"النهار"

الاربعاء 1 آب 2001

الصفحة الرئيسية

الصفحة الاولى

محليات سياسية

اقتصاد ومال وأعمال

العرب والعالم

قضايا النهار

قضاء وقدر

ندوة

مقالات

المقسم 19

 

تحقيق

مناطق

بيئة وتراث

مفكرة

أدب فكر فن

مدنيات وتربويات

وفيات

رياضة

حول العلم والعالم

 

النهار الرياضي

نهار الشباب

نهار الانترنت

الدليل

الملحق الثقافي

سلامتك

الاغتراب اللبناني

النهار 2000

عالمنا الآخر

 


 

"النهار" مؤسسها 1933

جبران تويني

الناشر (1948 - 1999)

غسان تويني

 


 

رئيس مجلس الادارة

المدير العام

جبران تويني

 


 

رئيس التحرير

أنسي الحاج

 


 

المدير المسؤول

جوزف نصر


 

 

:Webmaster

Wadih Tueni

 

آمالهم شاخصة إلى القضاء البلجيكي في محاكمة شارون

ناجون من صبرا وشاتيلا يستعيدون شريط المجزرة

الاسرائيليون والكتائب و"القوات" وجماعة سعد حداد جميعهم متهمون... فأين الحقيقة؟

تحقيق جنى نصرالله

احياء ذكرى ضحايا المجزرة بالشموع.

تسعة عشر عاماً مضت على ارتكاب مجزرتي صبرا وشاتيلا، ولا تزال المفاصل الاساسية في هذه القضية موضع خلاف ونقاش، وخصوصاً ان التحقيقات لم تصل الى نهاياتها،مما ابقى باب الاحتمالات مفتوحاً على مصراعيه وصار التنصل من دم الضحايا مسألة سهلة لا تستوجب اكثر من بيان مُوّقع يُنشر او يُذاع في وسائل الاعلام. الاطراف المتهمة اربعة: القوات الاسرائيلية، "القوات اللبنانية"، "الكتائب"، وقوات سعد حداد. غير ان كل هذه الاطراف اكدت ان لا علاقة لها بهذا الموضوع، وحملت المسؤولية الى سواها. وصدر تقريران حول المجزرة الاول اسرائيلي والثاني لبناني وجاءت احكامهما متناقضة تماماً لجهة توجيه الاتهام وتحديد المسؤولية. ففي حين اتهم تقرير لجنة كاهان "القوات اللبنانية" بارتكاب المجزرة وبرأ القوات الاسرائيلية التي اقتصرت مسؤوليتها على خلل اداري، حصر التقرير الصادر عن النائب العام العسكري اسعد جرمانوس مسؤولية المجزرة بقوات الاحتلال الاسرائيلية مشيراً الى عدم توفر الدليل على وجود "علم مسبق لقيادتي حزب الكتائب و"القوات اللبنانية" بما حصل".

كاد هذا الملف ان يدخل دائرة النسيان وان يتحول مجرد ذكرى تحز في نفوس من نجوا بالصدفة من شبح الموت الذي تربص ثلاثة ايام بلياليها في ازقة المخيم وشوارعه الضيقة. وجاءت محاكمة الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش بصفته مجرم حرب الى بث فيلم "المتهم" الذي اعدته هيئة الاذاعة البريطانية فالدعوى التي تقدمت بها سعاد سرور الناجية من المجزرة امام القضاء البلجيكي ضد رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، لتعيد هذا الملف الى الضوء فتُحدد مسؤولية كل جهة،وينال كل من خطط أو نفذ أو اشرف أو شهد على المجزرة من دون ان يحرك ساكناً عقابه، علماًً ان جميعها جرائم يعاقب عليها القانون الدولي اذا ما اتيح له ان يتخذ مجراه .

من المسؤول ؟

سؤال لا يزال يحصد اجابات متنوعة ومتناقضة في آن. واذا جُمعت هذه الاجابات تبّين ان كل متهم في ارتكاب هذه المجزرة سعى الى تأكيد براءته وكأن اجساماً غريبة من الفضاء هبطت على مخيمي صبرا وشاتيلا وارتكبت الفظائع ومن ثم عادت الى الفضاء من دون ان تترك اثاراً تدينها. غير ان شهادات الاحياء تؤكد ان الذين ارتكبوا المجزرة اشخاص من لحم ودم يشبهون في اشكالهم بني البشر غير ان طباعهم متوحشة ودمهم بارد جداً والقتل عندهم اشبه بشربة ماء...ولكن لونها احمر.

خوذ اسرائيلية وُجدت في ساحة المجزرة.

ونعود الى التقارير التي نُشرت في الصحافة العربية والاجنبية غداة ارتكاب مجزرتي صبرا وشاتيلا والى الشهادات الحية التي نقلها المراسلون الاجانب الذين شاركوا في التغطية الميدانية انذاك، فنجد تصويباً يحدد هوية المنفذين والمخططين والمشرفين على ارتكاب هذه المجازر. اذ يبدو ان مرور الزمن افقد البعض ذاكرته فتنصل الجميع من المسؤولية.

انعاش الذاكرة

اعلن الطبيب البريطاني بول موريس، احد الشهود امام لجنة كاهان (الشرق الاوسط 28/2/1983) "ان اللجنة استغلت اقوال الشهود غير الاسرائيليين واستعملت المقاطع التي تريدها فقط من شهاداتهم" وقال الطبيب الذي كان يعمل متطوعاً في مستشفى غزة "ان الجنود الوحيدين الذين استطاع تحديدهم في محيط مخيمي صبرا وشاتيلا وقتئذ كانوا الجنود الاسرائيليين. وحاول هؤلاء الجنود الايحاء له ولزملائه بان المسلحين الموجودين في المنطقة هم رجال سعد حداد الذين تكرر اسمه امامهم ثلاث مرات خلال نصف ساعة". واذا كان في كلام الطببيب البريطاني تأكيد لا يقبل الشك بان الاسرائيليين هم الذين ارتكبوا المجزرة، فان ما ورد في مجلة" نيوزويك" الاميركية يشير الى تورط طرف اخر في ارتكاب المجازر. اذ ذكرت المجلة (جريدة "السفير" 21/9/1982)"ان الجنود الاسرائيليين حاصروا اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم في بيروت لتسهيل عمل رجال سعد حداد" الذين اكدت انهم ارتكبوا المجزرة فيها، في حين نقلت وكالة الصحافة الفرنسية آنذاك عن سكان خلدة قولهم انهم "شاهدوا مساء الخميس الماضي وبعد ظهر يوم الجمعة قوات سعد حداد تمر في قوافل في تجاه بيروت". ولا يقتصر تحميل مسؤولية ارتكاب المجازر على هذين الطرفين، "ففي حين روى ناجون من المجزرة ("النهار" 19/9/1982) ان المهاجمين من قوات الرائد سعد حداد،نقل مراسلون اجانب عن ضباط اسرائيليين قولهم ان المسلحين هم من حزب الكتائب وان القوات الاسرائيلية لم تتدخل لوقف ما كان يجري "لانها غير راغبة في التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية"". واذا كان ثمة شك يعتري شهادة المراسلين الاجانب وخصوصاًً ان ادانة الطرف اللبناني جاءت نقلاً عن لسان جنود اسرائيليين، فان اعتراف احد عناصر القوات اللبنانية يدحض كل شك .اذ ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية في 4/9/1984"ان ممثل القوات اللبنانية بيار يزبك اعترف في حديث الى التلفزيون الاسرائيلي، بان القوات اللبنانية كانت برفقة الجنود الاسرائيليين في بيروت الغربية لحظة وقوع المذابح".

من نافل القول ان كل هذه الاتهامات والاعترافات والشهادات الحية، قابلها نفي قاطع للاطراف المتهمة بان يكون لها علاقة من قريب او بعيد في ارتكاب هذه المجازر، وتنصل الجميع من دم هذا الشعب الذي قُتل بالسلاح الابيض!

واذا كان مرور الزمن قد احدث ثقوباً في ذاكرة البعض وجعل التنصل من المسؤولية مسألة اكثر سهولة وبساطة، فان شهادات الناجين الذين لا يزالون يقيمون في مخيمي صبرا وشاتيلا تُعيد رسم تفاصيل ما جرى في الايام الثلاثة السوداء التي استحالت كابوساً يُطبق على صدورهم ويطبع ايقاع حياتهم الرتيب داخل مخيمي الموت والنسيان والاهمال. فالمجزرة حاضرة في كل حي وزقاق وعند مدخل كل مبنى او دكان. ويكفي ان تشير باصبعك الى اي ناحية او صوب حتى تتراءى امام محدثك اكوام الجثث واشلاء الضحايا وتفوح رائحة الموت، التي لم تنجح كل الروائح الكريهة المنبعثة من المكان في الطغيان عليها او التخفيف من حدتها

1000او 1500 او اكثر بقليل او اقل بكثير؟ ليس من احصاءات رسمية لعدد الضحايا الذين قضوا في المجزرة الا ان الثابت ان جميعهم كانوا من النساء والاطفال والشيوخ اما الشبان فلم تتجاوز اعمارهم سن الخامسة عشرة علماً ان المسلحين كانوا قد انسحبوا من بيروت اثر الاجتياح الاسرائيلي للعاصمة، ولم يبق في المخيمات الا المدنيين العزل. يقول فادي سليم (29عاماً) ان المسلحين لم ينجحوا في اختراق  كل انحاء المخيم بل اقتصر انتشارهم على الشوارع الرئيسية، فلو وصلوا فعلاً الى الأزقة الداخلية   لإرتفعت اعداد الضحايا اضعاف ما بلغته يومذاك. ويؤكد فادي الذي كان يُُقيم في الناحية الخلفية لمخيم صبرا وبالتالي نجا من معايشة فظاعة ما حصل، ان ثلاثة رجال نجحوا في حماية المخيم والحؤول دون توغل المسلحين وذلك بواسطة مسدساتهم.

كانت الخطة تقضي بانجاز العملية في ثلاث ساعات ومن دون اطلاق نار والاستعاضة عنه بالسلاح الابيض منعاً لاثارة البلبلة، كما يؤكد احد عناصر الميليشيات الذي قال انه شارك في مذابح الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا وفق ما نشرت مجلة "دير شبيغل"الالمانية الاسبوعية ("الشرق الاوسط" 17/2/1983).

شهادات

يروي عدنان المقداد وهو لبناني لا يزال يقيم عند مدخل مخيم شاتيلا حيث استقرت المقبرة الجماعية، ان مسلحاً قفز من فوق احد الكثبان الرملية التي كانت تحوط بالمخيم عصر يوم الخميس 16 ايلول ،1982 وكان يحمل في يده ابريق شاي طلب من والدتي ان تعده، بعدما اكد لها ان فيه ماءً وسكراً وشاياً ولا يحتاج سوى بضع دقائق على النار. واردف المسلح مخاطباً والدة عدنان"نصيحتي يا حجة تهربي انت وعيلتك الليلة لانو بدن يفوتوا يقتلوا الفلسطينية". ولم يضف المسلح اي عبارة وفق ما يروي عدنان الذي جمع زوجته واولاده وانطلق بهم هارباً في اتجاه منطقة الجناح بعدما رفض والديه مرافقته وفضلا البقاء في المخيم ،علماً ان والده كان مقعداً. ويشير عدنان الى ان المخيم كان محاصرا بالدبابات الاسرائيلية التي انتشرت في شكل مكثف بدءاً من المدينة الرياضية وصولاً الى السفارة الكويتية، ونزولاً في اتجاه محطة الرحاب.

تؤكد شهيرة ابو رديني -ام مروان- (42 عاماً) ان الجنود الاسرائيليين كانت لهم اليد الطولى في ارتكاب المجازر، ولم يقتصر دورهم على تغطيتها او مراقبتها عن بعد كما يحلو لاعلامهم ان يروّج. وتضيف "بعدما دخل علينا المسلحون،وكانوا لبنانيين، اطلقوا النار على الرجال ومن ثم ضربوهم بالبلطات ،واخرجوا النساء والاولاد من الغرفة واوقفونا في الشارع وصوبوا رشاشاتهم ناحيتنا، الا ان جنوداً اطلوا من وراء التلال الرملية وطلبوا منهم نقلنا الى المدينة الرياضية .قطعنا الطريق سيراً وكنا نتعثر بالجثث التي غطت المكان. هناك شاهدنا الجنود الاسرائيليين ،وصرخت عندها النساء"قتلوا رجالنا". غير انهم لم يحركوا ساكناً بل بدأوا يحققون مع الاطفال ويسألونهم"ماذا كان اباؤكم يرتدون؟هل عندكم سلاح في البيت؟" ليعرفوا ما اذا كان الرجال مدنيين ام عسكريين".

وتشير ام مروان الى ان الجنود الاسرائيليين كانوا يتولون "حراسة" كل من يخرجهم المسلحون من المخيم داخل غرفة كبيرة في المدينة الرياضية استعداداً لقتلهم. اما ما جعلها واثقة من ان الموت هو مصيرهم المحتم، الرشاشات والبلطات التي كانت بحوزة الجنود الاسرائيليين،الى الحفرة التي كانوا يرمون فيها الجثث والتي لم تكن تبعد عن مكان انتشارهم سوى بضعة امتار.

تتحدث ام مروان بنبرة هادئة وغير منفعلة رغم ان عينيها اغرورقت بدمعة بقيت حبيسة مقلتيها ولم تتدحرج على وجنتيها السمراوين.تبدو واثقة من كل كلمة تتفوه بها، وليس هناك ما يثير الشك بان الامور قد اختلطت عليها او بأن ذاكرتها تأثرت بتعدد الروايات او ببيانات التنصل من المسؤولية.فهي لا تزال تحفظ ادق التفاصيل وصولاً الى اشكال الاشخاص الذين حولوا حياتها جحيماً. ان ما تقوله شهيرة ليس محاولة احياء ذاكرتها المرهقة،بل هو اشبه بشريط مسجل يصعب تغيير الاحداث فيه بكبسة زر.

ولا تزال شهيرة تقيم في البيت اياه الذي عايشت فيه فصول المجزرة وفقدت اهلها واقاربها، ولم تنج سوى بولديها وكانا لا يزالان طفلين. وتشرد ام مروان طويلاً حين نسألها عن سبب بقائها في المخيم وتحديداً في المكان الذي تنشقت فيه رائحة الموت في جرعات مكثفة. وتجيب فجأة بنبرة يائسة "اين نذهب ؟ وهل لدينا خيارات ولم نلجأ اليها ؟ لقد كتب علينا ان نعيش الموت يومياً باشكال متنوعة ومتعددة. لقد اعتدنا هذه الحال".فقدت شهيرة كل افراد عائلتها، وكانت شقيقتها الضحية الاولى اذ رشوها ما ان اطلت من الباب لتستطلع امر ما يجري في الخارج،واخترقت الرصاصات جسد والدها الذي هرع استجابة لاستغاثة ابنته فلقي المصير عينه.

لا شيء افظع من المجزرة سوى الحال التي آلت اليها احوال الناجين منها. فالاقامة في مخيمي صبرا وشاتيلا تحديداً اشبه بالجلد اليومي. وكأنها ضريبة على الناجين ان يدفعوها مدى الحياة لان القدر اسعفهم ولم تقطع جثثهم او تنتشر اشلاؤهم في شوارع المخيم وازقته .

كان محمد شوكت ابو رديني (24 عاماً) لا يزال طفلاً حين وقعت المجزرة، الا ان في ذاكرته بعض الصور الراسخة من فيلم طويل متقطع اعاد ترتيب الاحداث فيه مستعيناً بوالدته التي توفيت قبل اعوام وبروايات الاحياء الناجين من المذبحة الجماعية.

محمد، احد الذين تقدموا بدعوى ضد رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون امام القضاء البلجيكي، يرفض حصر مسؤولية ارتكاب المجازر بـ"القوات اللبنانية" ويؤكد ان "الاسرائيليين كانوا شركاءهم، ونحن نشهد على ذلك، وكل كلام مغاير لهذه الحقيقة يعني تبني وجهة النظر الاسرائيلية التي تقول ان مسيحيين قتلوا مسلمين او ان غير يهود قتلوا غير يهود وبالتالي لا علاقة للاسرائيليين بالموضوع".

فقد محمد عشرة اشخاص من افراد عائلته وبينهم شقيقته الحامل في الشهر السادس اذ بقروا بطنها واخرجوا منه الجنين ومن ثم قتلوها لانها رجتهم الا يقتلوا زوجها. وقد نشرت جريدة "النهار" صورة الضحايا في 1/10/،1982واوردت "وجدت جثة لامرأة في السابعة عشر وقد بقر بطنها والقي جنينها بالقرب منها".

لم يدرك محمد الذي غزا الشيب شعره وهو في السابعة،معنى المجزرة واثارها الا بعد حين،  "صارت المجزرة محور كل حياتنا وطبعت يومياتنا وتركت اثاراً بالغة في تكويننا. فقدت العائلة كل رجالها، ولم يعد لنا من معيل، فكنا ننتقل من بيت الى اخر واضطررت وشقيقتي ان نعمل في سن مبكر لنعيل والدتي في تأمين مصاريفنا اليومية فكنا نصنع المهلبية ونبيعها في ازقة المخيم ، علماً انني لم اعبر الشارع الذي قُتلت فيه عائلتي طوال خمسة عشر عاماً".

رغم ان محمد يونس (30 عاماً) يستعد لمغادرة المخيم نهائياً الى اسبانيا، فان الذكرى التي يحملها معه مؤلمة جداً وخصوصاًً انه نجا من المجزرة مرتين في حين لم يسعف الحظ شقيقه الذي يكبره بعام واحد فقط، اذ اعتبرة المسلحون بالغاً رغم انه كان في الثانية عشرة. واليوم بعدما توفيت والدته، لم يعد محمد يجد سبباً للبقاء في المخيم الذي سبق ان غادره الى كوبا حيث تابع دراسته، قبل ان يعود ليستقر فيه ويشهد موت امه.

يؤكد محمد ان الذين نفذوا المجزرة هم من "القوات اللبنانية"، اذ انه لا يزال يذكر تماماً ما كتب على بزاتهم العسكرية.ويروي محمد"كنا نحيي الذكرى الاربعين لشقيقتي التي استشهدت في الاجتياح الاسرائيلي. كان بيتنا يغص بالمعزين حين مرّ رجل وقال "الكتائب صاروا هون اطلعوا من بيوتكن". الا ان احداً لم يستطع الخروج لانهم اصبحوا على مقربة من البيت. فاختبأ الجميع في غرفة النوم وكان عددنا يفوق الاربعين شخصاً. ما هي الا دقائق حتى سمعنا جلبة في الغرفة التي غادرناها للتو، واطلاق نار وتكسير وبعدها خرجوا من المنزل من دون ان يتنبهوا ان ثمة غرفة اضافية نختبئ فيها،اذ ان بابها من لون جدران الممر المؤدي اليها. امضينا الليل في الغرفة وكنا نسمعهم يرددون "سلّم تسلم". فقررنا ان نسلم انفسنا في صباح اليوم التالي بعدما اكد لنا صهري القادم من منطقة صور ان شيئاً مشابها ًجرى هناك وان الاسرائيليين يبحثون عن المسلحين ولن يتعاطوا مع المدنيين. حين خرجنا، فصلوا الرجال عن النساء والاطفال، فلحقت بأمي الا ان المسلح الذي كان يرتدي بزة كتب عليها "القوات اللبنانية"شدني من يدي وقال ادخل مع الرجال، عندها صرخت امي "انه بنت"، فصدقها لان شعري كان طويلاً بعض الشيء.هكذا انفصلت عن اخي الذي يكبرني بعام واحد، فابقوه مع الرجال وقتلوه معهم.اما نحن فاقتادونا ناحية المدينة الرياضية، وفي الطريق شاهدت زوج عمتي جثة هامدة. كانت الجثث تغطي كل الطرقات في المخيم، كنا نتعثر بها، وحين وقعت قالت لي اختي" قوم يا خيي". فسمعها المسلح واستشاط غضباً واخذني جانباً واستعد ليطلق النار، فهرعت امي ترجوه الا يفعل وحين حاول ابعادها شعر ان ثمة ما تخفيه في صدرها فسألها اخراجه، كان مبلغاً من المال وقدره 11الف ليرة اخذها واطلق سبيلي. حين وصلنا الى المدينة الرياضية ادخلونا غرفة فيها نساء واطفال، ومع غياب الشمس طلب منا الجنود الاسرائيليون الذهاب باتجاه الكولا وقالوا لنا ان كل من يحاول العودة الى المخيم سيموت، ما ان انطلقنا الى الكولا حتى بدأوا يطلقون علينا النار ،كانوا اسرائيليين. طلبت امي من احد الجنود الذي كان يتجول بسيارة عسكرية ان يقل عمتي معه لانها منهارة فقال لها انا ذاهب الى اسرائيل،وانتم ذاهبون الى الكولا حيث ينتظركم الكتائب. وتبّين لنا لاحقاً انه يهول علينا".

الاحياء الاموات

ثمة رجال نجوا من المجزرة بعدما خالهم المسلحون انهم لفظوا انفاسهم، فاذا بهم احياء بين جثث هامدة.ولم يفقدهم هول ما عايشوه في ساعات الموت الطويلة،رشدهم ولا افقدهم ذاكرتهم،بل ترسخت العبارات التي سمعوها قبل ان يطلق المسلحون عليهم حكم الاعدام، في اذهانهم.هذا ما حدث لعلي سليم فياض (لبناني) الذي ترك منزله وذهب وجاره ابو علي من بلدة ياطر لتغيير مكان السيارة بسبب اشتداد القصف."في طريق العودة، صادفنا مسلحين اوقفونا بمحاذاة الحائط الى جانب مجموعة من الرجال رفعوا ايديهم عالياً". قلنا لهم اننا لبنانيان، فردوا قائلين "لا فرق فانتم تساعدونهم وتقيمون بينهم "وبعدها بدأ اطلاق النار علينا، فسقطنا ارضاً. لم احرك ساكناً ،علماً ان اصاباتي كانت بالغة وتظاهرت انني مت.كان جاري يئن بجانبي، وفارق الحياة بعد لحظات.

يروي احد عناصر الميليشيات اللبنانية الذي قال انه شارك في مذابح الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا وفق ما نقلت عنه مجلة "دير شبيغل" الالمانية (الشرق الاوسط 17/2/1983)"ان كتائبيين من بيروت الشرقية وجنوب لبنان ومحافظة عكار اجتمعوا في وادي شحرور في 15 ايلول الماضي(1982)للقيام "بمهمة خاصة" مع حوالي 12 اسرائيلياً بزيهم العسكري ولكن من دون رتب ويتكلمون اللغة العربية بطلاقة". وذكر ان"الاجتماع تكرر في اليوم التالي وتعهد المجتمعون بالا يسربوا اي شيء عن مهمتهم".

الاسرائيليون و"الكتائب" و"القوات اللبنانية"و"جماعة سعد حداد"،جميعهم متهمون يتنصلون من المسؤولية .غير ان هذه الشهادات الى مئات الشهادات الاخرى والوقائع التي نقلتها الصحافة العالمية واستحالت وثائق قيمة في متناول الجميع،تؤكد ان المجزرة وقعت بفعل فاعل او بالاحرى فاعلين،ولم تكن حادثاً خرافياً ارتكبته مخلوقات فضائية.

القضية اليوم امام القضاء البلجيكي الذي يفترض ان يثبت هذه الحقائق بقوة القانون او يدحضها بالقوة عينها. ولكن السؤال، هل سيسمح له ان يعلن الحقيقة بصراحتها ام انه سيلتف على القانون نتيجة الضغوط الدولية، فتثبت اذذاك نظرية المخلوقات الفضائية... ولن تثبت !


الصفحة الأولى |محليات سياسية |اقتصاد-مال-أعمال |العرب والعالم| قضايا النهار|القضاء والقدر| ندوة |مقالات |المقسم 19 | تحقيق | مناطق| بيئة وتراث | مفكرة |أدب-فكر-فن |مدنيات-تربويات |وفيات | رياضة | حول العلم والعالم |مساعدة|

النهار الرياضي | نهار الشباب | نهار الانترنت | الدليل | الملحق الثقافي | سلامتك| الاغتراب اللبناني| عالمنا الآخر| النهار 2000 | الصفحة الرئيسية


PDF Edition (Arabic) | HTML Edition (Arabic) | Listen to An-Nahar | Ad Rates | Classified Ads | Archives | Contact us | Feedback | About us | Main | Help

Copyright © 2001 An-Nahar Newspaper s.a.l. All rights reserved.