الركود في سورية

الدكتور علي كنعان*

 

المحتويات:

ـ مقدمة:

أولاً: سمات وخصائص الركود.

ثانياً: الركود في الفكر الاقتصادي:

1 ـ الركود في الفكر الكلاسيكي.

2 ـ الركود في الفكر الكينزي.

3 ـ الركود لدى المدرسة النقدية.

ثالثاً: الركود التضخمي.

رابعاً: الارتفاع اللولبي لمعدل التضخم والبطالة.

خامساً: الركود التضخمي والإصلاح الاقتصادي.

سادساً: الركود في سورية.

أولاً: آلية حدوث الركود في سورية.

1 ـ الأسباب الاقتصادية العامة.

2 ـ الأسباب المالية للركود.

3 ـ الأسباب النقدية للركود.

ثانياً: قياس الركود في سورية.

ثالثاً: الآثار الاقتصادية والاجتماعية للركود:

1 ـ الآثار الاقتصادية للركود.

2 ـ الآثار الاجتماعية للركود.

رابعاً: المقترحات والتوصيات.


الركود في سورية

مقدمة:

يعتبر الركود من الأمراض الاقتصادية الحديثة، لكن ذلك لا يعني أن الاقتصاديات القديمة لم تعرف الركود، بل تعرضت أكثر الأنظمة الاقتصادية السابقة للدورات الاقتصادية وبالتالي للركود الاقتصادي الذي كثيراً ما كان يستمر لعدة سنوات. لكن ظهوره في الوقت الحاضر يختلف في الآثار والنتائج عن المراحل السابقة نظراً للعلاقات الترابطية بين الاقتصاديات العالمية.

إن تطور وسائل الإنتاج وظهور الثورة المعلوماتية والتقانات الحديثة قد دفع بعض الاقتصاديين للاعتقاد بأن الأمراض الاقتصادية كالتضخم والركود أصبحت في ذمة التاريخ، فالركود والتضخم لا يرجع للإنتاج وتقنيات الإنتاج، بل يرجع في جوهره للتوزيع وإعادة الدخل والاستثمار الحكومي والخاص في الاقتصاد الوطني، أي كلما ازداد مستوى التطور الاقتصادي كلما ازدادت إمكانية حدوث الأزمات الاقتصادية.

لقد سجل التاريخ الاقتصادي الحديث وعلى وجه التحديد منذ عام 1980 وحتى الوقت الحاضر العديد من الأزمات الاقتصادية تمثلت في أزمة أسعار الصرف في أوروبا وأمريكا في 1/1/1985 وفي أزمة الأسواق المالية في الولايات المتحدة عام 1987 وفي أزمة أسواق المال في دول جنوب شرق آسيا عام 1997 وفي أزمة روسيا عام 1998 وانخفاض أسعار النفط عام 1999.

إضافة إلى ذلك فقد تعرض الاقتصاد الأمريكي الذي يمثل 25% من الاقتصاد العالمي إلى أزمة ركود بدأت في نهاية عام 2000 عندما وصلت معدلات النمو إلى 0.6% وإلى أزمة ركود عالمية على أثر 11 أيلول حيث سجلت أكثر معدلات النمو في العالم تراجعاً ملحوظاً.

والسؤال المطروح ما هي أسباب الركود الاقتصادي والنتائج التي يؤدي إليها؟ وما هي وسائل علاج الركود؟

أولاً: سمات وخصائص الركود:

يمكن تعريف الركود من خلال آثاره فيكون: «انخفاض في معدلات نمو الناتج وتراجع حجم الاستثمار وزيادة الاكتناز والإدخار الأمر الذي يؤدي لزيادة حجم البطالة»( [2] ).

أما إذا أردنا تعريف الركود من خلال أسبابه فيكون:

«انخفاض حجم الإنفاق الحكومي يدفع المستثمرين لتخفيض استثماراتهم الخاصة مما يؤدي لتراجع حجم الإنتاج وظهور البطالة».

يركز تعريف الركود على أساس الأسباب على جانب محدد ويركز التعريف الأول على جانب الآثار فقط ولا يدخل كل منهما إلى جوهر الركود.

ويركز هذا التعريف على دور النقد فيقول:

«حركة وفعل من شأنهما تعقيم دور النقد في الاقتصاد وامتصاص الزيادة في الرصيد النقدي وتقييد الإنفاق بكافة أنواعه العام والخاص وحصر النشاط الحكومي ونشاط المشروعات وتخفيض حجم الإئتمان الأمر الذي يؤدي لانخفاض حجم النشاط الإنتاجي»( [3] ).

يلامس هذا التعريف الأسباب والنتائج معاً لكنه لا يدخل لشرح جوهر الركود ومن خلال هذه التعاريف يمكن اشتقاق تعريف يجمع بين الأسباب والنتائج ويتضمن جوهر عملية الركود كما يلي:

«حركة تراجعية تتصف بالاستمرار الذاتي الناتج عن نقص الطلب في مواجهة العرض مما يؤدي لانخفاض المستوى العام للأسعار وزيادة معدلات البطالة وتراجع معدلات النمو الاقتصادي».

يتضمن هذا التعريف الجوهر والأسباب والنتائج بآن واحد وبناءً على ذلك فإن الركود يتميز بالخصائص التالية:

1 ـ حركة تراجعية تتصف بالاستمرار الذاتي: أي لا يؤدي نقص الطلب لمرة واحدة لإحداث الركود، بل لابد من وجود نقص مستمر ليشكل حركة ذاتية مستمرة تؤدي في نهاية المطاف لتراجع الطلب الكلي في مواجهة العرض الكلي.

2 ـ تراجع الطلب الكلي في مواجهة العرض الكلي: ينجم نقص الطلب الكلي عن العوامل التالية:

أ ـ تخفيض حجم الإنفاق الحكومي (الجاري والاستثماري).

ب ـ تخفيض حجم الاستثمار الخاص.

ج ـ تقييد حركة الائتمان عن طريق رفع أسعار الفائدة.

إن هذه الإجراءات تساهم بشكل مباشر في تخفيض حجم الطلب الكلي مقابل العرض الكلي ويؤدي ذلك لتراجع حجم التوظيف وانخفاض المستوى العام للأسعار وظهور البطالة( [4] ).

3 ـ انخفاض المستوى العام للأسعار: إن تراجع حجم الاستهلاك نظراً لانخفاض دخول الأفراد يؤدي لتراجع طلبهم على السلع الاستهلاكية، وبما أن حجم العرض لم ينقص بعد لذلك نلاحظ بداية واضحة في تراجع المستوى العام للأسعار لا تلبث أن تتزايد مع انخفاض حجم الاستثمار وتراجع مستويات الدخول، وهكذا تتراجع الأسعار بشكل تدريجي( [5] ).

فالاقتصاد الأمريكي في عام 1929 بدأ بتراجع حجم الطلب الاستهلاكي وبدأ الانخفاض الإنتاجي في قطاع السلع الاستهلاكية وانخفضت الاستثمارات في قطاع السلع الاستهلاكية وتبعتها القطاعات الإنتاجية وقد سجل تراجع حجم الاستهلاك من 100% عام 1928 إلى 75% عام 1932 وتراجع حجم الإنتاج من السلع الاستثمارية من 100% عام 1928 إلى 41% عام 1933( [6] ).

إن هذا التراجع يعكس تراجعاً واضحاً في المستوى العام للأسعار.

4 ـ تراجع معدلات النمو وزيادة معدلات البطالة: إن انخفاض معدلات نمو الاستثمار الناتجة عن تخفيض حجم الإنفاق الحكومي أو الاستثمار الخاص سوف تؤدي لتراجع حجم الطلب الكلي من جهة وسوف ينتج عن تخفيض الاستثمار تراجع في حجم الإنتاج وبالتالي تراجع معدلات نمو الناتج الوطني وسوف يعقب ذلك زيادة معدلات البطالة، فكلما انخفض معدل النمو في الاقتصاد الوطني كلما ازدادت معدلات نمو البطالة الوطنية.

لقد تراجع حجم الاستثمار حتى أصبح في عام 1931 سالباً في الولايات المتحدة الأمريكية. أما البطالة فقد بلغت حوالي 32% في فترة الكساد وهبط الإنتاج حوالي 50% وتراجع حجم الأجور إلى النصف تقريباً أما أسعار الأسهم والسندات فقد تراجعت كثيراً لتصل إلى 20% من قيمتها، إن هذا الهبوط والتراجع في الإنتاج والاستثمار قد أدى لانخفاض المستوى العام للأسعار وزيادة معدلات البطالة وتراجع الأجور والاستهلاك الحكومي والخاص بآن واحد( [7] ).

إن هذه الخصائص والسماح التي تميز الركود توضح جوهر الركود وآلية حدوثه.

ثانياً: الركود في الفكر الاقتصادي:

إن الإجراءات الانكماشية لم تحقق أي نجاح يذكر في التاريخ الاقتصادي، فالمحاولات التي قامت بها الحكومات لمعالجة أزمة التضخم كانت تؤدي وبشكل سريع للانكماش الذي يؤدي للبطالة، ومما يدعم هذه الأفكار أزمة عام 1929 وما رافقها من (بطالة ـ إفلاس ـ تراجع معدلات النمو ـ انخفاض الأجور والأرباح) والفوضى الاجتماعية التي تؤثر على عوامل نمو وتطور المجتمع.

لقد مهد كساد عام 1929 لظهور أفكار اللورد كينز في كتابه الشهير «الفائدة والنقود والاستخدام» الذي نشره عام 1936 وكان رداً واضحاً على أزمة الكساد وعلى الحرية الاقتصادية وغيرها من المفاهيم والقيم في الاقتصاد الرأسمالي.

1 ـ الركود في الفكر الكلاسيكي:

اهتم الفكر الكلاسيكي بالعوامل الحقيقية التي تحدد ثروة الأمم وأكد الاقتصاديون الكلاسيك على حرية السوق وإبعاد الدولة عن التدخل وإدارة الاقتصاد الوطني وبذلك يقوم التحليل الاقتصادي برأيهم على عوامل زيادة الإنتاج والتقنية، أما النقود فإنها تسهل المعاملات، ولم ينظر الكلاسيك كثيراً لدور النقود إضافة إلى ذلك فأن الكلاسيك قد ركزوا على المواءمة الذاتية للاقتصاد القومي في حال حدوث الأزمات والاضطرابات بعيداً عن التدخل الحكومي.

يتحدد الإنتاج حسب العوامل التالية:

أ ـ حدوث تغيرات تكنولوجية من شأنها أن تزيد الإنتاج.

ب ـ وجود أرصدة من السلع الرأسمالية يمكن استخدامها وبالتالي تساهم في زيادة الإنتاج.

ج ـ تغير عرض القوى العاملة حيث كلما ازداد عرض العمل تنخفض الأجور وبالعكس عند نقص عرض العمل تزداد الأجور( [8] ).

أما عنصر الطلب عند الكلاسيك فهو يتأثر بما يلي:

أ ـ مستوى الأجور والأرباح في الاقتصاد الوطني.

ب ـ حجم الإنفاق الحكومي وقد طالب الكلاسيك بحصر الإنفاق الحكومي في أضيق الحدود لأنه إنفاق عقيم.

ج ـ الطلب على الاستثمار وهو يساوي دائماً الادخار.

إن حدوث الركود أو الرواج في الاقتصاد الكلاسيكي يعتبر ظاهرة موضوعية ويستطيع الاقتصاد بشكل تلقائي العودة لحالة التوازن لذلك لم يخصص الكلاسيك أبحاثاً خاصة بالركود أو التضخم كأمراض اقتصادية.

وبخصوص الركود يرى الكلاسيك بأن تراجع حجم الطلب الناتج عن خروج الرساميل الوطنية للخارج سوف يؤدي لنقص واضح في عرض المدخرات وبالتالي لنقص الاستثمار وهذا ما يقود حسب وجهة نظر الكلاسيك لتخفيض حجم الإنتاج وتخفيض أعداد العاملين أي زيادة معدلات البطالة وبالتالي فإن انخفاض المستوى العام للأسعار سوف يدفع الدول الأخرى لزيادة حجم الاستيراد من هذه الدولة ونظراً لأن الدفع سيكون بالذهب في فترة المدرسة الكلاسيكية سوف يزداد عرض النقد (السيولة) وسوف يزداد الطلب على الاستثمار من جديد ويكون الاقتصاد قد مر بمرحلة ركود أو ما يسميها الكلاسيك تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي ومن ثم العودة للرواج من جديد.

إن اعتماد قاعدة الذهب في الفترة من عام 1950 ـ 1914 قد ساهم إلى حد ما في تخفيض حدة الأزمات الاقتصادية (الركود والتضخم) وبالتالي اهتم الكلاسيك بالتشغيل الكامل وسبل زيادة حجم التشغيل الكامل والآلية التي تحقق التوازن للاقتصاد دون تدخل الدولة.

2 ـ الركود في الفكر الكينزي:

ظهرت الأفكار الكينزية في مرحلة الكساد الكبير عام 1929 ـ 1933 لأن المدرسة الكلاسيكية أصبحت غير قادرة على إيجاد وسائل جديدة لمعالجة الركود وكانت عاجزة أيضاً عن تغيير توجهاتها الأساسية في تحييد دور الدولة وترك الاقتصاد يعمل بشكل تلقائي لذلك وجدت أفكار اللورد كينز أرضاً خصبة لها.

لقد ركزت الكينزية على النقاط التالية:

أ ـ لا يتحقق التوازن التلقائي في الاقتصاد الوطني ولابد من وجود الدولة التي تستطيع التدخل عبر الإنفاق العام لإعادة التوازن.

ب ـ يتوقف التوازن في الاقتصاد على مستوى الإنفاق الكلي على الناتج، فكلما ازداد الإنفاق الكلي يزداد التوظف والإنتاج حتى يصل الاقتصاد لمرحلة التشغيل الكامل وبالمقابل فإن نقص الإنفاق الكلي سوف يؤدي للركود.

ج ـ زيادة حجم الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية وذلك لتحسين ظروف العمال وزيادة حجم الاستهلاك الكلي.

د ـ المضاعف: إن زيادة أولية في حجم الإنفاق الكلي سوف تؤدي لزيادات متكررة في الدخل القومي تعادل حجم المضاعف الذي يشكل مقلوب الميل الحدي للادخار.

إن هذه الأفكار قد شكلت ثورة حقيقية في عالم الاقتصاد في فترة ما بعد الكساد 1933 ـ 1936.

أسباب الركود لدى كينز:

1 ـ انخفاض حجم الإنفاق الحكومي (الجاري والاستثماري) إما لعدم توفر مصادر التمويل (ضرائب أو قروض) وإما لاستخدام سياسة انكماشية.

2 ـ انخفاض حجم الاستثمار الخاص بسبب ارتفاع سعر الفائدة مقارنة بالأرباح.

3 ـ تقييد حجم التسليف إلى الناتج الوطني الأمر الذي يؤدي لتراجع حجم التمويل للقطاع الخاص.

إن هذه الأسباب الثلاثة تؤدي لانخفاض حجم الإنفاق الكلي في الاقتصاد الوطني وتراجع مستوى الدخل والعمالة كما في الشكل البياني التالي:

 

Text Box: الانفاق الكلي

 

الشكل رقم (1)

إن تخفيض حجم الإنفاق الحكومي بمقدار 60 مليار ليرة (بفرض ثبات الضرائب) سوف يؤدي لانخفاض حجم الإنفاق الكلي وبالتالي سوف ينخفض حجم الدخل من 1500 مليار ليرة إلى 1260 مليار ليرة إذا كان حجم المضاعف (4).

الميل الحدي للاستهلاك  يكون المضاعف.

 = 4

60 × المضاعف 4 = 240 مليار ليرة.

ينخفض الدخل 1500 – 240 = 1260 مليار.

إن مقدار الفجوة الانكماشية يعادل (ج تَ) ومقدارها 60 مليار ليرة.

إن تكرار الانخفاض في حجم الإنفاق العام أو الاستثمار أو تخفيض حجم الائتمان المصرفي سوف يؤدي عبر الآلية الذاتية للركود لتعمق الركود وتحوله إلى الكساد( [9] ).

ترجع الكينزية أسباب الركود للسياسة المالية بشكل واضح لأنها أسرع على تخفيض حجم الطلب الكلي من السياسة النقدية في حين تركز المدرية النقدية (النيوكلاسيكية) كما سنرى على عنصر النقد.

3 ـ الركود لدى المدرسة النقدية:

 

  Text Box: سعر الفائدةText Box: مستوى الأسعار


ترى أنصار المدرسة النقدية بأن عرض النقد يحدد حجم الطلب الكلي وبالتالي فإن انخفاض عرض النقد لسبب معين سوف يؤدي لانخفاض حجم الطلب الكلي وهذا ما يفسره الشكل البياني التالي:

الشكل رقم (2)

الشكل (ب) السلع والخدمات الجارية

الشكل (آ) الأرصدة النقدية

يوضح لنا الشكل رقم (2) ما يلي:

إن انخفاض عرض النقود يعني الانتقال (من S0 إلى S1) وسيحاول الأفراد زيادة الأرصدة النقدية لكن الفقراء وذوي الدخل المحدود لا يستطيعون وبالتالي سوف ينخفض دخلهم وبالتالي ينتقل منحني طلبهم من (D0 إلى D1) في الشكل (ب).

فإذا كانت الأجور والأسعار تامة المرونة فسوف ينخفض الإنتاج ومستوى الأسعار إلى النصف تقريباً لكن الناتج يظل دون تغيير عند (Q0) لكن الأمور تسير بشكل أسرع عندما ينخفض حجم المبيعات إلى (Q1) وينشأ فائض في عرض المنتجات وتبدأ المنشأت في بتخفيض إنتاجها وتسريح عمالها وتزاد البطالة، وهكذا تظهر أزمة الركود دون أن يمس أي أصل من الأصول الحقيقية (في المجتمع)، ومع مرور الزمن ينخفض الإنتاج وتظهر البطالة وينخفض المستوى العام للأسعار من (P0 إلى P1) ويصبح التوازن الجديد (P1 Q0)( [10] ).

إن المدرسة النقدية النقدية تعتبر عنصر النقد من العناصر الهامة التي تحدد حجم الطلب الكلي والناتج ومستوى البطالة، وبالتالي أي انخفاض في عرض النقد يؤدي إلى الركود وأي زيادة في عرض النقد تؤدي للتضخم.

ثالثاً ـ الركود التضخمي: Stagflation:

بعد أن تعرفنا على جوهر وطبيعة الركود يتوجب علينا شرح ظاهرة الركود التضخمي التي أصابت الاقتصاديات المتقدمة منذ عام 1960 وحتى الوقت الحاضر فقد أظهرت الدراسات والأبحاث الاقتصادية زيادة معدل التضخم والبطالة معاً وتراجع معدل التضخم مع معدل البطالة، فقد اندمج التضخم الذي هو عكس البطالة معها وأصبحت الإجراءات الاقتصادية تدفع هذين المتغيرين معاً يقول أنصار المدرسة الكينزية ما يلي:

«يظهر الركود التضخمي عندما يزداد الدخل القومي ويزداد الميل للادخار ويتناقص الميل للاستهلاك وتنخفض الكفاية الحدية لرأس المال. فينقص الاستثمار وتظهر مشكلة البطالة في صفوف العمال والموارد ويظهر الركود إلى جانب التضخم نتيجة حالة التشغيل الكامل»( [11] ).

ترجع أسباب الركود التضخمي للإجراءات التالية:

1 ـ سيطرة حالة التشغيل الكامل التي تؤدي في جوهرها لزيادة معدلات التضخم.

2 ـ التمويل بالعجز وما يرافقه من إصدار نقدي يؤدي لزيادة معدلات التضخم، فقد حدد الاتحاد الأوربي شرطاً للوحدة النقدية أن يخفض العجز إلى 3% لأنه وصل في بعض الدول الأوروبية عام 1990 إلى 8% من الناتج.

3 ـ زيادة معدلات الفائدة بهدف تشجيع دخول رساميل أجنبية للاستثمار والمضاربة يرفع التكاليف ويزيد معدلات التضخم.

4 ـ زيادة الميل الحدي للادخار وتراجع الميل الحدي للاستهلاك سوف يساهم في تخفيض الطلب الكلي مما يؤدي لتراجع حجم الاستثمار الصناعي والانتاجي.

5 ـ إن انخفاض الكفاية الحدية لرأس المال سوف يساهم في تخفيض حجم الاستثمار وزيادة أعداد العاطلين عن العمل.

6 ـ إن اتباع بعض الإجراءات التقشفية عند تبدل الأحزاب الحاكمة بين حزب العمال والديمقراطي والأحزاب المحافظة اليمينية يؤثر على الخدمات الاجتماعية، وبالتالي يساهم في تخفيض حجم الانفاق الاجتماعي، وتخفيض حجم فرص العمل الجديدة.

7 ـ يؤدي إدخال تكنولوجيا جديدة لفقدان العمال بشكل مستمر لوظائفهم.

إن هذه الإجراءات قد جعلت من ظاهرة الركود وظاهرة التضخم ظاهرة موحدة تتغير وتتبدل نتيجة تحرك أحد الأسباب التي قد لا تمت للثاني بصلة حتى جعلت منها ظاهرة اقتصادية مرضية في الدول المتقدمة وقد امتد أثرها للدول النامية في فترة الإصلاح الاقتصادي.

رابعاً ـ الارتفاع اللولبي لمعدل التضخم والبطالة:

إن العمل السياسي في ظل الديمقراطية يتمتع بحساسية عالية نظراً لحاجة السياسي لاتخاذ قرارات ترضي الناخبين حتى لو كانت تخالف الموضوعية المطلوبة في الاقتصاد القومي، فاستخدام السياسة التوسعية يؤدي إلى زيادة التضخم واستخدام السياسة الانكماشية يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة، لذلك حاولت السياسات الاقتصادية إيجاد التوافق بين محاربة البطالة ومحاربة التضخم، وانتهت القرارات لظهور الارتفاع اللولبي للتضخم والبطالة( [12] ). كما هو في الشكل رقم (3).

Text Box: معدل التضخم %


الشكل رقم (3) يوضح العلاقة بين التضخم والبطالة

يلاحظ من خلال الشكل رقم (3) بأن استخدام سياسة توسعية سوف يؤدي لزيادة التضخم وتخفيض البطالة حيث ينتقل الاقتصاد من وضع A1 إلى وضع B1 وعندما تميل السياسة الاقتصادية إلى الانكماش نلاحظ بانتقال الاقتصاد إلى الوضع A2 فتزداد البطالة ويزداد معها التضخم لكن بمعدلات أقل ثم تظهر اتجاهات جديدة تطالب بالتوسع فينتقل الاقتصاد من الوضع A2 إلى الوضع B2 وهكذا من خلال السياسات الانكماشية والتوسعية يتصاعد معدل التضخم البطالة معاً، وذلك على شكل زيادة حلزونية وقد ظهرت هذه الحالة في الولايات المتحدة وفرنسا خلال الفترة من 1959 ـ 1981، وكما تبدو في الشكل البياني رقم (4):

الشكل رقم (4) يوضح تطور البطالة والتضخم في الولايات المتحدة الأمريكية

يلاحظ من الشكل رقم (4) بأن معدل التضخم ـ البطالة أخذ نمطاً عملياً في اتجها عقارب الساعة في الولايات المتحدة استناداً للسياسة التوسعية أو المقيدة التي أدت إلى ظهور اللولب الحلزوني المتصاعد الذي انتهى بمعدل بطالة 8% ومعدل تضخم 11% عام 1981، وقد استمرت الحالة في الولايات المتحدة وفي أوروبا حتى عام 1991 إلا أنه في الفترة الأخيرة منذ عام 1995 وحتى 1998 قد تراجع معدل التضخم وارتفع بالمقابل معدل البطالة حتى وصل إلى 6 ـ 8% في بعض الدول الأوروبية، وذلك بسبب تعويضات البطالة ومعدل الرفاهية وقانون الحد الأدنى للأجور والضمات الاجتماعي( [13] ).

خامساً ـ الركود التضخمي والاصلاح الاقتصادي:

تتسم البلدان النامية بتشوه بنيانها الاقتصادي وسيطرة الإنتاج وتصدير المواد الخام في اقتصادياتها وتتأرجح صادراتها استناداً لحركة الطلب العالمي، وبالتالي هذه الاقتصاديات قد خضعت لبرامج التصحيح الهيكلي من قبل صندوق النقد الدولي وذلك ظناً من الصندوق أن هذه البرامج يمكن أن تساعد هذه الدول في تخفيض حجم المديونية من جهة والتوجه بالاتجاه الصحيح في القطاعات الإنتاجية من جهة ثانية لكن تطبيق هذه البرامج قد أدى لحدوث الركود التضخمي في هذه الدول علماً وأن هذا المرض لا يصيب الاقتصاديات النامية، بل هو مرض الاقتصاديات الرأسمالية المتقدمة .

والسؤال المطروح كيف تعرضت الاقتصاديات العربية والنامية لأزمة الركود التضخمي وما هي الأسباب الكامنة وراء هذا المرض؟

1 ـ الإجراءات التي ساهمت بزيادة معدلات التضخم:

اقترح الصندوق في برامجه الإجراءات التالية:

أ ـ زيادة أسعار الطاقة الأمر الذي أدى لزيادة تكاليف الإنتاج في جميع قطاعات الاقتصاد الوطني( [14] ).

ب ـ زيادة سعر الفائدة مما زاد أيضاً في تكاليف الاستثمار وبالتالي ارتفعت تكاليف الإنتاج.

ج ـ رفع الضرائب غير المباشرة وزيادة أنواعها.

د ـ زيادة أسعار وتعريفات الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة للموظفين.

هـ ـ إلغاء الدعم السلعي وخاصة المخصص للسلع الغذائية، حيث كان هذا الدعم يساعد الفقراء والمحتاجين وذوي الدخل المحدود، والموظفين على تدبير أمور حياتهم المعاشية( [15] ).

2 ـ الإجراءات التي ساهمت بالركود:

قدم الصندوق مجموعة من الإجراءات المالية والنقدية للدول النامية بهدف تخفيض الطلب وأهمها:

آ ـ تخفيض حجم الانفاق الحكومي بشقيه الجاري والاستثماري وإفساح المجال للقطاع الخاص لكي يستثمر مدخراته.

ب ـ وقف التوظيف الحكومي مما يؤدي لتخفيض حجم الإنفاق الحكومي.

ج ـ تخفيض عجز الموازنة أو الميل لتشكيل احتياطيات حكومية في حال توازن الميزانية.

د ـ خصخصة الخدمات الحكومية مما يؤدي لتخفيض حجم الإنفاق عليها وخاصة الصحة والتعليم والخدمات الأخرى.

هـ ـ تثبيت الرواتب والأجور وعدم زيادتها عند حدوث التضخم الأمر الذي يدفع الأفراد لترك الوظائف الحكومية والبحث عن فرص عمل أفضل.

إن هذه الإجراءات قد ساهمت وتساهم في تخفيض حجم الطلب الكلي أو القضاء على فائض الطلب الموجود لدى هذه الدول مما يؤدي إلى الوقوع في شرك الركود.

وبما أن الإجراءات السابقة تزيد التكلفة وترفع الأسعار فإن هذه الإجراءات تخفض الطلب وتؤدي للركود لذلك ظهر الركود التضخمي في الدول النامية، لقد استطاع صندوق النقد الدولي خلق قوى انكماشية تعيق نمو الاستهلاك والادخار والاستثمار وبالمقابل شجع زيادة الأسعار فزاد معدل التضخم، وفي ضوء معدل نمو السكان في الدول النامية فإن تخفيض حجم التوظيف قد أدى لزيادة البطالة بل لمضاعفتها نظراً للأعداد الكبيرة الوافدة لسوق العمل سنوياً، لذلك تعقدت المشكلة في الدول النامية، وظهرت الصيحات عالية ضد الصندوق وسياساته في هذه الدول لدرجة أنه أصبح العدو الأول للدول الفقيرة وللشعوب الفقيرة.

إن صورة الركود التضخمي في البلاد النامية أصبحت تزداد قتامة ولا أحد يعرف إلى أين تسير هذه الاقتصاديات وما هو مصير العمالة ـ الاستثمار معدلات النمو؟

وما هو الأثر الاجتماعي الناجم عن هذه الظروف الاقتصادية؟.

سادساً ـ الركود في سورية:

بدأت بوادر الإصلاح الاقتصادي في سورية في عام 1986 عندما أصدرت الدولة المرسوم رقم 10 لعام 1986 الذي قضى بإنشاء شركات زراعية مساهمة مشتركة مع الدولة وكانت بداية التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص بهدف تحقيق الأمن الغذائي من جهة والاستفادة من الطاقات الوطنية من جهة ثانية( [16] ).

ثم سمحت الدولة للقطاع الخاص باستيراد السلع الغذائية في عام 1988، وقامت بربط الاستيراد بالتصدير وأوجدت ما يسمى (دولار التصدير) عام 1989.

وفي عام 1990 صدر قانون المغتربين رقم 19 الذي سمح للسوريين المغتربين بإقامة منشآت اقتصادية معفاة من الرسوم الجمركية والضرائب وغيرها.

وفي عام 1991 صدر قانون الاستثمار رقم 10 وقانون الضرائب رقم 20 لتشجيع الاستثمار الأجنبي في سورية.

إن هذه الإجراءات الإدارية والتشريعية قد شكلت بدايات غير واضحة المعالم للإصلاح الاقتصادي في سورية، لأن الحكومة لم توضح في خطة سنوية أو خمسية التوجهات المستقبلية وحجم كل قطاع في هذا التوجه، لذلك حدث ما يسمى بنظام التواكل أي اعتبرت الحكومة توجهات الاستثمار بمثابة إشارة واضحة لكي يقوم القطاع الخاص بالاستثمار بغض النظر عن الإجراءات والمحفزات التي شكلت عقبة كأداء في وجه الاستثمار لتجد الحكومة نفسها أمام الركود في الفترة 1995 ـ 2000. ولن تستطيع القيام بأي إجراء. لقد تراجعت الاستثمارات وحصل الركود دون الاستفادة من مساعدات صندوق النقد الدولي، لقد نفذت الحكومة منذ عام 1988 سياسة صندوق النقد الدولي بالتفصيل ووصل الاقتصاد إلى الركود كما هو الحال في مصر والمغرب، والأردن، والسودان، وتونس، ولكن دون الاستفادة من مزايا ومنح الصندوق كما استفادت الدول العربية الأخرى.

والسؤال المطروح حالياً:

ما هي أسباب الركود في سورية وما هي الآثار الناجمة عنه؟.

وهل هناك إمكانية للتخلص من الركود وآثاره السيئة في القريب العاجل؟.

وما هي أهم الإجراءات لمكافحة الركود؟.

ـ آلية حدوث الركود في سورية:

لم يكن الركود في يوم من الأيام وليد حدث معين أو كارثة طبيعية، بل هو نتاج مجموعة من الإجراءات المالية والنقدية الخاطئة أحياناً، والهادفة إلى تخفيض الطلب أحياناً أخرى.

إن الركود الذي وصلت إليه سورية في بداية عام 1996 كان نتيجة للسياسات الاقتصادية التالية:

أولاً ـ الأسباب الاقتصادية العامة:

استخدمت الدولة في بداية التسعينات من القرن الماضي وعلى الأخص في أواسط التسعينات مجموعة من الإجراءات العامة استهدفت تخفيض حجم الطلب العام وإعادة تأهيل الاقتصاد تمهيداً للدخول في مرحلة الإصلاح الاقتصادي التي يريدها صندوق النقد الدولي، وكما طبقها في الدول العربية الأخرى وكان لهذه الإجراءات الدور الفاعل في تحجيم الطلب وخلق خلل هيكلي أدى للركود، بل لتعميق حالة الركود في البلاد في عام 1999 ـ 2000 وأهم هذه السياسات:

1 ـ سياسة تثبيت الرواتب والأجور:

كانت الحكومة تزيد الأجور بمعدل 25% كل سنتين في حين كان معدل التضخم يتجاوز 30% سنوياً وبالتالي كان يخسر العمال والموظفين سنوياً 17% نتيجة تراجع القوة الشرائية للعملة السورية. إضافة إلى ذلك فقد توقفت سياسة زيادات الأجور عام 1994 وذلك حتى عام 2000. أي ست سنوات دون زيادة مما أدى لتآكل الأجور وانخفاض حجمها في الدخل القومي.

إن عملية تثبيت الرواتب والأجور كانت سياسة واضحة لتخفيض حجم الطلب الكلي من جهة إضافة إلى ذلك فإن هذه السياسة هدفت لتخفيض التكلفة عبر سياسة الأجور الرخيصة من جهة ثانية، فمثلاً تبلغ الأجور التي تدفعها الحكومة للعاملين في القطاع الإداري والاقتصادي وشركات الإنشاءات العامة والعسكرية وغيرها حوالي 130 مليار ليرة وهي تعادل للناتج البالغ 896.6 مليار ليرة لعام 2000 كما يلي:

الأجور الحكومية/الناتج = 130/896.6 = 14.5%

وإذا أخذنا أجور كل من يعمل بأجر في سورية في القطاع الخاص والتعاوني تصل إلى 120 مليار ليرة وتعادل 120/896.6 = 13.4%.

وبذلك تصبح الأجور للناتج  250/896.6 = 27.9%.

في حين يبلغ وسطي الأجور في الدول النامية للناتج 40% وفي الدول المتقدمة يصل إلى 60% من الناتج.

 

2 ـ تراجع حجم الاستثمار الحكومي والخاص اعتباراً من عام 1996:

اعتقدت الحكومة بأن القطاع الخاص سوف يستثمر حسب قانون الاستثمار رقم /10/ لعام 1991، وبالمقابل شعر القطاع الخاص بأن الحكومة لا توفر البنى التحتية للاستثمارات الجديدة ولا توفر التشريعات اللازمة لذلك تراجع استثمار القطاعين معاً، وذلك حسب الجدول التالي:

الجدول رقم (1) يوضح تطور حجم الاستثمار إلى الناتج في سورية

بمليارات الليرات السورية:

السنة

الاستثمار المخطط

الاستثمار الفعلي

الناتج المحلي الإجمالي

الاستثمار المخطط

الاستثمار الفعلي

الناتج%

الناتج%

1990

48.7

35.4

268.3

18.1%

13%

1991

58.8

44.9

311.5

18.8%

14%

1992

94.3

68.8

371.6

25.3%

18%

1993

128.4

58.9

413.7

31%

20%

1994

155.8

121.2

506.1

30.7%

23%

1995

161.4

125.5

570.9

28.2%

21.9%

1996

177.0

105.7

690.8

25.6%

15%

1997

174.0

112.9

745.5

23.3%

15%

1998

187.0

113.7

790.4

23.6%

14%

1999

184.0

107.5

819.0

22.4%

13%

2000

192.0

108.9

896.6

21.4%

12%

المصدر: المجموعة الإحصائية للأعوام المذكور (الموازنة + نسبة الاستثمار).

يلاحظ من الجدول رقم (1) ما يلي:

1 ـ تزايد حجم الاستثمار الخاص الفعلي من 24.4 مليار عام 1990 إلى 87.4 مليار عام 1995 ثم تراجع فيما بعد إلى 60 مليار عام 2000، وذلك لأن الحكومة لم توفر الظروف المناسبة للاستثمار ولم توفر المناطق الصناعية والتشريعات اللازمة لإقامة مشاريع القطاع الخاص.

2 ـ تراجع حجم الاستثمار الحكومي الفعلي حيث بلغت استثمارات الحكومة المخططة في السنة الأخيرة حوالي 132 مليار ولم ينفذ منها سوى 95 مليار ليرة أي حوالي 70% فقط، وهنا يكمن توجه الحكومة في تخفيض حجم الاستثمار.

3 ـ لقد وصل الاستثمار الكلي الفعلي ذروته عام 1995 أي بلغ حوالي 22% من الناتج وهنا كانت العمالة في حالة التشغيل شبه الكامل لكن التراجع الذي بدأ من عام 1996 استمر حتى وصل في عام 2000 حوالي 12% من الناتج أي تراجع بحدود 10% لقد أدى هذا التراجع إلى خلق بطالة في صفوف العمال وفي الموارد الإنتاجية.

 

3 ـ تراجع حجم الطلب في مواجهة العرض الكلي:

عادة ما يكون الطلب أكبر من العرض في حالات التضخم أما في حالات الركود فإن الطلب يتراجع في مواجهة العرض الكلي ومن خلال دراسة العلاقة بين العرض الكلي والطلب الكلي في سورية يتبين ما يلي:

جدول رقم (2) العلاقة بين العرض الكلي والطلب الكلي في سورية

بمليارات الليرات السورية ـ الفترة 1990 ـ 2000

السنة

الناتج

الطلب الكلي

الفجوة

الفجوة/الناتج%

1990

268.3

267.1

ـ

ـ

1991

311.5

324.2

+ 12.7

4%

1992

371.6

396.4

+ 24.8

5.9%

1993

413.7

446.1

+ 23.4

6.4%

1994

506.1

538.0

+ 31.9

6.3%

1995

570.9

580.3

+ 9.4

1.5%

1996

690.8

662.3

- 28.5

4.1%

1997

754.5

696.4

- 49.1

6.5%

1998

790.4

744.4

- 46.0

5.8%

1999

819.0

770.1

- 48.9

5.9%

2000

896.6

786.9

- 109.7

12.2%

المصدر: المجموعة الإحصائية للأعوام المذكورة.

الطلب الكلي = الاستهلاك الحكومي + الاستهلاك الشعبي + (الاستثمار المخطط – 20% من عام 1990 ـ 1995، ثم 30% من عام 1996 ـ 2000).

بسبب عدم تنفيذ الاستثمارات العامة أو الخاصة المخططة خلال الفترة السابقة.

يلاحظ من خلال الجدول رقم (2) ما يلي:

1 ـ سجلت الأعوام 1990 ـ 1995 فجوة إيجابية لصالح الطلب الكلي حيث كان الطلب الكلي أكبر من العرض الكلي وتميزت هذه الفترة بالتضخم والرواج حيث بلغت معدلات النمو الصافية بين 5 ـ 8%.

2 ـ سجلت الأعوام 1996 ـ 2000 فجوة انكماشية حيث انخفض الطلب الكلي عن الناتج وبالتالي لم يستطع المنتجون خلال هذه الفترة تصريف منتجاتهم  وبدأت معدلات النمو بالتباطؤ حتى سجلت معدلات نمو سلبية في عام 1999 في الناتج.

3 ـ إن زيادة حجم الناتج عن الطلب الكلي توضح الاتجاهات الانكماشية التي تبنتها الحكومة وحققت على أثرها زيادات واضحة في الاحتياطات الحكومية نتيجة تخفيض حجم الاستثمار الحكومي والانفاق الحكومي حتى وصل تنفيذ الموازنة العامة للدولة في عام 2000 حوالي 70% حيث بلغت النفقات 275.4 مليار ليرة بينما التنفيذ وصل إلى 194.1 مليار ليرة وهذا التنفيذ يشير ويعبر عن توجهات الحكومة في تخفيض حجم الانفاق الكلي حيث بلغت الاحتياطات الحكومية حتى عام 2000 حوالي 355.6 مليار ليرة سورية أودعت في المصرف المركزي لصالح الحكومة( [17] ).

4 ـ الربحية الوطنية للمشاريع:

سجلت معدلات نمو الأرباح في قطاع الأعمال والشركات المساهمة والشركات المشتركة والتعاونيات تراجعاً ملحوظاً وقد بدأت السوق السورية بالإفلاسات منذ عام 1996حيث لم يشهد السوق السوري إفلاسات تجارية في تاريخه وقد نجمت هذه الإفلاسات عن تراجع معدلات نمو الربح وعن بطئ حركة تصريف المنتجات وظهر في السوق ما يسمى البيع بالأمانة أو طريقة الدفع الأسبوعية (جمعية) تدفع يوم الخميس نسبة من حجم تسليفات البضائع.

إضافة إلى ذلك فقد ارتفع بشكل ملحوظ دور النفط في الاقتصاد السوري منذ عام 1993 حيث سجل قطاع الصناعة والتعدين مساهمة واضحة في الناتج من 13% عام 1992، إلى 30 عام 2000 ويعود الفضل بهذا الارتفاع إلى زيادة حجم الانتاج النفطي الذي وصل إلى 154.5 مليار ليرة وهو يعادل 58% من حجم الصناعة البالغة 267.5 مليار ليرة( [18] ).

إن هذا المؤشر يدل على تراجع حجم الصناعة التحويلية إلى إجمالي الناتج الصناعي حيث كانت تسجل عام 1990 حوالي 70% من حجم الناتج الصناعي أما في عام 2000 فقد تراجعت إلى 42%.

إضافة إلى ذلك فقد انخفض عدد الشركات الصناعية العاملة في سورية إلى النصف تقريباً حيث أكدت الدراسة التي أعدتها وزارة الصناعة لعام 2000. تراجع عدد المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة حوالي 48% عن عام 1995 ويرجع السبب بذلك لتراجع حجم التصريف والإفلاسات التجارية التي شهدتها سورية خلال الفترة (1996 ـ 200) ( [19] ).

لقد انخفض معدل الربحية الوطنية من 40% عندما كان معدل التضخم 29% عام 1990 إلى 7% عام 2000 عندما أصبح معدل التضخم 3% ومن خلال مقارنة الربحية بمعدل الفائدة الوطني 9% أو العالمي 6% يؤكد ذلك خسارة واضحة للمشاريع الصناعية.

ثانياً ـ الأسباب المالية للركود:

يؤثر العمل المالي والإجراء المالي بشكل مباشر وسريع في الاقتصاد الوطني فرفع سعر ضريبة أو زيادة حجم الانفاق العام يظهر في الانتاج فإما أن تشجع الإجراءات المالية زيادة الإنتاج وإما أن تكون إنكماشية تؤدي لانخفاض حجم الإنتاج وزيادة حجم البطالة وتتعلق الإجراءات المالية بالضرائب والموازنة والإنفاق العام والقروض العامة والإعانات التي تقدمها الدولة للقطاعات الإنتاجية.

1 ـ تنفيذ الموازنة العامة والاحتياطيات:

تعتبر الموازنة العامة للدولة الأداة المالية الأساسية في الاقتصاد الوطني لأنها تتضمن كافة الأنشطة الخدمية والاستثمارية الحكومية من جهة وآثارها الترابطية مع القطاع الخاص من جهة ثانية، فإذا كانت الموازنة طموحة ومرتفعة المبالغ مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي (30 ـ 40% مثلاً) أدى ذلك لإحداث آثار إيجابية في الاقتصاد، وبالعكس إذا كانت منخفض مقارنة مع الناتج أدى ذلك لتشكيل ضغوط انكماشية.

ولدراسة هذه الفرضية نورد الجدول التالي:

الجدول رقم (3) يوضح تنفيذ الموازنة في سورية (مليار ليرة)

السنة

الموازنة المخططة

الموازنة الفعلية

نسبة التنفيذ%

الناتج المحلي الإجمالي

الموازنة المخططة/الناتج

الموازنة الفعلية/الناتج

الفوائض المالية

1990

61.8

58.4

94%

268.3

23%

21.7%

11.3

1991

84.7

71.7

84%

311.5

27%

23%

12.2

1992

93.0

81.4

87%

371.6

25%

22%

30.1

1993

123.0

96.9

87%

413.7

29.7%

23.4%

17.2

1994

144.2

131.7

91%

506.1

28.4%

26%

32.2

1995

162.0

135.7

83%

570.9

28.3%

23.7%

30.4

1996

188.0

158.7

84%

690.8

27.2%

22.9%

57.3

1997

211.1

175.0

82%

745.5

28.3%

23.4%

42.5

1998

237.3

183.5

77%

790.4

30%

23.2%

15.8

1999

255.3

178.2

70%

819.0

31%

21.7%

42.3

2000

275.4

193.8

70%

896.6

30.7%

21.6%

41.3

المصدر: المجموعة الإحصائية السورية للأعوام المذكور، الموازنة ـ تنفيذ الموازنة في بند الاستثمار وبند الانفاق على الناتج المحلي الإجمالي في الحسابات القومية.

يلاحظ من الجدول رقم (3) ما يلي:

1 ـ يلاحظ من خلال تنفيذ الموازنة بأن نسبة التنفيذ كانت مرتفعة خلال الفترة من 1990 ـ 1995 حيث تراوح التنفيذ بين 91 ـ 94% وهي مقبولة، لكن النسب العالمية لتنفيذ الموازنة تصل إلى 95 ـ 98% أما في الأعوام 1996 ـ 2000 فقد انخفضت نسب التنفيذ إلى 70% وهي معدلات غير مقبولة ولا تعكس سياسة مالية توسعية، بل تحمل في جوهرها الانكماش فكلما انخفض حجم تنفيذ الموازنة كلما ازداد الركود وكانت الحكومة تسعى إليه في توجهاتها العامة.

2 ـ يلاحظ بأن الموازنة المخططة للناتج وصلت إلى 30% تقريباً وهي نسبة مقبولة لكن المعدلات الجيدة أن تصل الموازنة إلى 40% من الناتج.

أما الموازنة المنفذة إلى الناتج فهي أظهرت تراجعاً واضحاً منذ عام 1996 حيث تراجع معدل التنفيذ من 26% عام 1994 إلى 21.6% عام 2000، ويعكس هذا التنفيذ توجهاً واضحاً باتجاه الركود.

3 ـ تؤكد الفوائض المالية على عدم تنفيذ الموازنة المخططة وتؤكد أيضاً على عدم إنفاق الإيرادات السيادية أي أن عجز الموازنة المخطط لم تستخدمه الحكومة وبالتالي لم تنفق الإيرادات السيادية، وهذا ما أدى إلى تشكيل الفوائض التي بلغت عام 2000 حوالي 355.6 مليار ليرة سورية، وهي تشكل 40% من حجم الناتج وتعتبر سبباً مباشراً في الركود لأنها تشكل سيولة وطنية سحبتها وزارة المالية من السوق وأودعتها المصرف المركزي دون عمل مما أدى لتعمق الركود.

2 ـ تمويل زيادة الرواتب عن طريق فروقات الأسعار:

استخدمت الدولة أسلوب الضرائب غير المباشرة لتمويل زيادة الرواتب والأجور وكانت تفرض هذه الضرائب على المنتجات البترولية والاسمنت والأسمدة حيث تفرض على الشكل التالي:

كل        20 ليتر بنزين                       200 ليرة.

كل        20 ليتر مازوت وكاز               75 ليرة.

كل        طن من الإسمنت                    2000 ليرة.

كل        طن من الأسمدة                     1000 ليرة.

إضافة إلى الزيوت المعدنية وغيرها من المنتجات البترولية الأخرى وتسمى هذه الضرائب (فروقات الأسعار) لأن المؤسسات العامة التي تسوق هذه المواد تحول المبالغ مباشرة لوزارة المالية.

بلغت فروقات الأسعار في عام 1990 حوالي 15.2 مليار ليرة في حين ارتفعت في عام 1993 إلى 25.3 مليار ليرة على أثر زيادة الرواتب عام 1991 ثم ارتفعت إلى 44.7 مليار ليرة عام 1995 على أثر زيادة الرواتب عام 1995 ثم تراجعت فيما بعد لتصل عام 1999 إلى 19 مليار ليرة( [20] ).

إن زيادة أسعار الطاقة لتمويل زيادة الرواتب والأجور قد أدت لزيادة تكاليف المنتجات السورية وزيادة أسعار الخدمات، وقد أدت هذه الزيادة لتخفيض قدرة الصناعة السورية على المنافسة في السوق الوطنية وفي الأسواق الدولية، وبالمقابل توقفت بعض المصانع التي لم تستطع المنافسة.

إن تمويل زيادة الرواتب والأجور عن طريق زيادة بعض الأسعار تؤدي لإعادة توزيع الدخل لصالح الأغنياء وهذا ما أدى لانخفاض حجم الأجور مقابل حصة الأرباح من الدخل القومي حيث تشكل الأجور كما ذكرنا 27.5% من الدخل القومي. بينما تشكل الأرباح 72.5% من الدخل القومي، بينما لو كانت العملية معاكسة أي كان التمويل عن طريق زيادة الضرائب المباشرة فعلياً لأدى ذلك لإعادة توزيع الدخل لصالح الفقراء وكنا في وضع غير ركودي.

3 ـ عجز الموازنة:

يزداد عجز الموازنة في حالات الرواج والتضخم نظراً لانخفاض الواردات العامة للدولة وازدياد النفقات العامة، وبالمقابل ينخفض حجم العجز في حالات الركود نظراً لانخفاض النفقات العامة( [21] ).

وتبقى مسألة العجز المالي معقدة بين (ظروف الركود والرواج) ولإيضاح دور وأهمية العجز المالي نورد الجدول التالي:

 

 

جدول رقم (4) تطور العجز المالي في سورية (مليار ليرة)

السنة

العجز المخطط

النفقات العامة

العجز/النفقات

الناتج

العجز/الناتج

نسبة تنفيذ الموازنة

الفوائض المالية

1990

26.3

61.8

42%

268.3

9.8%

94%

11.3

1991

23.9

84.6

28%

311.5

7.6%

84%

12.2

1992

19.5

93.0

20.9%

371.6

5.2%

87%

30.1

1993

43.0

123.0

34%

413.7

10.3%

87%

17.2

1994

35.9

144.1

24.9%

506.1

7%

91%

32.2

1995

36.4

162.0

22%

570.9

6.3%

83%

30.4

1996

50.8

188.0

27%

690.8

7%

84%

57.3

1997

52.3

211.1

24%

745.5

7%

82%

42.5

1998

77.7

237.3

32%

790.4

9.8%

77%

15.8

1999

80.9

255.3

31%

81.9

9.8%

70%

42.3

2000

91.6

275.4

33%

896.6

10.2%

70%

41.3

المصدر: المجموعة الإحصائية السورية للأعوام المذكورة (الموازنة ـ الناتج).

تم احتساب العجز على أساس الفرق بين الإيرادات والنفقات سنوياً.

إن واقع العجز المالي في سورية لم يتغير في مرحلة الرواج عن مرحلة الركود وبقيت الحكومة ترصد اعتمادات جارية واستثمارية وكأن الحالة رواج، لكن يلاحظ من جهة ثانية عدم تنفيذ الموازنة وبالتالي يبقى العجز مخططاً فقط أي على صعيد الواقع العملي لم يظهر العجز بل ظهر الفائض ويظهر ذلك في الجدول رقم (4) كما يلي:

1 ـ إن دراسة العجز توضح لنا أنه كان في عام 1990 حوالي 26.3 مليار ليرة ثم ارتفع ليصل إلى 91.6 مليار ليرة عام 2000، لكنه على صعيد التنفيذ العملي بلغ الفائض المالي عام 1990 حوالي 11.3 مليار ليرة ثم ارتفع إلى 41.3 مليار عام 2000.

والسؤال المطروح: أين هو العجز؟.

إنه عجز مخطط فقط فيما لو اضطرت الحكومة لتنفيذ الموازنة بالشكل يظهر العجز الفعلي معادلاً للعجز المخطط، لكن عدم تنفيذ الموازنة يخفي وراءه سياسة اقتصادية هادفة للوصول إلى الركود.

2 ـ إن تنفيذ الموازنة بالكامل مع تحقيق عجز مقداره 10.2% من الناتج في 2000 يؤكد عدم وجود ركود إضافة إلى ذلك فإن انفاق 275.4 مليار ليرة الانفاق المخطط عام 2000 يعادل 30.7% من الناتج وهذا يعني عدم وجود الركود، لكن تخفيض التنفيذ إلى 70% وتحقيق فائض مقداره 41.3 مليار ليرة 30% من النفقات يؤكد التوجه الركودي.

إن الجدول رقم (4) يوضح السياسات الركودية التي ظهرت منذ عام 1996 ـ 2000.

 

ثالثاً ـ الأسباب النقدية والركود:

تتكامل جميع الأسباب فيما بينها لتدعم توجه الركود أو توجه الانكماش، وبالتالي فإن العوامل النقدية التي تلعب دوراً هاماً في التسريع للركود أو الرواج، فإذا زاد عرض النقد دون تحقيق زيادة في عرض السلع والخدمات يحصل التضخم وبالمقابل إذا نقص عرض النقد ونقصت المدخرات يتجه الاقتصاد باتجاه الركود( [22] ).

تتضمن الأسباب النقدية عوامل عديدة أهمها:

1 ـ سعر الفائدة:

يلعب سعر الفائدة 6 دوراً هاماً في تشجيع الادخار أو تشجيع الاستثمار أو تشجيع الاثنين معاً ، وعادة ما تسعى الدول لتحديد سعر فائدة يجمع بين الاثنين معاً ويشجع النمو الاقتصادي ولذلك نلاحظ بأن سعر الفائدة:

ـ يجب أن يتجاوز معدل التضخم بنقطتين أو ثلاث حسب الحالة الاقتصادية.

ـ ويجب أن ينخفض عن معدل الربحية (الكفاية لرأس المال) بنقطتين أو ثلاثة وحسب الحالة أيضاً.

أخذت سورية سعر الفائدة بعين الاعتبار خلال المراحل السابقة واستخدمته لتشجيع الاستثمار وقد تراوح السعر بين 5 ـ 7% خلال السبعينات وفي 1/1/1981 عدلت الأسعار حيث اصبح سعر الفائدة 8% للادخار و 9% للتسليف وقد لعب هذا التعديل دوراً هاماً في تشجيع الاستثمار حتى عام 1995 حيث كانت الفترة تضخمية وكان سعر الفائدة أقل من التضخم ويشجع المستثمرين على الاستقراض بهدف إقامة منشآت استثمارية خاصة وأن المصارف حكومية وكان معدل التضخم خلال الفترة هذه يتراوح بين 25 ـ 30 % أما بعد عام 1995 فقد انخفض معدل التضخم ليصل في عام 2000 الى 3%. ومع ذلك بقي سعر الفائدة نفسه وبالمقابل انخفضت الربحية الوطنية لتصل إلى ( 5 ـ 7%) وهي أقل من سعر الفائدة ومع ذلك تركت الدولة سعر الفائدة على ما هو عليه دون تعديل وهذا ما يؤكد التوجه الركودي الذي تتبناه الدولة خلال فترة 1995 ـ 2000 وما زال السعر نفسه دون تحريك في عام 2002 علماً وأن الدولة تتبنى توجهاً اصلاحياً وينبغي تخفيض السعر إلى 6 % مثلاً لتخفيض الضغوط الانكماشية.

2 ـ  عرض النقد:

استناداً للنظرية الكمية في النقود ولأفكار مدرسة شيكاغو (ملتون فريدمان وزملائه) يلاحظ بأن النقود أصل من أصول الثروة وتؤثر مباشرة على الناتج المحلي الاجمالي، فكلما ازداد عر ض النقد في الاقتصاد تزداد وسائل الدفع ويؤدي ذلك لزيادة الانتاج وكلما انخفض عرض النقد انخفض معدل النمو في الناتج وترتبط الثروة بالدخل بواسطة سعر الفائدة: .

حيث r = سعر الفائدة.

وW = سعر الثروة.

وy = الناتج( [23] ).

إن دراسة عرض النقد في سورية خلال السنوات المدروسة يوضح ما يلي:

 

جدول رقم (5) يوضح تطور الكتلة النقدية في سورية (مليار ليرة)

السنة

الكتلة النقدية M2

ودائع الدولة لدى

المصرف المركزي

الكتلة النقدية الفعلية M2

الناتج

النقود/الناتج%

1990

226.4

34.3

192.1

268.3

71%

1991

261.7

46.5

215.2

311.5

69%

1992

299.1

76.6

222.5

371.6

59%

1993

341.0

93.8

247.2

413.7

59%

1994

356.1

126.0

230.1

506.1

45%

1995

374.1

156.5

217.6

570.9

38%

1996

398.9

213.7

185.2

690.8

26%

1997

418.4

256.2

162.2

745.5

21%

1998

444.3

272.0

172.3

79.4

21%

1999

743.5

314.3

159.2

819.0

19%

2000

562.7

355.6

207.1

896.6

23%

المصدر: المجموعة الإحصائية للأعوام المذكورة (الكتلة النقدية ـ المصرف المركزي ـ الناتج في الحسابات القومية).

يلاحظ من خلال الجدول رقم (5) ما يلي:

1 ـ إن حجم ودائع الحكومة لدى المصرف المركزي في تزايد مستمر وهي المبالغ المجمدة للدولة لدى المصرف وقد كانت 34.3 مليار ليرة عام 1990 لكنها أصبحت في عام 2000 حوالي 355.6 مليار ليرة أي حوالي 63% من الكتلة النقدية في المصرف المركزي فالسؤال المطروح:

ما فائدة العملة إذا كانت في المصرف المركزي؟.

لقد فقدت الكتلة النقدية السورية دورها الوطني في تشجيع الإنتاج والتصريف وتسريع عمليات إعادة الإنتاج.

2 ـ تتراجع الكتلة النقدية الفعلية للناتج سنوياً حيث كانت عام 1990 حوالي 71% أما في عام 1999 فقد بلغت 19% وهي أدنى نسبة لها إلى الناتج واستناداً لنظرية ملتون فريدمان يلاحظ وجود ضغوط انكماشية للنقد في سورية وتخفيض دوره في تشجيع الإنتاج وتشغيل العاطلين عن العمل.

إن هذا التراجع في حجم النقد للناتج يشكل توجهاً حكومياً ويخفي وراءه سياسة نقدية واضحة في افتعال حالة الركود علماً وأن سورية والدول النامية يزداد لديها حجم النقد في الاقتصاد ليتجاوز 50% من الناتج.

3 ـ المصارف والتسليف:

تشكل النقود الخطية في الظروف الراهنة عصب الحياة الاقتصادية إضافة إلى ذلك فقد باتت تعادل 75% من حجم الكتلة النقدية، لذلك تهتم الدراسات والأبحاث بالمصارف والأنظمة المصرفية وتطويرها، وأظهرت لجنة بازل التي اعتمدت في مقرراتها على أفكار (كوك) الذي طالب البنوك باستثمار الأموال بدلاً من تعطيلها وحددت الملاءة المالية للمصارف بمقدار 8% وذلك بهدف ضمان أموال المودعين وتشجيع المصارف على استثمار الأموال( [24] ).

استناداً لذلك تكون عملية خلق الودائع كما يلي:

الوديعة المشتقة = الوديعة الأصلية ـ قيمة الاحتياطي/نسبة الاحتياطي.

إذا كانت الوديعة تعادل مليون ليرة فإن الوديعة المشتقة تعادل:

الوديعة المشتقة = 1000000 ـ 80000 /0.8 = 11500000 ليرة.

إن تطبيق هذه القواعد في سورية يشجع على الرواج نظراً لأن المصارف في الدول النامية تحتفظ بنسبة أكبر من 8% وبالتالي كلما ازدادت النسبة التي تحتفظ بها المصارف كلما ازداد تعطل الأموال، وبالعكس كلما انخفضت نسبة الاحتياطي كلما ارتفع معدل استثمار الأموال، ولتحديد الواقع السوري وتحديد حجم القروض نورد الجدول التالي:

جدول رقم (6) يوضح تطور الودائع والقروض (مليارات الليرات)

السنة

الودائع

القروض

معدل استثمار الودائع

الكتلة النقدية M2

القروض/الكتلة النقدية

1990

72.3

79.1

109%

226.4

34%

1991

89.8

99.11

110%

261.7

37%

1992

119.3

125.1

104%

299.1

41%

1993

129.2

163.5

126%

341.0

47%

1994

148.4

171.1

115%

356.1

48%

1995

177.8

201.1

113%

374.1

57%

1996

179.1

214.5

119%

398.9

53%

1997

198.7

238.8

120%

418.4

57%

1998

238.5

233.0

97%

444.3

52%

1999

287.4

255.0

88%

473.5

53%

2000

355.1

266.7

75%

562.7

47%

المصدر: المجموعة الإحصائية السورية للأعوام المذكورة (المصارف ـ المصرف المركزي).

يلاحظ من الجدول رقم (6) ما يلي:

1 ـ إن حجم القروض كان أكبر من حجم الودائع حتى عام 1997 حيث أصبح فيما بعد وحتى عام 2000 حجم الودائع أكبر من حجم القروض وهي ظاهرة مؤكدة للركود الاقتصادي.

2 ـ إن نسبة استثمار الأموال المودعة لدى المصارف قد ارتفعت من 109% عام 1990 حتى وصلت عام 1997 حوالي 120% ثم تراجعت فيما بعد لتصل في 2000 إلى 75% وهي مؤشر ركودي.

3 ـ إن حجم القروض المصرفية للكتلة النقدية قد ارتفع من 34% عام 1990 حتى وصل عام 1995 حول 57% ثم تراجع فيما بعد ليصل إلى 47% في عام 2000 وهي مؤشر على تراجع حجم القروض وتجميد الأموال.

إن هذه الاعتبارات توضح لنا بشكل غير قابل للجدل اتجاهات الركود في الاقتصاد السوري وما يدعم هذا التوجه وتعطل الأموال الفائدة المرتفعة التي تفوق كما ذكرنا معدلات الربحية الوطنية ومعدلات التضخم لذلك ظهرت توجهات الركود.

4 ـ تعدد أسعار الصرف ودولار التصدير:

لازالت سورية تعتمد سياسة تعدد أسعار الصرف منذ عام 1981 وحتى الوقت الحاضر رغم تغير شروط وظروف سياسة التعددية، فقد كانت الدولة بحاجة للقطع الأجنبي خلال الأعوام 1985 ـ 1990 لكنها بعد هذا التاريخ قد ربطت الاستيراد بالتصدير بهدف توفير القطع الأجنبي اللازم لتمويل المستوردات وقد تحققت الأهداف المطلوبة، لكن الدولة لم تتخل حتى هذا التاريخ عن سياسة تعدد أسعار الصرف.

أما دولار التصدير فهو بدعة حكومية لمساعدة المصدرين وتشجيع التصدير بحيث يستطيع كل مصدر أن يبيع حصيلة صادراته من القطع الأجنبي لتاجر يود الاستيراد بالسعر الذي يتفقان عليه حتى لو تجاوز سعر الصرف وسعر الدول المجاورة.

وقد أدى هذا الإجراء لارتفاع أسعار صرف دولار التصدير إلى أكثر 53 ليرة للدولار ووصل في بعض الأحيان إلى 60% وفيما يخص باستيراد السيارات وصل إلى 70 ليرة للدولار.

لقد ساهم هذا الدولار بالنتائج السلبية التالية:

1 ـ تشجيع التصدير الوهمي بهدف جلب قطع التصدير فقط وقد كشفت الحكومة عدة معاملات وهمية وكشفت جداول مطابقة الصادرات والواردات بين الدول المجاورة هذا التلاعب.

2 ـ ساهم دولار التصدير برفع تكاليف المواد الأولية المستوردة للصناعة وكذلك الآلات وقطع الغيار وغيرها بحدود 20% الأمر الذي خفض قدرة الصناعة السورية على المنافسة في الأسواق الدولية، وأدى ذلك لظهور بعض الإفلاسات في المصانع الخاصة وزيادة أعداد العاطلين عن العمل.

لقد كانت سياسة قطع التصدير ودولار التصدير سياسة ركودية في فترة انخفاض الصادرات ورغم هذا الإحكام الشديد فإن سعر الدول المجاورة مازال يتأرجح صعوداً وهبوطاً، فالسؤال المطروح: إلى متى تستمر الدولة بسياسة تعدد أسعار الصرف؟.

ثانياً ـ قياس الركود في سورية:

لا توجد مقاييس رياضية لتحديد حالة الركود، بل تعارف الاقتصاديون على مجموعة من المعايير يمكن دراستها وتحديد الحالة الاقتصادية في كل دولة وأهم هذه المعايير:

1 ـ معدل نمو الناتج:

إذ تراوح معدل النمو الاقتصادي في الدول النامية بين (3 ـ 1 ـ أو سالب) توصف الحالة بالركود، أما إذا بلغ معدل النمو 4 ـ 8% فإن الحالة توصف بالرواج.

إن معدل النمو في سورية خلال الفترة 1990 ـ 1995 قد بلغ وسطياً كما يلي:

السنة

1991

1992

1993

1994

1995

المجموع

الوسطي

معدل النمو

7.9%

13.4%

5.1%

7.6%

5.7%

39.7%

7.9%

المصدر: المجموعة الإحصائية لعام 2001، ص522.

يبلغ معدل النمو الوسطي للسنوات الخمسة 1991 ـ 1995 حوال 7.9% وهي معدلات توحي بالرواج والازدهار الاقتصادي.

أما وسطي الفترة 1996 ـ 2000 فكانت كما يلي:

السنة

1996

1994

1998

1999

2000

المجموع

الوسطي

معدل النمو

7.3%

2.4%

3.5%

- 2%

0.06%

11.8

2.3%

المصدر المجموعة الإحصائية لعام 2001، ص522.

يبلغ معدل النمو الوسطي للسنوات 1996 ـ 2000 حوالي 2.3% وهو يقع في هامش قياس الركود في الدول النامية إضافة إلى ذلك فإن معدل النمو السلبي عام 1999 ـ 2% ومعدل النمو شبه السالب عام 2000 (0.006%) يؤكد حقيقة الركود.

2 ـ معدل البطالة:

يعتبر معدل البطالة من المعايير الهامة لتحديد حالة الاقتصاد الوطني، وبالتالي فإن معدل البطالة (3 ـ 5%) هو ظاهرة طبيعية في الاقتصاد الرأسمالي حسب وجهة نظر مدرسة شيكاغو( [25] )، أما زيادة المعدل عن هذه الحالة فيصبح حالة مرضية، وبالتالي فإن وسطي معدلات البطالة في الدول الصناعية من الفترة 1998 ـ 2000 تبلغ 6% أما دول أوربا فيصل لديها معدل البطالة 8% أما دول منطقة اليورو تصل إلى 9.2%( [26] )، بينما يصل هذا المعدل في الدول النامية إلى 15%.

ارتفع معدل البطالة كثيراً في سورية خلال الفترة الأخيرة بحيث أنه سجل في عام 1999 حوالي 20% وفي عام 2000 حوالي 22% ويقدر عدد العاطلين حسب المسجلين في مكاتب التشغيل حوالي 450 ألف عامل لكن الدراسات العملية تشير إلى ضعف العدد أي حوالي مليون عاطل عن العمل إضافة لذلك ترتفع معدلات البطالة كثيراً في سن الشباب المؤهلين وخريجي الجامعات والمعاهد العليا حيث تبلغ نسبة الشباب المؤهلين العاطلين عن العمل 75% في البحرين وحولي 60% في مصر وسورية والأردن( [27] ).

وبالتالي فإن ارتفاع معدل البطالة يؤشر على حالة الركود.

3 ـ معدل نمو الاستثمار:

تؤكد المدارس الاقتصادية على أهمية الاستثمار في الاقتصاد الوطني وترى جميعها بأن زيادة حجم الاستثمار سوف يزيد التشغيل والإنتاج وأن انخفاض حجم الاستثمار سوف يخفض حجم الطلب الكلي وبالتالي يتجه الاقتصاد نحو الركود، ولم تركز المدارس على نسبة محددة للاستثمار من الناتج، لكن الخبرات العملية إلى جانب النظرية قد ركزت على بعض النسب وهي:

1 ـ الدول النامية 30 ـ 35% من الناتج.

2 ـ الدول المتقدمة 40 ـ 45% من الناتج.

إن مقارنة الاستثمار في سورية بهذه النسب العالمية تؤكد بأن الاستثمار المخطط من عام 1996 ـ 2000 بشكل وسطي يبلغ 23.3% من الناتج في حين وصل الاستثمار الفعلي خلال نفس الفترة إلى 13.8% (انظر الجدول رقم 1) وبالتالي فإن هذا المعدل يكشف حالة الركود ويؤكد استمراريتها لأن سورية تحتاج لمعدل استثمار يصل إلى 30% وبالتالي فإنها تحتاج لاستثمارات فعلية إضافية بحدود 16.2% من الناتج.

4 ـ معدل نمو النقد:

إن زيادة حجم النقد للناتج سوف يؤدي للتضخم ولذلك ترى المدرسة الكينزية أن يصل معدل النقد إلى الناتج 30% في حين ترى المدرسة الكلاسيكية الجديدة أن يصل معدل النقد للناتج إلى 25% أو أن يصل معدل نمو النقد إلى نصف معدل نمو الناتج أي إذا بلغ معدل نمو الناتج 5% مثلاً يجب ألا يتجاوز معدل نمو النقد 2.5% فقط وإلا بعدها يبدأ التضخم وانخفاض معدل النمو 2% أو إلى 1.5% سوف يشكل ضغوطاً انكماشية( [28] ).

بلغ معدل النقد للناتج خلال الفترة 1990 ـ 1995 حوالي 56% وهذا يعني أن الفترة تضخمية.

بلغ معدل النقد للناتج خلال الفترة 1996 ـ 2000 حوالي 22% وهي أقل من 25% كما رأى الكلاسيك الجدد وأقل من الكينزية التي ترى 30 معدلاً طبيعياً أي أن الفترة ركودية.

أما قانون المعيار النقدي للناتج يوضح ما يلي:

ME = Q Y1 – M2

إذا طبقنا هذا القانون على سورية ينتج ما يلي:

ME = 418.2 – 562.7

مليار ليرة   ME = -144.4

إن حجم الكتلة النقدية حسب هذا القانون ينقص عما يجب أن يكون بمقدار 144.2 مليار ليرة.

معدل الركود =

معدل الركود =

يبلغ معدل الركود في سورية (- 16%) في عام 2000.

الركود عام 1999:

ME = 382.9 – 473.5

ME = -90.5

معدل الركود =

يبلغ معدل الركود عام 1999 حوالي (-11%)، (انظر الجدول رقم 7).

يلاحظ من خلال قانون (الركود والتضخم) بأن الركود بدأ يتعمق منذ عام 1996 حتى وصل عام 2000 إلى (-16%) ونعتقد بأنه في عام 2001 وعام 2002 سوف ينخفض معدل الركود نظراً لزيادة حجم الانفاق الحكومي عما كان في السابق.



ثالثاً ـ الآثار الاقتصادية والاجتماعية للركود:

لكل حالة اقتصادية أو إجراء اقتصادي أو سياسة اقتصادية آثارها الاقتصادية والاجتماعية فقد تكون الآثار سلبية أو إيجابية استناداً لكل حالة وكل مرحلة، فالركود يؤدي في أكثر الأحيان لهبوط الأسعار وإفلاس الكثير من الصناعيين وتعطل الإنتاج الزراعي وزيادة أعداد العاطلين عن العمل، وزيادة عدد المشردين وانتشار الأمراض والفقر وغيرها من الأمراض الاجتماعية، هكذا يقول جون كينث جالبريت( [29] ).

وتختلف هذه الأمراض من بلد لآخر، ومن حالة إلى أخرى ولا يمكن تعميم هذه الأمراض ولو أنها تقاربت في بعض الأحيان.

أحدث الركود في سورية مجموعة من الآثار الاقتصادية والاجتماعية وسوف ندرسها كما يلي:

أولاً: الآثار الاقتصادية للركود:

أدى الركود في سورية خلال الفترة السابقة لهبوط الأسعار وزيادة حجم المخزون السلعي في القطاعين العام والخاص وتراجع حجم الاستهلاك إلى الدخل مقارنة مع الفترات السابقة حيث ازدادت معدلات الادخار من 9.2% عام 1992 إلى 17.1% عام 2000( [30] ) أي انخفض حجم الاستهلاك إلى الدخل القومي من 90.8% عام 1992 إلى 82.9% عام 2000.

ومقابل انخفاض حجم الاستهلاك ظهرت العطالة الواضحة في مستوى تشغيل الآلات حيث انخفضت إلى وردتين أو وردية واحدة وأحياناً نصف وردية حسب الحالة والطلب على كل سلعة.

ويمكن تحديد مجموعة الآثار الاقتصادية في النقاط التالية:

1 ـ تراجع حجم الإنتاج ليس مقارنة مع الفترة السابقة ولكن مع ما يجب أن يكون ومقارنة مع عدد السكان والحالة القائمة في الدول الأخرى وتردي نوعية المنتجات حيث تحولت أكثر المعامل والمصانع لإنتاج الأصناف الرديئة التي تتناسب مع مستوى الدخول، مثل انتشار الألبسة المؤلفة من الخيوط التركيبية النايلون بدلاً من الصوف والقطن، وانتشار الأغذية التي تعتمد على مركبات صناعية وغيرها.

2 ـ ظهور الإفلاسات في الأوساط الصناعية والتجارية نظرً لانخفاض مستوى المبيعات ونقص السيولة الأمر الذي أدى لخروج صناعيين جيدين من الصناعة وانتشار أو ظهور صناعيين رديئين وتجار رديئين لمزاولة هذه المهن، وظهر ما يسمى البيع الآجل بالتقسيط وهي ناتجة عن بطء حركة تصريف البضائع في الاقتصاد الوطني.

3 ـ تراجع حجم الاستثمار وهروب المستثمرين المبدعين والمتميزين الذين تتوفر لديهم الخبرة واللغة وروح المغامرة إلى دول عربية مجاور الأردن ـ مصر أو أجنبية (قبرص ـ تركيا ـ شرق آسيا) ونتج عن ذلك إخراج سيولة وطنية كانت تعمل في الاقتصاد السوري، لذلك يقدر البنك الدولي استثمارات السوريين في الخارج بحدود 80 مليار دولار لعام 2000، حيث أشار التقرير السعودي لمؤسسة النقد على أنه خرج من الدول العربية خلال عام 2000 حوالي 16.2 مليار دولار في حين دخل إليها 3.7 مليار دولاراً وهذا ما يؤكد على أن الخروج أكثر من الدخول إلى الدول العربية( [31] ).

4 ـ البطالة وما ينجم عنها من تردي الأحوال المعيشية للعاطلين عن العمل من جهة ومن ثم تراجع مستوى مهاراتهم وبالتالي فإن عودتهم للعمل تتطلب إعادة تأهيل من جهة وانفاق مبالغ استثمارية ضخمة لتوفير فرص العمل، من جهة أخرى حيث تشير الاحصاءات السورية لوجود مليون عاطل عن العمل وزيادة عدد من يدخل سن العمل سنوياً إلى 220 ألف عامل، وهذا ما يجعل موضوع البطالة في سورية بالغ التعقيد في فترة الركود.

5 ـ هجرة الكفاءة العلمية والمهارات والخبراء في الإنتاج والمصارف والفنيين وغيرهم وبالمقابل بقاء من هم أدنى مستوى منه الأمر الذي يؤثر على نوعية المنتجات من جهة ويؤدي لتراجع الأداء من جهة ثانية، حيث تتخلف الإجراءات الإدارية ويفضل الأفراد العودة للسابق وإلى التاريخ، ويؤثر ذلك على مسيرة الإصلاح والتطوير والتحديث لأن من لديه الكفاءة للتطوير قد غادر ولذلك تتعثر إجراءات الإصلاح دائماً في الدول العربية.

6 ـ تراجع المستوى العام للأسعار وهبوط مستويات الأرباح بالنسبة للمستثمرين لدرجة أن مستوى الربحية (5 ـ 7%) الفائدة 9% ـ التضخم 3 ـ 4%، فأصبح أمام هذه المعادلة عدم جدوى الاستثمارات الفردية الخاصة، فالاستثمارات كما هو معلوم في سورية تشمل بأحكام قانون الاستثمار بالمئات والآلاف وما ينفذ على أرض الواقع لا يعدى 10%.

إن هذه الآثار كما هو واضح تفسر لنا حقيقة وجوهر الركود الذي يشل الحركة الاقتصادية ويؤثر على القوانين الاقتصادية وآلية عملها.

ثانياً: الآثار الاجتماعية للركود:

يؤدي الركود لظهور آثار اقتصادية ويؤدي بالمقابل لظهور آثار اجتماعية لأن الأفراد والجماعات هم العناصر الأساسية في المجتمع الاقتصادي، فكل مجموعة أو شريحة اجتماعية فاعلة في هذا المجتمع الاقتصادي لابد وأن تحصل على بعض المكاسب أو الخسائر نتيجة للظواهر الاقتصادية، وللتعرف على الآثار السلبية للركود لابد من تحديد موقع كل شريحة وفعاليتها الاقتصادية في كل مجتمع وذلك لحصر وتحديد حجم الأثر السلبي أو الايجابي عليها كما هو محدد في الآثار الاقتصادية نلاحظ الآثار السلبية الاجتماعية التالية:

1 ـ ازدياد أعداد العاطلين عن العمل وليست المشكلة كما يتصورها النقديون بوجود (5%) عاطلين عن العمل أن الحالة طبيعية، بل يتعدى الأمر ذلك، فقد يجبر العمال على ترك أعمالهم، وخاصة من هم في موقع المسؤولية والذين اعتادوا أو رتبوا أمورهم الاجتماعية على هذا الدخل أو ذاك وهذا ما يؤدي لتبدلات اجتماعية لا تحمد عقباها.

2 ـ إن زيادة أعداد العاطلين عن العمل تؤدي للانحراف الاجتماعي نظراً لأن هؤلاء ليس لديهم مصادر دخل أخرى وحتى الآن لم يظهر مشروع البطالة الذي يمكن أن يقدم إعانات للعاطلين عن العمل بحيث يكفيهم شر العوز.

3 ـ تفكك الأسرة وتأخر سن الزواج وما يرافق هذه الظواهر الاجتماعية من انحراف اجتماعي يؤدي للترويج للعادات السيئة ونبذ العادات الحسنة القائمة في المجتمع السوري فالعاطل عن العمل لا يستطيع أن يتزوج، وقد يضطر لترك زوجته وتشريد أطفاله.

4 ـ انتشار السرقات وبداية تشكل جماعات صغيرة غير منظمة لتنظيم الجريمة حيث يعرض على شاشات التلفزيون السوري بشكل منتظم جماعات فردية 5 ـ 7 أشخاص ينظمون السرقات وأعمال السطو وغيرها.

5 ـ هجرة الكفاءات والخبرات الفنية إلى الدول العربية أو الأجنبية حيث يقدر العاملين بالخارج حوالي 1672 ألف نسمة أي حوالي 9.8% من عدد السكان وهذا ما يؤثر على آلية العمل وتطوير العمل لأن هذه الكفاءات تعمل لصالح الغير وتخسرها سورية.

6 ـ تردي أوضاع الطبقة المثقفة وهي الطبقة التي تقود عمليات التطوير والتحديث في كل المجتمعات لذلك يلاحظ تعثر عمليات الاصلاح بسبب هجرة الكفاءات من جهة وتردي أحوالها المعيشية من جهة ثانية الأمر الذي يدفعها للعمل وردية إضافية وإهمال العمل في الدوائر الحكومية وحيث ينجم عن ذلك بقاء الإجراءات والتشريع على ما هو عليه دون تطوير.

إن الشريحة المثقفة في كل مجتمع تكون الحاملة للتطوير والتحديث فإذا تردت أحوال هذه الشريحة تتأثر الأوضاع الاقتصادية ثانية وتصبح أكثر سواءاً وينجم عنها التبدلات الاجتماعية وتغير المفاهيم والقيم والعادات والتقاليد وتبدأ موجة من العادات والأعراف الجديدة تؤثر سلباً على التطور الاقتصادي والاجتماعي حتى لو أن مشكلة البطالة قد وجدت الحلول فإنه يصعب العودة لمجموعة المفاهيم والقيم الاجتماعية الجيدة التي كانت سائدة قبل البطالة أو الركود.

رابعاً ـ المقترحات والتوصيات:

إن دراسة ظاهرة الركود وشرح آلياتها والآثار الناجمة عنها تضعنا أمام حلين لا ثالث لهما:

ـ فإما الاستمرار بالسياسة الانكماشية وتعميق الركود وتحمل الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجم والتي قد تؤدي إلى الكساد.

ـ وإما اتخاذ الإجراءات التوسعية التي يمكن أن تخرج الاقتصاد السوري من حالة الركود باتجاه الرواج.

وهذا لا يعني أن الانطلاق باتجاه الرواج الطريق المفروش بالورود، بل يمكن أن يواجه السياسة الاقتصادية المزيد من الصعوبات عند سلوك هذا الطريق فلكل مشكلة حلول ولا يجوز الاعتماد على حلول ثابتة، بل السياسات المتبدلة والتي تتناسب مع كل ظرف، لأن سعر الفائدة المتحرك يمكن أن يضمن نمواً متوازناً، بينما سعر الفائدة الثابت يمكن أن يضمن استقراراً بقيمة العملة الوطنية لكنه يؤدي إلى الركود.

تعتمد السياسة المالية النقدية التوسعية على الإجراءات التالية:

1 ـ تخفيض معدلات الضرائب التصاعدية من 62% إلى 25% بحيث يشجع ذلك على الاستثمار وتوسيع الحركة التجارية الداخلية وإقامة علاقات جديدة بين المكلف والدوائر الضريبية.

2 ـ تخفيض سعر الفائدة من 9% حالياً إلى 6% وذلك بهدف تشجيع الاستثمار والمستثمرين لأن السعر الحالي قد ساهم بتجميع المدخرات الوطنية حيث يبلغ حجم الودائع الوطنية السورية 355.1 مليار ليرة في حين تبلغ القروض المصرفية 266.7 مليار ليرة أي أن سعر الفائدة يخدم المدخر وليس المستثمر.

3 ـ إنفاق الاحتياطيات الوطنية بالليرات السورية والبالغة حوالي 355.6 مليار ليرة وذلك بإقامة مشاريع القاعدة الأساسية (طرقات ـ جسور ـ ماء ـ كهرباء ـ اتصالات ـ مناطق صناعية ـ مرافئ ـ سكك الحديد) وغيرها من الخدمات الإنتاجية الأساسية.

4 ـ إقامة تجمعات صناعية ضخمة تكون نواة لمناطق صناعية متطورة وهذا من ما يستلزم إلغاء التراخيص الإدارية وحصر إجراءات الترخيص بالصناعة فقط وضمن مناطق آمنة ومستمرة.

5 ـ الإسراع بتحديث التشريعات والقوانين (الثورة التشريعية) التي بدأت عام 2000 ومازالت مستمرة ولم تنجز الحد الأدنى المطلوب منها فالقوانين الأساسية مازالت دون تجديد (قانون التجارة ـ الجمارك ـ الضرائب ـ الترخيص الصناعي ـ النقد الأساسي ـ حماية البيئة ـ الملكية الزراعية ـ القانون 195 ـ إنفاق الموازنات والصرف في الدولة ـ الأسواق المالية ـ التعليم الخاص....).

6 ـ إعادة النظر بالسياسة الزراعية (زراعة القطن ـ الشوندر ـ القمح ـ التبغ) وغيرها من المحاصيل الكلاسيكية وإمكانية الانتقال لزراعات أخرى صالحة للتصدير وتدر دخلاً أفضل للفلاحين والدولة بآن واحد.

7 ـ استبدال الفلسفة الاقتصادية للدولة والانتقال من دولة متدخلة منفذة مشرفة إلى دولة راعية مشرفة توجه القطاعين العام والخاص من خلال السياسات الاقتصادية وهذا ما يستلزم إلغاء الكثير من الجهات العامة، وتفعيل آلية السوق واقتصاد السوق، واعتبار الربح المؤشر الأساسي لنشاط كل شركة أو مؤسسة.

8 ـ إقامة التوازن بين الأسعار والأجور حتى لو أدى ذلك لزيادة معدلات التضخم لأن التطور الاقتصادي الصحيح يتطلب التوازن بين هذين المتغيرين كما هو الحال في الدول المتقدمة وكل اختلال بينهما يؤدي لإخلال واضح بين الاستهلاك والإنتاج من جهة وبين الاستثمار والادخار من جهة ثانية.

 

 

 

الدكتور

علي كنعان



( [1] ) الدكتور علي كنعان: كلية الاقتصاد ـ جامعة دمشق.

( [2] ) عادل أحمد حشيش: اقتصاديات النقود والبنوك، الدار الجامعية 1993 ـ بيروت ص273.

( [3] ) زينب حسين عوض الله: اقتصاديات النقود والمال، الدار الجامعية بيروت 1994 ص268.

( [4] ) جيمس جوارتيني، ريجارد استروب/ الاقتصاد الكلي ترجمة عبد الفتاح عبد الرحمن وعبد العظيم محمد، دار المريخ للنشر والتوزيع ـ الرياض 1988 ص173.

( [5] ) محمد عبد العزيز عجمية: التطور الاقتصادي، الدار الجامعية بيروت 1999 ص173.

( [6] ) محمد عبد العزيز عجمية: التطور الاقتصادي ـ المرجع السابق ص172 ـ 174.

( [7] ) جان شارل أرسلان: التاريخ الاقتصادي للقرن العشرين، منشورات وزارة الثقافة دمشق 1998 ص243 ج1.

( [8] ) سامي خليل: الاقتصاد الكلي، مطابع الأهرام القاهرة 1994 ص163.

( [9] ) عبد المنعم محمد مبارك: النقود والصيرفة والسياسات النقدية، الدار الجامعية، بيروت 1985.

( [10] ) ريجارد استروب ـ جيمس جوارتيني: الاقتصاد الكلي، ترجمة عبد الفتاح عبد الرحمن، وعبد العظيم محمد: مرجع سابق ص425 ـ 427.

( [11] ) رمزي زكي: التضخم المستورد، الأمانة العامة للشؤون الاقتصادية ـ جامعة الدول العربية ـ القاهرة 1985، ص86.

( [12] ) ريجارد استروب ـ جيمس جوارتيني: الاقتصاد الكلي، ترجمة عبد الفتاح عبد الرحمن، وعبد العظيم محمد، دار المريخ الرياض 1998، ص461 ـ 163.

( [13] ) باري سيجل: النقود والبنوك والاقتصاد، وجهة نظر النقديين، ترجمة طه عبد النور منصور، وعبد الفتاح عبد الرحمن، دار المريخ للنشر ـ الرياض، 1987، ص615.

( [14] ) رمزي زكي: التضخم والتكيف الهيكلي في الدول النامية، دار المستقبل العربي القاهرة 1996، ص124.

( [15] ) المؤلف: اقتصاديات المال والسياستان المالية والنقدية، دار الحسنين، دمشق 1997، ص140.

( [16] ) تشريعات الاستثمار في سورية ـ غرفة تجارة دمشق 1991، ص67 ـ 71.

( [17] ) المجموعة الإحصائية السورية لعام 2001، ص484.

( [18] ) المجموعة الإحصائية لعام 2001، ص187 ـ 542.

( [19] ) دراسة واقع الشركات الصناعية الخاصة في سورية في المحافظات السورية لعام 2000 مديرية القطاع الخاص وزارة الصناعة دمشق 2000، ص5 ـ 6.

( [20] ) المؤلف: الاقتصاد والمالي في سورية، كتاب قيد الطبع، ص19.

( [21] ) حمدي الصباحي: دراسات في الاقتصاد العام، نظرية السياسة المالية، الدار المغربية للنشر، الدار البيضاء، 1982، ص234 ـ 237.

( [22] ) عبد المنعم المبارك ـ محمود يونس: اقتصاديات النقود والصيرفة، الدار الجامعية بيروت 1996، ص229 ـ 231.

( [23] ) ناظم الشمري: النقود والمصارف، دار زهران للنشر، عمان 1999، ص327 ـ 329.

( [24] ) حمدي الصباحي: دراسات في الاقتصاد العام، نظرية السياسة المالية، الدار المغربية للنشر، الدار البيضاء، 1982، ص234 ـ 237.

( [25] ) رمزي زكي: التضخم المستورد، دار المستقبل العربي 1986، ص99 ـ 103.

( [26] ) مؤسسة النقد العربي السعودي: التقرير السنوي لعام 2001، ص13.

( [27] ) التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2001 ـ البطالة، ص29 ـ 30.

( [28] ) جاردنر أكلي: الاقتصاد الكلي (النظريات والسياسات) ترجمة عطية سليمان ـ مراجعة عبد المنعم السيد علي، الجزء الأول، الجامعة المستنصرية بغداد 1980، ص513.

( [29] ) جون كينث جالبرت: تاريخ الفكر الاقتصادي (الماضي صورة الحاضر) سلسلة عالم المعرفة العدد 261، الكويت 2000، ص217 ـ 218.

( [30] ) المجموعة الإحصائية السورية لعام 2001، ص568.

( [31] ) مؤسسة النقد العربي السعودي: التقرير السنوي التدفقات الرأسمالية، الرياض، 2001، ص25.