التطور التكنولوجي لاستدامة الصناعة

في ظل منافسة عالمية واقتصاد المعرفة

محمد مرياتي*

مقدمة:

الاقتصاد المبني على المعرفة، التنافسية، الاستدامة

يطل القرن الحادي والعشرون ومعه تغيرات جذرية هامة تطرح العديد من التحديات ومن الفرص، وليست الدول العربية بمنأى عن هذه التغيرات. تأتي العولمة المالية والصناعية والتجارية وعولمة الخدمات (من اتصالات ونقل وغيرها) لتطرح زيادة هامة في التنافس الدولي على مختلف الأصعدة.

كما تتعاظم أهمية المعرفة (والتكنولوجيا أحد أهم عناصرها) في الاقتصاد حتى غدت سمة اقتصاد القرن الحادي والعشرين هي سمة الاقتصاد المبني على المعرفة (Knowledge-Based Economic). وتدخل المعرفة كعنصر أساسي أكثر فأكثر في تنفسية الصناعة واستدامها بل في تنمية واستدامة كافة قطاعات الإنتاج والخدمات. ويتجلى ذلك في زيادة نسبة الصادرات المعرفية في مجمل الصادرات كما تزداد صادرات الخبرة Know-how، وصادرات الخدمات المعرفية من استشارات ومعلومات وغير ذلك. وكذلك تزداد نسبة تكلفة المعرفة في التكلفة الإجمالية للمنتجات والخدمات. ومن الظواهر الأخرى لهذه التغيرات نجد أن المعرفة تتحول إلى سلعة مما يستدعي حمايتها والحفاظ على سريتها وهذا ما أدى إلى زيادة في نشاط المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية WIPO وإلى عقد اتفاقية TRIPS (اتفاقية الملكية الفكرية ذات العلاقة بالتجارة). كما أدى ذلك إلى تغير أساسي في حسابات الأصول الثابتة والأصول غير المادية للشركات لصالح الأصول المعرفية Intangible Assets التي ازدادت قيمتها بشكل هائل.

وهذا التوجه في الاقتصاد من قيامه على إنتاج السلع والخدمات المبنية على المادة ووحدتها الذرة Atom، إلى السلع والخدمات المبنية على المعرفة ووحدتها البت Bit، يؤدي إلى تغير أيضاً في عمليات الإنتاج والتسويق، إذا أن السلعة المعرفية تنتج مرة واحدة وتباع ملايين المرات بعكس السلع المادية التي يجب أن تنتج كل مرة. إن هذا التغير يجعل أرباح الدول التي تنتج المعرفة أرباحاً خيالية (مثال شركات البرمجيات الأمريكية).

ومن التغيرات أيضاً تعاظم أهمية تعليم الفرد وتدريبه المستمر فقد زادت مدة التعليم والتدرب كنسبة في حياة الفرد وأصبحت أجور العمال المهرة في المعرفة أعلى بكثير من غيرهم كما تزداد نسبة البطالة في صفوف العاملين غير المتعلمين.

من جهة أخرى يقدم التطور العلمي والتكنولوجي فرصاً كبيرة لتطوير المقدرة التنافسية للمؤسسات وللدول ولزيادة الإمكانيات الوطنية للتنمية المستدامة. يتم هذا من خلال تطوير منظومة العلم والتكنولوجيا الوطنية وتحويلها تدريجياً إلى نظام وطني للابتكار أو الإبداع National Innovation System (NIS). إن تفعيل منظومة العلم والتكنولوجيا عبر تبني سياسة لها واستراتيجية لتنفيذ هذه السياسة، وعبر تقوية الروابط والجسور بين مركبات هذه المنظومة، يؤدي إلى إيجاد نظام وطني للإبداع يزيد من المقدرة التنافسية ويحقق التنمية المستدامة اللازمة للوطن العربي للقرن الحادي والعشرين.

إن سياسة زيادة القدرات الإنتاجية التي اعتمدتها الدول العربية عبر استيراد فعاليات إنتاجية جديدة لم تؤدي إلى نقل وتوطين التكنولوجيات المستوردة، ولا بد من أجل حصول هذا التوطين من وجود نظام وطني للإبداع قادر على حسن استيراد التكنولوجيا وعلى توطينها وإنتاجها محلياً وبشكل تدريجي.

إن العلم والتكنولوجيا ثورة لا تنضب وتزداد أهميتها للتنمية بشكل كبير مع بدايات القرن القادم، والعالم العربي مدعو لإعادة تقييم نظرته للعلم والتكنولوجيا ودورها في بناء الدول.

الإنتاجية في الوطن العربي

الوطن العربي مجتمعاً والدول العربية واحدة بواحدة بحاجة لتغيير نظرتها ومعالجتها لمنظومة العلم والتكنولوجيا لديها وبخاصة موضوع نقل التكنولوجيا واستيعابها وتوليدها.

يتجه الاقتصاد العالمي أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية إلى اقتصاد المبني على المعرفة، وتعد التكنولوجيا العنصر المعرفي الأهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالتكنولوجيا أصبحت أكثر مما مضى عاملاً أساسياً في الإنتاج والإنتاجية، وفي توفير فرص العمل الحقيقة، وفي تنويع الاقتصاد، وفي زيادة القيمة المضافة والأرباح وزيادة الدخل القومي، وفي توفير مقومات الدفاع والأمن الذاتيين.

يبين الجدول رقم –1- (المستخلص من تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 1999) الناتج المحلي الإجمالي GDP والناتج الوطني الإجمالي GNP للدول العربية مجتمعة بالمقارنة مع بعض الدول المتقدمة أو النامية. كما يقارن الجدول عدد السكان والمصروف على التعليم والدفاع.

الجدول رقم –1-

GNP%

المصروف على التعليم

GDP%

المصروف على الدفاع

BS

GDP

مليون

عدد السكان

S

GNP

Per capita

BS

GNP

الدول العربية

1985

1988

1997

1997

1997

1997

5.9

8.2

408.2

252.4

1754

324.2

6.4

2.9

360.3

15.6

25830

403.1

هولندا

5.9

1,1

206.2

8.1

27920

225.4

النمسا

5.0

2.3

1145.6

57.4

20170

1160.4

إيطاليا

3,3

2.1

532.0

39.6

14490

569.6

إسبانيا

4.5

4.0

442.5

45.7

10550

485.2

كوريا

3.9

0.5

403.0

94.3

3700

348.6

المكسيك

3.8

1.4

820.4

163.7

4790

784.0

البرازيل

5.8

3.8

1392.5

58.5

26300

1541.6

فرنسا

6,6

2.5

98.5

21.0

4530

98.2

ماليزيا

المصدر: تقرير التنمية البشرية UNDP1999.

إن الناتج الوطني الإجمالي للدول العربية هو 2.324 بليون دولار عام 1997 بما في ذلك البترول، وعدد السكان 4.252 مليون نسمة. أما إذا استثنينا البترول فإن هذا الناتج سيكون حوالي 230 بليون دولار. بمقارنة هذا الناتج لكل الدول العربية مجتمعة نراه أقل من ناتج هولندا لوحدها وعدد سكانها 6.15 مليون نسمة فقط وهو أقل من ثلث ناتج إيطاليا وخمس ناتج فرنسا كما أنه أقل من ناتج كوريا الجنوبية أو المكسيك. يدل هذا على انخفاض إنتاجية Productivity الفرد في الوطن العربي بوجه عام وانخفاض القيمة المضافة في صادراته مع ضعف في التنوع الاقتصادي لديه وارتفاع البطالة الظاهرة أو المقنعة.

إن التكنولوجيا من العوامل الأساسية التي يمكن أن تغير في هذا الوضع غير المقبول مع قدوم القرن الحادي والعشرين، قرن الاقتصاد المبني على المعرفة.

من جهة أخرى، فقد استثمر الوطن العربي بين عامي 1980 و1997 أكثر من 2500 بليون دولار في تكوين رأس المال الثابت الإجمالي GFCF (المصانع والبنية التحتية…) ولكن رأينا أن وسطي دخل الفرد GDP/Capita قد انخفض خلال هذه الفترة، وهذا يدل على أن هذا الاستثمار لم يرافقه نقل حقيقي للتكنولوجيا، إذ أن ما تم هو نقل وسائل إنتاج وليس نقل تكنولوجيا كما سنرى (انظر كتاب أنطوان زحلان "العرب وتحديات العلم والتقانة-تقدم من دون تغيير"). وكمثال على الانخفاض الكبير في الإنتاجية والضعف في استعمال التكنولوجيات الحديثة نأخذ حالة القطاع الزراعي في الوطن العربي، حيث تدل الإحصائيات على أن أكثر من 50% من العمالة العربية تعمل في هذا القطاع إلا أن عائدات هذا القطاع لا تشكل 10% من الدخل الإجمالي المحلي العربي، أي أن التكنولوجيات المستعملة في هذا القطاع خاصة تحتاج لإعادة نظر واهتمام كبيرين (إدارة الري، نوع البذار، نوع السماد ومنهجية استعماله، أتمتة الأعمال الزراعية، إدارة الأراضي، إدارة المحصول، سياسات التسعير والتسويق والتصدير، تكنولوجيات الصناعات الزراعية والغذائية وجودة الإنتاج، وتكنولوجيات التعليب والحفظ والتجميد…).

يشهد العالم متغيرات كبيرة في عملية نقل التكنولوجيا مع التوجه نحو العولمة والاندماجات الاقتصادية، كما يشهد تسارعاً كبيراً في توليد التكنولوجيا واحتكارها، ويضاف إلى ذلك تغيرات في تنظيم التجارة عن طريق منظمة التجارة العالمية WTO و UNCTAD وعن طريق حماية الملكية واتفاقية TRIPS الخاصة بالتجارة المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية.

ومما يسر مع بداية القرن الجديد أن العديد من الدول العربية تنبهت لهذه الظاهرة وأخذت باتخاذ الإجراءات الجادة، التي تبدأ بالطبع بصياغة سياسة واستراتيجية للعلم والتكنولوجيا، والأهم من ذلك وضع آليات لتنفيذها تشتمل على برامج وطنية محددة تخصص لها الموارد المادية والبشرية ويحدد لها توقيت للإنجاز، الأمل معقود على نجاح هذه المبادرات.

اكتساب التكنولوجيا: نقل وتوطين وتوليد

·  إن مصطلح التكنولوجيا (التقنية أو التقانة) مفهوم يصعب توضيحه في هذه العجالة إلا أننا يمكن أن نقول بأنه مجموع المعارف والخبرات والمهارات اللازمة لتصميم ولتصنيع منتج أو عدة منتجات وإنشاء مشروع لهذا الغرض.

·  وسنصطلح على كلمة "اكتساب التكنولوجيا" لنعني بها نقل وتوطين ثم توليد التكنولوجيا محلياً. أما "نقل التكنولوجيا" فقد جرى فهمه وممارسته حتى الآن في الوطن العربي على أنه نقل مصنع (وسائل إنتاج) لمنتج أو عدو منتجات والتدرب على تشغيله وتسويق منتجاته وفق عقد ترخيص مجسد في سند قانوني ويحدد عدداً من الممارسات فيما يتعلق بتعديل عملية الإنتاج وفي السوق المتاحة وفي المواد المستعملة وطرق تأمينها.

·  أما "توطين أو استيعاب التكنولوجيا" فيتم عندما يتمكن المختصمون المحليون أو الوطنيون من فهم عمليات الإنتاج ومواصفات المواد المستعملة مع المقدرة على تطويرها وتحسينها لتجاري التطور العالمي لهذه التكنولوجيا وبحيث يبقى المصنع يجاري التنافس العالمي الحاصل نتيجة التطور التكنولوجي للمواد وللعمليات الداخلة في تصنيع هذا المنتج.

·  أما "توليد التكنولوجيا" فيكون بإيجاد تكنولوجيات جديدة مبتكرة أو مطورة محلياً يمكن بواسطتها تصنيع منتجات مستحدثة منافسة عالمياً.

·     وتشتمل إدارة التكنولوجيا (MOT) Management of Technology على الأمور التالية:

إدارة نقل التكنولوجيا:

- اختيار التكنولوجيا         Selection

- اقتناء التكنولوجيا   Acquisition

- استخدام التكنولوجيا        Deployment

إدارة توطين التكنولوجيا أو استيعابها:

- الهندسة العكسية   Reverse Engineering

- التطويع التكنولوجي        Local Development

- فك الحزمة التكنولوجية    Unbundling

ملائمة التكنولوجيا مع البيئة (ومع عملية التنمية المستدامة).

إدارة توليد التكنولوجيا:

- البحث والتطوير   Research and Development

- إدارة النظام الوطني للابتكار       National Innovation System

-         براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية 

-          توليد مصانع أو شركات جديدة   Entrepreneurship

-          توليد التكنولوجيا        Technology Funding

·  وتمر التكنولوجيا بدورة حياة تبدأ ببزوغها Emerging Technology ثم تصبح تكنولوجيا ناضجة Mature Technology وأخيراً تتقادم Old Technology.

·  وتكون التكنولوجيا بسيطة أو مركبة (في حزمة) وتسعى الدول المستوردة للتكنولوجيا إلى فك الحزمة في بعض الأحيان بهدف فهم المركبات والسيطرة عليها.

·     أما طرق نقل التكنولوجيا وعقود نقلها فلها عدو أنواع مثل:

-         التراخيص الصناعية Licensing (تسليم مفتاح باليد، منتج باليد، سوق باليد).

-         التحالفات الاستراتيجية Strategic Alliances.

-         عقود المعونة الفنية Technical Assistance.

-         اتفاقية براءات الاختراع أو استخدام العلامات التجارية Patents Trademark

-         الاستثمار الأجنبي المباشر (فروع للشركات) Foreign Direct Investment (FDI).

-         التدريب والخدمات الإدارية والإشرافية.

-         اتفاقية حق المعرفة,

·     وللتكنولوجيا مصادر خارجية ومصادر داخلية ويتم نقل التكنولوجيا إما من الخارج أو من الداخل.

فمن المصادر الخارجية ما يلي:

الشركات الصناعية الكبرى والمتخصصة، المنظمات الدولية، المكاتب الاستشارية، المراكز البحثية والتطويرية، الكتب والمراجع، الجمعيات المتخصصة ومراكز المعلومات، الخبراء، مراكز التدريب والجامعات.

ومن المصادر الداخلية أو المحلية فما يلي:

مراكز البحث والتطوير، جهاز البحث والتطوير داخل المنشأة أو الشركة، الجامعات والمعاهد، الشركات الأخرى، المكاتب الاستشارية، هيئة المواصفات والمقاييس ومكاتب براءات الاختراع، الخبراء.

علاقة العلم والتكنولوجيا بالتنمية

تثبت البحوث الاقتصادية الأخيرة أكثر مما مضى العلاقة الوطيدة بين تقدم القدرات العلمية والتكنولوجية للدولة وبين معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها. ويقدر بعض الاقتصاديين أكثر من 50% من النمو التراكمي لدخل الفرد (Historical growth in per capita income) في الولايات المتحدة يعود التقدم التكنولوجي الأمريكي. كما وجدوا أن "العائدات الاقتصادية الكلية (Total economic return) للاستثمار في البحث والتطوير أعلى بعدة مرات من أي شكل من أشكال الاستثمار الأخرى".

كما يقدر الاقتصاديون حالياً أن أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي GDP في دول OECD مبني على المعرفة، فقد ازدادت الصناعات المبنية على المعرفة في معظم الدول المتقدمة بالنسبة إلى مجمل الصناعة بين عام 1970 وعام 1994، ويتبين ذلك أيضاً من زيادتها في صادرات هذه الدول، حيث وصلت نسبة الصادرات البنية على المعرفة في اليابان إلى 36% وفي الولايات المتحدة إلى 37% و43% في أيرلندا و32% في المملكة المتحدة.

ويحاول الاقتصاديون الآن إيجاد طرق لإدخال عامل المعرفة بشكل مباشر وواضح في نظرياتهم ونماذجهم الاقتصادية، ومنها مثلاً "نظرية النمو الجديدة".

وعند دراستنا لمؤشرات العلم والتكنولوجيا ومقارنتها مع المؤشرات الاقتصادية، نجد مثلاً أن هناك بشكل عام ترابط رياضي Correlation بين ما تصرفه الدولة على البحث والتطوير منسوباً لعدد سكانها GERD/Capita، وكذلك يوجد ترابط رياضي بين عدد العلماء والمهندسين العاملين في البحث العلمي منسوباً لعدد السكان وبين دخل الفرد.

لقد تنبهت الدول والشركات لهذه الظاهرة ولذلك جد أن السمة العامة لنسبة ما تصرفه الدول المتقدمة على البحث التطوير من القطاعين العام الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي كان في ازدياد مضطرد خلال العقود الأربعة الأخيرة. من جهة أخرى تنبهت بعض الدول النامية لذلك وزادت ما تصرفه على منظومة العلم والتقنية لديها بشكل كبير مما أدى لمعدلات نمو مرتفعة عندها (دول شرق وجنوب شرق آسيا).

ويبدو الآن أن الميزات التفاضلية التقليدية Comparative advantage للدول النامية (رخص اليد العاملة، توفر المواد الأولية، توفر الأرض) تقل أهميتها تدريجياً بالمقارنة مع ازدياد أهمية الميزات التنافسية المبنية على المعرفة Competitive advantage والتي تؤدي إلى زيادة في الإنتاجية وفي القدرة التنافسية، علماً بأن القوة المحركة لهذه الميزات التنافسية هي النظام الوطني للإبداع NIS.

منظوم العلم والتكنولوجيا

لكل دولة منظومة للعلم والتكنولوجيا S&T System تعكس الأهمية التي توليها هذه الدولة والتكنولوجيا، وتعكس الدور الذي يلعبه العلم والتكنولوجيا في عملية التنمية لدى تلك الدولة. تشتمل منظومة العلم والتكنولوجيا على مركبات أو عناصر تؤلف بمجموعها منظومة متكاملة. تتوزع هذه المنظومة على القطاعات المختلفة في المجتمع، فلكل قطاع من القطاعات منظومته الفرعية للعم والتكنولوجيا. أما المركبات فيمكن النظر إليها وفق محورين: أولهما يعكس مجال النشاط العلمي والتكنولوجي مثل تنمية القوى البشرية والبحث العلمي والتطوير التكنولوجي ونقل التكنولوجيا والإنتاج والتسويق والخدمات العلمية والتكنولوجية (التقييس، المعلومات، الشركات الاستشارية)، وثانيهما: المستوى أو العمق أو درجة التعقيد التي تعمل بها الدولة في كل مجال نشاط من المجالات المذكورة أعلاه. وهذا المستوى يتدرج من مستوى السلع المنتهية إلى مستوى مركبات السلع أو العناصر أو أجهزة القياس أو أجهزة الإنتاج (السلع الرأسمالية) أو مستوى معالجة المواد أو مستوى استخراج المواد، ويسري هذا كله على كل قطاع من القطاعات.

عادة ما تتفاعل المركبات الوطنية لهذه المنظومة مع المنظومة العالمية للعلم والتكنولوجيا والشكل رقم  (1)  يبين تمثيلاً لمثل هذه المنظومة.


 



من جهة أخرى، يمكن معالجة منظومة العلم والتكنولوجيا الوطنية على أنها نظام تحكم Control System  تقليدي له مدخلات Inputs ومخرجات Outputs، كما يتصف عمله بوجود تغذية خلفية Feedback، حيث تؤثر مخرجات النظام على مستوى ونوعية ومدخلاته، ويضاف إلى ذلك كله وجود مؤثرات خارجية Control على هذا النظام تحدد جودة أدائه وفعاليته. يبين الشكل (2) تمثيلاً لهذا النظام.


 

 

شكل بيضوي: المخرجاتشكل بيضوي: المدخلات



من مدخلات منظومة العلم والتكنولوجيا الموارد البشرية والمالية، التكنولوجيا المستوردة، التجهيزات والبنية التحتية، البيئة الاجتماعية والاقتصادية، أما أهم مخرجات المنومة فهي المعرفة الناتجة عن الدراسات والبحوث وبراءات الاختراع الناتجة عن تطوير منتجات وتكنولوجيات ومواد وعمليات.

هذه المخرجات تؤدي عند استثمارها إلى زيادة الإنتاج والخدمات وغلى تصدير تكنولوجيا، مما يرفع من مستوى المعيشة وهذا بدروه يزيد من مستوى وكمية مدخلات المنظومة، وهكذا تعمل منظومة العلم والتكنولوجيا كدافع ومحرك لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

هناك بالطبع مؤثرات خارجية تتحكم بعمل وأداء منظومة العلم والتكنولوجيا إذ يمكن أن تشل عملها كاملاً أو تسرعه وتدعمه. من هذه المؤثرات وجود سياسة معتمدة من قبل الدولة للعلم والتكنولوجيا واستراتيجيات وآليات لتنفيذ هذه السياسة، ومنها أيضاً القوانين والتشريعات المعتمدة لتسهيل ودفع عمل المنظومة وما يتبعها من مبادرات ومشاريع وطنية، ومنها أيضاً السياسة الخارجية والاقتصادية للبلد، ومدى تفاعلها مع منظومة العلم والتكنولوجيا العالمية. إن وجود منظومة العلم والتكنولوجيا مع وجود سياسة معتمدة لها مؤثرات إيجابية تربط مركباتها مع بعضها البعض يجعل هذه المنظومة تتحول إلى نظام وطني للإبداع أو الابتكار.



* مستشار العلم والتكنولوجيا لدى اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا –الأسكوا-.