كتابه الشهير "ثروة الأمم". وإذا كانت سياسات الحرية لا تزال قائمة في مطلع القرن العشرين فإن هذا القرن قد عاش كافة التجارب المرتبطة بجميع النظريات الاقتصادية الممكنة، لينتهي كما بدأ إلى ليبرالية اقتصادية مطورة ومحدثة. وبالفعل كان نظام الأساس الذهبي Gold Standard في فجر القرن العشرين يشكل ركيزة السياسة النقدية ضامنة استقرار الأسعار على المدى الطويل، وكانت حرية التبادل التجاري هي الأساس، وميزانيات الدول متوازنة من حيث المبدأ، وإجمالي النفقات العامة متواضعاً، وبالمقارنة مع نهاية القرن المذكور، إذ لم تتجاوز 8% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية و12% في فرنسة و13% في المملكة المتحدة و18% في ألمانية. غير أنه في بداية العقد الثاني قامت رياح التغيير في الاتجاه المعاكس، وكانت أولى مظاهرها في قطاع التجارة، حيث اعتمدت القوتان الاقتصاديتان الرئيستان ألمانية والولايات المتحدة اللتين كانتا في أوج نموها، سياسة حمائية، إذ بلغت الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة سنة 1913 على المنتجات المصنعة 40%. وراحت سياسة "دعه يعمل" تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد الحربين العالميتين وفترة الكساد الاقتصادي الأكبر في الثلاثينيات. إذ انتهى نظام الأساس الذهبي وتخلت المملكة المتحدة عن حرية التجارة، وانخفض نصيب التجارة الدولية في الفعالية الاقتصادية بصورة ملحوظة وتزايدت كثيراً نسبة الإنفاق العام من الناتج المحلي الإجمالي، وحتى في فترة السلم، وتصاعد تدخل الحكومات في تسيير اقتصاديات بلادهم. واقتصر الخلاف على تحديد المدى الذي يمكن فيه للحكومات الانحراف عن معايير اقتصاد السوق لتقوم بمسؤولياتها الجديدة. وشاع في الدول المصنعة أمريكة الشمالية وأوربة الغربية ما عرف بالوفاق الكينزي، المستند إلى نظرية "كينز" المعروفة في كتابه الأشهر في هذا القرن: النظرية العامة للاستخدام والفائدة والنقود. وتبعاً لهذه النظرية فمن الجوهري أن نولف بين اقتصاد السوق وإدارة فعالة للطلب الكلي من خلال الموازنة والسياسة النقدية لتوفير الاستخدام الكامل. على أن يتواكب ذلك مع التجارة حصراً دون حرية تدفق رؤوس الأموال. وانطلاقاً من ذلك حقق العالم، خلال ما يقارب الثلاثة عقود، فترة لم يعهدها من قبل إذ بلغ معدل النمو العالمي 5% بين 1948 و1973. ولكن هذا العصر الذهبي انتهى مع موجة التضخم، وتصاعد البطالة في السبعينيات، والإقلاع عن نظام سعر الصرف الثابت للعملات الوطنية الذي كان يديره صندوق النقد الدولي. وكما انزاحت سياسات الحرية الاقتصادية التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر ليحل محلها الوفاق الكينزي، فإن هذا الأخير واجه ثورة مضادة من قبل النظرية النقدية لـ "ميلتون فريدمان"، الذي يؤكد أنه يستحيل تخفيض البطالة باستمرار من خلال تعاظم التضخم. وإن السياسة النقدية هي العنصر الحاسم في السياسة الاقتصادية. وعلى سياسات الموازنة أن تكفل دعم السياسة المذكورة على المدى الطويل.
ولكي نحصل على عملة مستقرة وارتفاع هام في الاستخدام، فعلى الاقتصاد أن يكون تنافسياً ومنفتحاً للتجارة الخارجية. وقاد هذا التوجه نحو إعادة الاعتبار للسوق، خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وكل من الولايات وبريطانية، الذي تمثل بموجه من الخصخصة، وتخفيض الضرائب وتحرير النظام المالي، وحرية تدفق رؤوس الأموال وإزالة التضبيط خاصة في الأسواق المالية وسوق العمل. ولم يبقَ خارج هذا التيار، خلال فترة بعد الحرب العالمية الثانية إلا كتلة الدول الاشتراكية والدول النامية –باستثناء النمور الآسيوية - الذين أخذوا عامة بنظام التخطيط المركزي وملكية الدول لوسائل الإنتاج، بعد النجاحات التي كان قد حققها الاتحاد السوفييتي في البداية، وانهيار التجارة العالمية وأسعار المواد الأولية. ولكن هذه التجارب انتهت إلى الفشل الذي نعرف. وبهذا انتهى القرن بعودة إلى الحرية الاقتصادية من حيث المبدأ. ولطالما أننا جزء من البلاد النامية فلا بد لنا من التعرف بعجالة على النظريات والتجارب التي مرت بها هذه الدول خلال النصف الثاني من القرن الفائت.
1 - 2. اقتصاد التنمية
يمكن تصنيف النظريات الخاصة بهذا الشأن في ثلاث:
1 – 2 – 1. الدولة المحققة للتنمية
ترى نظريات التنمية التي ظهرت في الخمسينيات، ضرورة توجيه حجم كاف من المعونات المالية الدولية لبلاد العالم الثالث، يتوفر معه حد من تراكم رأس المال تستطيع معه البدء بتصنيع حديث متسارع. وكان الاقتصاديون الغربيون ينتظرون من ذلك كسر الحلقة المفرغة للفقر أو بدء دفعة النمو الكبرى أو أحداث الإقلاع نحو العصر الصناعي. وبينما حرص الاقتصاديون الأنجلوسكون على قصر دور الدولة على مهمة التخصيص الفعال للاستثمارات في اقتصاد مفتوح، وأوصى زملاؤهم الأوربيون بتدخل متعاظم من الدولة في قطاع صناعة مسيّج بالحماية. إذ على دول العالم الثالث أن تعطي الأفضلية لاستثمارات عامة أحسن اختيارها في القطاع الصناعي مشفوعاً بالحماية، باعتباره القطاع الديناميكي من حيث آثاره وتساقطاته الاقتصادية على المجتمع، سواء من خلال قدرته على إحداث أثر الجر، (Hirschman) أو على إنشاء أقطاب التنمية (Perroux) أو قيام الصناعات المصنعة (De bernis). وسرعان ما أخذت دول العالم الثالث بهذا التوجه، باستثناء الندرة منها، وعلى الرغم من التناقضات الشديدة التي تفصل بين هؤلاء الاقتصاديين، إلا أنه من التبسيط المفرط، القول بأن الجميع متفق على إعطاء دول العالم الثالث دوراً تستطيع من خلاله إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر تحديث صناعي متسارع. وفي الوقت الذي لم يأبه فيه أنصار الاقتصاد الحر لعدم التساقطات الاجتماعية فوراً لهذا النمو إذ ستأتي لاحقاً وفقاً لظاهرة التساقط نحو الأسفل Trickle Down فإن الاقتصاديين الآخرين، أنصار تدخل الدولة، كانوا يثقون بالنخب السياسية الموجودة في العالم الثالث من حيث قدرتهم على تنفيذ هذه الاستراتيجية وتوزيع ثمارها على الجميع.
غير أن هذا الفهم يمثل حالة مفرطة من التمركز الأوربي حول الذات، بإسقاط التحليلات الاقتصادية الخاصة بالدول الأوربية على وحدات سياسية، أضحت دولاً لتوها، مهملة بهذا الشأن التجربة التاريخية التي مرت بها الدول المتقدمة في علاقتها بالاقتصاد والمجتمع، ومنكرة بذلك أهمية عامل الزمن الضروري لتراكم هذه التجارب وتبلورها بالصورة التي تعهدها. وقد تضخم هذا الخطأ بالتباعد الشديد بين جسامة المهمة الملقاة على عاتق هذه الدول، وبين هزال مواردها للقيام بها. ومن ثم تكون هذه النظرية قد خصت الدول المذكورة بدور تنموي شامل، لم تقم به فيما مضى أي دولة غربية بهذا الحجم وبهذه السرعة. وبالفعل فقد اتضح بعد أن النخب السياسية والاقتصادية في الدول الأفريقية مثلاً، لا تستهدف بالضرورة وضع استراتيجية للتنمية، وليست بالضرورة من أنصار ذلك. فتلك النخب سخرت الجهاز البيروقراطي للسيطرة على القطاع الاقتصادي بغية الاستحواذ على ريع يغنيها ويعن مواقعها. بل وأكثر من ذلك كانت، في الغالب، تجد في صياغة استراتيجية للتنمية الحقيقية تهديداً لمصالحها الريعية. في بلد توفر له الحد الأدنى من الطابع المؤسسي كالبرازيل فإن القسم الأعظم من ثمار النمو قد ذهب إلى الفئات العليا وليس إلى كل أفراد المجتمع. وباختصار فإن أصحاب هذه النظرية تصوراً إطاراً وهمياً للتنمية، حكم الواقع المعاش بزيفه.
1 – 2 - 2. الدولة التابعة الأمجدية بدأت مع نهاية الستينيات، حيث ظهر فشل النظرية السابقة، موجة من النقد التي ترفض أصلاً إمكانية تنمية العالم الثالث ما لم يطرأ تغير جذري على طبيعة العلاقة بينها كدول تتوضع على تخوم وبين الدول المصنعة التي تحتل مركز الدائرة، وذلك انطلاقاً من ثنائية المركز/التخوم التي قام بتطويرها (Prebisch). وراح أنصار نظرية التبعية يبرزون العلاقة السببية بين نمو دول المركز وتخلف دول التخوم، مرتكزين على قسمة العمل الدولية اللامتكافئة. فالبعض يعزي هذه الحالة إلى دور الشركات متعددة الجنسية في إفشال سياسة الإحلال محل الواردات وترسيخ هذه التبعية، والبعض الآخر يرجعها إلى التحالف الموضوعي بين الفئات الحاكمة في دول التخوم ومصالح ول المركز، بينما يدفع الآخرون بهذا التحليل إلى مداه الأقصى، حيث لا مناص من أن ينتهي الأمر بتنمية التخلف في دول التخوم. لأن هذه الدول، التي ليست إلا بنى فارغة أو هزيلة تحكمها فئات ترتبط مصالحها بتلك الخاصة بالفئات المسيطرة في دول المركز، لا تمثل أكثر من مسننات لا حول لها في آلة الاقتصاد الدولي الضخمة. وهي من ثم ليست أكثر من دمى في يد دول الشمال المصنعة. غير أن هذه النظرية حصرت نفسها في منحنى اقتصادي محض، غير آبهة بالعوامل الأخرى والسياسية منها على وجه الخصوص ومهملة لدور الطبيعة السياسية لدول الجنوب وتطلعات النخب الحاكمة فيها. ولكنها، في الوقت ذاته فقدت مع أواخر السبعينيات مصداقيتها على أرض الواقع الاقتصادي نفسه، إذ أثبتت نجاحات النمور الآسيوية بطلانها، وليس بسبب تيار فكري معاكس.
1 – 2 – 3. العودة إلى السوق وتراجع دور الدولة بعد انحسار نظرية التنمية سالفة الذكر ونزول ما سبق تسميته بـ "الوفاق الكينزي" عن عرشه بسبب تصاعد البطالة والتضخم، وتبني ريغان/تاتشر للنظرية النقدية، ونشوب أزمة الديون المالية في الجنوب والصعود القوي لثنائي البنك الدولي/وصندوق النقد الدولي من خلال فرض برامج التكيف وسقوط برلين، عاد الفكر النيوكلاسيكس لمركز الصدارة. وقد تجسدت هذه العودة بما سماه الاقتصاد الأمريكي Wiliamson بـ "وفاق واشنطن" Washington Consensus، الذي ينطوي على الوصايا العشر – المستمدة أصلاً من مدرسة شيكاغو بويز "Chicago Boys"- والتي تشكل طرائق الخلاص لكل دولة من دول العالم الثالث ترغب في الإصلاح الاقتصادي، سواء في أمريكة اللاتينية أو غيرها. وتقضي هذه الوصايا بالانضباط الموازني، والإصلاح الضريبي، وتخفيض الإنفاق العام، وتحرير التجارة والأسواق المالية والاستثمارات الخارجية وإيجاد سعر صرف مناسب والخصخصة والابتعاد عن التضبيط. وإذا ما تخصصت كل من الدول النامية في المجالات حيث تتوفر لها المزايا المقارنة، واحترمت السعر الحقيقي، وتركت المبادرة الفردية تأخذ مداها في جو من المنافسة الحرة السليمة، وسمحت لقوى السوق أن تفعل فعلها دون تدخل من الدولة التي يجب أن تنسلخ عن الاقتصاد. ضمنت هذه الدول لنفسها تحقيق النمو والتوظيف الأفضل لعوامل الإنتاج. وإن عدم اتباعها لهذا المنهج، هو الذي جعلها تغوص في مزيد من التخلف. وإذا ما اجتذب وفاق واشنطن حتى عام 1998 الأكثرية الساحقة من الاقتصاديين الجامعيين وأولاء المنخرطين في الحياة العملية، فإن ما أسبغ عليه أهمية خاصة هو قرار البنك الدولي وتوأمة صندوق النقد الدولي بربط قروضهما ومعونتهما باتباع هذا المنهج. وقد أضاف البنك الدولي منذ عام 1990، لطريق الخلاص هذا "وفاق واشنطن"، مفهوماً جديداً يتجاوز الاقتصاد إلى السياسة، وهو مفهوم "الحكمانية Governance" الذي يرتكز إلى نشر نموذج (ديمقراطية السوق) القائم في الدول الغربية الآن على العالم بأسره. وقد عرّفه Leftwitch بأنه "النظام السياسي المرتكز إلى نموذج الدولة التي تستطيع تحقيق التنمية، هي تلك القائمة على نظام مؤسسي عقلاني، والتي يقتصر دورها على ممارسة وظائفها الأساسية وصياغة السياسات العامة التي لا يستطيع أي فاعل آخر أن يقوم بها بالذات الفعالية. ومن ثم فهي دول منفكة عن السوق بما يكفي، لتستطيع آليات تنظيمه الذاتية أن تحدث كل آثارها. وبغض النظر عما ينطوي عليه مفهوم الحكمانية من تمركز غربي حول الذات Ethnocentrism، وعن التصور لنموذج الدولة الأمثل الذي طرحه هذا المفهوم بصورة معيارية، لكنه لا يتوفر في أية دولة ديمقراطية في العالم، فإن تطبيق "وفاق واشنطن"، لم يؤتِ نتائجه التي تصورها السياسيون أو انتظرها المواطنون أو تنبأت بها النماذج الرياضية. وإذا ما أحدث بعضاً من النتائج الإيجابية على مستوى الاقتصاد الكلي، فإنه سرعان ما ارتطم بحدود لا يتخطاها إذا كنا نبحث عن نمو عادل متوازن ومستديم. فقد كذبته الأزمة الآسيوية عام 1997 من جهة و تراجع عنه، بل وانتقده بشدة بعض من أنصاره وفي السابق، وخاصة Stiglitz كبير اقتصاديي البنك الدولي و Krugman حتى قال عنه بعض الاقتصاديين بأنه لفظ أنفاسه الأخيرة عام 1998 وإن القضية الأساسية تكمن الآن بماذا نستبدله من جهة أخرى.
1 – 2 – 4. الخيار الأفضل إن الوصول إلى هذا الخيار يستدعي عرض التالي: ثانياً: القطاع الخاص في ظل الحماية أكدت الحماية قبل الحرب العالمية الثانية، تستهدف حماية الصناعة في الدول المتقدمة من بعضها. فيما قامت الحماية في الدول النامية كرد من بعضها، وبالذات في أمريكة اللاتينية، على التطورات التي حدقت في الاقتصاد الدولي: الأزمة الاقتصادية في الثلاثينيات، تصاعد سياسة الحماية في الدول الصناعية مثل قانون Smoot-howly لعام 1930 في الولايات المتحدة، ومن ثم انخفاض الطلب على المواد الأولية من الدول النامية وتناقص أسعارها- وهو ما يسمى بتدهور شروط التبادل-، إضافة إلى اضطرابات التبادل التجاري نفسه التي ترتبت على قيام الحرب العالمية الثانية. وكان الرد متمثلاً منذ بداية الأربعينيات بتنمية الصناعة لديها، موجهة إلى السوق الداخلية لتحل محل الاستيراد، وضماناً لتطورها كان لا بد من الحماية. ثم جاء Prebisch ليعطي الأساس النظري لهذه السياسات، مؤكداً أن السياسة الاقتصادية في دول أمريكة اللاتينية يجب أن تصاغ، بحيث تواجه العقبات الخارجية التي تحول دون نموها والمترتبة على علاقة التبعية وعدم التكافؤ بين دول المركز في الشمال المتقدم وبين دول التخوم النامية في الجنوب المتخلف. والتصنيع المحمي هو السبيل إلى ذلك، وهذا هو الأساس لنظرية الإحلال محل الواردات وما تستوجبه من حماية وهي السياسة التي انتهجتها سورية منذ ستينيات القرن العشرين.
ولا بد بداية من التعرف على دور القطاع الخاص إجمالاً في الاقتصاد الكلي من خلال الإحصاءات الخاص بتكوين رأس المال الثابت والاستثمار والتجارة الخارجية ودوره في قطاع الصناعة التحويلية تحديداً.
2 - 1. في الاستثمار
2 – 2. مؤشرات التجارة الخارجية
2 – 3. في الصناعة التحويلية
2 – 4. وهنا يطرح السؤال نفسه عما أعطت الحماية من إيجابيات و ما ترتب عليها من سلبيات
ويمكن إجمال هذه السلبيات بالتالي:
وجدير بالذكر أنه نتج عن الحماية أثر سلبي، على درجة من الخطورة لا تقل عما سبق ذكره إن لم يزد ، يتمثل بالمفارقة التالية: لئن أفادت الحماية شريحة من القطاع الخاص، من خلال تعظيم هامش أرباحه، إلا أنها أدت في النهاية إلى كبح القطاع الخاص ككل. فقد حالت، من خلال الاستثمار السهل (انخفاض حجمه وضمان السوق) دون تطور الريادة Enterepreneuruspib الحقيقية وما يعنيه ذلك من ندرة المنظمين (أو الرواد) الذين يستطيعون اتخاذ المبادرة، بعد دراستها، وتحمل بعض المخاطر وهي الفئة التي تعطي للقطاع الخاص سمته الديناميكية، خاصة وإن اكتساب صفة المنظم لا تأتي دفعة واحدة وإنما تحتاج إلى وفت يمكن معه، من خلال الممارسة في جو من المنافسة، أن يظهر على سطح المجتمع عدد من المنظمين في كافة النشاطات الاقتصادية. على أن حالة التراخي سالفة الذكر لم تقتصر على الصناعيين فحسب وإنما شملت التجار وبيوت الخبرة. فالأول لم يفعلوا شيئاً من الناحية المؤسسية، كتكوين شركات تجارية متخصصة بالتصدير، كما هو الحال في الدول الآسيوية المعروفة، حيث تتعرف على أسواق التصدير ومتطلباتها، وتقوم بإرشاد المنتج، ومطالبته باحترام كامل المواصفات اللازمة وبالتسويق في الخارج. أما بيوت الخبرة والشركات الاستثمارية الوطنية فلا تزال شبه معدومة على الرغم من أهميتها وضرورتها كمركز لتراكم الخبرة واكتساب التكنولوجية.
غير أنه توخياً للموضوعية في تحليل وضع القطاع الخاص في ظل الحماية واستكمالاً له نود إبراز النقطتين التاليتين:
ثالثاً: القطاع الخاص في ظل المنافسة:
ليست المنافسة، في واقع الأمر، إلا البنت الشرعية للانفتاح التجاري. ولم يعد هذا الانفتاح مطروحاً مع بدائل أخرى لنحدد اختيارنا. وإنما أصبح واقعاً على الصعيدين الخارجي والداخلي، فقد ساد على الصعيد الأول بحكم العولمة واتفاقية "الجات 2" اللذين يتجاوزون بكثير مجرد حرية التجارة، وبدأ اعتماده منهجاً على الصعيد الداخلي من خلال منطقة التجارة الحرة العربية، أو الاتفاقات الثنائية مع عدد من الدول العربية الشقيقة (لبنان، الأردن، السعودية…الخ)، أو عبر اتفاقية الشراكة الأوربية المرتقبة، أو من خلال الانتساب المحتمل لعضوية منظمة التجارة العالمية، ولا شك أن هذا الوضع الجديد يطرح بالضرورة عدداً من التحديات المباشرة وغير المباشرة أمام القطاع الخاص تستدعي بدورها إيجاد الحلول المناسبة:
3 – 1. يمكن إجمال هذه التحديات بالتالي:
3 – 2. هذه التحديات تستدعي عدداً من الحلول نجملها بالتالي:
3 – 2 – 1. تعبئة الاستثمار
إن أهمية هذا الموضوع الحيوي تتطلب إيضاح النقاط التالية:
3 – 2 – 2. تكوين وتدريب الموارد البشرية
لئن كان لإجماع منعقداً على أن الدولة هي الجهة التي تعني بقطاع التربية والتكوين المهني من خلال الجامعات والمعاهد الفنية ومراكز التدريب، فإن المستثمر أو رب العمل هو المسؤول عن تكوين وتدريب الأفراد الذين يعملون في منشأته لتشغيلها على الوجه الأمثل. أي في حالة الصناعة مثلاً، يجب أن يبدأ التدريب منذ الاتفاق مع الجهة الموردة للآلات والخط الإنتاجي، وذلك بإيفاد العدد اللازم من المهندسين والفنيين، وحتى الإداريين في بعض الحالات، إلى مكاتب الشركة الأجنبية المذكورة، ليعملوا يداً بيد، ومن البداية مع المختصين لديها أثناء فترة تصميم المبنى والخط الإنتاجي وتصنيع الآلات وتركيبها وتشغيلها. وهذا ما تفعله الدول الآسيوية كالصين وكورية. لأن السبيل الأوحد لاكتساب واستيعاب التكنولوجية يتم عبر هذا النوع من الممارسة. على أن عملية التدريب يجب أن تكون سياسة مستمرة وشاملة للعاملين في المنشأة طيلة حياة المشروع. م أجل تحديث معارفهم وتدعيم قدراتهم، مما يشكل الضمان الأفضل للتعظيم العائد والإنتاجية ومن ثم تدعيم القدرة على المنافسة. وهذا منهج واجب التطبيق في أي مشروع إنتاجياً كان أم خدمياً.
3 – 2 – 3. الإدارة الكفوءة والجودة
إن العائد الاستثماري الجيد لا يتأتى في ظل المنافسة، إلا إذا أحسن استخدام الموارد، بما ي ذلك البشرية منها، أي وهذا ما يسمى بالإدارة القديرة التي تستهدف بلوغ أعلى مستوى من جودة السلعة وبأقل ما يمكن من التكلفة. أي العمل على تطبيق ISO 9000 فعلياً، وليس مجرد الحصول على شهادة الآيزو، التي تراءى للبعض أنها المفتاح السحري لدخول الأسواق. إن تحقيق ذلك يتطلب بطبيعة الحال إدارة ذكية متبصرة، على قدر رفيع م الكفاءة في إدارة كل مرحلة من مراحل إنتاج السلعة أو الخدمة. وذلك بدءاً من توفير مستلزمات الإنتاج إلى إدارة المستودعات،إلى الخط الإنتاجي، بما في ذلك الصيانة المنظمة والرقابة الصارمة على الجودة، إلى التعبئة والتغليف والتسويق وخدمة ما بعد البيع، مع كل ما يستدعيه ذلك كله من حسن إدارة الأفراد واستنهاض قدراتهم وإدارة الشؤون المالية ومحاسبة التكاليف وأنظمة تدفق المعلومات MIS.
3 – 2 – 4. التكافؤ في شروط العمل بين سورية والدول العربية الأخرى
من الضروري إيجاد حد أدنى من التكافؤ في شروط العمل الاقتصادي بين الفاعلين الاقتصاديين السوريين وزملاؤهم العرب حتى تكتمل أركان المنافسة الحقيقية. وإلا فإنها تنتفي إذا ما وضعنا في السباق عداء مكبلاً بعديد من القيود والمحددات مع آخر طليق الحركة. وأبرز المجالات التي تتطلب إعادة نظر من أجل تحقيق التكافؤ المنشود، بالإضافة إلى ما سبق ذكره في معرض تعظيم التصدير، هي التي تخص:
  1. النظام الضريبي الذي ينبغي تطويره باتجاه التخفيض والتبسيط، مع الارتفاع بالأداء الضريبي عبر وضع ضوابط فعالة، تطبق بشفافية وعدل وتقترن بمؤيدات حازمة.
  2. تطوير النظام الجمركي سواء من حيث التعرفة الجمركية لتكون أكثر كفاءة وعدلاً أو من تبسيط الإجراءات والمعاملات، أو من حيث القضاء على التلاعب بفواتير المستوردات.
  3. النظام المصرفي الذي يستلزم تطويراً جذرياً كما سنرى فيما بعد.
رابعاً: تطوير مناخ الاستثمار
لم ينجح قانون الاستثمار رقم /10/ في اجتذاب الاستثمار الوطني إلا في حدود ضيقة جداً ناهيك عن ضآلة حصة المشاريع الإنتاجية أو الخدمية التي تساهم فعلاً في زيادة القيمة المضافة. كما أن الاستثمارات الأجنبية ظلت شبه معدومة. وباختصار فقد خابت الآمال التي كانت معقودة عليه بالرغم من الامتيازات الضريبية الممنوحة. وتبين بجلاء أن هذه المقومات لا تشكل أكثر من عنصر من كل لا يتجزأ، وقد لا يكون أكثر العناصر أهمية، ولا بد من ثم، من توفر عدد من المقومات الأخرى لا يستهان بأي منها، والتي إذا ما وجدت معاً، أمكن القول بتوفر مناخ مناسب للاستثمار يسمح للقطاع الخاص السوري أن يوظف الاستثمارات بوتائر تتحسن تدريجياً مع تصاعد الطمأنينة والثقة بالمستقبل وانحسار حالة عدم اليقين. ويمكن تكثيف هذه المقومات بخمسة:
4 1. البنى التحتية تفتقر سورية إلى المناطق الصناعية المتكاملة التي تشتمل على جميع المرافق وتتكامل فيها كافة الخدمات، بما فيها توفر منطقة جمركية حرة يتم فيها تخليص السلع المستوردة أو المصدرة، وترتبط بشبكة الطرق البرية والسكك الحديدية. إذ لم تعد المناطق الصناعية مجرد مكان تتجمع فيه الصناعات بعيداً عن المناطق الحضرية أو الزراعية، وإنما مراكز جذب للاستثمار الوطني والأجنبي. ويجب توجيه موارد التعاون الفني الثنائي مع الدول الأجنبية، والأوربية بالذات، إلى تنفيذ هذه المناطق وخاصة مع فرنسة وإسبانية المشهود لهما بالنجاح في هذا المجال, ومن جهة أخرى لا بد من توفير خدمات البنية التحتية الضرورية للاستثمار من كهرباء وماء وهاتف وصرف صحي، بالإضافة إلى البريد الإلكتروني والإنترنت, بأقصى سرعة ممكنة وبأيسر السبل، ووجود موانئ بحرية وجوية تعمل بكفاءة عالية.
4 – 2. تكوين الموارد البشرية
في دراسة قام بها البنك الدولي شاملة 122 دولة استهدفت معرفة مدى إسهام العوامل المختلفة في الإنتاجية، تبين أن 64% تعزى لرأس المال البشري. وعلى هذا فقد أصبح توفر الكفاءات المزودة بالمعارف والمهارات الفنية والإدارية على كافة المستويات وفي مختلف الفعاليات الفنية والمالية والإدارية بما فيها السكرتارية، ركناً أساسياً وجوهرياً في المناخ الاستثماري المطلوب، ومن ثم فإن من الأولويات المطلقة إصلاح النظام التربوي والتعليمي وربط المناهج الدراسية في الجامعات والمعاهد بالحياة اليومية وبحاجات المجتمع الاقتصادية واستيعاب الخبرات والتجارب الفنية والإدارية التي مرت بها البلد. وإذا كان الإصلاح يستلزم وقتاً طويلاً، فما علينا إلا أن نزاوج في وقت واحد بين إصلاح القديم وإحداث الجدي، مثل:
  1. الإسراع باستكمال تهيئة المعهد العالي للإدارة ليبدأ عمله، مع التذكير بضرورة إدخال تعديلات أساسية على مرسوم إحداثه باتجاه الاستقلالية، كي يتمكن من تحقيق الآمال المعقودة عليه بتخريج كوادر الإدارة العليا التي نحن بأشد الحاجة لها.
  2. إنشاء معهد عالٍ للغزل والنسيج كما فعلت المغرب وتونس.
  3. ومن جهة أخرى تطوير إحدى مدارس أو كليات الهندسة بصورة جذرية لتكون معهداً عالياً كالبوليتيكنيك وبمستوى متميز. معيار الانتساب إليه هو الكفاءة من خلال النجاح في مسابقة الدخول، ولا يخالطه أي معيار ذاتي آخر. وكذلك تطوير المعاهد التجارية المتوسطة، أو بعضها على الأقل، لتخريج كوادر السكرتارية المتقنة لمبادئ تنظيم المكاتب والأرشيف وإحدى اللغات الأجنبية. إذ نفتقر بشدة لمثل هذه الكوادر.
4 – 3. تطوير الجهاز المصرفي
لا يمكن لأحد أن يتصور اقتصاداً يتحرك بشيء من الديناميكية بدون جهاز مصرفي فعال، الذي يعتبر عصب الحركة الاقتصادية. ونظراً لحالة التدهور القائمة التي تعصف بنظامنا المصرفي الحالي، تصبح قضية تطويره أولوية عاجلة. إذ يستحيل اجتذاب الاستثمارات الخارجية، وهي استثمارات المغتربين، في غيبة نظام مصرفي كفء. ومن ثم يكون ضرورياً القيام بالتالي:
4 – 4. البنية التنظيمية والإدارة الكفوءة
لا يستطيع القطاع الخاص أن يلعب دوره كفاعل أساسي في تنفيذ خطط التنمية وتحقيق النمو، إلا إذا مارست الدولة بفعالية المهام المطروحة أمامها في وضع قواعد المنافسة لممارستها بكفاءة وحمايتها من سوء التطبيق، وفي التصدي بحزم للممارسات الاحتكارية والسلوكيات الساعية للكسب الريعي والربح غير المشروع، وفي تعبئة الموارد المالية لتوظيفها في استثمارات مجدية وتقوم بدعم وإرشاد وتنظيم أمور القطاع الخاص الناشئ (بمفهوم رجل الأعمال وليس السمسار) لمواجهة متطلبات المنافسة في السوق العالمية ورفع مؤهلاته لارتياد هذه السوق. وبمعنى آخر لا بد من توفر حكومية فعالية قادرة على:
4 – 5. الهيئة العامة للاستثمار
لقد أثبتت التجربة السورية بعد صدور قانون الاستثمار وتطبيقه على الوجه الذي نعرفه، أن الحاجة ماسة لإيجاد هيئة أو مؤسسة لترويج الاستثمار، ولا يقتصر عملها على مجرد التشميل، التي لا تعدو أن تكون مرحلة روتينية، ولكن تمتد إلى كافة مراحل الاستثمار من الترويج إلى التنفيذ مروراً بتوفير المعلومات. وهذا يقتضي أن تقوم بالتالي:
الخلاصة