![]() |
د. نبيل مرزوق*
سوف نتناول
في هذا الجزء من البحث أبعاد البطالة وعلاقتها بالنمو السكاني والتنمية بشكل عام،
كما سنتعرض إلى فئاتها وتوزعها الجغرافي وفئات السكان وذلك بالاستناد إلى معطيات
المكتب المركزي للإحصاء، أما بالنسبة للفقر وأبعاده فإن المعطيات الرسمية عنه
معدومةٌ تماماً لذلك سنلجأ إلى نوع من التقدير حسب المعطيات المتاحة.
يدور نقاش
واسع في الدول الصناعية المتقدمة حول مفهوم البطالة وأنواعها؛ وتنزع الاتجاهات
الليبرالية الجديدة إلى تعريف البطالة بأنها ظاهرة طبيعية، ترافق التطورات الحاصلة
في الاقتصادات الحديثة سريعة التغير التقني؛ الأمر الذي يفرض ديناميكية كبيرة على
سوق العمل، ينجم عنها تعطل مؤقت لجزء من اليد العاملة إلى حين تأقلمها وإعادة
اندماجها في قوة العمل المنتجة. تهدف هذه الحالة الليبرالية الجديدة إلى عدم
الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية وبالتالي تحميل العمال ومنظماتهم النقابية المسؤولية
عن البطالة، نتيجة مقاومتهم لفرض «المرونة على سوق العمل» والمقصود بها إلغاء
الضوابط والتشريعات الضامنة لحقوق العمال وإلغاء الحد الأدنى للأجر وإلغاء الحقوق
الاجتماعية المرتبطة بالعمل مثل الضمان الصحي وتأمين الشيخوخة وغيرها.
يبدو للوهلة
الأولى أن هذا الحوار خاص بالدول الرأسمالية المتقدمة؛ والدول النامية غير معنية
بما يجري؛ إلا أن الحقيقة غير ذلك، حيث يتم تطبيق هذه السياسات الليبرالية الجديدة
في البلدان النامية والتي منها سورية حسب ظروفها وحسب مستوى تطور قواها المنتجة
وبشكل خاص قوة العمل. فالدولة النامية والدولة بشكل عام في جميع البلدان كانت قد
اعترفت بحق العمل كحق أساس من حقوق الإنسان؛ وتعهدت جميع الدول في قمة كوبنهاجن
الاجتماعية لعام 1995 بوضع خطط للقضاء على الفقر والتشغيل وتحقيق «العمالة
الكاملة» في بلدانها خلال آجال محددة؛ وقد كانت الدولة في سورية، تأخذ على عاتقها
توفير نسبة كبيرة من فرص العمل للوافدين الجدد إلى سوق العمل، وكانت حتى أواخر
الثمانينات أكبر «رب عمل» في البلاد، ولكن تطبيق برامج للإصلاح الهيكلي منذ أواسط
الثمانينات والانسحاب التدريجي للدولة من النشاط الاقتصادي؛ وقد أدى إلى تفاقم
ظاهرة البطالة واتخاذها أبعاداً مدمرة بالنسبة للاقتصاد والمجتمع في سورية. وإذا
كانت الليبرالية الجديدة تحاول الالتفاف على مسألة البطالة في الدولة الصناعية من
خلال طرح مفهوم «معدل البطالة الطبيعي» فإن الليبرالية الجديدة في سورية تتجاهل
هذا الموضوع تماماً؛ وتعمل على إخفاء معطياته وأبعاده؛ وقد تجلى ذلك عندما طرحت
وزارة التخطيط في العام الماضي مشروعها لمكافحة البطالة؛ حيث تبين عدم وجود معطيات
حقيقية فعلية عن حجم البطالة وتوزعها وبالعودة إلى المجموعة الإحصائية لعام 2000
يتبين أن مجموع العاطلين عن العمل والمسجلون في مكاتب التشغيل لا يتجاوز عددهم
6505 عاملاً وتم استخدام ما يقارب 20% منهم خلال نفس لعام؛ أي أن البطالة وحسب هذه
الأرقام لا تتجاوز 0.1% (واحد بالآلف) من قوة العمل؛ هذا من جانب ومن جانب آخر لا
تتحمل الدولة أية مسؤولية عن هذه البطالة، فهي غير معنية بتقديم أي نوع من
المساعدة الاجتماعية أو التعويض عن البطالة، والمشروع الذي أقرته الحكومة لمكافحة
البطالة، العام الماضي ما زال ينتظر القرارات التنفيذية والقوانين الناظمة له، مما
يدلل على عدم جدية الحكومة في مواجهة ظاهرة البطالة؛ يضاف إلى ذلك طبيعة العلاقة
التي تربط المنظمات النقابية العمالية بأجهزة الدولة والسلطة التنفيذية؛ هذه
العلاقة إلى تجعلها متواطئة مع السلطة التنفيذية بالتعتيم على واقع البطالة
والسكوت عنه، بل أن المنظمات النقابية تقوم الآن بدور سلبي من خلال توسطها بين العمال
وأصحاب العمل في المنشآت التي تغلق وتسرح عمالها نتيجة الظروف الاقتصادية السائدة؛
أي أن النقابات لا تحاول العمل على الحفاظ على فرص العمل والدفاع عنها، وتحميل
السلطة التنفيذية مسؤولية إعادة النظر بالسياسة الاقتصادية المتبعة، فهي تساعد
أصحاب المعامل ـ وهي عددية في الفترة الأخيرة ـ على التخلص من عمالهم دون ضجة
وبهدوء تام؛ وينسحب ذلك أيضاً على بعض التسريحات التي تتم في القطاع العام
الإنشائي على سبيل المثال.
تعرِّف
منظمة العمل الدولية، العاطل عن العمل بأنه «كل من هو قادر على العمل وراغب فيه،
ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى»؛ يتخذ هذا التعريف
طابعاً شمولياً؛ على الرغم من اعتراض البعض بأنه لا ينطبق إلا على العمالة في
الدول الصناعية المتقدمة، وذلك نتيجة غياب الضمانات الاجتماعية والحقوق المترتبة
للعاطلين عن العمل في الدول النامية وبالتالي عدم توفر المعطيات الدقيقة سواء لدى
مكاتب الاستخدام أو لدى الدولة عن حجم البطالة ونوعها؛ فعدم فعالية مكاتب
الاستخدام كما هو حاصل الآن في سورية، لا يلغي وجود البطالة، والتحول من البطالة
إلى القطاع غير المنظم، لا ينفي الظاهرة وإن كانت قد اتخذت أشكالاً أخرى، كما يقول
تقرير التنمية البشرية بمشكلة «العاملون الفقراء» في البلدان النامية. حسب ما جاء
في المحاضرة السابقة حول القطاع غير المنظم في سورية استوعب هذا القطاع خلال
الثمانينات والتسعينات ما يزيد عن 700 ألف فرصة عمل؛ ومن المعروف أن الالتحاق
بالقطاع غير المنظم يرتبط بعدد من العوامل أهمها؛
ـ غياب فرص
العمل في القطاع المنظم.
ـ تدني
مستوى الأجور في القطاع المنظم إلى أدنى من مستوى الكفاف، أي ملامسة عتبة الفقر.
ـ تدني
مستوى الضمانات وشروط العمل الملائمة في القطاع المنظم.
حسب معطيات
المكتب المركزي للإحصاء يستوعب القطاع غير المنظم نحو 43% من قوة العمل عام 1999؛
ما هي النسبة من هؤلاء التي يمكن اعتبارها في صفوف البطالة.
تشير
التقديرات المختلفة إلى وجود 800 ألف إلى مليون عامل سوري في لبنان نزح معظمهم في
السنوات الأخيرة؛ نتيجة تفاقم البطالة وسوء المواسم الزراعية؛ هذا إلى جانب وجود
عشرات آلاف العمال السوريين من مختلف الاختصاصات يعملون في دول مجلس التعاون
الخليجي في سوية أجور وشروط عمل بائسة.
وفق هذه
المعطيات ما هو حجم البطالة الحقيقية في البلاد؟ وهل يعبر الرقم الذي اعتمده
المكتب المركزي للإحصاء مؤخراً حسب نتائج مسح الهجرة الداخلية لعام 2000 والمقدر
بـ 9.5% من قوة العمل عن حقيقة هذه البطالة؟ وهل يعتبر العمال المؤقتون في القطاع
الزراعي والبالغ عددهم أكثر من (1.6 مليون)
عامل، عاطلون عن العمل نتيجة عملهم 6 أيام وسطياً في العام؟ وبحساب آخر هل
يعتبر الـ 200 ألف عامل مؤقت في الزراعة والذين يعملون تقريباً شهراً ونصف الشهر
في العام عاطلون عن العمل، أم أنهم في بطالة مقنعة، مثل بقية العاملين لدى الأسرة
والذين يتجاوز عددهم 1.9 مليون عامل؟ جملة هذه المعطيات لا تسمح بتقديم رقم بديل
مقنع؛ وإن كانت تشير إلى اتساع نطاق هذه الظاهرة وكبر حجمها.
ـ البطالة
معطيات عامة:
شهدت سورية
خلال حقبة السبعينات والثمانينات معدل نمو مرتفع للسكان تباطأ بعض الشيء في
التسعينات إلا أنه قد بقي مرتفعاً بشكل عام 2.7% سنوياً للفترة 1995 ـ 2000 حسب
تقديرات المكتب المركزي للإحصاء، وفق معدلات النمو الملاحظة كانت الزيادات في القوة
البشرية وقوة العمل على الشكل التالي:
1994 ـ 2000 |
1981 ـ 1994 |
1970 ـ 1981 |
|
4.86 |
3.95 |
3.34 |
معدل نمو القوة
البشرية وسطي سنوي |
5.67 |
3.96 |
3.61 |
معدل الزيادة في قوة
العمل وسطي سنوي |
يتجه
المجتمع السوري نحو النضج، وقد كان ذلك واضحاً بدرجة كافية منذ أوائل التسعينات
حيث تراجعت حصة الفئات العمرية من السكان 14 عاماً فما دون من 49.3% من السكان عام
1970 إلى نحو 40.5% من مجموع الفئات العمرية عام 2000، وقد انعكس ذلك بزيادة القوة
البشرية إلى نحو 56.4% من إجمالي السكان أي أنها ازدادت كحصة بما يقارب 22% خلال ثلاثين
عاماً؛ وكما رأينا فإن هذه الزيادة قد ترافقت بزيادة العرض من قوة العمل، ليس
نتيجة الزيادة السكانية وحدها وإنما نتيجة زيادة مساهمة المرأة في العمل خارج
المنزل وزيادة مساهمة الأحداث دون الـ 14 عاماً في قوة العمل، لقد كان وسطي فرص
العمل المطلوبة للقادمين الجدد إلى سوق العمل نحو 75 ألف فرصة في السبعينات وما
يزيد عن المئة ألف فرصة عمل في الثمانينات وما يقارب عن 250 ألف فرصة عمل عام
2000. الجدول التالي رقم (1) يبين هذا التفاوت في معدلات النمو لقوة العمل وللنمو
الاقتصادي بشكل عام، القصور الكبير في الاستثمار والنتائج المترتبة على تراجع دور
الدولة في النشاط الاقتصادي والاستثمار بشكل خاص.
حسب معدلات
النمو في قوة العمل منذ أوائل الثمانينات وبالمقارنة مع معدل النمو في الناتج
المحلي الإجمالي فإن العجز السنوي في فرص العمل قد تراوح خلال الثمانينات بين 60 و
90 ألف فرصة عمل سنوياً وقد تراوح هذا العجز خلال التسعينات بين 100 و 150 ألف
فرصة عمل سنوياً، أي أن المجموع التراكمي للعجز في فرص العمل يزيد عن 2 مليون فرصة
عمل خلال العقدين الأخيرين؛ وبالتالي فإن المعدل النظري للبطالة يقدر بـ 36% من
قوة العمل تقريباً؛ وفي حال تم استبعاد جزء من البطالة تم استيعابها في القطاع غير
المنظم والتي تزيد عن 700 ألف فرصة عمل فإن معدل البطالة حسب هذه المعطيات يتجاوز
20% من قوة العمل ويمكن أن يبلغ 23% من قوة العمل عام 2000.
توزيع
البطالة:
يتبين من
الجدول التالي رقم /2/ عدم التناسب بين معدل النمو السكاني في المحافظات المختلفة
ومعدل البطالة السائد في تلك المحافظات؛ مما يعني أن البطالة في هذه المحافظات
تتأثر بعوامل أخرى غير الزيادة السكانية الطبيعية. ومن هذه العوامل يمكن ملاحظة
وجود مشكلات تنموية وإنتاجية في هذه المحافظات والتي يمكن استنتاجها من المعطيات
التالية والتي تظهر في الجدول التالي:
يتبين من
الجدول ضعف الارتباط فيما بين معدل البطالة في الريف ومستوى أو حجم المساحات
المزروعة بعلاً ولا يتضح وجود علاقة قوية فيما بين الاثنين، رغم أن المنطق يقول
والمشاهدة العيانية تبين أن مواسم الجفاف خلال السنوات القليلة الماضية قد أدت إلى
نزوح كبير من القرى والمناطق التي تعتمد على مياه الأمطار، وبالتالي تعاني هذه
المناطق أكثر من غيرها من مشكلة البطالة، ولكن للأسف لا تظهر علاقة الترابط
الإيجابي في هذا المجال، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن ترابط معدل البطالة
باعتبارات أخرى في الريف، والتي قد يكون من أهمها وجود حيازات عائلية يعمل فيها
أفراد العائلة أنفسهم، وبالتالي فإن استخدامهم للعمالة من خارج الأسرة ضعيف.
وأيضاً الترابط هنا ضعيف وغير ذي أهمية حقيقية في العديد من المناطق التي تعاني من
بطالة واضحة؛ وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة فيما بين وجود حافزين يتجاوزون الأربعين
عاماً ووجود البطالة في المناطق المعنية، لا يتبين من معامل الارتباط فيما بين
هذين العاملين؛ أن هناك علاقة مؤثرة وقد تكون ذات دور في البطالة بشكل عام وبطالة
الشباب بشكل خاص؛ وقد يكون عدم وجود علاقة ارتباط قوية وإيجابية فيما بين العناصر
المذكورة يعود إلى عدم الدقة في الإحصاءات المعتمدة، وإلى التداخل فيما بين الريف
والمدينة على مستوى كل محافظة وبالتالي غياب المؤشرات المؤثرة في نسبة البطالة.
بشكل عام
يتضح وجود نسبة عالية من البطالة في الريف تفوق تلك الملاحظة في المدينة؛ مع ذلك
فإن البطالة في الريف بشكل عام تقديرية، والأرقام المعلنة لا تعكس حقيقة البطالة
نتيجة الهجرة المستمرة والمتزايدة إلى المدن وإلى الدول العربية المجاورة؛
والاستنتاج الذي يمكن الخروج به، أن طبيعة البطالة البنيوية التي يعاني منها الريف
والمدينة على السواء، لا تتأثر بشكل مباشر وفعال بالعوامل المحلية الخاصة بكل
محافظة، حيث تبين أن معظمها لا يتوفر على معامل ارتباط قوي نسبياً بين البطالة
الملاحظة والعوامل الأخرى المنتقاة؛ أي أن العوامل الأخرى ذات البعد الكلي «الماكرو»
هي التي تؤثر في معدل البطالة الإجمالي؛ والتفاوت في معدلات البطالة بين محافظة
وأخرى وبين الريف والمدينة يخضع إلى مستوى التنمية المتعمقة في تلك المناطق وعوامل
أخرى مرتبطة بنوعية العاطلين عن العمل وفئاتهم.
البطالة حسب
الجنس:
حسب تقديرات
المجموعة الإحصائية تبلغ البطالة الأنثوية ما يعادل 4.42% من إجمالي البطالة ويتضح
أن حجم هذه البطالة لا يتناسب مع نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل والتي تتراوح
بين 17.4 و 18%؛ ولكن ما يجب ملاحظته أن ما يقارب 51.2% من قوة العمل الأنثوية
تعمل في الزراعة بالإضافة إلى أن نحو 39.56% من الإناث يعملن في القطاع غير المنظم.
تعمل نسبة
كبيرة من الإناث العاملات في القطاع المنظم في الدولة والقطاع العام، نحو 38.7؛
حيث يمثل العمل في الدولة ضمانة واستقراراً لها بالإضافة إلى المساواة في الأجر
وشروط العمل بينها وبين الرجل؛ ووقف التعيين في السنوات الأخيرة في الدولة، وعدم
توسع القطاع العام بل تقلصه في بعض المجالات مثل القطاع الإنشائي، قد كان مؤثراً
بزيادة نسبة العاطلات عن العمل واللاتي يحملن تأهيلاً علمياً أو مهنياً لا يستوعبه
القطاع غير المنظم.
البطالة
الأنثوية ذات أضرار كبيرة بالنسبة للاقتصاد الوطني، من خلال إحباطها للمرأة
ولرغبتها في المشاركة الاجتماعية، ومن خلال تأثيراتها على زيادة عمالة الأطفال
والتسرب من التعليم بشكل عام؛ وفي المدى الأبعد تؤثر هذه البطالة في الإقبال على
تعليم الإناث وتحصيلهن العلمي؛ ويتبين هنا أهمية دور الدولة والقطاع العام في
توسيع فرص العمل للإناث؛ واللاتي لا يجدن فرصاً كافية في القطاع الخاص.
البطالة
والشباب:
شكل
اليافعون والشباب من (10 إلى 24 عاماً) ما يقارب 37.1% من مجموع السكان عام 200،
أي ما يزيد على حصة الشريحة العمرية (25 عاماً فما فوق) والمقدرة بـ 36.7% من
السكان وإذا اعتبرنا أن مجموع هؤلاء يشكلون قوة العمل في البلاد فإن أكثر من نصف
قوة العمل هذه من فئة الأعمار دون الخامسة والعشرين، وهذا ما يعكس فترة الشعب
السوري؛ وحسب المسوحات التي قام بها المكتب المركزي للإحصاء كانت نسبة العاطلين عن
العمل من فئة 15 ـ 24 عاماً تقارب 72.3% من مجموع العاطلين عن العمل أي ما يزيد عن
ثلاثة أمثال حصتهم من السكان والمقدرة بـ (22.8%) وما يقارب ضعف حصتهم من قوة
العمل؛ أي أن البطالة ليست متحيزة ضد الإناث فقط وإنما هي متحيزة أيضاً ضد الشباب،
وحسب المسح متعدد الأغراض لعام 1999 كانت نسبة المتعطلين والذين لم يسبق لهم العمل
نحو 83.75% من إجمالي عدد العاطلين عن العمل، مما يؤكد انعدام فرص العمل الجديدة
وعدم مواكبة التنمية والنمو الاقتصادي بشكل عام للنمو السكاني وللنمو في قوة
العمل.
يتضح من
علاقة الارتباط بين معدل النمو السكاني في المحافظات المختلفة ومعدل البطالة في
هذه المحافظات؛ أن العلاقة إيجابية 59% على الصعيد الكلي؛ مما يعني أن النمو في
السكان وفي قوة العمل لم يترافق بعملية تنمية ملائمة وكافية على صعيد الاقتصاد
الوطني؛ ومن هنا كان هذا المعيار هو الأهم بالنسبة للمعايير الأخرى والمبحوثة؛
والتي بينت ضعف ارتباطها.
البطالة
والتعليم:
يشكل
الأميون والملمون والذين أنهوا المرحلة الابتدائية نحو 61.3% من قوة العمل في حين
يشكل حملة الشهادة الإعدادية والمدارس المهنية نحو 14.2% من قوة العمل والباقي
24.5% من قوة العمل هم من خريجي المدارس الثانوية والمعاهد والجامعات؛ في حين تشكل
البطالة في صفوف الأميين والذين أنهوا المرحلة الابتدائية نحو 57.8% من إجمالي
العاطلين عن العمل أي أدنى من حصتهم في قوة العمل في الوقت الذي ترتفع فيه نسبة
العاطلين عن العمل من حملة الشهادة الإعدادية فما فوق إلى 42.8% وهي نسبة أعلى من
حصتهم في قوة العمل والبالغة 38.7% أي أن البطالة تمس وبشكل مميز المتعلمين.
بلغت نسبة
حملة الشهادة الإعدادية والمهنية والثانوية 23.5% من قوة العمل في الاقتصاد الوطني
في الوقت الذي بلغت فيه حصة هذه الفئة من البطالة 30.1% من إجمالي البطالة؛ في
الوقت الذي تنخفض فيه حصة حملة الشهادة الجامعية والمعاهد إلى 12.1% من البطالة؛
في حين أنهم يشكلون نحو 15.2% من قوة العمل أي أن البطالة تظهر أكثر فأكثر لدى فئة
التعليم المتوسط الإعدادي والثانوي وبشكل متميز فيما بين المتعلمين. ويتضح ارتباط
ارتفاع هذه النسبة مع ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل في الفئة العمرية 15 ـ 24
سنة.
يثير ارتفاع
نسبة البطالة في هذه الفئة من المتعلمين التساؤل حول مناهج التعليم والتوجه نحو
التوسع في التعليم الفني المتوسط. والمشاهدات تشير إلى ارتفاع هذه النسبة بشكل
أكبر لدى الإناث الحاصلات على التعليم الفني الأنثوي، وانعدام الفرص بالنسبة
لخريجي التعليم الفني الإعدادي والثانوي بشكل عام نتيجة بنية ومستوى تطور القطاع
الإنتاجي الخاص بشكل رئيسي، والذي يفضل التعامل مع العمالة العادية، أي غير المؤهلة
وغير المتعلمة لتدني مستوى التقنية، 52% من منشآت القطاع الخاص تستخدم تجهيزات
نصف آلية و 15% تستخدم تجهيزات يدوية. ويرى 87% من أصحاب المنشآت الخاصة أن لا
حاجة لتدريب عمالهم[1] .
إذاً تترافق
مجموعة عوامل، ضعف النمو وعدم توفر فرص عمل جديدة، وتدني المستوى التقني للصناعات
الصغيرة والمتوسطة في القطاع الخاص، في تعظيم معدل بطالة الشباب الداخلين حديثاً
إلى سوق العمل والحاصلين على تعليم متوسط عام أو فني.
البطالة
وعمل الأطفال:
لا تتوفر
أرقام فعلية حقيقية عن عمالة الأطفال، إلا أن المشاهدات تشير إلى تفاقم هذه
الظاهرة واتساعها، وحسب معطيات المجموعة الإحصائية شكل العاملون من الفئة العمرية
10 ـ 14 عاماً نحو 3% من قوة العمل الإجمالية في البلاد وترتفع هذه النسبة في
الريف إلى 4.2% من قوة العمل وتشكل الإناث نسبة كبيرة منهن، وتترافق عمالة الأطفال
عادة بعوامل رئيسية مرتبطة بمستوى الدخل وعمل أو بطالة البالغين في الأسرة، وعمل
الأم ومستوى دخلها؛ ويشكل التعليم ونوعيته والآفاق المرتبطة به عاملاً مؤثراً بين
هذه العوامل، حيث تفتقد الأسرة والأحداث للدوافع للتضحية والاستثمار في التعليم؛
عند تدني مستوى التعليم وخاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية؛ وانعدام فرص
العمل بالنسبة للخريجين. وتفسر هذه الأسباب والعوامل ارتفاع نسبة التسرب من
التعليم الابتدائي والإعدادي خلال السنوات الأخيرة وخاصة منذ أوائل التسعينات من
القرن الماضي؛ حيث بلغت نسبة التسرب من التعليم الابتدائي والإعدادي نحو 60% من
جملة الداخلين الجدد إلى التعليم الابتدائي.
تتجه نسبة
كبيرة من الأطفال في هذه الأعمار للعمل في القطاع غير المنظم والحرفي الصغير، وهذه
الظاهرة وإن كانت في جزء منها مرتبطة بالتعليم المهني والحرفي التقليدية إلا أنها
كظاهرة متكاملة تعبر عن التدني في مستوى المعيشة والدخل للأسرة وبالتالي الفقر
بشكل عام، تنعكس عمالة الأطفال بشكل عام في زيادة معدلات البطالة بين البالغين
وخاصة في الأعمال والصناعات والحرف التي لا تتطلب تأهيلاً محدداً أو جهداً خاصاً
من قبل العامل.
البطالة
والفقر:
تترافق
البطالة بانعدام الدخل وبالتالي الفقر بشكل عام، وحسب تقرير التنمية البشرية فإن
الفقر في الدول النامية يترافق أيضاً مع العمل وهذا ما حدى بالتقرير لاطلاق تعبير
«العاملون الفقراء»؛ وذلك نتيجة غياب أي فرصة للدخل وبالتالي القبول بأي نوع من
العمل يكفل حداً أدنى من مستوى المعيشة. وفي سورية المشكلة كما لاحظنا التوسع
الكبير في القطاع غير المنظم وشموله على ما يقارب 43% من قوة العمل؛ مع ذلك فإن
العاملين في القطاع المنظم ليسوا أحسن حالاً، نتيجة ضعف سوية الأجور، وتثبيتها عند
حدود دنيا في العام والخاص أيضاً.
تشير بعض الدراسات
إلى أن الفقر يمكن أن يقاس بالنسبة لحصة الإنفاق على وسائل العيش الضروري من
الدخل المتحقق وعند عتبة الإنفاق لـ 60% من الدخل على وسائل العيش الضرورية الغذاء
بالدرجة الأولى؛ يمكن أن يكون صاحب هذا الدخل عند عتبة الفقر وبالمقارنة مع مستويات
الدخل وتكاليف المعيشة، يتبين أن النسبة العظمى من أصحاب الأجر وتقدر بنحو 75.6
من جملة العاملين بأجر يتقاضون أجراً شهرياً أدنى من خمسة آلاف ليرة سورية
[2]
؛ وبالمقارنة مع تكاليف معيشة الأسرة يتضح أن هذا الدخل
لا يكفي الاحتياجات المطلوبة للغذاء فقط لأسرة من خمسة أشخاص.
إن مشكلة
الفقر لا تتوقف عند العاطلين عن العمل، بل تنسحب إلى أولئك العاملون بأجر في
القطاع المنظم العام والخاص بالإضافة إلى جزء من العاملين في القطاع غير المنظم
والحرفيون والعاملون لحسابهم الخاص؛ إنها مشكلة فقر اجتماعي عام متفاوت نسبياً
يعكس سوء توزيع الدخل الوطني وعملية الإفقار التي تستفيد منها شريحة طفيلية ضيقة،
توجه القرار الاقتصادي والسياسة الاقتصادية لخدمة مصالحها.