تمهيد
لا شك أن الثقافة التربوية بمفهومها
العام تشكل أهم الدعائم لقيام الكيان الصهيوني وتطلعاته الاستعمارية في المنطقة.
وانطلاقاً من أفكار (هرتزل) ومنظري الحركة الصهيونية راح زعماء العدو الصهيوني في
فلسطين المحتلة وخارجها يوجهون مشروعهم الضخم نحو ربط الواقع الجغرافي والسياسي
بواقع ثقافي متصور وواقع تربوي مبرمج تكون مهمته ذات أبعاد كثيرة ومتشعبة ومتجهة
نحو عدة اتجاهات وجبهات.
لقد واجه هؤلاء الزعماء وما زالوا
يواجهون مهمات ثقافية وتربوية هي في المنظور العام مستحيلة التحقيق، ومن هذا المطب
أدركوا أنه لا يمكن تحقيق المشروع الثقافي (الحلم) إلا باستخدام أساليب لا شرعية،
وبتكثيف عملية التزوير والتزييف والسرقة والتضخيم وكثير من طرق المجابهة مع العرب
من جهة ومع العقلية الغربية في العالم الغربي من جهة أخرى، ويبدأ المشروع الثقافي
التربوي الصهيوني بالظهور عملياً منذ أن رسَّخ العدو نفسه في المناطق المحتلة بقوة
السلاح، وأخذت تظهر غاياته على السطح منذ البداية مما جعل صيغة التحدي العربي
الثقافي تتحرك لمواجهة الأساليب والطرق التي لا تحصى والتي يستخدمها العدو خلال
صراعه المستمر في المنطقة وذلك للحفاظ على مكتسبات التطلع الاستعماري في الوطن
العربي.
الأساليب والطرق: بالمحصلة الأولى
يركز هذا المشروع على ربط المفاهيم السياسية بالمفاهيم الدينية والتاريخية، ولما
كان ـ التورات ـ حجة تاريخية بيد الصهاينة فإنهم راحوا يعملون على إحياء ارتباط
متوهَّم بين الوجود الصهيوني الحالي وبين ما كتبه حاخامات اليهود في
التوراة.
لقد وجد زعماء العدو الصهيوني أنه
لا يمكن ان يُخلق الفرد الصهيوني كما يريدون دون حقنه بالتعاليم التي تفترض وجود
جذور جينية تربطه بتعاليم التوراة القائلة بأن فلسطين أرض لليهود، وتنبع من هذا
التوجه مسألة الارتباط التاريخي التي هي أهم مكمل للفكرة الدينية، فراحوا يشرحون
التوراة تاريخياً، ويلقنون أفرادهم احداث الزمان التوراتي وأحداث المكان التي هي
اساس الربط بين الآفاق المعاصرة وبين الماضي اليهودي السحيق، لقد افترض هذا التوجه
عدم وجود شعب فلسطيني عربي في المنطقة وبمعنى آخر افترض أن الأرض الفلسطينية خالية
من البشر. وتنتظر عودة الشعب اليهودي إليها. لقد ألغى هذا الافتراض كل حيثيات
التاريخ وحيثيات الجغرافيا وحيثيات المجتمع وغيرها وأبقى على شيء واحد هو ارتباط
اليهودي (فقط) بهذه الأرض كونهم يزعمون أن له صلة تاريخية وجغرافية
بها.
وبهذا المعنى نقول نظريتم إن اليهود
أمة واحدة أرضها فلسطين، وما دامت كذلك فإن الأمة العربية المتواجدة في المنطقة لا
يمن أن تضعف أو تنهار دون زرع ثقافة اقليمية وطائفية. وبسبب ضخامة المهمة يتوجه
المشروع نحو خلق الأفكار الإليمية وإبعاد الافكار القومية عن العقول العربية
والمفكرين العرب.
لقد أوجدت الصهيونية في كثير من
البلاد العربية من يدافع عن الثقافة الاقليمية ويدعمها . ففي لبنان مثلاً يطرح بعض
المفكرين الإقليميين مقولة أن الثقافة في لبنان ليست ثقافة عربية بل هي خليط من
السريانية والفينيقية واليونانية، وقد قدم الدكتور (شارك مالك) المفكر الإقليمي
اللبناني طروحات ثقافية وأفكاراً كثيرة حول القضية الفلسطينية والثقافة الفلسطينية
الشخصية الفلسطينية ويخرج بنتيجة ترى أن لليهود حقاً تاريخياً ومنطقياً في خلق دولة
أو كيان في فلسطين. وهذه هي بالذات غاية الغايات لدى المفكرين
الصهاينة.
إن ايجاد من يدافع عن الثقافة
الصهيونية والكيان الصهيوني لا يمكن أن يجدي نفعاً كبيراً إلا إذا كان عربياً يرفض
عروبته ويتصهين فكرياً وثقافياً ويرفض بالتالي حق الشعب الفلسطيني في التحرير
والعودة.
ولما كان الإعلام الثقافي من أهم
الوسائل المتاحة لخلق المشروع فإن الكيان الصهيوني خلق أساليب عدة تصب بمجملها في
الغاية الثقافية الصهيونية.
ففي الإذاعة تتعدد البرامج الثقافية
وتتنوع توجهاتها، ويفوق عددها أية اعداد في اذاعات عالمية أخرى. وعلى سبيل المثال
لا الحصر يُقدَّم برنامج (نافذة على الأدب العبري الحديث) كل أسبوع ويذاع مرتين
صباحاً ومساءً. ويركز هذا البرنامج على تقديم أشعار وقصص وفصول من روايات لكتاب
صهاينة قدامى ومعاصرين، وعملية الانتقاء للأغمال الأدبية تتركز على مضامين محددة
وأهمها التوجه (الانساني) والعذبات الإنسانية من الم واغتراب أو أنها تركز على
إبراز شخصيات يهودية وعربية تتعاون في سبيل الحفاظ على التعايش السلمي المزعوم في
فلسطين والأراضي العربية.
وعلى غراره وشاكلته برنامج (صدر
حديثاً) ويتناول أهم الكتب التي صدرت في فلسطين ومن ثم في مصر ولبنان ولندن وباريس،
والكتب التي يتناول البرنامج الحديث عنها تتميز بأنها لكتاب ومؤلفين مشكوك
بانتماءاتهم العربية أو أنهم يدورون في مساحة ضيقة من الذات، أو أنهم يتناولون في
أشعارهم ورواياتهم وبحوضهم جونب هي أبعد ما تكون عن هموم الانسان العربي وتطلعاته
التحررية ومشاكله الاساسية.
وكذلك يقدم برنامج (من ملفات
القضاء) ويعاد مرتين في الاسبوع، ولعل أهم ما فيه وأخطر هي المقدمة التي يتفوه بها
مقدم البرنامج حيث يقول : الى كل من يريد أن تبلغ العدالة غايتها في كل زمان ومكان
، فهذا النداء المكرر يوحي بوجود الديمقراطية والعدالة في الكيان الصهيوني المغتصب
وطالما أن التوجه يكون لكل من يتحدث العربية فإن الهدف يصل مداه لا سيما حين يخلق
هذا التوجه مرحلة السؤال والبحث عن العدالة في الكيان الصهيوني ، فمجرد التساؤل أو
التشكك لدى المستمع العربي يكون البرنامج قد حقق أكبر قدر من الغاية التثيفية، وفي
الاذاعة الصهيونية نفسها يجري المحاورون مقابلات مع كبار الكتاب والشعراء
الفلسطينيين في الوطن المحتل ، وتركز الاسئلة حول الديمقراطية المزعومة والتعايش
السلمي مع اليهود ، كل ذلك ليظهر الكيان الصهيوني بمظهر الديمقراطية الحرة القائل
بأن العرب واليهود يعيشون بسلام في الارض المحتلة.
فهذا الاسلوب يعتمد في مجمله على
مقولة واحدة ترى أنه ليس مهماً أن يخرج سميح القاسم أو غيره يتحدث في الاذاعة عن
الانتخابات التي يجريها ما يسمى بالكنيست ، ليس مهماً كل ذلك طالما أن اليد
الصهيونية كالقبضة الحديدية تضرب متى تشاء ومن تشاء وبقسوة قاتلة وبمعنى آخر طالما
أن الكيان قوي لا تهزه مابلات ولا تؤثر فيه شعارات ، وتُظهر الصهيونية في الكيان
المغتصب أن الديمقراطية الثقافية هي سمة من سمات تجمعها لا سيما حين تبرز ذلك أمام
المثقفين الغربيين . فهي تسمح لبعض الكتاب والشعراء العرب بالسفر لحضور المؤتمرات
والندوات الادبية وذلك ليمثلوا الحزب الشيوعي في الكيان ، مفترضين أن هذا الكاتب أو
هذا الشاعر لا يمثل الشعب الفلسطيني بل يمثل حزباً (اسرائيلياً) له شرعية وجوده
الديمقراطي داخل ما يسمى بالبرلمان.
ومن خلال هذا التوجه تقوم الانشطة
الصهيونية بالسماح لوجود الاتحادات الثقافية في فلسطين المغتصبة كما هو الحال في
اتحاد الكتاب والشعراء في حيفا المحتلة .
ومن خلال ذلك تركز على العملية
الاندماجية بين المثقفين العرب واليهود ومن ثم الادعاء بأن الفلسطينيين واليهود
يعيشون حياة ديمقراطية صحيحة .
وفي مجمل الصحافة فإن الكيان
الصهيوني سمح في فترات عدة بوجود صحف كالفجر والجديد والاتحاد مع أنه يقوم بأعمال
المراقبة الدقيقة لكل ما يُنشر . وحينما يشعر بوجود خلل ما يمسّ أفكاره وتطلعاته
يلغي وجود الصحيفة أو الجريدة ويعتقل كتابها ومحرريها وفي مجال الاساليب الدعائية
فإن الكيان الصهيوني ينشر كثيراً من الكتب في العالم الغربي وينتقي منها ما يدعم
وجهة نظره السياسية ، فمن جهة يركز على إبراز اليهودي كشخصية حضارية مثقفة تقديمة
إنسانية غير مغلقة ، ومحبة للسلام وبالمقابل يركز على إبراز الشخصية العربية كشخصية
ضعيفة ، لا يمكن أن تعيش دون مساعدة اليهودي الصهيوني المثقف المفكر ، وبعد عام
1977 أي عام توقيع اتفاقية كامب ديفيد، مع مصر ، راح المشروع الثقافي الصهيوني يركز
على إيجاد ثقافة صهيونية تقول بأن عملية السلام مع مصر تركز على إلغاء الجانب
القومي الوحدوي في الثقافة المصرية ، وعدم التحريض ضد اليهود والصهيونية
.
وفي جميع الاحوال فإن المقصود
بالمحصلة النهائية ، إلغاء الشخصية الوطنية الفلسطينية كشخصية مستقلة ، تطالب
بعودتها وحق رجوعها الى بلادها وأراضيها ومن ثم فإن المقصود إلغاء الثقافة
الفلسطينية والشخصية الفلسطينية الوطنية القومية كشخصية لها جذورها وانتماؤها ،
وتتميز بالثورية الانسانية ، والمتمسكة بقوميتها ، ورفض الثقافة الصهيونية المزعومة
وحليفتها الثقافة الاقليمية المهلهلة .
التربية
العنصرية ومناهج التعليم الصهيوني
يولي الباحثون ومناهج التعليم
الصهيوني حركة التطور لدى الطفل بشكل خاص والانسان بشكل عام ، فهي إضافة الى
طبيعتها التعليمية تحمل طبيعة نفسية تؤثر على السلوك الاجتماعي والسياسي وغيرهما من
أنماط السلوك العام ، ولعل من أعقد مسائل التربية خضوع شعب ما لنوع من الاستيطان
الاستعماري العنصري والدموي .
فلقد مرت التربية في فلسطين المحتلة
بمراحل عدة وظروف متعددة وإذا أخذنا بدراستها منذ عام 1948 فعلينا أ، ندرك التطور
التربوي الصهيوني ذا الطبيعة الصهيونية ، والمؤدلج ، هذا الى عام 1967 وبعد هذا
التاريخ أصبحت التربية تأخذ حيزاً كبيراً لدى الوساط الصهيونية ، باعتبار أن الضفة
أُخضعت أيضاً للكيان الصهيوني إن كان ذلك على مستوى التربية أو كان على مستوى آخر
.
وبدءاً من عام 1948 أقام الصهاينة
حصاراً ثقافياً على عرب الوطن المحتل ، فمنعوا عنهم الثقافة العربية الآتية من مصر
وسورية ولبنان ، وأخذت السلطات الصهيونية ببرمجة الكتب التي تدرس في المدارس
العربية ، وأصبحت الاتجاهات العنصرية عمليات غسل دماغ .
فمن جهة يمنع القوت الثقافي العربي
، ومن جهة أخرى يزوّد العرب بثقافة ذات تخطيط صهيوني مبرمج ، ورغم قلة المدارس
العربية ، وتدني المستوى التعليمي أيام النكبة الأولى فقد أقبل العرب على تعليم
أبنائهم في المدارس الخاصة أو الرسمية مع الاحتفاظ بحذر كامل من السموم التي تبث في
الكتب الموجهة من قبل السلطات الصهيونية المحتلة .
وبعد أعوام 1965 ـ 1967 ـ 1970 ،
واجه الصهاينة عرب فلسطين المحتلة بأسلوب جديد ، وذلك لمواجهة انتشار الاحاسيس
الثورية القومية والاعمال البطولية التي يقوم بها أبناء الشعب العربي في فلسطين
المغتصبة ، ولذلك فإن سلطات الاحتلال درست كل ظرف وأعطته ما يلزم من تصدٍ مخطط وذلك
ظناً منهم أن الإنسان العربي يمكن غسل دماغه والسيطرة على شخصيته
.
ومن هنا فإن المسألة والبحث فيها في
الوطن المحتل يدوران حول نقاط ثلاثة مهمة :
1-
التخطيط التربوي الصهيوني المبرمج عنصرياً لخلق تربية مناسبة للإيديولوجيا
الصهيونية .
2-
الموقف العربي المتصدي لذلك المخطط وتخطيطه .
3-
التطلعات المستقبلية لإيجاد تربية عربية قومية ثورية تضمن استمرار الثورة ضد المحتل
، إن وجود مئات الالوف من العرب في فلسطين 1948 ووجود مئات ألوف أخرى في الضفة
والقطاع لم يرق للسياسة الصهيونية ، فعامل التشبث بالارض والمقاومة الجماهيرية
للقهر الصهيوني جعلاً سلطات الاحتلال تستخدم أساليب عنصرية شتى للقمع الخفي والمركز
، ولعل التربية كانت وما زالت من أهم الوسائل التي تستخدمها الصهيونية لمواجهة
العرب في الوطن المحتل .
- التخطيط التربوي الصهيوني : تركز
سلطات الاحتلال على تأليف كتب موجهة وضمن خط يخدم المصلحة الاستعمارية الصهيونية
ولعل أهم الكتب التي تؤلف للمدارس العربية وللطلاب العرب هي كتب التربية الدينية
وكتب التاريخ وكتب التربية النفسية أي التربية بمفهومها الخاص
.
أما كتب التربية الدينية فتركز على
حذف كل ما يمس اليهود سلبياً إن كان ذلك في التاريخ الديني القديم أو في التاريخ
الديني ما بعد السيد المسيح وحتى الآن ، أما الكتب التاريخية فهي التي تتعرض أكثر
وأكثر لعملية التزوير والتشويه والخداع لا سيما حين تتحدث عن تاريخ العرب والمسلمين
بعد بعثة الرسول محمد (ص) وتزين التاريخ اليهودي وتزيد عليه وتخترع له تفسيرات
عصرية بل وتقلبه تماماً ليصبح هو التاريخ الصحيح الذي يناسب الفكرة الصهيونية
ودواعيها .
وقد بحثت هذا الجانب الكاتبة (نجلاء
بشور في كتّيب لها صدر عن مركز الابحاث تحت عنوان تشويه التعليم العربي في فلسطين
المحتلة "1" وتظهر من خلال منهج التاريخ المتبع عدة أهداف من الممكن ايجازها بـ
:
أ ـ إكساب الطالب معلومات عن الشعب
العربي في مختلف أطواره الحضارية .
ب ـ إكساب الطالب معلومات عن تاريخ
اسرائيلي مزعوم في مختلف العصور .
جـ ـ اكساب الطالب معلومات عن تاريخ
الكيان المغتصب بعد عام 1948 إضافة الى بعض الاهداف الجزئية التي تخدم في النهاية
الفكرة العملية العنصرية للصهيونية .
اما كيف يُكسِبون الطالب معلومات عن
تاريخ العرب ؟ فهذا يعود الى أسلوب التحليل المتبع فيتناولون التاريخ العربي القديم
بجوانبه الاجتماعية والسياسية وغيرها . فيرون أن العرب عبارة عن بدو يتناحرون من
خلال حسٍ قبلي أناني ويوردون شواهد من التاريخ كالحروب القديمة ، غير أ،هم يؤلفون
كل ما هو سلبي في سرد تلك الفترة من التاريخ ، وحينما يتعرضون لتحليل الرسالة
الاسلامية فإنهم يطمسون كل تعاليمها الايجابية ، ويوردون ما تناقله رواتهم الذي
اندسوا في الاسلام ليشوهوا تعاليمه وأفكاره .
وحينما يتعرضون لتاريخ بني أمية وتحليله
أو العباسيين فإنهم يركزون على أن الامويين فتحوا البلاد ونشروا الاسلام بحد السيف
متجاهلين تماماً ان الاسلام حرر الشعوب من العبودية ومن الاقطاع والفقر والجهل ، ثم
يقولون إن العباسيين أقاموا حضارتهم على أكتاف الاعاجم من العلماء كابن سينا
والفارابي وغيرهما ، وبالطبع فإنهم يتغافلون عن عمد ما لدور العرب وفكرهم في تطور
الحضارة والثقافة في تلك العصور ، ثم انهم يتناسون أن هؤلاء العلماء المسلمين ضمتهم
عقيدة واحدة وحضارة واحدة هي حضارة الدولة العربية الاسلامية ، (إن سرد تاريخ العرب
بهذا الشكل على أنه ثورات وفتن داخلية واعتماد على الآخرين يعطي صورة سيئة عن العرب
من خلال الاحداث التي صنعوها كما يعطي انطباعاً عن تفكك العرب طوال العصور مما يبعد
فكرة وحدتهم) "2".
وحين يتحدثون عن المثل العربية
القديمة والحديثة فانهم يحللونها بشكل يثير التشكك لدى القارئ العربي ، فالوحدة
العربية مثلاً ما هي الا شعار فاشل ، ودليل فشله الوحدة التي قامت بين مصر وسورية
عام 1958 ، ودون ذكر الظروف التاريخية والاجتماعية التي ادت الى الفشل ودون ذكر ما
لدور مؤامرات الاستعمار الغربي والصهيوني في افشالها.
والمهم برأي المنهج العنصري
الصهيوني وضعُ الطروحات النظرية التي من شأنها تشويه المثل العربية ، ووضع التحليل
على هذا الشكل يجعل عقل العربي في فلسطين في حالة تشكك بذاته كونه ينتمي للأمة
العربية ولتاريخها الطويل ، المتشعب الجذور في العمق التاريخي وحينا يذكرون الصفحات
الطوال عن تاريخ اليهود يركزون على ارتباط الإنسان بالارض وبمعنى آخر يركزون على
الارض التي يزعمون ان الرب وعدهم بها وبنوا عليها حضاراتهم المزعومة ومن ثم يركزون
على الإنسان الذي عبر التاريخ حضارياً وثقافياً (وتستمر التحليلات في الكتب في إطاء
اليهود الصفات الاساسية للشعب والامة والتركيز عليهما ، واذا اضطرت الامة ظروف
معينة للنزوح عنها فهي تعود اليها مهما طال الزمن ، وهذا ما تركز عليه الكتب أي
ارتباط اليهود بأرض الآباء والاجداد وهي الارض التي تعرف تاريخياً بأ،هم فتحوها
تفحاً من ساكنيها وقتلوهم وغدروا بهم ونكلوا بهم قبل آلا
السنين)"3".
ويبث الصهاينة في الكتب الموجهة لتعليم
العرب كثيراً من قصص الحروب التي وقعت بين أبناء اليهود والشعوب الأخرى متناسين
بذلك عدة أمور أهمها .
1- فلسطين أرض العرب الكنعانيين منذ
الالف الثالثة ق.م وجاء اليهود اليها غزاةً غادرين عام 1200 ق.م وهذا حسب رأي
التوراة اليهودية نفسها ، وحسب رأي الباحثين في تاريخ فلسطين وآثارها
.
2- اليهود الذين يقيمون الكيان
الصهيوني ليس لهم صلة بيهود الامس المندثرين ، والمعاصريون هم خزريون آريون وليسوا
من العرق السامي .
3- نظرة متفحصة الى اليهود تدلنا
على أنهم ليسوا من عِرْق واحد بل من سبعة عشر عرقاً ، ويلاحظ ان سمة التفوق إن كانت
فردية أو جماعية هي التي تأخذ المساحة الاوسع من صفحات الكتب التاريخية المؤلفة
للطلاب العرب داخل الوطن المحتل ، وهذه الكتب تُبرِز ما يسمونه بالحضارة اليهودية
أو الثقافية التي خلقها اليهود القدماء او ساهموا في بنائها لا سيما في مصر
والاندلس وفلسطين والعراق .
اما عندما يتحدثون عن الشخصيات
التاريخية فانهم وبوضوح يتغافلون عن ذكر الكثيرين من مشاهير العرب أو العرب
الفلسطينيين ، ويوردون اسماً لم يكن في الحقيقة ذات نصيب وافر من العطاء على كافة
نواحيه الفكرية والسياسية والاجتماعية والادبية وغيرها ، أما عن الواقع المعاش فان
تلك الكتب تستخدم المقارنة بين قومية عربية ممزوجة بالدين تعصبية ، وبين ما يزعمونه
عن قومية يهودية ذات حضارة وحدوية راقية ومنفتحة وبالطبع فان التفصيل في بحث الفئات
الدينية والدوافع الدينية لأحداث تاريخية هو الاسلوب المتبع لتركز هذا الاتجاه في
ذهن الطالب .
وهذا باختصار ما يكون الاتجاه
العنصري السائد في كتب التاريخ ، فالعملية من أساسها تستهدف تربية الاجيال على
معلومات خاطئة أو مزيفة وبالتالي تخلق التشكيك وعدم الثقة في الشخصية الوطنية
العربية لدى الطلب العرب.
اما على نطاق التربية الحديثة أي
التربية المسلكية فان السلطات الصهيونية تلجأ الى بث المسلك الصهيوني الذي يطلب من
العربي معاملة الصهيوني كأخ له يجب الحفاظ عليه وخلق الروابط المتينة بينهما
متغافلين عن كون هذا الصهيوني يسرق أرض العربي كل يوم بل ويقتله معنوياً ومادياً
ويريده أ، يبقى عبداً لسيادته .
وبالمقابل فان المعلومات المتحدثة
عن سلوكية اليهودي تؤكد حسب زعمهم مقاومة اليهودي للاحتلال الروماني لفلسطين
وللاحتلال الصليبي أيام صلاح الدين ، كذلك ليؤكدوا للعربي انه يختلف عن اليهودي ،
فالعربي لا يقاتل ولا يقاوم الاحتلال واليهودي يقاتل في سبيل ارضه ولعل أسطورة
الماسادا تؤكد لنا أن الصهاينة يهولون الامر حتى يصبح لديهم تقديساً رومانسياً
غريباً ، ومن خلال هذه الاسطورة يصورون أن اليهودي يفضل الانتحار على التسليم
لأعدائه .
-
العربي في مناهج التربية العنصرية :
كحكم اولي نرى أنه ليس في الوجود
اقرب شريعة الى شريعة الغاب من الصهيونية ، وليس من باب الحقد الانفعالي ، وليس من
باب الموقف الوطني من الحرب الدائرة بيننا كعرب وبين الصهاينة كمحتلين ، ليس هذا
ولا ذاك إنما المسألة تأخذ حجمها الطبيعي وواقعيتها من خلال رؤية احدى الزوايا
الحادة التي يعيشها الكيان الصهيوني نفسه ، هذه الزاوية هي التي ينحصر فيها منهج
التربية وخصائصه الامبريالية المنتشرة في جنوب افريقيا وامريكا والعالم الرأسمالي ،
وبغض النظر عن المواد التي يدرسها الطلبة فان المناهج الثقافية والفكرية والادبية
لا تكاد تخرج عن نطاق اقصى التطرف العسكري ودمويته .
ومنذ البدء نسأل كيف تتضح العنصرية ضد
العربي من خلال تربية النشء ، والطلبة والشبيبة ثم ما هي الوسائل المستخدمة في
التصوير ؟ هل هي وسائل فكرية أم صحفية هل هي شعر أم رواية ، هل هي سينما أم مسرح ،
ثم ما هو دور رجال الدين في عملية التربية ؟ كيف ينظرون من وجهة نظر دينية الى
الإنسان العربي ؟ .
إن التعليم يشكل قطاعاً هاماً من
قطاعات بث الفكر الصهيوني والتعاليم الدينية وكما هو في العالم العنصري فإن الدولة
تولي اهتماماً واسعاص لجيل النشء باعتباره الرصيد الهائل للمستقبل كماً وكيفاً
وككيان متوتر الاعصاب فإنه يعتبر التعليم على طريقته الخاصة أمراً محتماً طالما أن
وجود الكيان نفسه يحتاج لأجيال معبأة متوترة دوماً نحو
الحرب.
ومن المسلم به ايضاً ان التربية
تلعب دوراً اساسياً في تحديد الاطر الفكرية للطلبة لا سيما في مراحلهم الأولى
.
والطفل كأي مخلوق يتغذى وينمو ،
فاذا كان الغذاء حقناً باتجاه الدموية والعنصرية فلا بد ان يكون الانعكاس اتجاهاً
دموياً عنصريا ، ومن الصعب في هذه الحال ان تغير وجهة نظر رجل عاش طفولته في جون
مشحون متوتر ، صحيح ان للبيئة دوراً في خلق الشخصية لدى الطفل ، لكن ما بالنا اذا
كانت التربية المدرسية والبيت والبيئة تجنح في توجيه واحد ؟ من المحتم ان الطفل
الذي هو كالعجينة يصبح في متناول ثلاث بؤر للتربية بيت + مدرسة + مجتمع ، وبالتالي
فان الناتج سيكون محصلة لثلاثة وجوه قوية في التأثير . وهنا نرى أنه من الصعب
انتغير انساناً عاش وترعرع وشب في ظل سيطرة عقلية منزلية واجتماعية ذات غاية تربوية
عنصرية واحدة.
من هنا يمكن ان نتفحص المناحي
الثلاثة ونصل الى حقيقة التوجه التربوي الصهيوني فمن المعروف ان مراحل الدراسة في
الكيان الصهيوني تنقسم الى مرحلة 1- ابتدائية 2- اعدادية 3- ثانوية 4- عالية او
جامعية . إضافة الى مرحلة الحضانة والتحضيري قبل الابتدائي وفي كل مرحلة خطة تربوية
مختلفة غير ان مسألة تصوير الشخصية العربية من خلال هذه التربية مسألة اساسية ،
ففيها التوجيه الديني والتوجيه الفكري والتوجيه الأدبي ، وضمن التوجيه الديني يدخل
التوجيه التاريخي والاجتماعي والجغرافي الى جانب التوجيه النفسي .
في البدايات تركز التربية على جانبي
1- جانب ديني محض 2- وجانب فكري .
وفي الجانب الاول تختار هيئات
التربية نصوصاً من التوراة والتلمود وتحفّظ للطلبة بعد شرح مفصل لها . وهذه النصوص
تبتعد كلياً عن مفاهيم العبادات وتركز على حروب اليهود وعلى ما أوحى لهم ربهم
بشأنها وبتركيز أكثر توضح النصوص علاقة اليهود بالكنعانيين العرب والفلسطينيين
والعمالقة وغيرهم من بطون الشعب العربي القديم الذي عاش في المنطقة منذ فجر التاريخ
البشري على الأرض .
ومن جانب أولي تُظهر النصوص أعداء
(اسرائيل) بانهم مجرمون خونة قتلة وتجب إبادتهم .
ومن جانب ثان تُظهر النصوص عظمة اليهود
عنصراً وفكراً وروحاً فهو من شعب الله المختار الذي لا يعادله شعب آخر ويجب ان يعيش
فوق الارض المقدسة لوحده .
ومن هذا القبيل نرى أن التلاميذ
يرددون وبشكل دائم وفي كافة مراحل تعليمهم نشيد موسى وبني (اسرائيل) التليد حسب
زعمهم :
يقول (سمعي يا شعوب المقهورين ،
فليمتلك الخوف منا الفلسطينيين وليرتعد من هولنا صناديد البترا ،
وليرتجف عول وموآب ،
وليرتعد كل سكان كنعان وليخيم على
سمائهم الذعر والرهبة فجبروت بطشك جمدهم كالحجارة وعندئذ ينتقل شعب الله المختار
الى حيث أراد الله) .
ولو عرجنا قليلاً على تربية النشء
قبل مجيئه الى فلسطين لوجدنا ان الصهيونية ومن خلال "الغيتو" الذي ساد قبل الحرب
الكونية الثانية بكثير قد ركزت جهودها على خلق اليهودي الحاقد الذي رسمت بذهنه صورة
العربي الذي لا يستحق الحياة ، ومن هنا يمكن ان نفسر الأعمال الاجرامية التي وقعت
ضد الشعب العربي في فلسطين ولبنان منذ ما قبل 1948 وحتى الآن
.
جاء فيف صحيفة "يديعوت أحرونوت"
بتاريخ 14/17/1972 النص التالي :
"لقد ربوني على الاستهتار بالسكان
العرب ولم يقولوا لي بشكل مفصل أن العرب هم حثالة البشرية ، وعندما قدمت الى فلسطين
عام 1945 وعشت في الكيبوتس لم يربوني على احترام الجار العربي"
.
هذا الحديث لـ (يشعياهو بن فورات) في مقال
له بعنوان (الخطأ والسذاجة والتون) وعندما نقول ان التربية الدينية اساسية في
التعليم الصهيوني فان ذلك يؤكد ما للتشويه الصهيوني من دور . يلجأ الحاخامات
المتعصبون الى التركيز على هذه الزاوية بحيث يخدمون الفكر الصهيوني دينياً
وتاريخياً ، والطفل الذي يتلقى التعاليم الدينية من رجال الدين الذين لهم وزنهم
السياسي في الكيان الصهيوني لا يمكن ان يعيشوا في حالة من التشكيك في عدم جدوى
التوجيه الديني في الطلبة ، لان العامل الديني مهم جداً في عملية غسل الدماغ
والاقناع طالما ان الاعاء الصهيوني يركز على مسألة ارض الميعاد والتاريخ اليهودي
المزعوم عن المنطقة .
جاء في مقدمة كتاب (الكوزاري) الصادر
بتوجيه من شعبة التربية التابعة للكنيست والحائز على مصادقة وزارة الثقافة والمعارف
وهو بقلم الدكتور "أ ـ تسيفوري" .
(وقد منحت التوراة لشعب "اسرائيل"
من دون العالمين جميعاً لانه صفوة الشعوب بأسرها ولان لغته اشرف لغة ينطق بها
البشر) . شعب "اسرائيل" هو صفوة الشعوب كلها ويرجع ذلك الى تميّز عنصره وتفوق
تربيته . عنصر شعب "اسرائيل" هو أفخر العناصر لأنه تكون عن طريق الافضل من جيل لجيل
وهذا الكتاب يدرس في المدارس الثانوية في الكيان الصهيوني .
وقد جاء في الكتاب نفسه على لسان
الحاخام (شنيؤورسن) قوله : ان الفرق بين اليهودي وغير اليهودي هو من النوع الذي
ينطبق عليه التعبير السائر "لا وجه للشبه" اذ كيف يمكن البحث عن فرق بين شيئين من
مستويين مختلفين كلياً . ففي حين يجلس اليهودي في المرتبة العليا وينحدر من الصنف
الاسمى تقبع بقية الأمم في الدرك الاسفل وتنحدر من أدنى صنف
.
وهكذا نرى انه من العبث البحث عن
وجهٍ للشبه بينهما . وحسبما جاء في كتاب الجمارا فان الجسد اليهودي يختلف كلياً عن
أجساد بقية البشر والشعوب وذلك من حيث أكلم وشربهم وطينتهم وما يصح على الجسم
(المادة) يصح ايضاً على النفس (الروح) اذ ان اصل ارواح شعوب العالم هو من طبقات
النجاسات الثلاث بينما أصل ارواح بني اسرائيل هو من الروح القدس ذاتها
"6".
ولا يقتصر الحقن العنصري على النصوص
النثرية في الكتب ، بل يشمل ايضاً قطعاً شعرية ومسريحات تملتئ بالحس العنصري الدموي
. نرى مثلاً ان مقطوعة شعرية صغيرة ترد في كتاب للصف السابع تقول :
حوِّل
قلوبنا الى حجارة
كي
لا ترتعش أو تلين
حينما
نغرس رماحنا في أجسادهم
ونرى
دماءهم التي أرقناها "7"
وحينما نعرج على توجيه الاطفال
فاننا نجد المعلمين والمرشدين الصهاينة يقومون بتحريض الطفل على شراء نوع خاص من
الكتب والقصص ، هي بمثابة البلسم والترياق لعق الطفل ، وتباع هذه الكتب والقصص بسعر
زهيد في المكتبات والحوانيت ، ويتهافت عليها الطلبة الصغار لما فيها عن مواضيع فنية
وفكرية وتربوية تستخدم الشخصية العربية وسيلة واضحة فيها .
وقد نشرت الكاتبة (تمارا ماروز)
تحليلاً لبعض كتب الاطفال وذلك في ملحق صحيفة هآرتس بتاريخ 20/9/1974 م تقول
الكاتبة : (في الآونة الأخيرة بدأ بعض الآباء يكتشفون مضمون هذه الكتب . ويقول أحد
الآباء : من المذهل حقاً رؤية مدى انجذاب الاطفال لهذه الكتب فهي تحتوي أوصافاً
مفزعة سادية ، أوصاف تنكيل مفصلة ورسومات سافرة للعرب الذين يوصفون بالجبناء
الحقيرين "8" وتقول صاحبة مكتبة كبيرة (عشرات هذه الكتب التي توزع منها آلاف بل
عشرات الآلاف من النسخ تدور كلها حول موضوع واحد هو العرب الذين يقتلون يهوداً
للتلذذ ، والطفل اليهودي الذي ينتصر على العرب الخنازير الجبناء "9" ثم تورد
الكاتبة تصريحاً لأحد مؤلفي هذه الكتب وهو العنصري (حزي لوفيان) يقول فيه "ثم ان
العرب محتالون انهم عدو شرس وغير غبي . انا نفسي أكره العرب لقد نشأت على كتاب
يحتوي على صور القتلى عام 1936 م وببساطة أريد لكل طفل أن يقتل . اريد ان أقبض على
العربي وأخنقه" .
وتعلق الكاتبة : هذه الكتب مليئة
بالغرور ومشاعر التفوق وتساعد أكثر من أي شيء آخر على الكراهية
.
ويظهر أن التربية الصهيونية
المعتمدة في المدارس لا تكفي لحقن الاطفال بالحقد ولذا فهم يلجأون الى الكتب
التجارية في الأسواق ، وبسبب اعلامي يلجأ الصهاينة الى بث التربية بهذا الشكل ويرى
الكتاب الصهاينة أ، هذه الكتب الموجهة هي الاكثر مبيعاً . وهذا ما يجعل بعض الكتاب
يميلون الى التأليف على هذا النمط من المواضيع .
وتتعلق المسألة بالربح والخسارة
اللذين لا يمكن تحقيق الاول منهما من خلال نوعيات أخرى من الكتب . ومن هنا نرى ان
الصهيونية حين تشجع على مثل هذه الكتب فإنها ايضاً تشجع الكُتاب مادياً عن طريق
ترويج الكتاب والاشارة اليه من خلال الموجه والمرشد في المدرسة
.
وطالما ان العدو الاول للصهيونية هم
العرب فمن المفترض ان يلجأ الكتاب الصهاينة الموجهون الى وضع تصورات لا حصر لها
للشخصية العربية . ففي مخيلة الطفل تتكون تلك الصور المشوهة ومن ثم يصبح لديه حافظ
لمعرفة الرد الأمثل والتعامل مع تلك الشخصية ومن خلال المقارنة التي بينها الكتاب
يتضح لديه أنه في مواجه نوعين من الشخصية ، 1) الشخصية اليهودية 2) الشخصية العربية
.
يرى الدكتور الصهيوني (أدير كوهين)
المشرف على مركز أدب الاطفال في حيفا أن قصص الاطفال تحوي توجيهاً عنصرياً ضد العرب
إذ تركز هذه القصص على :
1- شخصية العربي المتخلف في مقابل اليهودي المتحضر .
2- العربي الجبان مقابل اليهودي
الشجاع "12" .
ويرى ان صورة العربي في أدب الاطفال
هي صورة الرجل الذي لا يعرف الملابس العصرية ووجهه يقطر عداء لليهود وهو فوضوي كسول
سارق محتال ثم يرى (كوهين) أخيراً :
إن هذه الكتب المليئة بالتوجيهات العنصرية هي أكثر الكتب المقروءة لدى
الاطفال "13" هذا ما يمكن ان نجده ، ونجد أمثاله في كتب الاطفال الموجهة . غير ان
الادهى من ذلك هي تلك الكتب والمجلات الخاصة الموجهة للشبيبة والكشافة والصهيونية .
فمن المعروف ان الشبيبة هي منظمة شبه عسكرية تقوم بمساعدة الجيش الصهيوني في السلم
والحرب ، وتلقى هذه المنظمة تربية موجهة من قبل وزارة الحرب ووزارة الثقافة
والتعليم في الكيان الصهيوني فبعد ان يقطع الطفل مراحله التعليمية الاولى فإنه يصبح
مؤهلاً لتغذيةٍ أقوى اثراً في تصوره لعرب ، ويلعب الحاخامات دوراً كبيراً في هذه
التربية وقد مر معنا شاهد على ذلك وهو كتاب الحاخام (شنيؤو رسن) الصادر عن شبيبة
رابطة "حاباد" وكما مر معنا فان هذا الكتاب يدرس في المراحل الثانوية في الكيان
.
ان حاخامات "اسرائيل" المساهمون في
حقل التربية يعتبرون ان العرب بلاء أشار اليه العهد القديم (يقول الحاخام "موشي بن
زيون اشبينازي" انهم ـ العرب ـ بلاء حقاً والدواء اذا نحن طبقنا القانون اليهودي
اذا اصخنا السمع لكلمات أغلى من الذهب واللؤلؤ لو اننا فقط تبعنا موسى ويشوع بن نون
فاتحي أرض "اسرائيل" لو قمنا بكل ذلك تخلصنا من مشاكلنا منذ وقت طويل) "14"
.
كيف يجابه العرب في الوطن المحتل
التربية الصهيونية بتربية وطنية منهجية : ؟
من الطبيعي ان ندرك ان تلك العنصرية
لا يمكن ان تنجح في مخططاتها اذا اوجدنا البديل الموضوعي التربوي الذي يجب ان يتمتع
به العرب داخل الوطن المحتل . قد نفترض ونحن نبحث هذا الجانب التوقف عند دراسة
ملامح العنصرية في مناهج التربية ، غير ان الواقع يحتم علينا ان ندرك بعض الاسس
وبعض التصورات التي من الممكن ايضاً ان نضعها ونحن نقف في مواجهة تلك المناهج
وتحديها والحفاظ على المستوى المطلوب من حدة الصراع القائم . وتطويره حيث نضمن
الحفاظ على المستوى المطلوب من شخصيتنا العربية وتمسكنا بالارض . لقد اصبح الصراع
العربي الفلسطيني مع الكيان الصهيوني صراعاً يومياً وذلك من أجل حق الوجود في الارض
ورفض كل أنواع السياسة القهرية والاذلال . وقد توجه العرب الطلبة بشكلٍ كلي للدخول
في معترك الصراع واصبح الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون ينعكس بشكل كلي وهائل على
التربية السلوكية وأصبح الطالب اكثر معاناة بداخله وخارجه وأخذ يشعر ان عليه واجباً
ضخماً تجاه الصراع الدائر . على مدى السنين والتراكمات يصبح الشاب كتلة من العنف
المنظم والرد على ممارسات العدو المحتل .
ومن خلال هذا التحدي برزت اسباب
كثيرة وأهمها تلك الاسباب التربوية التي بنت الشخصية الثورية الرافضة للاحتلال .
وتشكل الاسرة كمؤسسة اجتماعية صغيرة المكان الاول الذي يلعب دوره المهم في التربية
الثورية . فأساليب القمع والاحتلال وسلب الاراضي يخلق ردات فعل ومن ثم يخلق التصور
الثوري للرد على هذه الاساليب القمعية والاستعمارية . أما بالنسبة للمعلمين واساليب
التعليم فرغم ان سلطات الاحتلال تنتقي مَنْ يحلو لها منهم الا ان المدارس الثانوية
والكليات تحوي عدداً كبيراً من الاستاذة الونيين والثوريين فهؤلاء يزرعون حب الوطن
في نفوس الطلاب زرعاً وغالباً لا يتقيدون بالمناهج المفروضة لا سيما مناهج كتب
الديانة والتاريخ.
من ناحية ثانية لا يمكن أن يتغافل
المرء عن دور الاعلام الفلسطيني الثوري في تربية الاجيال تربية رافضة للاحتلال .
ولعل الانتفاضة المستمرة دليل أكيد على نجاح التربية الثورية وفشل التربية
الصهيونية الموجهة للعرب داخل الوطن المحتل ، ورغم تصديهم وتحدّيهم لسلطات العدو
ومخططاته التربوية فان التوجه التربوي الذي يضمن استمرارية الثورة يحتاج لكثير من
التخطيط والعمل الجاد . ذلك من اجل رفع مستوى التربية الثورية والحفاظ على استمرار
عنفوانها . ان المؤسسات الفلسطينية التربوية تتحمل العبء الأكبر في توجيه العرب
داخل الوطن المحتل وتربية الاطفال تربية ثورية . وفي سبيل هذا التوجه فان المطلوب
بالدرجة الاولى التركيز على مفهوم الوطن ومحبته والاستشهاد في سبيله . ففلسطين ليست
تراباً وجبالاً وبحراً انما هي ارض وتاريخ عميق في الزمن ، وهي مركز القداسة لشعوب
اسلامية كثيرة تتحفز لتصاعدِ الثورة وامدادِ ثورة فلسطين . وفلسطين بالتالي حاضر
ومستقبل وقيمة القيم الوطنية يجب القتال من اجلها .
ولذلك ايضاً فان حب الوطن هو القيمة
الاساسية والاولى التي ينبغي تعزيزها في عملنا التربوي وذلك لربط أجيالنا الشابة
بأرض وطنها وتاريخها وتأكيد استمرار كفاح شعبنا من اجل تحريرها .
وبطبيعة الحال فان تعزيز حب الوطن
يتطلب الكفاح المتواصل في التوجيه الثوري وذلك من خلال شرح ابعاد الغزو اليهودي
الصهيوني الصليبي وكيفية مقاومته بكافة الوسائل المتاحة والاخرى التي يمكن ان تتاح
. والتأكيد على ذلك يتم من خلال توجه فكري مقتنع بمعنى ان هذا الوطن فلسطين هو مركز
الصراع بين القوى المعادية وبين المقاتلين من أجل العدل والحق والسلام . وهو جزء من
أمة عربية مقهورة وشعبه هو جزء من الشعب العربي المضطهد . وهو على المدى الانساني
جزء من الشعوب المناضلة انسانياً وعلى العمل التربوي ان يدفع الطالب للاعتزاز بشعبه
وتاريخه وكل ماهو إيجابي في تراثه بما في ذلك الافتخار بأبطال شعبه العربي المسلم
وتقدير شهدائه على ان يرتبط هذا التقدير بكشف أهمية الاستشهاد ودوره في تصعد النضال
ضد العدو الصهيوني .
ويرى الدكتور (صالح سرية) في دراسة
له عن مناهج التربية الصهيونية الموجهة للعرب (إن اسرائيل تريد انتاج جيل عربي ضائع
لايثق بنفسه ولا بأمته ليس له أمل في حاضره ومستقبله وليس له هدف في الحياة يسعى لتحقيقه)
.
فالرد على المخطط اليهودي الصهيوني
يأتي من خلال التركيز الاعلامي والتثقيفي على التوجيه الثوري المستمر وعليه ان
يبرمج توجهات التربوية ويخلق لدى الطلاب فكراً سليماً معافى من التأثيرات اليهودية
الصهيونية والبرجوازية والتطلعات الفردية اضافة لخلق الروابط بين الفرد والفرد
والفرد والجماعة والفرد والارض التي هي مركز الصراع ومحوره على مدى أجيال عديدة
.
ومن خلال وقائع الانتفاضة نكشف ان
العدو الصهيوني يحاول بشتى الوسائل تجهيل شعبنا ولكن الانتفاضة عرفت كيف تكون ثورة
متكاملة حيث اصبح المسجد الجامع بديلاً تربوياً عن المدرسة حيث يأتي الطلاب الى
المساجد ويدرسون من قبل اساتذتهم كافة المواد العلمية والادبية والتاريخية
والجغرافية وغيرها . هذا ما يجعل شعبنا على مستوى الصراع التربوي مع
العدو.
ان ضمان استمرارية العمل الثوري في
فلسطين يتطلب خلق جيل ثوري وراء جيل لان الصراع لن ينتهي بسهولة وبزمن قصير .
فالطلبة بشكل أساسي وقود الانتفاضة الثورية فان لم تستمر تغذيتهم الثورية الجهادية
فلن يكون هناك استمرار للثورة . والصراع الدائر الآن على ارض الوطن صراع واسع
ومتشعب الجوانب ولعل الجانب التربوي من أهم تلك الجوانب التي يراهن عليها الكثيرون
.
وبقدر ما يكون طفلنا وطالبنا وشابنا
متغذياً بالتربية الثورية المسلكية الاجتماعية الصحيحة فان الثورة تضمن بقاءها
وتصاعدها حتى تحرير التراب الوطني الفلسطيني بأكمله .
1)
نجلاء بشور . تشويه التعليم العربي في فلسطين المحتلة ص23 مركز الابحاث بيروت
.
2)
نجلاء بشور . تشويه التعليم العربي في فلسطين المحلتة ص42 1968
.
3)
نجلاء بشور . تشويه التعليم العربي في فلسطين المحتلة .
4)
يديعوت احرونوت 19/7/1973 يشعياهو بن فورات .
5)
نجيب الاحمد ، الصهيونية هدفاً وفكرياً وممارسة ص 62 ـ مركز الدراسات الفلسطينية
دمشق 1978 ـ .
6)
نجيب الاحمد ، الصهيونية هدفاً وفكراً وممارسة .
7)
نجيب الاحمد ، الصهيونية هدفاً وردت القطعة في كتاب النصوص لصف السابع في الكيان
الصهيوني .
8)
تمارا ماروز هآرتس بتاريخ 20/9/1974 .
9)
تمارا ماروز هآرتس بتاريخ 20/9/1974 .
10)
تمارا ماروز هآرتس بتاريخ 20/9/1974 .
11)
تمارا ماروز هآرتس بتاريخ 20/9/1974 .
12)
نجيب الاحمد ، الصهيونية هدفاً وفكراً وممارسة ص40 سبق ذكره
.
13)
مجلة الاقلام العراقية عدد خاص عن الأدب الصهيوني .
14)
نجيب الاحمد ، الصهيونية هدفاً وفكراً وممارسة سبق ذكره .
التربية
الصهيونية
في
الرؤية الأدبية العنصرية
ان كان الشعب الصهيوني يدعو الى
القتل والتدمير أو كان يصرخ او يحتج على القتل والتدمير فهو في النتيجة شعرموجه
مبرمج من قبل الفكر الصهيوني ومفكريه ومنظريه ... شعر يختلف في أساليبه وطرقه ويتفق
في اهدافه وغاياته التي تقول : البقاء للكيان ، والفناء للعرب .
الادب عبر التاريخ ، يحمل عواطف
متناقضة وكثيرة ، وحين نبحث عن عاطفة الحق نجدها تصول وتجول ، تزرع في النفوس
التعطش للدم والقتل وقلب مفهوم الشر الى الخير ومفهوم الخير الى الشر . وأغرب ما في
الامر ، واغرب ما الكون ان نجد أدباً يحض على القتل وشرب الدم
.
على كل حال يتجاوز بعضنا المقولات
ويطلق على هذا النوع من الأدب أدباً . والواقع ان المرء يقتنع تماماً ان التسميات
تمتلئ بالخطأ الفاحش ولا سيما حين يطلقون كلمة الادب على كتابة صهيونية تحث على
القتل والدمار وانتهاك حرمة الانسانية.
في مدارس الكيان الصهيوني يلجأ
مدرسو الترية الى اساليب تربوية لم تشهد التربية مثلها لما فيها من عنصرية دموية ،
وفاشية متطرفة ، وتحريف شنيع ومقرف للماضي والحاضر ، في الكتابة الموجهة من قبل
السلطة نعثر على ما يسمى شعراً يدعو الجندي الصهيوني الى قتل الاطفال واحتقار
الشعوب ، ونعثر على ما يسمى رواية وقصة ، وجميعها تخط سطورها ممتلئة بالتوجيه
العنصري الفكري الصهيوني .
قد يقول بعض المخدوعين : هذا الادب
كان في زمن ما ، لكننا الآن نعيش حالة التقارب بين اليهود والعرب ، نعيش حالة تحطيم
الحاجز النفسي بين جنسين متعاديين!!
ومع كل الاسف لا نرى في الدعوات
المخدوعة تلك سوى صدى لأصوات الزعماء الصهاينة واليهود وسوى صدى لصوت التوراة
الدموية التي تقول : ان العالم كله خادم عبدُ لليهودي ، واليهودي سيد متفوق ،
ومخلوق من روح الله بعكس شعوب العامل المخلوقة من النجاسات الثلاث
.
ومع ذلك كله فاننا معاً نلقي الضوء
على عدد مما يسمى قصائد شعرية كتبها من يسمون شعراء صهاينة ، وهي ليست قديمة بل
حديثة ومعاصرة ويتناولها الوسط اليهودي في الكيان الصهيوني بكل فخر واعتزاز
.
ومع ذلك ايضاً فاننا معاً سنرى كيف
ولماذا يُكْسَرُ الحاجز النفس ؟ كيف يكسر ونحن نرى ارقى انواع الكتابة الوجدانية
تدعو الى القتل ويتلذذ كاتبوها بسفك الدماء .
ندرك جميعاً ان العواطف في الطبائع
البشرية مختلفة وكثيرة ، وقد تتطرف لتصبح كرهاً وحقداً ، وقد تنحو منحى انسانياً
فيصل الى حد التضحية بالنفس من اجل الآخرين وبالطبع فان دراسة العواطف او العاطفة
في أي نص تتطلب على الاقل وضع تصور نفسي لحالات العواطف الظاهرة والكامنة في النفس
البشرية ، وكل ذلك ممكن وقابل للدراسة.
غير ان العاطفة نفسها حين تتطرف
سلباً لتصبح نوعاً من التوحش ، فهذا ما يسترعي النظر ولا سيما حين تكون هذه العاطفة
مجال ظهور في نص قد نسميه شعراً او قصة ، او بمعنى آخر ـ وأكثر تحديداً ـ حين
تُصَبُّ عاطفة حاقدة على طفل بريء وتترجم الى قتل وامتصاص دماء ربما لا نستغرب حين
يقوم جنود اعداء بتقل ابناء شعب من الشعوب ولكن الغرابة تصبح كبيرة حين يصب شاعر ما
حقده ضد طفل أو يدعو كاتب ما لقتل طفل اخر .
وفي كل الاحوال فان الادب وخاصة
الشعر بالذات لا ينبع الا من حس انساني بالدرجة الاولى ، فاذا كانت عاطفة الشاعر
تتجه لتقل طفل او لقتل البراءة بشكل عام فهناك امران لابد من ادراكهما :
1 - ان يكون الانسان شاعراً يعني ان
يكون متمتعاً بالحس الانساني .
2- ان يكون الإنسان مجرماً او يدعو
لقتل الاطفال يعني انه ليس بشاعر وليس بانسان في آخر المطاف ، ولنعد الى جوهر بحثنا
لنرى ماذا يمكن ان يقدم الصهاينة من أدب ! فالشاعر الصهيوني (افرايم سيدون) ينشر
قصيدة بعنوان : (الطفلة الصغيرة ذات الرداء الاحمر) في جريدة دافار بتاريخ
15/6/1982 م .
كانت الحرب على اشدها في لبنان ،
وكان الاجتياح الصهيوني قد اخذ مداه على شكل حصار وهناك لابد من ان نتصور رسالة
الشعر الصهيوني المرافقة لرسالة التدمير وقتل الشعب الفلسطيني الآمن ، نقول بعض
المقاطع :
هناك
في حقول بلاد الأرز الجنوبية
نامت
الطفلة الصغيرة
ذات
الرداء الأحمر
بلون
الدماء التي تسيل من جسمها
النحيل
الصغير
وتسألني
لماذا
ففي البداية يصف الشاعر الدموي طفلة
فلسطينية طعنت بحربة جندي ، وسألته لماذا تقتلني ونتصور معا كيف كان الرد :
لو
لم يكن والدُك مخرباً عنيداً
وشقيقك
اللعين
صياد
دبابات
لأجبتك
يا طفلتي الصغيرة
أنه
ما كان يجب أن تموتي
فالافتراض
المتصور والموقف السلفي الذي يتخذه الجندي هو ان الطفلة الفلسطينية هي ابنة فدائي
أو شقيقة مناضل . ولا يحيط بها من الطفولة أية صفة انسانية . فلذلك يجب ان تقتل
وتقطع اوصالها .
فمن الطبيعي ان السلطة الصهيونية
الحاقدة توجه مؤسساتها التعليمية بحيث تزرع الحقد المشرب بالدم في نفوس اطفالها ،
فكل جيل صهيوني يدخل سلك القتل والحرب لابد من ان يمر بمرحلة التهيئة النفسية
المتكاملة .
وأقول ذلك لان النصوص العشرية او
النثرية المليئة بالحقد تدرس في الصفوف الابتدائية والاعدادية وبرغم فجاجة هذه
النصوص ، والمعرفة المسبقة بانها ليست من الادب في شيء فان المؤسسة الصهيونية
الحاكمة تركز جهودها على انتقاء هذا النوع من النصوص المسممة ونتابع معاً قراءة بعض
المقاطع في قصيدة (افرايم سيدون) :
كل
النساء في صيدا وصور
كل
الامهات ، كل الحوامل
كل
المسنين والأرامل
ها
نحن قادمون لنعاقبكم
لنقتصَّ
منكم
فهذه المقولات الدموية ليست غريبة
بالنسبة للتجمع الصهيوني ، وليست غريبة على تعاليم التوراة . ففي سفر يشوع الاصحاح
السادس يرد بالحرف الواحد قول التوراة "وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة ..
من طفل وشيخ .. حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف" .
وكما هو ليس غريباً عن التوراة فهو
ليس غريباً عن الفكر الصهيوني ومفكريه ، وقد تنادى خالقو الحركة الصهيونية للقيام
بإبادة العرب بأي شكل من اشكال القتل والافناء ، ونتذكر هنا قول (هرتزل) زعيم
الصهيونية ومؤسس حركتها في يومياته : (يجب علينا القيام بحملة صيد كبيرة نجمع فيها
الحيوانات ونلقي بينهم القنابل المميتة) .
وبالطبع فان الحيوانات في نظر هرتزل
هم العرب ومقولته هذه ليست الا احدى الدعائم التي يرتكز عليها الفكر الصهيوني وأدبه
.
ولعل هذا الصهيوني (افرايم سيدون)
الذي نشر قصيدته وتقبلها جمهور اليهود في فلسطين هو من حركة (هتحيا) بل من روادها ،
وهذه الحركة تتزعمها (غؤولا كوهين) التي تتصف حركتها بالعنف والدموية ، وقد افرزت
هذه الحركة عدداً ممن يسمون شعراء ، تعتمدهم السلطة لنشر مثل هذه النصوص الحاقدة ،
فأمثال (سيدون) (نعمة شيمير) و (رامي ديناني) و (أبشالوم كور) وهؤلاء بالطبع عصابة
شعراء أو هكذا يسمون عصابة من عصابة أكبر . عصابة هتحيا ثم عصابة الكيان كله . يقول
(سيدون) في آخر مقطع من قصيدته :
أطفال
صيدا وصور
إني
ألعنكم أتهمكم
ستنامون
محطمي العظام
في
الحقول في الطرقات
لا
تسألوا لماذا
فانه
العقاب
والآن
حان عقابكم
إذن فهذه بؤرة اولى وليس عجيباً ان
نرى عدداً كبيراً لا يحصى من الصهاينة يوظفون ما يكتبون لخدمة الذبح والقتل والدم .
وهذه هي طبيعة العنصرية الصهيونية وطبيعة محاولاتها ابادة الجنس البشري العربي في
داخل الوطن المحتل وخارجه .
لو
أنهم تلاميذ مجتهدون
قلنا قبل قليل لم يصبح غريباً ان
يدفع مفكرو الصهيونية من يكتب بذلك الحس الدموي ، ولعل اكثر ما يتذكره المرء وهو
يطالع النتاج الادبي الصهيوني هي تلك المقولات التي يطلقها زعماء الصهيونية ، ونعود
فنقول : ان تلك المقولات العنصرية الدموية تدخل في تركيب النص الادبي فكراً ولغة ،
حتى ان بعض الشعراء اليهود يضمنون قصائدهم ـ وبحرفية صارخة ـ اقوالاً لمجرمي حرب
اعتبروا في نظرهم أبطالاً وأنبياء .
إذاً فالأدب ليس سوى ترجمة للفكر
والممارسة النظرية والعملية ، ومن طرف آخر فان سمة التحريض على القتل لا تكاد تفارق
أية كلمة أو أي نتاج أدبي .
فعلى غرار قصيدة (افرايمسيدون) نشرت
صحيفة معاريف قصيدة للشاعر العنصرية (نعمة شيمر) بتاريخ 23/9/1982 م بعنوان (ذوو
العقول المغلقة).
وقد كان الزمن وقتها زمن القتل والذبح ،
الدماء لم تجف ، والخرائب تزداد رعباً ، والناس في لبنان يجرفهم تيار الحزن ،
والألم ، والمحنة التي شهد عليها العالم دون أن يكترث لها سوى المحروقين بالنار
والنازفة دماؤهم كالأنهار .
تخرج الاصوات الشاذة لتحرض أو تلوم
، واللوم يتوجه نحو المجرمين ، لماذا أبقيتم على الفلسطينيين ؟ كان المفروض ان
يبادوا تماماً تقول (نعمة شيمر) :
لو
أنهم تلاميذ مجتهون
يتقنون
الدرس
لكانوا
نصبوا مدافعهم
على
مداخل المخيمات
وامطروها
بالقنابل
بالقذائف
، بالحديد الملتهب
ومسحوا
المنازل مع سكانها
فهذه طبيعة التوجه الصهيوني الفكري
، وطبيعة التعاليم التوراتية ، ولا نرى في دعوة (نعمة شيمر) الا صدى لما خاطب به
(يهوه) اله اليهود (يوشع بن نون) وطلب منه ان يدخل كل القرى ، ويبيد سكانها ، ويحرق
منازلها ، ويمحوها من الوجود . وقد جاء في سفر يشوع الاصحاح 11 قول التوراة :
"وضربوا كل نفس فيها (حاصور) بحد السيف حرموهم ولم تبق نسمة وأحرق حاصور بالنار"
.
وقصيدة شيمر كتبت قبل صبرا وشاتيلا
ونشرت بعدها كما ورد في التعليق على تاريخ نشرها وقد يقف المرء ليرى مدى التحريض
العصنري لأصحاب القلم والكلمة في الكيان الصهيوني ، ومن المعروف ـ كما قلنا ـ ان
هرتزل وما افرزته حركته العنصرية من رجال تربوا على برنامج واحد هو القتل المستمر
والذبح لكل معترض على مبادئ الصهيونية وقد مثل الارهابي (بيغن) قمة جوهر الحركة ولا
سيما حين كان يقود بنفسه اكبر حركة ذبح ضد الشعب العربي في فلسطين عام 1947 م عندما
كان زعيم منمة (شتيرن) الارهابية . فالشاعرة شيمر لا تتردد في ان تضمن قصيدتها
أقوالاً لبيغن باعتباره رجل الساعة وباعتباره منظراً حقيقياً لحركة الدم والسفك ضد
الآخرين .
ففي رأي (شيمر) ان "اسرائيل" جميلة
وتبق جميلة طالما أن العرب يقتلون وطالما ان هناك حرباً بين العراق وإيران
:
لقد
قالها بيغن ذات يوم
كلاب
تقتل كلاباً
فلماذا
لا نكون سعداء
وما
حدث في بيروت
كان
سيحدث لنا حتماً
لو
ان العرب كانوا
هم
المنتصرين
اما في جوهر النص الذي يطلق عليه
شعراً فان الشاعرة تعتب على أصدقاء "اسرائيل" لانهم لم يفعلوا شيئاً ضد الفلسطينيين
، وكأن تحريضها جاء مساهمة عملية في جريمة الذبح الجماعي نرى الحس العنصري الدموي
المتوحش وهو ينشر رائحته بشكل ثقيل لا يطاق ولا سيما حين تقول :
لو
أنهم تلاميذ مجتهدون
لكانوا
استخدموا الدبابة
من
مسافة قريبة
ودمروا
البيوت والشوارع
ولم
يتركوا أحداً
وبهذا
يكونون قد حافظوا على
طهارة
السلاح
هكذا تعتبر الشاعرة اصدقاء
"اسرائيل" مقصرين لأنهم لم يبيدوا كل النسا . وهنا تتجلى قيمة العواطف الشاعرية ،
فالحس العنصري يفقد كل معنى من معاني الانسانية ، ومن الطبيعي ان تكون هذه العواطف
مشاعر حيوانية شرسة ، فهي تعبير عن نزعة الشر المستشري ، وعن دموية عنصرية ربيِّ
جيل الصهاينة الجدد عليها . انها ولا شك حقن للفكر الصهيوني الذي لم يتوان يوماً عن
الذبح الجماعي .
واذا تفحصنا هذا الفن الشعري المزيف
وجدنا ان الكيان الصهيوني يشجع على نشر أي نوع من أنواع الكتابة التي تخدم التحريض
العنصري ، لو كان ذلك على حساب الفن أو الشكل الفني للأدب . فالصهيونية التي تفتقد
أي عنصر ايجابي في حياتها توظف هذا النمط من الكتابات ، والمهم في رأي مفكريها ان
يبقى العنصر الصهيوني متحفزاً متوتراً ذا قابلية مستمرة للقتل والذبح . هذا ما يجعل
الدراسين والنقاد العالميين كافة لايعترفون بأدب اسمه ادب صهيوني لانه يفتقد ابسط
القواعد والمقومات التي من شأنها الحفاظ عليه او اعتباره سجلاً ادبياً يمكن ان
يُدرس ويخلد .
ولسنا هنا في مجال مناقشة فنية
الشعر او عدم فنيته ، انما الذي يهمنا معرفة ما يكتبه الصهاينة وهم يرون ما يقع في
لبنان وغير لبنان من وحشية ودموية . ان ردة الفعل المستمرة لدى هؤلاء تجعلهم يفقدون
اعصابهم تماماً ، وليس غريباً اذاً ان نرى شاعرة صهيونية تحرض على القتل والذبح
.
ان العواطف تصبح نوعاً من الهستيريا اذا
تجاوزت حدود المنطق ، وبذلك يفقد صاحبها ابسط انواع التعامل البشري ، وكذلك التجمع
البشري الصهيوني الذي عودته التربية اليومية الكره والحقد وهما اهم عاطفيتين
سلبيتين في حياة البشر .
ان التجمع الصهيوني الذي لا يحترم
نفسه يفرز أناساً لا يحترمون انفسهم ، فأمثال الشاعرة (نعمة شيمر) ليسوا سوى شذاذ
مجتمع او تجمع ، ومهما يصدر عنهم فإنه يكون طبيعياً طالما انهم يخدمون تجمعاً
عنصرياً يفقد وجوده لانه يخرج عن دائرة الانسانية .
ملاك
الموت كان هنا
ومن التحريض على القتل الى التحريض
داخل الكيان الصهيوني ، تحريض من نوع خاص يدعو الجمهوري الصهيوني للهجوم على بعض
اليهود المحتجين ضد العرب ، تحريض على قتلهم والاندفاع نحو قتل كل فلسطيني للتخلص
من كل مقاوم للطمع الصهيوني والتوسع الاستعماري .
نحن مع شاعر ثالث ، يدعى (يوناثان
غيفن) فهو كغيره من المجرمين الصهاينة يستخدم الكلمة كما يستخدم الرصاصة والسكين .
وفي مقاييس الذوق الجمالية يختلف البشر في اطلاق الاحكام الذوقية الجمالية هذا اذا
كان الموضوع محل تذوق كمنظر جميل لانسان يبكي أو يتسم او كمنظر طبيعي تلهمه يد
الطبيعة ببراعة الحسن والجمال ، ولكن عندما يصبح الشيء الجميل دماء تراق ، ثم
تُنسَج قصص حول ذلك الجمال فلا عجب ساعتها ان كثيرين يختلفون أو يشذون
.
نرى (يوناثان غيفن) وهو يصوغ من
الكلمة الدموية منظراً جميلاً يكون حوله القصص ليرويه لامة فبتاريخ 22/10/1982 م
ينشر ملحق صحيفة "يديعون احرنوت" قصيدتين نثريتين !! لهذا المسمى شاعراً . القصيدة
الاولى معنونة بـ : (عدت من إجازتي) والثانية بـ : (دماء صبرا وشاتيلا)
.
في القصيدة الاولى يستطلع الشاعر
الواقع فيرى ان دموعاً تنزف غزيرة حزناً وألماً وهي دموع أمه ، لم تكن تبكي لفقدان
جندي قريب أو على اصابة طفلة بشظية او انها كانت تبكي بسبب حسِّ انساني كما يفعل
بنو البشر إذاً لماذ تبكي تلك الأم ؟ يجيب الشاعر غيفن
حينما
عدت من إجازتي
بادرني
بوعز بالسؤال
كيف
كانت الاجازة
قلت
له إن والدتي قد بكت
لأنني
لم احضر لها رأس أحدهم
والدتي
بكت لأنني لماقتل المزيد
فالبكاء
يصبح بهذا الحس عملاً انتقامياً تفوح منه الرائحة الدموية وليست رائحة الحزن وفي
هذا المقياس لم يعد المرء بكَّاءً يطلب الذبح والقتل وقطع الرؤوس وهذا ما يذكرنا
بطبيعة التعامل بين الذئاب وجرائها فهي ان لم تأت للجراء بفريسة تبكي وتحتج على
آبائها .لقدجبلت الطبيعة الصهيونية من القِدَم على هذا الحس ، ففي التاريخ سمعنا
الصرخات وهي تصدر عن الجمهور الصهيوني القديم في شوارع القدس تطالب بتعقب السيد
المسيح وتهتف اقتلوه ، اصلبوه دمه علينا وعلى أولادنا .
ويبرر (يوناثان) ذلك القتل فيرى انه
امر جميل أولاً ثم إنه :
يجب
عليك ان تقتل
حتى
تعود وتقص على والدتك
أشياء
كثيرة وجميلة
أشياء
جميلة
ويصل المستوى المتدني للروح اليهودي
حداً يطالب فيه الفرد بقتل كل من يقول .. لا ... وفي التجمع الصهيوني الذي يتركب من
مجمل تناقضات العالم لا يأبه ان يوجه تهمة الخيانة لكل يهودي يرفض القتل فيقول غيفن
:
يصرخون
في ساحة (ملخي) (يسرائيل)
ضد
الحرب العادلة
اصلبوا
كل الخونة
اما في قصيدته الثانية : (دماء صبرا
وشاتيلا) فان غيفن يلجأ الى اسلوب القصص ويدخل عناصر جديدة في تكوين القصة ، تفوح
من الساحات رائحة الدماء والجثث وحصد الاطفال الذين لا يعرفون معنى التخريب ولا حتى
الاعداء والاصدقاء :
ملاك
الموت كان هنا
هل
انت فلسطيني
قلت
لا ... "اسرائيلي"
يحظر
عليك يا سيدي ان تكون هنا الآن
فغداً
يحسبونك القاتل
وهنا تتكامل الدائرة ، والعناصر
البشرية ، يروي الشاعر لقاءه بأحد رجال (سعد حداد) وبأسلوب مقيت سيظهر كيف تجاوز
العملاء كل حدّ ، فالجريمة ليست من حق صحافي بل هي من حق الذين حقدوا وحنوا بأسوأ!
أنواع الخيانة والجريمة ، وبطريقة واضحة يصور الشاعر هؤلاء العملاء خدماً له ولغيره
، ففي صبرا والذبح مستمر يرى (غيفن) ان العميل أحضر له سيارة وأخرجه من مكان
الجريمة . وهنا يدرك (يوناثان) معنى هذا الذي يحدث لكنه ـ وبكل حس عنصري ـ يسخر من
هؤلاء الذين يموتون :
فكرت
ماذا كان سيحدث
لو
كنت فلسطينياً
تذكرت
كل ما قاله لي صديق "اسرائيل"
تذكرت
ملاك الموت الذي كان هناك
ويكشف لنا احد المقاطع الاخرى ، نوع
الهستيريا التي تخيم على الشارع الصهيوني ومدى ما يلعبه العلام في اثارة العواطف
الدموية :
هناك
في مقهى بكريات شمونه
كان
جمهور غفير يجلس امام الشاشة
الصغيرة
يشاهدون
الارهابيين وهم في طريقهم
الى
معتقل الأنصار
صرخنا
جميعاً
احصدوهم
اذبحوهم
نريد
ان نرى دماءهم في صبرا وشاتيلا
شاهدت
داء كثيرة
فارتاحت
نفسي
فنرى القتل يصبح عقدة العقد عند اليهودي ،
لا ترتاح نفسه الا اذا شاهد سيل الدماء ينزف غزيراً من الجسد العربي
.
وبهذا الشكل تكتمل دائرة الحس
الدموي العنصري عند الصهيوني ، الدموع تهطل لانه لم يجلب رأس فلسطيني ، وحركة
السلام أعضاؤها خونة برغم انهم صهاينة لكنهم يخافون كثرة قتلى جنود العدو ، وعملاء
في الجانب الآخر يقومون بمهمة القتل نيابة عن الصهاينة ، وجمهور أصابته الهستيريا
فيطلب مزيدا من الدم .
الى
أين سيرحلون
ويعبر عن الاتجاه نفسه من يسمى
بالشاعر (أبشلوم كور) فهو صهيوني متطرف أفرزته حركة كاخ ورباه الحاخام العنصري
(مائير كاهانا) . شاكر في عمليات الذبح والقتل وجاء أخيراً ليكتب ، يستخدم الكلمة
تماماً مثما يستخدم السكين والساطور.
ففي ملحق صحيفة معاريف الاسبوعي
وبتاريخ ، 2/7/1982م ، ينشر كور قصيدة بعنوان "لو كنت قائداً لجيشنا الاسطورة"
وكغيره ممن يلعبون بالكلمة في الكيان الصهيوني يطالب يمزيد من الذبح والدماء ،واهرة
كهذه تكشف لنا عن طبيعة ردود الفعل بعد الازمات التي يمر بها الكيان ، فهي ردات فعل
تنشأ عن الهستيريا الجماعية الصهيونية التي تكتسح الجمهور المستوطن فلا تجعله يفكر
اكثر من مرة ولا تتركه يفكر إلا في اتجاه واحد هو اتجاه الارهاب والجريمة . يقول
كور في مقدمة قصيدته :
لو كنت قائداً لمنطقة بيروت
المحاصرة والمختنقة
لصرخت في وجه كل
اولئك
الذين يطالبون باعادة
المياه
ويصرخون
ويتألمون
ويطلبون اعادة الدواء والطعام
الى
المدينة المحاصرة
.
ولا يتوقف (كور) عند حد الصراخ فهو
كغيره ذو مزاج مختلف ، وعمله يقتضي اكثر من الصراخ والصوت وأكثر من الصدى ، يطالب
بالقتل ، غير انه يطالب بأكثر من وسيلة وأكثر من هدف :
لو كنتُ قائداً لجيشنا العظيم
لزرعتُ الموت
والدمار
في كل المزارع والشوارع
في كل المساجد
والكنائس
فهي كذلك طبيعة اليهود الصهاينة ،
فمنذ عُرِف رعاةُ العبرانيين الصقوا بانفسهم حب الذات والاستعلاء وعدم الاعتراف
بالشعوب الاخرى .ولعل دعوته الى زرع الموت والدمار في المزارع والمساجد والكنائس
ينمُّ عن طبيعة التركيبة النفسية الصهيونية ، وينم ايضاً عن حقد على الاديان جميعاً
.. تلك الاديان التي تحب السلام وتدعو له . وبينما اليهودية تدعو الى التقل
والاستعلاء ، ولعل ذكره المساجد والكنائس يفصح عن عالم العداء اليهودي لرمز الاسلام
ورمز المسيحية ، فهو ليس ضد وجود المسجد كمسجد فقط ، انما هو ضد المضمون الذي يعني
بالتالي انه عدو لكل شعارات الاسلام ، وما ينطبق على المساجد ينطبق على الكنائس
ايضاً ، والتوراة التي هي اساس الارهاب في التفكير الصهيوني تدعو الى قتل كل ما عدا
اليهود او إذلالهم واستعبادهم .
وبسبب من عقدة التفوق الموهوم
يستخدم (كور) في مقاطع اخرى اسلوب التحريض الجماعي فهو يثير الصهاينة ويحثهم على
مزيد من القتل ، وكأنه يضع المسلمات التي تتيح انتاج عصبية دموية مميزة
:
هل يرحلون من المدينة
المحاصرة
المختنقة
الى اين سيرحلون
هل يسكنون
عندنا
في بيت الطفولة في (مسكاف
عام)
او انهم يسكنون عند اسواق
(معلوت)
اولئك القتلة لا مسكن لهم
عندنا
فهنا تنقلب المعادلة ، المستوطن
المستعمر يرفض ان يسكن اصحاب الارض في ارضهم ، ليس غريباً فهذا من طبيعة الصهيوني
المستعمِر ، لكن (كور) الذي يثير الصهاينة ضد العرب لا يجد مكاناً للفلسطينيين
يعيشون فيه فلذلك هم في نظره شعب زائد او فائض عن طاقة البشرية وهذا يذكرنا دوماً
بمقولات منظري الصهيونية أمثال (هرتزل) و(جابوتنسكي) .
ولأن الفلسطينيين شعب زائد حسب راي
الصهيوني فلا بد من ان يجد (كور) طريقة للتخلص منه وليس أفضل ـ في نظره ـ من القتل
:
اليوم في حملة سلام الجليل
سنسفك الدماء
الكثيرة
ونقتل الاطفال والنساء والشيوخ
لا رحمة لهم عندنا
لا وجود لهم في عالمنا
ولم تكن مذبحة صبرا وشاتيلا
والمذابح التي يقيمها الصهاينة الآن صدفة في التاريخ فأمثال هذه المذابح كثيرة ،
وكور في المقطع السابق يطالب بالمذبحة المستمرة كما طالبت قبله (نعمة شيمر) والشاعر
(يوناثان غيفن) والصرفات هذه وشبيهاتها ظلت وتظل تنادي الجيش العنصري بمزيد من
الذبح ومزيد من القصف وفي نظرهم ان العرب اعداء مميزون فيجب عدم السماح لهم بالرحيل
عن بيروت ، ويجب دخولها وتصفيتهم :
لو كنت قائداً لجيشنا الاسطورة
لما تركتهم يرحلون
من المدينة المحاصرة والمختنقة
.
والصهيونية حين تجند اصحاب الكلمة
في الكيان المستعمِر لا تجد افضل من الذين يشذون فكل اصحاب الكلام الفج امثال (كور)
لا يعترفون بالقيم حتى تلك التي تعيش عليها جماعات اليهود المتدينة ، انهم يجندون
فقط في ازمات كهذه ، ينشرون الكلمة الموجهة والمنتقاة لتصل الى اسماع المستوطنين
فتثيرهم حقداً ، وتشعل في نفوسهم حب القتل وسفك الدم دون
حساب.
الاحتجاج
ضد الحرب وجه مزيف للرفض
رفض الذهاب الى الحرب ، الى الموت ،
ظاهرة يتسم بها المجتمع الامبريالي الصهيوني بشكل عام فالحرب الفيتنامية كانت تجربة
مرة صارخة لكثير من الجنود الامريكيين الرافضين للموت في بركانها والكيان الصهيوني
الذي هو جزء من ذلك العالم العنصري يهتز يوماً بعد يوم بسبب اتساع ظاهرة رفض الجنود
الصهاينة الذهاب الى آتون الحرب سواء أكان ذلك خارج الوطن المحتل ام داخله
.
وينعكس الامر على جميع مستويات
التجمع الصهيوني ، يصرخ الناس خوفاً على ابنائهم لان الجنة التي وعدوا بها في
فلسطين لم تكن كذلك ، لقد كانت حسب الواقع جهنماً ، يشعلها اصحاب الارض الذين
تخيلهم زعماء الصهاينة بشراً دونيين .
وكذلك يأتي الانعكاس على الادب الصهيوني ،
فلم تكن الصهيونية لترسم حدوداً لمستعمراتها . وقد ربيِّ الصهاينة على ذلك ، لكن
القتل المستمر والزلازل الثورية في المنطقة جعلتهم ـ وبدون حدود ـ يطلبون الحدود !
قد تكون حدود الجغرافية ، وقد تكون حدوداً لمسيرة التوسع ، ولكنهم في المنطق
الصهيوني وفي الجذور النفسية التوراتية يرفضون من فلسطين ويرفضون الاقتناع بان
ارضها هي لأصحابها .
في صحيفة (عل همشمار) وبتاريخ
5/4/1983 م ينشر الشاعر الصهيوني (ابيشاي غروسمن) قصيدة طويلة بعنوان "كفى هناك
حدود" يحاول فيها القاء الضوء على ظاهرة الرفض وأسبابه في البداية يرى هذا الصهيوني
: ان الذي انتصر في الحرب هو الكذب ، لم يكن انتصاراً لجيش عظيم ، فالقتلى بالمئات
، والقبور لم تعد تجد لها مكاناً في الارض ، وبدل الاحتفال بالنصر جاءت النتيجة
مزيداً من الألم والبكاء وشق الأثواب حزناً على كثرة القتلى
:
نعرف أننا
قاتلنا
نخوض حرباً انتصرت فيها
الأكاذيب
وسالت فيها الدماء
سُدىً
ويرى (غروسمن) ان انفصال الجمهور عن
السلطة جعل اصحاب الامر ينظرون الى المسألة من زاوية واحدة ، وهي زاوية عظمة الكيان
الصهيوني ، لكن النتائج التي صححت المفاهيم خلقت الصدمة الكبرى ، غزو كبير لكنه يجر
أكبر كارثة قتل على الجمهور المستوطن الحالم بالجنة .
أصحاب الأمر
أرادوا حل مسألة ارض
(اسرائيل)
بحدِّ السيف
بالأكاذيب الكبيرة
الحرب المجنونة
زرعت في ارض
(اسرائيل)
آلاف القبور الجديدة
وفوقها نبتت زهور سود
تسأل
لماذا كل هذا
؟
ويبدو الحس المتمزق قد سيطر على
القطاعات العامة في الكيان الصهيوني ، يوقع (غروسمن) شهادات ادانة واضحة ، يتولد في
داخله عدم القناعة ، ويرى ان ما يحيط به ليس الا سراباً ، فالأحلام الكثيرة تتمزق ،
الناس يرفضون الموت . هم يريدون ارضاً بلا شعب كما وعدهم (هرتزل) يريدون الفردوس
الجاهز ، ولذلك يرفضون الموت وشتان بين هذا وذاك .
يستشف المرء من خلال اعترافات
غروسمن ان العنصر الصهيوني بعد ان عرف الحقيقة اخذ يكتشف ان ما يجاور كيانه بلاد
متأصلة والارض التي يستعمرها جزء من هذه البلاد وانه غريب فيها وليس من مصلحته ان
يموت خارج حدوده النفسية فيها :
في كل يوم
يسقط لنا في البلاد
الغريبة
شبان في مقتبل العمر
وتصرخ الارامل تصرخ الامهات
والآباء الطيبون الذين ضاع
منهم
ابناؤهم الى
الابد
اننا ندرك ان في الادب الصهيوني
توجيهاتً واضحاً نحو اثارة الذعر والعواطف الدموية ضد العرب لكننا في هذه المرة
نكتشف معنى اعترافات العناصر الصهيونية بالبلاد الغريبة عنهم ، ولا شك ان الصهيوني
يدرك ـ أو كاد ـ ان فلسطين التي هي جزء من هذه البلاد الغريبة عنه ، سوف تلفظه الى
بلاده التي جاء منها . وهذا الحس بالاغتراب ليس صنيعَ وهم بل هو نتيجة حتمية طالما
ان فلسطين ارض لشعب ، وهذا الشعب يقاتل ويجاهد وسيجاهد وسيجاهد ما دامت ارض سليبة
وخلال هذا الحس يبرز عامل مهم في تركيبة النفس الصهيونية ، هو عامل المشاعر
العدائية المكشوفة من قِبَلِ الناس الذين يعيشون داخل الشريط الحدودي المشبك
:
في الضفة الغربية تنمو
الكراهية العميقة
للذين يحتلون الارض
كثيرون منا نحن :
(الاسرائيليين)
يقبعون تحت تأثير الاكذوبة
الكبيرة
الحرب المجنونة في لبنان
ماذا جرى
لنا
انني خجل لما اسهمت به
وبعد ان يعرض غروسمن الاسباب
والنتائج وتنكشف نفسية قطاع كبير من الجمهور الصهيوني يدرك ان الحل ليس بالقتل وليس
باختراق الحدود وليس بالأوسمة التي توزع :
لا أنوي وضع وسام الأكاذيب هذا
يؤلمني ان تكون الامور على هذا
النحو
فلم يخطر ببالي يوماً ان
الوقائع تضطرني
للسير في طريق الرفض للسياسة
المجنونة .
وهنا نستطيع استخلاص ما يريده
(غروسمن) فهو يعبر عن مشاعر كثير من جنود الصهاينة الرافضين للذهاب الى الموت . كفى
هناك حدود ، ذلك ما كان يقصده (غروسمن) ، حدود القتل والموت
:
انني ارفض هذه
السياسة
ارفض هذه الحرب
الاكذوبة
كفى هناك
حدود
وكفى يا أصحاب
الأمر
إذاً لنقلْ : لم يبلغ الحس الصهيوني هذا
المدى من التمزق الا بسبب كون فلسطين ارضاً لها شعب وفي السياق نفسه ، مهما بلغ
الاحتجاج فان النظر بيعن واحدة لا يكشف الحقيقة . هذه النظرة هي نظرة مَنْ يكتب في
الكيان الصهيوني من احتجاجات كاذبة احياناً وموهة من قبل السلطة احياناً اخرى
.
في الكيان الصهيوني تكتلات بشرية
وآراء مختلفة ، منها ما يؤيد الحرب ومنها مايرفضها . منها ما يطلب السلام على
طريقته المبهمة المغالطة ، ومنها ما يتغنى بإراقة الدماء .
غير ان الجميع يصبون في اتجاه
الحفاظ على كيان صهيوني مهما كان شكله ، ومهما كانت طموحاته يقرأ المرء كلمات
الاحتجاج صارخة ، ويشم من خلالها رائحة الدم والحزن والقلق . ولعل عدم الارتباط بين
الصهيوني والارض الفلسطينية يجعل التجمع الصهيوني كله في تخبط نفسي يتميز بانه صادر
عن تلك التكتلات او تلك التيارات المختلفة على الاسلوب المتفق على الهدف
.
على اية حال فان سماعنا لصرخات
الاحتجاج داخل الكيان الصهيوني ضد الحرب تتجه في اساسها نحو ما أفرزته الحرب وعكسته
على واقع الحياة في المجتمع .
قتلى كثيرون ، غلاء في المعيشة ،
زيادة فاحشة في الضرائب ، وكأن الجنة التي وُعد بها الصهاينة المهاجرون اصبحت
جحيماً ولا سيما حين ينكشف الواقع الملموس ويدرك الجميع ان فلسطين ملك لشعب عربي
وليست ـ كما ادعى الصهاينة ـ ارضاً بلا شعب .
ومن خلال الحركات التي ظهرت كردة
فعل او كاحتجاج على الحرب حركة (السلام الآن) وقد افرزت هذه الحركة عدداً من
الشعراء والكتاب الذين احتجوا تارة ونقموا تارة اخرى على السلطة الصهيونية ، من
هؤلاء الشاعر (يبي) الذي نشر عدداً من القصائد التي يرشر مضمونها على مدى الشرخ
الذي يحدث في الكيان الصهيوني .
وليس هذا ما نريد الاشارة اليه ،
انما تلك القصائد التي كتبها الشاعر عن قلعة (الشقيف) والمعارك التي دارت فيها ،
ومن ثم قصائد اخرى يُظهِر الشاعر فيها الحركة النفسية التي تتعقد إبان الازمات ولا
سيما الحرب .
ينشر (يبي) قصيدة بعنوان : "قلعة
الشقيف" في ملحق صحيفة (عل همشمار) في 11/6/1982 م نرى من خلالها صورة الصهيوني وهو
يواجه يومياً عشرات التوابيت لقتلى شقيف وصيدا وصور في البداية يعترف الشاعر ان حرب
الصهاينة ضد العرب هي حرب ظالمة وما كان عدد القتلى ليرتفع لولا النهج العدواني
للسلطة الصهيونية .
من خلف نافذتي
انظر للقلعة الصامدة الشامخة
القلعة التي بصقت الجحيم
في وجوه الرجال
كأنها الوحش الاكثر
سواداً
من السواد نفسه
القلعة التي كانت
شعاراً
لهذه الحرب الظالمة
.
لكن (يبي) ـ وكبقية الصهاينة ـ يُغرق نفسه
في اتجاه آخر ، هو اتجاه اثارة العواطف ضد هذه القلعة المجنونة ، فحينما يوجه صرخته
للجمهور الصهيوني ، فان عنصر الاثارة يتجه نحو شد النفوس الى ما ينتج عن المعارك في
تلك القلعة ، وما ينتج هو معروف لديهم . قتل وجنازات ومناحات لم تشهد الحروب مثلها
:
القلعة المكروهة الملعونة
القلعة الحلم المخيف
للأطفال
في ملاجئ الجليل
والشمال
والآن بعد ان خرج الرجال
خُيِّل إليِّ أنه لا فرق بين
قادة (هتحيا)
والمبتهجين من حركة الكيبوتزات
ويعود الشاعر الى اسلوب الاثارة
العاطفية ، فهو يتحدث عن القلعة وعن كرهه لها لا لسبب ، إلا لأنها موطئ قدم للموت .
وهنا يبرز دور التحريض لمشاعر الصهاينة . فبرغم ان الشاعر ينتمي الى حركة (السلام
الان) فإنه ـ ومن خلال هذا الاسلوب ـ يفتح باب الاحتجاج من جهة ، ويفتح باب الردود
الانفعالية من جهة اخرى فهو يقول فيها :
لكَمْ أكرهها هذه القلعة
الصماء
ففوق حجارتها سالت
دماؤنا
سدىً
أرجوكم
اذكروا اعلانات الحداد
وكل الرجال الذين
سقطوا
من أجل احتلال الشقيف
أما في النصر الآخر وهو بعنوان :
"انا القاتل" فنرى صرخته تمتد اكثر ، وتكشف عن نزعته ضد السلطة . ويظل محور اتجاهه
قلعة الشقيف ، والمناطق التي جرى فيها القتال لكن الأهم من ذلك ان الشاعر يعتبر
الدم الذي سال بسبب الحرب اشبه بالماء الذي لاقيمة له
فإنني أشعر كأن
دمائي
أصبحت
ماءً
وأترك فردة حذائي في حقول
الزيتون
وأنا هناك عند قلعة الشقيف
ألتصق بالجدران وأرد باطلاق
النار .
لقد استفاد الشاعر من تجربة رفاقه
الصهاينة وتجربته هو بالذات . فمن خلال عدة شواهد واقعية ، ومن خلال عدة ردود افعال
تنكشف عند (يبي) حقيقة الامور ، يقلب المعادلة تماماً فحينما نراجع ما كتب ابان عام
1967 م نرى اشكال الادب الصهيوني كلها تركز على ابراز الشخصية الصهيونية المحاربة
وكأنها (السوبرمان) الذي لا يختبئ ، ولا يهرب ولا يُؤسر ، بينما نرى الادب في هذا
الاتجاه وفي هذه النصوص المعاصرة يأخذ في الميل الى الاستجابة للواقع المر . لم تكن
عملية الجليل كما يدعون اسمياً نزهة او حرباً خاطفة تنهي الموضوع خلال ساعات ، انما
كانت حرباً حقيقية قُتل فيها الآلاف من جنود العدوان ، ولهذا فان ردة الفعل لدى
الادب تأتي قوية وساخنة بل تصل أحياناً حد الصدام بين المتطرفين وبين من تأثروا
اكثر من غيرهم بالحرب كالذين قتل بعض أبنائهم .ويلخص الشاعر (يبي) مأساة القتلى
ومأساة الاوامر بقوله :
أرى العيون الميتة
الصامتة
اترى حكمة الدولة
حكمة الحرب / في افواه
المجانين
الحساب سنجريه فيما بعد
أما
الآن
فانا
القاتل
وبعد كل ما لمسناه وقرأناه فهل من
الممكن ان يجف الدم الذي أساله اليهود الصهاينة على ارضنا العربية في فلسطين ولبنان
؟ وهل ينقلب الصديق عدواً والعدو صديقاً ؟ هل يصبح الطيران الامريكي حامياً لسمائها
بعد ان قصف بلادنا في لبنان وليبيا ومصر وسوريا ؟
لا نستطيع ان نصدق ان حاجز الحقد
اليهودي الصهيوني الصليبي الامريكي يمكن ان يُحطَّم بعد ما حاول تحطيم الإنسان
العربي وارضه وارادته . العدو الصهيوني هو عدو والى الابد ، وصراعنا لن يقف ضد
سفاحي الدماء والاطفال والنساء حتى يسود العدل القائم على تساوي الناس في الحقوق
الانسانية التي تحاربها امريكا والصهيونية وكل المستعمرين .
نموذج
(رواية الارز) للصهيوني الارهابي (امنون شيموش)
من المتعارف عليه ان السياسة والفكر
الصهيونيين مادة خصبة لكافة موضوعات الادب الصهيوني الموه . ولما كان الادب
الصهيوني أجباً موجهاً فانه بالتالي يعكس سياسة وفكرً وفلسفة تتبناها الصهيونية
جميعها وتفرزها للواقع لتلعب دورها المرسوم والمخطط لها .
فنحن الآن مع ادب مفرز جديد خلقته
ظروف الحرب اللبنانية او ظروف الحرب بين جيش الاحتلال اليهودي والمقاومة العربية
الفلسطينية . رواية اسمها (الارز) للكاتب الصهيوني (أمنون شيموش) قسمها الاول جاء
بعنوان (زحلة) ، وهذا القسم يزخر بمادة سياسية تضرب على وترها الصهيونية منذ نشوئها
.
ففكرة الرواية تسليط الضوء على بعض
خفايا المجتمع العربي في لبنان . وتبدأ الرواية بوجود اثنين من قوات البالماخ
اليهودية التي كانت تعمل مع قوات جيش الاحتلال الانجليزي في زحلة . يسمعان أغنية
تشيد بمفاخر هذه المدينة . ويحصل لقاء بين فتات اسمها (مارغو) وهي (مارونية) من
زحلة وبين (ابي سليم) الشاب الفلسطيني الذي جاء ـ حسب زعم الرواية ـ متطوعاً مع
عناصر الجيش .
ابو سليم يضعُف أمام مذاق العرق
الزحلاوي بينما (مارغو) تشعر بعدم الراحة حين يراها أقاربها مع (ابي سليم) . وحسب
ما يورده الكاتب ـ فان (مارغو ) ـ فتاة مارونية مسيحية وأبو سليم شاب مسلم يخدم في
مخابرات العدو العسكرية . واللقاء الذي تم بينهما هو بداية تفاهم قد يسميه تفاهما
عاطفياً غير انه لم يكن كذلك لأنه يتم بين (متجانسين في الفكر والنفس ولا أهمية
للقضية الدينية في مجمل الظروف ولكن لنر كيف يستخدم الكاتب سلاح الطائفية في سرد
روايته ثم لنر كيف تزخر الرواية بالعنصرية حتى بين اليهود انفسهم ، ثملنر كيف تعبر
الشخصيات عن هذه الافكار جميعها) .
ومن المفيد أولاً ان نتوقف عند
دراسة الشخصيات ، فهي تصب الافكار الى جانب ما يصبه الكاتب نفسه . وكما قلنا
(فمارغو) فتاة لبنانية مسيحية ، وابو سليم شاب فلسطيني مسلم تُفرض عليه الخدمة في
البالماخ . و (يوسف أفندي) يهودي يمني يخدم في الجيش و (نيرو) شاب يهودي من الغرب
وهو مجند فيالجيش ايضاً وهناك شخصيات
ثانوية كبعض الجنود .
في البداية يوقع الكاتب (ابا سليم
ومارغو) في حب من نوع غريب ، يجمع الاثنين ليطرح مشكلة الطائفية من جانب وليُظهر
بالمقابل كيفية التعامل بين اليهود على شتى جنسياتهم .
تتكرر لقاءاتهما ، ومن خلال احد
اللقاءات تقول الفتاة : اننا اقرب ثقافة الى الغرب والى فرنسا من الشرق والعرب
ويتحدث الكاتب على لسان ابي سليم فيقول ونحن ايضاً ولكن ثقافتنا اقرب الى الانجليز
.
تقول مارغو : علينا ان نقلل من
لقاءاتنا لان أهلي ينزعجون بسبب كونك مسلماً وفلسطينياً وعلى شاكلة هذا الطرح يستمر
تصور الكاتب . فالفتاة وابو سليم يحبان بعضهما ولكن السبب الديني الطائفي يمنع
اجتماعهما وهذا حسب راي الكاتب .
ولو ناقشنا شخصية ابي سليم وحللناها وجدناها شخصية وهمية مفترضة من صنع خيال
الكاتب ووهمه .فابو سليم شاب فلسطيني مسلم يخدم في البالماخ ويحب فتاة لبنانية
صادفها اثناء خدمة جاسوسية في لبنان . فهذا الخليط الذي يركز عليه الكاتب يصبح من
الامور المستحيلة . لكن الواقع يقول ان الكتاب الصهاينة منذ عهدهم بالرواية
وكتابتها بالانجليزية والعبرية يحاولون تشويه الشخصية العربية ووصفها بانها ذات
بنيةِ نفسيةٍ رخيصة وهذا ما عهدناه في رواية (الخروج) ورواية (نجمة في الريح)
وروايات (يائيل دايان) (غبار) ـ و(كان للموت ابنان) ـ و(طوبى للخائفين) وغيرها
.
أما حينما نتصفح شخصية (يوسف افندي)
تتقلب لنا صفحاتها المتناقضة تناقضاً يشير بوضوح الى سقوط الكاتب وروايته . (فيوسف)
معروف من قبل اصدقائه . مقبول من الفتيات ، كان جسمه مرناً ، وهو ذو حسٍ مرهف يحب
الرقص والموسيقى . وكان يراقص الفتيات ساعات طويلة وفي الوقت ذاته وحسب رأي الكاتب
فيوسف حاقد لا يعود من معركة ضد العرب حتى يتطوع للدخول في معركة أخرى
.
وقد استطاع يوسف ان يثير حسد "نيرو"
وابي سليم لأنه جاء من المعارك على الفور وقد حدثهما بكل المعارك والقصص المثيرة
التي حدثت له هناك بشيء من المبالغة التي كان يريد بها ان يزيد من إثارتهما حى انه
يعود الى ايام سبقت حين يتحدث عن الطائرات التي امتلكها الجيش والتي قصفت القاهرة
والعريش ثم حدثهما عن الناصرة واللد والرملة وعن محاولة الدخول الى القدس الشرقية
اما حين نتفحص الافكار التي طرحها الكاتب في هذا القسم نرى ان اهمها تركيزه على
التعامل بين اليهود فنرى مثلاً الحديث الذي يدور بين (ابي سليم) و(نيرو) حول يوسف :
يقول (نيرو) عن اليمنيين : عندما قدموا الى البلاد كنت أحسبهم بدائيين وهذا ما أوحى
لي به لباسهم وتقاليدهم :
يرد أبو سليم : انهم اندمجوا في
المجتمع بسرعة .
يرد نيرو : وهنا جوهر المسألة . أظن
ان بعضنا ينظر اليهم من الاعلى الى الاسفل فنساؤهم ما زلن في البيوت منكبات على
الاعمال المنزلية ، واهم شيء انهم يشعرون بالنقص امام الآخرين وخاصة انهم من بلدٍ
شرقي متخلف . اليمنيون ما زالوا نظيفين من الداخل . ولم يحاولوا الاندماج مثلنا
بالحضارة الغربية ونعتقد ان لنا ميزات خاصة بنا ، امر مضحك اننا بعد كل هذه السنين
نقول عن زميلنا يوسف (يوسف اليمني) .
إذاً فالمسألة التي يطرحها الكاتب
مسألة مقارنة التعامل عند العرب والتعامل عند اليهود . لكنه أي الكاتب يسقط في كشف
زيف الواقع الذي يدعيه . فمن المعروف ان التمييز العنصري يلحق بالعرب لكنه يلحق
باليهود الشرقيين ايضاً . فاليهود اليمنيون اناس من الطبقة الدنيا في المجتمع
الصهيوني . والتفرقة واضحة حتى في الذي اورده الكاتب من افكار وليست هذه هي المرة
الاولى التي يطرح فيها كاتب صهيوني قضية التعامل بين يهودي غربي مستغل ويهودي شرقي
مستغل وقد وجدنا ذلك في قصص كثيرة وروايات صهيونية قديمة وحديثة .وطبيعة كطبيعة
الكيان الصهيوني تفضح نفسها بنفسها فهي تفتقر لأقل المكونات غير ان توترها المستمر
والمشحون بجو الحرب اضافة الى حقن النفوس وتربيتها على الحقد والدموية جعلا تلك
الطبيعة سمة اصيلة يتسم بها التجمع الصهيوني . لنلاحظ مثلاً هذا الحوار القصير الذي
يدور بين (نيرو) وزميله : يقول (نيرو):
ان هذا اليمني يتحدث وكأنه سياسي
محترف . ويجيبه زميله : لو لم يكن يمنياً لأصبح شيئاً كبيراً وهذا يعني ان التمييز
العنصري يجعل من اليمني مهما بلغ من علم وثقافة في مصاف طبقته الدنيا ولا يمكن ان
يبلغ شأناً طالما ان اليهودي الغربي يتحكم في كل شيء . ذلك هو واقع (يوسف) وواقع كل
الشرقيين ، والمعروف انهم يشكلون 60% وليس الشرقيون سوى جنودٍ يموتون دفاعاً عن وهم
صنعه منظرو الحركة الصهيونية ولو فكرنا قليلاً وعدنا الى الخلف ونسأل كيف يفعل
الادب الصهيوني فعله في التجمع الصهيوني ويشحنه بينما يقصر الادب العربي الفلسطيني
في الذات في شحن النفوس وحقيقة الامر ان التربية الصهيونية توجه كل نتاج فني وادبي
توجيها خاصاً . لا يغفلون لحظة عما يكتب بل انهم يتدخلون كثيراً في توجيه أي كتاب
او رواية الوجهة التي يريدون ، وهذا ما يعكس تركيزهم على الفكرة دون الاهتمام
كثيراً بالشكل ولهذا يأتي الادب الصهيوني بمجمله فجاً ساقطاً ليس هناك فرق بينه
وبين أية مقالة سياسية سوى ما يهدفون اليه من توجيه تربوي مصاغٍ بلغة هي اقرب الى
لغة الادب منها الى لغة العلم .
ومرة اخرى فاننا اذا تفحصنا افكار
الرواية يتضح من خلالها قصد الكاتب في اظهار التعاون بين اليهود وبعض اللبنانيين
.فالعلاقة ليست مجرد علاقة حب . انها علاقة فحسب وثقافة متبادلة بمعنى ان الكيان
الصهيوني يسعى لخلق تعاون ومحبةٍ بين شتى الاجناس البشرية على انتماءاتهم كافة .
وبالطبع فهذا ادعاء وباطل وكثيرة هي الأدلة على ذلك ويكفي الدليل على ما حدث في
صبرا وشاتيلا عام 1982 وما يحدث في قرى جنوب لبنان وما يحدث الآ، في غزة والضفة
ونرى ايضاً ان سلاح الطائفية من اهم الاسلحة التي يستخدمها الكيان الصهيوني ان كان
ذلك على المستوى الفكري والسياسي او الادبي والفني . اما من حيث عنصرية الافكار
تجاه العرب في الرواية فنرى الحوار التالي :
يقول نيرو : لقد اتمت الفِرَقُ هناك
المعارك العسكرية وها قد تفرغوا لتخطيط بعض العمليات من أجلكم وهذا ممتاز كل كلبٍ
يأتي يومه ويرد يوسف : كلبان أحرى بذلك !
وبالطبع فعندما يتدخل الروائي
الصهيوني ويلصق بعض المفاهيم بالشخصيات فانه يتجاوز كثيراً حدود المنطق الفني
والموضوعي . فوصف العرب (بالكلب) ووصف الجندي الصهيوني (بالقناص) الذي سيقتل هذا
الكلب يدل على نوعية الاحساس العنصري عند الكاتب .
وفي مقطع آخر تتضح الدموية العنصرية
في اكثر من محور شخصي (كان يوسف قد حدثه بكل المعارك والقصص المثيرة التي حدثت في
شيء من المبالغة للقتل وملاحقة الجنود الفارين ومن ثم قتلهم وكان يريد من حديثه
اثارته لكي يصبح القتل لديه أمراً تافهاً .
ومن زاوية اخرى نرى الحديث عن يوسف
اليمني يأخذ منحى عنصرياً هاماً يقول نيرو : لقد اصبحوا يخجلون من اصلهم وينكرون
ماضيهم وأظن ان ابتعادهم عن الحضارة هو سبب عدم اندماجهم الكامل بغيرهم ، وعدم
تعلمهم لغة جديدة ، واظن انه لا مناص لهم من التمايز فلباسهم وعاداتهم ولهجتهم تؤكد
ذلك).
ونرى ان الفجاجة التي وصل اليها
الكاتب جاءت واضحة تماماً لا سيما حين يتحدث بهذا الشكل فهو يصبح هنا موجهاً
تربوياً وليس روائياً .ومن ناحية اخرى تسقط البراهين على اندماج اليهود بعضهم ببعض
مما يجعلنا ندرك ان أي كاتب صهيوني ينزلق دوماً للكشف عن التناقضات العنصرية وليس
أدل على ذلك من قول (نيرو) أظن ان لنا ميزات خاصة تختلف عن ميزاتهم . والمقصود هنا
اليمنيون .
ان التجمع الصهيوني لا يمكن ان تتم
له عملية الدمج لان العناصر المكونة له مفقودة ، وبقاؤه على هذا الشكل من العنف
مرهون بتوتره الدائم نحو الحرب واستمرار الشحن النفسي التربوي والمادي ، وهذه
المقتطفات من الرواية وافكارها تُبَثُ في اكثر من وسط اعلامي ان كان اذاعياً او
غيره وتنتقى مثل هذه الروايات ليقرأها الطلبة في المراحل الثانوية والجامعية لتنفذ
برامج التغذية التربوية للبرنامج الصهيوني الاستعماري العام
.
نموذج مسرحي . المواطن ـ اليهودي
البشع
ومن المعروف ان الاحتجاجات
الصهيونية الصادرة من قبل بعض الفئات في التجمع الصهيوني تأتي رداً على التمييز
العنصري بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين وبين اليهود من جهة والعرب من جهة
اخرى ، وهي ايضاً تأتي رداً على كثرة القتلى والجرحى اليهود الذين يكونون ضحايا
التربية العنصرية الصهيونية وضحايا الفكر الصهيوني التوراتي التعصبي
.
واذا كان الشعر قد افصح عن تلك
الاحتجاجات واذا كانت الرواية احجمت عنها أحياناً فان المسرحية التي تعتبر فناً
متميزاً يأخذ سمات خاصة بين فنون الادب قد استطاعت الافصاح عن صرخات الاحتجاج بشكل
فاضح على ارض الواقع .
ففي عام 1967 وبعد حرب حزيران
العدوانية قدم بعض الصهاينة مسريحة ملكة الحمام وكان يقصد بها "اسرائيل" حسب الرمز
الوارد فيها وقد جاءت ناقدة بشكل لاذع للتجمع الصهيوني والسلطة الصهيونية مما حمل
(موشي دايان) وقتها على وصفها بانها مسرحية (حقيرة) ويجب ان يتوقف عرضها وفعلاً فقد
اوقفت المسرحية لما فيها من صوت لاذع منتقد .
واذا كانت حرب حزيران قد ادت الى
احتلال مزيد من الاراضي والى مزيد من التوسع فان الحروب اللاحقة ادت الى انكسار
الشخصية الصهيونية ووضعها في حجمها الصحيح ، وهذا ما دفع ببعض المسرحيين الى تقديم
مسرحيات تتسم بالسخرية تارة وبكشف عنصرية السلطة الصهيونية تارة أخرى
.
وفي هذا الصدد تستوقفنا مسريحة وبعض
التعليقات عليها ، حيث ظهرت كردة فعل على حرب الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني الذي
يحارب بالحجارة والايمان وبقوة الحق وطهارة الارض وهذه المسرحية شاهد على التربية
العنصرية الصهيونية والحقد الدموي ضد العرب مؤلف هذه المسرحية هو الصهيوني (يوشع
سوبول) ومخرجها (هنوخ ليفن) .وقد فعلت السلطة الصهيونية بها كما فعلت بمسرحية ملكة
الحمام . فقد أوقفتها الرقابة في الكيان الصهيوني لانها ساخرة وفاضحة للتربية
العنصرية اليهودية .
تدعى المسرحية (الوطني) وقد صورت
الصهاينة بانهم متعصبون ومنحلون وقتلة يتسلون بقتل العربي دونما رحمة وانهم مجردون
من أي شعور انساني .
وقد اثارت هذه المسرحية ثائرة
المسؤولين في الكيان المغتصب والجزء الاعظم من التجمع الصهيوني في الكيان ان كانوا
عاديين او غير ذلك . اما الحاخامات فقد جن جنونهم ووصفوها بانها معادية لليهود
والديانة اليهودية . وهي منحلة وساقطة . وبعد صدور قرار المنع عُرضت المسرحية رغم
الرقابة على مسرح (نيفي زيدبك) المقام في الهواء الطلق في (تل الربيع) وقد لاقت
إقبالاً شديداً من الجمهور ، لكن هذا الجمهور كان يخرج ساخطاً لاعناً المخرج
والمؤلف والممثلين .
مسرحية (الوطني) تدور حول صهيوني
يدعى (ارئيل إيفرمان) تصيب هذا الرجل حياة الملل وخيبة الامل ، فيقرر الهجرة الى
الولايات المتحدة ، ويحصل (ايفرمان) على التأشيرة ويبصق على "اسرائيل" ومنها فيها ،
ويسافر ولكنه ما ان يصل الى امريكا حتى يتم استدعاؤه الى الكيان الصهيوني للإشتراك
في حرب يخوضها مع البانيا !! ويتخلل المسرحية مشهد مؤثر حيث يقوم الصهاينة خلاله
بركل فتى عربي ثم قتله رغم توسلاته التي تقطع نياط القلوب لكن غضب الجمهور الصهيوني
على هذه المسرحية لم يأت كما يتبادر الى الذهن من انتقادها المفعم بالسخرية للحروب
المتواصلة التي يشنها الكيان وعصاباته ضد العرب.
كما انه لم يأت كذلك من احساس
بالشفقة على العربي الاعزل الذي قُتل ببرودة اعصاب ومشكلة الصهاينة مع هذه المسرحية
هي انها صورتهم على حقيقتهم فاذا بهم يكتشفون بعد مشاهدة المسرحية انهم لا يختلفون
في شيء عن اليهودي التقليدي ، وقد ازعجتهم هذه الحقيقة بشكل خاص لانهم كانوا
يتوهمون انهم تغيروا وصاروا حضاريين يواكبون المجتمعات المتحضرة في العلاقات
الانسانية العامة والخاصة .
وقد أزعجتهم هذه الحقيقة بشكل خاص
لانهم وجدوا قسوة وصدمة من كشف الحقيقة امام انفسهم ، لقد انكر الصهاينة الذين
شاهدوا المسرحية شخصية (إيفرمان) الصهيوني وقالوا انها لا تشبههم ولا هم يشبهونها
واذا كان الامر كذلك فلماذا السخط ؟ ولماذا هذه المرارة ؟ .
ويعلق احد كتاب صحيفة (جيروزاليم
بوست) وهو ممن شاهدوا المسرحية عليها ، لكنه لا يستطيع ان يداري ألمه لأنه وجد نفسه
وجهاً لوجه مع اليهودي التقليدي التوراتي إياه والذي مثله في المسرحية (إيفرمان)
وكتب هذا الكاتب يقول ان (ايفرمان) يعرض اليهودي التقليدي بوجهه العابس المتجهم
بكآبته المعهودة ، بمزاجه المتنكر الذي يبعث على الغيظ والاشمئزاز والتقزز
.
وقد جرت الامور على هذا المنوال طول
مدة عرض المسرحية .
(ايفرمان) جاد في البحث عن اولئك
الذين يعملون دوماً للايقاع به ، انه مشاكس دوماص يضج بالشكوى ، متبرم بالحياة
دوماً يجأر شاكياً من ظلم متوهم في الحياة ، لكنه على استعداد في اية لحظة لاستغلال
ضعف الآخرين . يسجن فيهم الرب نفسه . انه ينكمش ويتضاءل امام اعداء اقوياء ولكنه
يتبدى قاسياً ومتجبراً تجاه من هم اضعف منه ، يتشدق بالوطنية غير انه يكره كل ما
تمثله هذه الكلمة ، ويينتهز اول فرصة للهرب من الكيان ، هو لا يحب احداً ، ولا يرغب
في مصادقة احد ولا يكن أية مشاعر حميمة لأي انسان بما في ذلك امه ، والعرب بطبيعة
الحال ، انه عاطفي في كلماته ، قاسٍ في أفعاله ، وهو فاسق وداعر ، ومشاعره الدينية
لا تتجاوز السطح.
هذه الشخصية المتقلبة والتفاهة ،
(والكلام لا يزال للكاتب المعلق) والحاقدة والمتشككة والمعزولة عن الانسانية ، وعن
العائلة ، وعن النفس ، هي الشخصية الكريهة لليهودي التقليدي او اليهودي التائه كما
صورها مخرج المسرحية ، (هانوخ ليفن) ويصف الكاتب مشاعره وهو يشاهد المسرحية فيقول :
كان الواحد احياناً لا يتمالك نفسه من الضحك المصحوب بمشاعر الارتباك والحرج ،
ويتمنى لو انه كان بعيداً عن ذلك المكان . ان الجمهور الصهيوني لم يبدِ اشمئزازاً
او سخطاً على مقتل الفتى العربي في المسرحية ولكنه يبدي سخطه لان احدى شخصيات
المسرحية تشبه هذه الجريمة بعمليات قتل الاطفال اليهود اثناء الحرب العالمية
الثانية على يد النازيين .اذ كيف يسمح (هانوخ) لنفسه بتشبيه قتل الاطفال العرب بقتل
الاطفال اليهود . ان الكاتب يبرر رفضه لهذا التشبيه بحجة أنه عمل دعائي لا مبرر له
من الناحية الفنية .
ويقول : ان مثل هذه المقارنات كان يجب
تركها (لمناحيم بيغن) او لأولئك الصحفيين الذين يفتقرون الى القدرة على الوصف ، وفي
النهاية يصل الكاتب الى الخلاصة المؤلمة فهو يعلن ان المسرحية تثبت ان الصهيونية قد
خسرت معركتها ضد ما يسمى بعمليات تشويه صورة اليهودي ، وبالتالي فان اليهودي التائه
ما يزال يعيش بين الناس أي في الكيان الصهيوني ذاته ، واغلب الظن ان غالبية
الصهاينة تشارك الكاتب في استنتاجاته ، والسؤال لابد من طرحه هنا هو هل كانت
الصهيونية تسعى لتغيير اليهودي ام صورة اليهودي ، مهما يكن فان المسرحية تقول بان
شيئاً لم يتغير . الصهاينة جُبلوا على الحقد والدموية والتعصب الفوقي
.
ملاحظة :
1- سجل الفصل الوارد من رواية الارز
من إذاعة العدو في برنامج نافذة على الادب العبري الحديث الذي أذيع يوم الخميس
الساعة الخامسة الا ربعاً عام 1982 . اكتوبر .
2- الاشعار التي تم تطبيق الدراسة
عليها نشرت مترجمة في صحيفة الدستور الاردنية وصحيفة القبس الكويتية وقد ترجمها
الاستاذ علي خليفة من العبرية الى العربية بعد عام 1982.
3- التعليق على مسرحية (المواطن
الصهيوني) جاء في صحيفة جيروزاليم بوست ونشر بالعربية في صحيفة الدستور
الاردنية.
التربية
الصُهيُونيَة
من
المخدرات وتجارة الرقيق الأبيض
الى
العُنصُرِيَة والفَاشِيَة
التربية
النفسية في الكيان الصهيوني ذات جذور متعددة الاتجاهات . فهي تبدأ بالجذور الدينية
ولا تنتهي عند الحدود الفكرية . وتأتي النصوص الموجهة للناشئة ذات اتجاه عنصري لما
فيها من تخطيط تربوي مبرمج ومرتب .والمدقق في ذلك يرى ان نتائج هذه التربية في
الكيان الصهيوني تأتي على صعيدين :
1- صعيد الحقد التعصبي ضد العرب
.
2- الشذوذ المسلكي والانحراف
الاخلاقي عند الناشئة . وبين الشذوذ الخلقي والعنصرية الدولية رابطة قوي يربطهما ،
فبقدر ما يكون الإنسان شاذاً مسلكياً بقدر ما يفيد العنصرية اذ تصبح المسألة مسألة
شخص لا تهمه القيم الاجتماعية والمثل الايجابية على كافة المستويات فالقتل بسبب
شذوذ اخلاقي او بسبب جرعة هيرويين يصبح سهلاً ايضاً ولأتفه الاسباب لا سيما اثناء
الحروب والكوارث .
من هنا بقيت العلاقة وما تزال بين
السلطة والفرد في التجمع الصهيوني غامضة على الكثيرين اذ ان هذا التجمع الذي اقيم
من خلال تنفيذ ابشع اساليب القمع والقتل والذبح وجد نفسه مواجهاً لآلاف الشباب
والشابات الذين يشكلون بنية هامة في التجمع ، يشذون اجتماعياً ويصبحون اما لصوصاً
او تجارة مخدرات او مومسات على مستوى الفتيات .
وعندما يحاول الكيان الصهيوني
بسلطته العنصرية ان يبتر او يحارب هذه الظواهر فانه بذلك تواجهه مسألة تعم المجتمع
كله من القمة الحاكمة الى الجمهور الذي يشكل افراده بنية الجيش والمؤسسات الاخرى
.
وبمعنى آخر اذا أرادت السلطة
الصهيونية ان تحارب هذه الظواهر فانها تجد نفسها وجهاً لوجه في حرب ضد نفسها ، اذ
ان التجمع الصهيوني يقوم كله على مسألتين : 1- المسألة العنصرية أي الحقد ضد العرب
. ومسألة الشذوذ الاخلاقي وكلا المسألتين تخدمان بعضهما بعضاً على مستوى الكيان
الصهيوني الفريد في نوعه .
وبطبيعة الحال فان ذلك عائد الى
الفلسفة الصهيونية ذاتها كما ان كل مجتمع يستمد قيمهُ من فلسفته فان الصهيونية
النظرية كانت وما تزال الفكرة الاساسية لخلق اساليب التفكير عند الفرد اليهودي ان
كان ذلك داخل الكيان أو خارجه .
لقد اجمعت الدراسات كلها حول عنصرية
الصهيونية وفاشيتها ورجعيتها الفكرية حتى ان بعض المفكرين اليهود غير المنتمين
للصهيونية ولأفكارها كتبوا دراسات مستفيضة حول ذلك (1) وبنوا من خلال تحليلاتهم
ورؤيتهم فكرة ان الصهيونية بهذه العنصرية وهذا الشذوذ تريد خراب العالم مسلكياً
واقتصادياً وفكرياً واجتماعياً .
ومنذ البداية نجد ان التربية
الدينية تلعب دوراً كبيراً في صياغة انماط التربية والتفكري ولا سيما تفكير منظري
الحركة الصهيونية(2) .
وهنا لا بد من التوقف قليلاً
والعودة الى الشواهد الحية الدالة على تأثير الشذوذ والعنصرية على اتجاه التجمع
الصهيوني سياسياً واجتماعياً لا سيما في وضعه الشاذ والعجيب في المنطقة العربية ومن
خلال ذلك يمكن ان ندرس عدداً من الظواهر المتفشية في هذا الكيان والتي هي نتيجة
حتمية في كيان عنصري دموي يقوم على اساس العدوان .
ان للتربية الصهيونية ظواهر عدة
تنبعث في اساسها من التوجه الديني ثم التوجه الاجتماعي فالتاريخي فالفكري والسياسي
.
وفي مراحل تعليم الطلبة وتثقيف
الشبيبة تركز التربية على العودة الى شواهد من التوراة والتلمود لتكون عامل ربط بين
ماض] أكل عليه الزمن وبين حاضر غير مستقر الا بالعدوان غير ان ذلك لا يأتي عفوياً
بل مدروساً ضمن توجه عام ينبغي ان يكون ليخلق جيلاً من الشباب المتعصب مذهبياً
وعرقياً المتعصب ضد الاغيار او كما تقول فلسفتهم (غوييم) .
وحين نراجع نصوصاً من التوراة
وأسفارها وما فيها من حس عنصري وشذوذ اخلاقي فانها تفتح أعيننا على الاسباب التي
تجعل شباب العصرفي الكيان يميلون الى الشذوذ الاخلاقي والحس العنصري
.
ففي باب التعامل العنصري يعتمد
الصهيوني في علاقات الزواج على مقولة توراتية تقول : عندما شاخ اسحق دعا ابنه يعقوب
قائلاً (لا تأخذ لك زوجة من بنات كنعان)(3) هذا على المستوى الديني العنصري اما على
مستوى المسلكية الشاذة فقد ورد في سفر القضاءة انه كان رجل متغرباً وهو (لاويُّ) في
عقاب جبل افرايم فجاء الى مقابل (يبوس) ومعه حماران وسريته معه ذهب وإياهم الى جبعة
التي (لبنيامين) وجلسوا في ساحة المدينة ولم يضمهم أحد الى بيته واذا برجل شيخ جاء
من شغله من الحقل والرجل من جبل افرايم وجاء به الى بيته وعلف حميرهم وفيما هم
يطيبون قلوبهم اذا رجال المدينة رجال بني (بليعال) أحاطوا بالبيت قارعين الباب
وكلموا الرجل صاحب البيت قائلين اخرج الرجل الذي دخل بيتك فنعرفه (أي نمارس اللواط
معه) فخرج اليهم الرجل وقال لهم لا تفعلوا شراً لا تفعلوا هذه القباحة هي ذا ابنتي
العذراء وسريته دعوني اخرجهما فأذلوهما وافعلوا ما يحلو في أعينكم فلم يرد الرجال
ان يسمعوا له فامسك الرجل سريته واخرجها فعرفوها (استخدموا اللواط معها ، وتعللوا
بها الليل كله)(4) فهذه القصة الموجودة في سفر القضاة تدل ان قبيلة (بليعال)
اليهودية كانت تلجأ الى اللواط الذي هو اكثر شذوذاً من أية ممارسة لا اخلاقية اخرى
وننظر الى واقع الحياة الصهيونية في الكيان فنجد ان ظاهرة اللواط تنتشر شكل واسع
بين جيل الشباب والطلبة (الصابرا) وطالما ان تاريخهم الديني يعترف بقيام جماعات
منهم بفعل هذا الشذوذ فلا يجدون حرجاً في تقليد ما فعله سفله الشعوب في التاريخ
القديم .
يقول جاك ديروجي معلقاً على هذه
الظاهرة (ثمة بغاء في اسرائيل بين الذكور يستند أساساً الى اللواط) (5)
.
بالطبع فان التربية الدينية
الصهيونية تفسر هذه النصوص التوراتية تفسيراً يخدم فكرتها . ويحاول مفكروها
ومنظروها وعن طريق الخداع والتضليل تفير هذه الظواهر وتفشيها بين اليهود في القديم
على اساس ان (يهوه) إله اليهود يبيح لهم بعض المعاصي ويسامحهم ان ارتكبوها . وهذه
التعاليم ورغم عملية غسل الادمغة المعاصرة للطلبة لا بد ان تلقى صدى لديهم فتكون
النتيجة التفسيرية لدى الطالب نتية شخصية لتفسير شخصي يُبيح ما يحلو له .بحيث يبحث
هو نفسه عن اسلوب خاص لسلوكيته التي تنشأ معه من خلال ممارسات صغيرة وتجريبية ثم
تكبر حتى تتجاوز التجربة لتصبح جنوحاً الى عالم الجريمة والشذوذ اللاأخلاقي الحقيقي
.
لقد حاول الفكر الديني ، وحاولت
التربية الدينية الصهيونية ان توهم اليهودي القادم من خارج المنطقة ان تجمع الكيان
الصهيوني هو مثال للمجتمعات من حيث مسلكيته الخلقية ويرى هذا التوجه الفكري انه لن
تكن مومسات بين فتيات اسرائيل ، والحقائق الاجتماعية الواقعية التي توصل اليها
الباحثون الاجتماعيون ترى ومن خلال الارقام ان اليان الصهيوني من الكيانات المتقدمة
في احتواء المومسات .يقول ديروجي دون ان نحسب النساء اللواتي يبعن سحرهن في
المناسبات نستطيع ان نحصي من خمسة آلاف الى سبعة الاف مومس لا تبلغ الصغيرات منهن
سن الثالثة عشرة من عمرهن ومن بينهن من ينحدرن من عائلات ممتازة (6)
.
وإذا عرفنا ان التجمع الصهيوني
وبسبب من طبيعة التركيبية الاجتماعية الشاذة يخلق لدى الشخصية اليهودية نزعة
الفردية والنانية فان مسألة انتشار المومسات بهذه الاعداد هي نتيجة حتمية لتفشي روح
الفوضى الفردية لدى اكثر الناشئة الصهاينة ، وحينما نرى ان الفلسفة الصهيونية
والكيان الصهيوني يمجدان بطولة الفرد كبطل اسطوري فان ردة الفعل لدى الناشئ
الصهيوني تكون بتمثل هؤلاء (الابطال) الذين اثروا في مجرى الحياة الصهيونية
.
وعندما لا يفسح المجال لهم خارجياً
للتعبير عن نزعتهم الفردية فانهم يعتمدون في خلق فرديتهم على ابتداع اساليب القتل
او التعذيب او القهر المستخدم ضد العرب داخل فلسطين المحتلة وخارجها . ولعل ردة
الفعللا تكفي باتجاه واحدٍ ، فالمدقق في طبيعة الشخصية الصهيونية داخل الكيان يرى
انها تنجح لتحقيق الفردية عن طريق الشذوذ الاخلاقي الذي يدر الفرد ن ورائه ارباحاً
طائلة وهروباً من واقع معقد .
ويرى في ذلك الباحث جاك ديروجي أنه
بمقابل خمس مائة مستوطن في الدولة اليهودية اختاروا الهجرة باتجاه حياة مريحة يوجد
اكثر من عشرة آلاف لعبوا ورقة اللاشرعية بشيء من السعادة وهم يتوزعون بين النشالين
واللصوص المحنكين والقوّادين المبتئدين ومالكي مراكز الجنس (7)
.
ولما كانت التربية الصهيونية تقوم
على شحن نفوس الناشئة باتجاه واحد هو اتجاه الحرب والتوتر الدائم فان الانفجارات
النفسية والانفعالات الحادة خلقت حالات نفسية مرضية واتجهت هي ذاتها عدة اتجاهات
منها الاتجاه نحو الحرب كهواية . وبعضهم لجأ الى الجيش وراح ينتظر اية حرب او أية
عملية يكون فيها قتل للعرب ، ولا يحسب في هذه الحال الى أية حسابات مهما كانت
النتائج ولا أدل على ذلك من الصهيوني الامريكي (آلان هاري غودمان) (8) الذي هاجم
المسجد الاقصى . الذي قيل عنه انه معتوه . فهذا المجرم دخل الجيش وقام بارتكاب
جريمة الاقصى واشترك في الغزو الصهيوني لجنوب لبنان لكنه جُرح جروحاً بليغة . وكان
رفائيل ايتان رئيس اركان جيش الكيان الصهيوني قد اطلق سراحه بعد سجن صوري بشرط
الاشتراك في الحرب وقتل اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين .
ومن تلك الاتجاهات تجارة الغاء
والرقيق الابيض . فرغم الوجود الهائل للشاذات البغايا فان جماعاتهن تشكل عصابات
يتوزعها شباب مجرمون ، ويعتبرون بذلك قوادين يأخذون المال نتيجة افتراض حمايتهم
للشاذات ، ويروي الكاتب ديروجي عن احهم ويُدعى (مائير كوهين) (انه قد اصبح بعد مرور
سنتين على رأس اثنتي عشرة مومساً كن يلتقطن الزبائن على الرصيف ويدخلن بهم الى
المراقص التي كان كوهين قد اصبح سيدها في وقت قياسي) (9) .
وكنتيجة لايمان الصهيوني ان
الغايةتبرر الواسطة فان فتيات الصابرا (الجيل الذي وُلد في فلسطين) لاتكترثن
للممارسة البغاء طالما انها ترفه عن جندي او طالما انها تتضى اجراً لبيع جسدها وهذا
الاجر تعود به الى المؤسسات الصهيونية التي تحميها السلطة يقول ديروجي "ففيما يخص
الصابرا كيف كان يمكنهم اكتشاف قدرة اجدادهم وآبائهم العظيمة في تحويل ما ليس
ثابتاً في الحاضر الى ثوابت في المستقبل" .
واذا كان ثمة عدد غير قليل من
البغايا والاشرار في المانيا الاتحادية وفي غيرها يتكلمون اليوم بصراحة اللغة
العبرية لا يمكننا ان نرى كيف يمن "اسرائيل" ان تبقى بعيدة عن الآفات التي ينقلونها
ويقعون هم ضحيتها في الوقت نفسه .
وبالطبع فان البغايا الصهيونيات لا يقتصر
وجودهن في الكيان الصهيوني انما تفسح لهم السلطة للتصدير الى دول اوروبا الغربية
وذلك لجلب الاموال اللازمة لتطوير عسكرية الكيان .
ان التربية النفسية الصهيونية التي
تفتخر بجيل الصابرا ينبع اعتزازها من كون هذا الجيل محارباً يكره العرب ويحقد عليهم
ومن ثم لا داعي للقلق على شذوذ الفتيات والشبان طالما انهم في المحصلة يخدمون اغراض
الاطماع الصهيونية في التوسع .
وتبدو هذه الظاهرة مهمة بل غاية في
الاهمية في الكيان الصهيوني حيث لم تعد الحجج الصهيونية لدى السلطة كافية لتبرير
الشذوذ اللااخلاقي . فالاعداد الهائلة من البغايا ثم الآثار الناجمة عن مثل هذه
الظاهرة فدعت الصهيونيات باستثناء النخبة منهن في لقاء زبائنهن في باحات البنايات
وفي البيوت الخربة وعلى ارصفة شارع اللنبي وشارع (هايارا كوهين) تحت مراقبة جيش من
القوادين (10) وحين يصنف ديروجي المومسات الى نخبة وغير نخبة فانه بذلك يكشف عن
شخصية بعضهن التي تنتمي الى الاسر الراقية في التجمع . ويرى ايضاً ان الزبائن
ينتمون الى مختلف الطبقات الاجتماعية بما في ذلك النخبة الحاكمة في السلطة العسكرية
الصهيونية .
ولا داعي للشك ان هذه النخبة من كلا
الجنسين هي من اعلى الطبقات الاجتماعية في الكيان ولذلك فان السلطة تقوم بحماية
واضحة للشاذات وإلا لما وجدت هذه الاعداد الكبيرة منهن فهي لا يمكن ان تستقر دون
حماية السلطة . هذا وقد انتشرت دور البغاء في تل ابيب بشكل كبير حيث ان حي الفنادق
الكبرى في شارع (هايار كوهين) يعتبر ميدان عمل الشاذات وحمايتهن وكذلك حي باروخ في
الضاحية الجنوبية الغبية وطريق هرتزليا حيث يوجد (الكابري كلوب). وكذلك كل الطرق
الرئيسية في الكيان الصهيون (11) .
ولعل تنمية هذه الروح الشاذة لا
يمكن ان تأتي من اللاشيء فالتربية العنصرية التي تحاول دوماً خلق جيل متوتر مندفع
الى القتل والحرب تخلق ردة الفعل المعهودة في الكيان . ان جيل الصابرا الذي شهد
ويشهد الحروب ضد العرب ويرى ما يخسره الكيان من شباب جعل التجمع الصهيوني في حل من
الثقة (باسرائيل) كدولة تحمي الافراد ، او كجنة ليهود الشتات كما يتخيلون
.
لقد كان للصدمات التي تلقاها ذلك
الجيل ومقارنتها بالتعاليم التربوية أثر بالغ في الجنوح نحو الهجرة المعاكسة او الى
الانحراف والشذوذ طالما انه ليس من امل للبقاء الا في حالة توتر هستيرية . ولهذه
الاسباب تجد الفتيات الصهيونيات ملاذهن في البغاء والشذوذ ولعل ذلك كما اوردنا عائد
الى تلقي تربية فلسفية غريبة بكل افكارها وقيمها .
لقد اصبحت الحالة النفسية لهؤلاء
الفتيات أشبه بحالة اغتراب وودي منحرف فلا معنى للبقاء في ظل نظام منحرف ، لا معنى
للحياة نفسها وفق نظرية خادعة وكاذبة ولا اجدى من التمتع باللذة الجسدية طالما ان
اللذة الروحية مفقودة في مجتمع متعطش للدماء والقتل ويعيش دوماً حالة استعداد
للانقضاض باتجاه الجريمة القتل . ولهذا السبب (فان الفتيات) ما كادت تخرج من سن
الطفولة حتى تبيع أجسادها الى جنود الامم المتحدة الموجودين في المنطقة مقابل قميص
(12) .
ويظهر ان المؤسسة العسكرية
الصهيونية وجدت في انتشار البغاء فرصة لجلب أموال هائلة من العملة الصعبة وذلك
نتيجة الرشاوي والضرائب ، ولذلك عمدت الى تشجيع المومسات للذهاب الى اوروبا ، ولا
سيما ألمانيا الاتحادية ، والمارك الالماني والدولار الامريكي يعودان الى صناديق
الدولة .
وقد انتشرت دور البغاء في فرانكفورت
بشكل سريع . وشكلت المومسات الصهيونيات نسبة عالية جداً في سوق البغاء . (فوراء
محطة القطار الرئيسية تتوالى بارات الأفلام الاباحية والعلب التي تقدم مشاهد من
الحياة تحت أضواء النيون وعلى البلاط المبلل . تجد فتاة من كل ثلاث او أربع فتيات
تحمل حول عنقها نجمة (داود) وتتحدث العبرية ، وتبعث رسائل الى اهلها في (تل ابيب)
او حيفا لتقص عليهم حسنات الازدهار الالماني من البارات الى محلات الجنس الى تهريب
الهيرويين (13) .
وقد برر المسؤولون الصهاينة وجود
هذه الظاهرة بهذه الحدية حين يقولون مع اعلان دولة "اسرائيل" وتدفق مئات الوف
اللاجئين ثم مئات الوف اخرى تفجر الاطار الاخلاقي الذي كان يحمي الجماعة اليهودية
المتشردة في العالم .
وبالطبع فان هذا التبرير ينطبق على
10% بالمائة فقط من الاسباب اما 90% من الاسباب يكمن في ان التربية الصهيونية
اختلفت . لقد تربى اليهود في بلادهم الاصلية تربية تختلف عما هي في الكيان الصهيوني
. لقد شحن المربون اليهود أجيالهم الجديدة على حب الذات والانانية وحب القتل وسفك
الدماء ومن ثم جاءت ردات الفعل شذوذاً خلقياً وفكراً تعصبياً ، وتساهم التربية
الصهيونية في خلق الشذوذ والانحراف عن طريق التمييز العنصري في التعليم بمعنى ان
اليهود الشرقيين الذين يشكلون اكثر من نصف سكان الكيان الصهيوني لا يتلقون تعليماً
كغيرهم من اليهود (الاشكنازيم) الغربيين ويعود ذلك الى مبدأ اللامساواة في الكيان
(في عام 1976 كان بين المهاجرين الذين يبلغون سن الرابعة عشرة والمولودين في
افريقيا وآسيا نسبة 20.8% من الافراد الذين لم يعرفوا المدرسة في حياتهم (14)
.
وقد يرى بعض الباحثين ان التخلف عند
السفارديم (الشرقيين) يأتي بسبب منشئهم الشرقي (والحقيقة انه لم يعد بالامكان توجيه
الاتهام بالتقصير والفشل المدرسي الى لدان المنشأ هذا علاوة على ان آباء هؤلاء
الشرقيين قد اقاموا في الكيان منذ عشرين او ثلاثين سنة (15)
.
ان فرص التعليم القليلة لدى
الشرقيين جعل معظم شبابهم وشاباتهم يعيشون في فراغ عملي ومن ثم فراغ نفسي يؤدي
بالتالي اما الى التطوع في الجيش كأفراد وليس كضباط يزاولون الحرب والقتل أو
ينجرفون وراء اعمال شاذة لرفع مستوى حياتهم الاقتصادي بحيث يصبح الانحراف عادة مكتسبة تترسخ في
نفوسهم . وقد صنف عالم الجريمة (شالوم شوهان) نوعية المومسات في الكيان الصهيوني ،
فهو يوزعهن على النحو التالي ..54% من المومسات في منطقة تل ابيب هذن من أصل شرقي
بينهن 42% من المغرب وسائر بلدان أفريقيا الشمالية و 8 ـ 11% من تركيا والبلقان
و19% وُلدن في الكيان و14.7% هنّ من اصل اوروبي وقد برزت شخصيات صهيونية على مستوى
الجريمة العالمية لا سيما جريمة ممارسة البغاء . وهؤلاء الذين برزوا في اغلبيتهم من
اليهود الشرقيين (السفارديم) .
ان هذه اللامساواة تكمن في عالم التربية
والتعليم وعالم الاقتصاد والحياة الاجتماعية والسياسية ومن بين هؤلاء (ايلي بوكلن)
ففي شهر آب عام 1964 وُجدت عشيقته التي تبلغ من العمر السادسة عشرة والنصف مقتولة
في أرض مهملة في عكا وهي عارية تماماً وكانت تُدعى (شوشانة فليجن) وفي شهر نيسان
1973 استُجوب (بوكلن) بالنسبة للتهديد بالموت ضد (ايزودور فريدمان) في قضية تتعلق
بالممومسات (17) وحينما تُستكمل دائرة اللامساواة في التربية فان الجنوح بمختلف
نواحيه يصبح طريقاً الى مزيد من الحقد اللامبرر ضد العرب (في مثل هذا الوضع
الاجتماعي المتردي ومع تزايد الاحساس بالاحباط والخيبة واليأس لدى الطبقات المعوزة
يصبح اللجوء الى العنف هو الرد المتوقع بين اوساط الشبيبة (18) وهنا لابد من
الالتفات الى دور المؤسسة العسكرية الحاكة في تفشي مثل هذه الظواهر . صحيح ان
التربية ، لم تمارس على التجمع الصهيوني الا بشكل يؤدي لى العنف الموجه ضد العرب
ولكن ما بالنا حين تجد السلطة نفسها متورطة في خلق شذوذ من هذا النوع ؟ ان المؤسسة
الاستيطانية في الكيان الصهيوني لم تكن غافلة عن هذه الامور لكنها من جانب آخر لا
تجد مفراً من السكوت على ذلك طالما ان كثيراً من شخصيات السلطة تنخرط في اعمال
الشذوذ هذه .
ويركز الباحث الصهيوني (يهوشع
سويدل) على اثر التربية اليهودية في عقيدة الفرد فهي تشجعه بعد ان تشحنه بمشاعر
العداء التي غالباً ما يكون التعبير عنها بالعنف يقول سويدل : (ان في اسرائيل من
يحبذ مواصلة الحرب ويريد استمرارها) ويمكن الاستشهاد على ذلك بما جاء في صحيفة
للطلبة اصدرتها جماعة ليكود في جامعة حيفا حيث تقول : ينبغي الاستمرار في ضرب العرب
دون رحمة (19) .
وفي سؤال وجهته صحيفة هاتسوفية
الصهيونية للاستاذ الصهيوني (يونا كوهين) عن الجريمة في اسرائيل قال : (لقد اصبح
العنف جزءاً من مكونات حياتهم واسلوبهم ومعيشتهم) وقد اشارت صحيفة معاريف الصهيونية
الى هذا الجانب المعقد في النفس الاسرائيلية بقولها ان مجتمعاً يؤمن بان الحق للقوة
من شأن العنف فيه ان يبدو في نظر الشباب افضل ردٍ على جميع المشكلات (20)
.
وعلى هذا الاساس فان اكثر المدققين
والدارسين للتجمعالصهيوني يدركون ان الشذوذ بشتى مناحيه اصبح من الطبيعة النفسية
والاجتماعية في افراد الكيان الصهيوني .
فمن البغاء مثلاً يورد الباحث جاك
ديروجي : ان البغاء يُعتبر الآن جزءاً من الطبيعة الاسرائيلية (21) وحين تحاول
السلطة الصهيونية دراسة هذه الظواهر فلا تجد بداً من التغطية على امور كثيرة منها
ما يتعلق بتورط مسؤولين كثيرين في ذلك . ومنها ما يتعلق باتساعها على مساحات واسعة
في بؤر الحياة الاجتماعية في الكيان . واخيراً لا تجد السلطة بداً من الاستجابة
لقبول هذه الظاهرة والموافقة على وجودها وانتشارها وذلك ضمن شروط تستفيد منها
حالياً .
ولهذا السبب انشأت وزارة العدل
الصهيونية لجنة تحقيق برئاسة المدعوة (هدا ساسين إيتو) وتوصلت هذه اللجنة الى
توصيتين احداهما السماح بممارسة المهنة في شقق او غرف في الفندق ولو حاول المرء
التفتيش في نصوص التشريعات الصهيونية حول مسألة البغاء لتعثر والسبب كون التربية
الصهيونية تتخبط في مسألة اللامساواة بين شرقي وغربي من اليهود ثم تورط المسؤولين
في ذلك . ثم تغاضي الدولة عن هذه الاعمال كونها تدر أمولاً للدخل الصهيوني في
الكيان .
انه لا يوجد في التشريع الصهيوني في
الكيان نص قانوني يمنع ممارسة أقدم مهنة في العالم ولكن إذا ارادت مومس ان تستقبل
عندها زبوناً في الخفاء او في غرفتها في الفندق تحكم بعقوبة السجن مدة خمس سنوات
وعلى العكس من ذلك اذا اصطادت زبوناً علناً في صالة الفندق او الشارع فهي لا تتعرض
سوى للحكم ستة اشهر مع وقف التنفيذ او بالغرامة المالية الفادحة
(22).
وهذا يعني ان السلطة الصهيونية لا
تسمح للمومس ان تكسب أجرها وحدها بل تريد ان تفعل ذلك أمام الناس حتى تشارك في
الأجر من جراء بيع جسدها .
ان قلب المفاهيم والمثل يصبح عادة
متبعة في التجمع الصهيوني . والبغاء الذي يشكل أخطر ظاهرة في المجتمع أي مجتمع يشكل
في الكيان الصهيوني ظاهرة من ظواهر النشاط الاقتصادي الذي يدر ارباحاً طائلة على
خزينة الكيان .
لقد ساهم بعض مسؤولي السلطة في حل
هذه الظاهرة عن طريق تشجيعها حيث اقترح مثلاً رئيس بلدية (تل ابيب) (شلومولاهات)
انشاءَ مركز للذة في يافا (23) .
ولهذا السبب ورغم التخبط في وضع
الحلول اللازمة والمناسبة لسياسة التربية الصهيونية نجد المومسات الصهيونيات يتابعن
عملهن من إيلات جنوباً الى كريات شمونه شمالاً (24) .
وبسبب اتساع ظاهرة البغاء فان
كثيراً من الصهيونيات وكثيراً من الشباب الذين علمتهم التربية الصهيونية الشذوذ
والعنف يقومون بأعمال قد لا تحدث في أية بقعة من العالم سوى أمريكا وجنوب أفريقيا
.
وقد وجدت الادلة الكثيرة على ان عمليات
الاغتصاب العلنية لا تقل عدداً عن عمليات البغاء او تهريب الهيرويين . ولهذا اسبب
فقد لجأ الكثيرون من السياح الى عدم الذهاب الى فلسطين المحتلة رغم ان فلسطين
بشواطئها وجبالها الساحلة تعتبر من اجمل مناطق الاصطياف في العالم وعلى ذلك يعلق
(ديروجي) قائلاً : شواطئ في ناتانيا لا تحصي عمليات الاغتصاب للسائحات لا سيما
الاسكندنافيات منهن .
نعود الى المسألة برمتها فنرى ان
المُثُل التي حول زعماء الصهاينة ان يصنعوا منها فلسفة لتسيير الأفراد في افكرهم
ونفسوهم انقلبت تماماً بعد ان كشف زيفها وزيف اهدفاها وخداعها . ولم يعد خافياً على
أي صهيوني ان هذا التجمع الشاذ في المنطقة ذاهب الى الزوال لأنه لا يملك اية مقومات
لوجوده واستمراره .
ان الرأي العام الصهيوني في الكيان
كف ومنذ زمن بعيد عن اعتناق اوهام تتعلق بعصمة زعمائه الخلقية (25) وقد أدرك كثيرون
من الصهاينة ان التجمع الصهيوني تجمع ذاهب للزوال طالما ان الجريمة والبغاء
والمخدرات اصبحت من الظواهر التي لا يمكن القضاء عليها في الكيان . وقد توصل بعضهم
الى القول ان الاسرائيلي اللطيف وكذلك اسرائيلي القرن العشرين الشريف والانسان
اليهودي الجديد والرائد كل ذاك اصبح في طريق الانقراض .
إذاً أين هي التربية الصهيونية ؟ انها
موجودة فقط لخلق طلاب يؤمنون بالعنف والقتل والحقد ويؤمنون ايضاً بالغاء والجنس
والمخدرات .
ويرى الدكتور (جرجي كنعاني) : ان
التعليم في "اسرائيل" هو مجرد تعبئة روحية لاعداد الجنود ليوم الحرب يتضمن النهج
التاريخي وتاريخ الحركة الصهيونية وتمجيد الجيش اليهودي ودراسة التوراة وكل ما من
شأ،ه ان ينمي في نفوس الناشئة الروح العسكرية (26) .
واذا كان الصهاينة في فلسطين يؤهلون
الاشكناز (اليهود الغربيين) ليكونوا ضباطاً ومسؤولين فانهم يقذفون السفارديم
(اليهود الشرقيين) في الشوارع ليتحول رجالهم الى مجرمين وتجار مخدرات ولتتحول
فتياتهم الى مومسات في الكيان الصهيوني وخارجه .
وقد ظهرت التفرقة العنصرية في آخر وجه لها
في الانتخابات التي تجري في الكيان دوماً مما حدا بعض الشرقيين من اليهود الى القول
: اننا اصبحنا نقرف تماماً من هؤلاء الغربيين الذين يمارسون علينا الفوقية ولذلك
اصبحنا نكرههم تماماً وكأ،هم ليسوا يهوداً (27) .
على أي حال فان البغاء جانب من
جوانب عدة لظواهر تتفشى في التجمع الصهيوني ، ولعل التربية في الكيان شجعت الكثيرين
وبطريقة ردات الفعل على اتخاذ مهنة اخرى تساوي في اهميتها أهمية البغاء وهي مهنة
تعاطي المخدرات والاتجار بها.
لقد افلست تلك التربية وتفلس
باستمرار لا سيما حين يدرك المرء ان المخدرات تنتشر غالباً في المجتمعات الفاشلة
اجتماعياً وفكرياً واقتصادياً والتي تمارس مهنة الحرب ضد كافة الناس وحين ننظر
ملياً الى هذه المسألة ، نجد ان التربية العنصرية خلقت في جيل الطلبة احاسيس
بالضياع والعبث .فالطالب منذ طفولته يُحقن بالتعاليم الدينية والتربية النفسية ولا
يسمع من خلال هذه المواد سوى الحقد والعنصرية وحب الذات وكره العالم
.
وعندما يزاول واقعيته في الشارع يجد
ان التجمع الصهيوني من قمته الى أصغر فرد فيه يفتش عن ذاته وعن تحقيق رغباته وذلك
بأساليب لا شرعية . والمثل التي تعلمها ليس لها مكان هناك في واقعه
.
ولعل طبيعة التطور وحب الذات
اليهودية للاحتلال يجعلان الطالب يصطدم بالواقع فاما ان ينهار امام متطلبات الحياة
فيلجأ الى وسائل غير شرعية لجني المال وهذا هو الغالب ، او يلجأ الى الخروج او
العودة الى بلده الأصلي والنزوح عن الارض التي استعمرها . والتي وعده بها الصهاينة
وصوروها له انها جنة الله التي وعد بها شعبه المختار كما يزعمون
.
ان الطالب الذي يفاجأ بالواقع بعد
خروجه من المدرسة يلتفت لذاته ، ويتفرغ لتحقيق طموحاته وليس في الكيان الصهيوني أية
طموحات سوى شن الحروب ضد العرب ومن ثم قتل عدد كبير من الشباب الذين تورطهم السلطة
وتوهمهم بذرائع تاريخية واجتماعية لشن الحرب والقتل . واذا كان لدى الشباب طموحات
اخرى فان اهمها تجارة السلاح والمخدرات وتجارة الرقيق الابيض وهذه المهنة هي الاكثر
انتشاراً في التجمع الصهيوني . ومن خلال كثير من التحقيقات حول انتشار المخدرات في
الكيان الصهيوني وجدت السلطة ان الانتشار يقع بين الطلاب اكثر من وقوعه في أية فئة
اخرى من فئات التجمع . وهذا بالطبع عائد الى نوعية التربية الصهيونية التي تفرغ
الإنسان من أي محتوى انساني يقول ديروجي : (بعض الارقام الموعة المأخوذة من تقرير
لجنة شيرون حول الجريمة في اسرائيل يبلغ عدد المستهلكين للحشيشة مائة الف شخص منهم
3% من الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين السادسة عشرة والثامنة عشرة ويعترف الشباب
الصهاينة في الكيان الصهيوني انهم يجدون في تعاطي هذه المخدرات لذة تعوضهم موت
المثل التي كانت تحكم تربيتهم) (28) .
وبيطعة الحال فان الادمان على
المخدرات يولد لدى الشباب نزعة عدم تحمل المسؤولية ، وهذا ينعكس على العلاقة بين
الشباب الصهاينة وغيرهم بصورة سيئة وهذا ما سنجده فيما بعد .
ان قتل روح الشباب ناجم عن ردة فعل
على طرق التربية والتعليم في الكيان الصهيوني التي تحقن في عقل الطالب دوماً صور
الحرب والعداء التاريخي والمعاصر . فالطالب تسيطر على عقله هذه الصور مدة اربع
وعشرين ساعة . في المدرسة يحقنونه بالحقد والدموية ، يذهب الى منزله فيحقنه اهله
بالحقد والدموية ، يذهب الى المجتمع فيجد كافة الناس يعيشون في حالة واحدة هي حالة
التوتر النفسي والاستعداد للحرب القادمة ضد العرب .
ولنتصور إنساناً أُخضِع لغسل دماغ
مدة أربع وعشرين ساعة كل يوم وخلال ثمانية عشر عاماً او اكثر فمن الطبيعي ان يصبح
كتلة صماء لا تفهم سوى مسألة واحدة هي مسألة الحرب ضد العرب وبالطبع فان العقل
البشري أياً كان حين يصحو على مفاجآت الواقع التي تسقط أحلامه يرى ان مثله قد دُمرت
وانهارت وبالطبع فاننا نعني مثله الذاتية وطموحاته الشخصية الصرفة ولذلك فانه يعيش
حالة إحباط ، وما دام أنه لم يمت جسدياً فانه سيموت روحياً ونفسياً ، والموت الروحي
والنفسي معناه التحلل من القيم والتقاليد ، واللجوء بالتالي الى أبشع اساليب الحياة
وممارساتها كتعاطي المخدرات ، والواط والجنوح نحو الجريمة .
لقد قام قسم الشباب في الشرطة
القضائية عام 1977 بتحقيق في عشر مدارس ثانوية في شمال تل الربيع بعد ان علم أن
طلاباً من رامات هاشارون وكفار شمارياهو يتعاطون الحشيش . اعترف ثلاثمائة شاب انهم
يستعملون المخدرات بدءً من الحشيش الى الهيرويين والمواد المنومة واعترف بعضهم انه
لجأ الى المخدرات منذ سنوات (29) .
وقد يعتقد البعض ان السلطة الصهيونية تمنع
هذه الظاهرة وفي الحقيقة انها تحاول على المستوى التظاهري منع تفشي مثل هذه الظواهر
، ولكنها بأساليب ملتوية تشجع عليها إذ أن عدداً كبيراً من المسؤولين هم تجار
مخدرات ، أو أنهم شركاء برأسمال تجارتهم ، اما على المستوى العلني فان كل من يرغب
في شراء المخدرات أياً يكون نوعها يتسطيع ان يجدها في بعض صيدليات القدس وفي
الدكاكين التي تصنع الفلافل ، وفي محلات الزهور البريئة (30)
.
ان السلطة الصهيونية تتغاضى بالبدء
عن تجارة الحشيش والهيرويين ثم تشارك التجار الكبار عن طريق بعض متفذيها ثم تحاول
اختراع قوانين تسهل خروج المهربين من الكيان الصهيوني بسبب اكتشاف اعمالهم على
المستوى الدولي . وقد اكتشفت علاقات كثيرة على هذا المستوى فقد كان المدعو (ايلي
رينان) الذي يقدم نفسه بصفته مستشاراً لوزير الأديان معروفاً بعلاقاته بالمافيا
الاسرائيلية ، قد ضبط نفسه بالجرم المشهود بتهمة محاولة افساد جندي كان يقوم
بوظيفته على جسر دانيا شمال نهر الاردن وكان يرافقه الجنرال (زئيفي) والمدعو (منتش)
. وهو يحاول تمرير الشاحنات المحملة بالبضائع الآتية من الأردن (31)
.
وحين تحاول التربية الصهيونية تنشئة
الطلبة للاستعداد لدخول الجيش فان الانعكاس السلبي يصل الى المؤسة العسكرية نفسها
حيث يتعاطى الجنود المخدرات وتنطبق الاسباب عند الطلبة على نفس الاسباب عند الجنود
لا سيما في مسألة فقدان الكرامة والقيم والضياع النفسي وعدم الثقة بالسلطة وبمثل
الحرمة الصهيونية .
في عام 1967 كان الجنود الاسرائيليون
يسخرون من الجيش المصري الذي خلف وراءه اثناء الانسحاب حقائب محشوة بالحشيش ويطلقون
حكماً حوله "كيف تريدون لجيش ان يحارب ومعه تلك الكميات من المخدرات لكن الجيش
الصهيوني اليوم يسخر اعضاؤه من بعض فيقولون : سوف لن تجدوا حقائب ملأى بالحشيش في
مخافر الجيش الاسرائيلي لان أثمانها باهظة إلا أنكم ستجدون لفافات سجائر محشوة
بالحشيش يتناوب الجنود على امتصاص دخانها (32) .
ولي ضباط الجيش الكبار والصغار
بعيدين عن تناول المخدرات طالما ان التجمع الصهيوني الذي تربوا فيه لا يحاسب على
القتل فكيف يحاسب على جريمة اسهل ، ان المخدرات تسربت الى الجيش عن طريق الشباب
المنحرفين في الكليات وفي الاحياء التي يقطنها البيض والتي كانت تمد الجيش بعدد
كبير من الضباط والتقنيين العسكريين (33) .
صحيح ان للعامل الاقتصادي دوراً في
اتجاه بعض الناس الى التناسي أو النسيان أو اللجوء الى المخدرات لكن الوضع التربوي
كان وما يزال من أهم العوامل التي ساعدت في خلق ردات فعل سلبية لدى الطلاب والجنود
.
وتناول المخدرات لم يعد يتوقف بل
اصبح أمراً عادياً لكن الشيء لذي يلفت النظر وجود تجار المخدرات الصهوينيين في
الكيان وفي كثير من مناطق العالم كألمانيا والارجنتين وامريكا ولعل اكبر دليل على
تفشي هذه الظواهر بين الطلبة هو ما أورده (ديروجي) بقوله : قد يتساءل احد الطلاب
الاسرائيليين الذين يعمل رجل امن على متن احدى طائرات العال كيف يمكن الصمود امام
الاغراء ففي كل مرة كنت أنقل كيلوغراماً من الهيرويين كان ذلك يدر علي ثمانية آلاف
مارك (34) .
ويقوم بعض المسؤولين في الجيش الصهيوني
بتعاون وثيق مع تجار اسرائيليين مارسوا تهريب المخدرات من والى الكيان الصهيوني .
ويقوم بعضهم بحماية هؤلاء المجرمين والتغطية على أعمالهم كي لا تنفضح علاقاتهم معهم
.
نرى مثلاً ان المدعو (يوسف بوشمان)
يقوم بأعماله في الكيان ويقدم بخلفية معينة منها للجيش ، وهذا ما فعله خلال حرب
الايام الستة وحرب تشرين وقد كان بين اللصوص الذين عملوا الرحلة اثنان من مهربي
الحشيش وكانا تابعين لحرس الحدود (35) اما بالنسبة لوشمان نفسه فلم يكن يستطيع
التوقف عن هذا الطريق الجيد وذلك بشراء الاراضي بأي ثمن ليقيم عليها أبنية عالية من
4 ـ 12 طابقاً وقد احتلت مرابع الجنس ومهربي المخدرات الطبقات الارضية منها
.
وكنتيجة لتفشي ظاهرتي البغاء
والمخدرات انعكست الآثار على تجمع العصابة الصهيونية وكان الانعكاس جلياً أكثر منه
في أي مجال آخر .
وكنتية أخرى من نتائج اتساع عالم
المخدرات والبغاء في الكيان الصهيوني وفي العالم فقد اعترف رئيس تحرير صحيفة على
همشمار بان الصحف الاوروبية تمتلئ اليوم بالروايات عن المجرمين الصهاينة الذين
يغمرون اوروبا وخصوصاً دول المتوسط وهناك اكثر من خمسمائة اسرائيلي في سجون اوروبا
خصوصاً سجون المانيا الاتحادية اذ لا يخلو سجن في انحاء المانيا من بعض
الاسرائيليين (36) وذكرت صحيفة القبس الكويتية في عددها الاثنين تاريخ 19/6/1984 ان
المخدرات انتشر تعاطيها بشكل كبير في شمال فلسطين المحتلة وذلك بسبب تهريب المخدرات
بسهولة من لبنان الى الاراضي المحتلة ،وقد ساعد على انتشارها وجود الاحتلال
الصهيوني لجنوب لبنان ومن هناك تهرب المخدرات بألف وسيلة الى أوروبا
.
كيف ينعكس وجود هذه الظواهر على
العلاقة بين المستعمرين الصهاينة والعرب بالطبع فان العنف هو السمة الاساسية
الناتجة عن وجود مثل هذه الظواهر وقد اعترف بذلك وزير الاديان الصهيوني يسحاق
روفائيل 25/12/1980 ونقلته جريدة هاتسوفية : علينا ان نزيل الظاهرة المشينة وهي ان
في إسرائيل إجراماً ان احزاباً كثيرة كحزب حيروت وأغودات اسرائيل وحركة هتحيا
المتطرفة تضم من بين اعضائها كثيراً من هؤلاء المجرمين والقوادين وتجار المخدرات
والمومسات والصهيونية التي لا يهمها الوسيلة أياً كانت وكان انحرافها بقدر ما يهمها
الغاية ، انها تهتم بالهدف الاساسي وهو خلق اسرائيل واستمرار بقائها اقتصادياً
وسياسياً وفكرياً ان هؤلاء الشاذين يشكلون الآ، في الجيش الصهيوني نسبة عالية
ووجودهم يعكس حالة الشذوذ على تعاملهم مع العرب . فالذي لا يعبأ بتعاطي المخدرات
والبغاء فمن المؤكد انه لا يعبأ باستخدام اساليب القتل المتنوعة والتي تستهدف الطفل
والعجوز والمرأة قبل ان تستهدف الشاب المحارب .
لقد علق الصحفي والكاتب الصهيوني
امنون كابيليوك على هذه المسألة فقال : ان كافة الاهتزازات وتعبيرات القلق وانتشار
كثير من الظواهر السلبية والسرقات وتعاطي المخدرات والاتجار بها وكل العاهات الاخرى
في التجمع الصهيوني لابد ان تعكس شخصية شحنت وعبئت وربيت لمدة سنين طويلة على قيم
معينة وها هي الآن تشهد وبأم عينها وبشكل واقعي ان هذه القيم مكرسة لخدمة الاغتصاب
والاحتلال وشن الحروب العدوانية بصورة مستمرة (37) وقد انعكس وجود هذه الظواهر
وغيرها على السجناء العرب الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال ، فاضافة الى كل اساليب
التعذيب يلجأ العدو الى الوسائل النفسية مثل زج المناضلين مع المجرمين والحشاشين او
الى وضع المناضلات مع المومسات وغالباً ما يقوم هؤلاء بالاعتداء على مناضيلنا بوحي
من ادارة السجن (38) .
هوامش
الفصل :
1-
من أمثال ذلك اسحق دويتشر في كتابه المسألة اليهودية والفرد ليلنتال وكتابه ثمن
اسرائيل .
امنون كابيليوك . وكتابه
تحقيق حول مجزرة صبرا وشاتيلا .
2-
جرجي كنعان . العنصرية اليهودية . دار النهار بيروت 1983 .
3-
سفر التكوين .
4-
سفر القضاة .
5-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل . المؤسسة الجامعية للدراسات بيروت 1981
.
6-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل . المؤسسة الجامعية للدراسات بيروت 1981
.
7-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل . المؤسسة الجامعية للدراسات بيروت 1981
.
8-
غودمان سبق ذكره وورد الحديث عنه اثناء الدراسة .
9-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
10-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
11-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
12-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
13-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
14-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
15-
اسرائيل الثانية ترجمة فؤاد جيد . متب الدراسات الفلسطينية بيروت 1981
.
16-
اسرائيل الثانية ترجمة فؤاد جيد . متب الدراسات الفلسطينية بيروت 1981
.
17-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
18-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
19-
جرجي كنعان سقوط الامبراطورية الاسرائيلية دار النهار بيروت 1978
.
20-
صحيفة عل همشمار 28/2/1975 .
21-
صحيفة معاريف 18/12/1975 .
22-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
23-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
24-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
25-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
26-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
27-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
28-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
29-
جرجي كنعان سقوط الامبراطورية الاسرائيلية سبق ذكره ص 172
30-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
31-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
32-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
33-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
34-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
35-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
36-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
37-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
38-
جاك ديروجي . المافي في اسرائيل سبق ذكره .
39-
عل همشمار 26/12/1975 .
40-
امنون كابيليوك . هل هي فاشية أم صهيونية مجلة فلسطين الثورة عدد خاص 1/1/1980
.
41-
المناضلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال . م . ت . ف . دائرة الاعلام والتوجيه
تشرين 1975 .
التربية
الصهيونية والإرهاب
تتميز الصهيونية من بين كافة الحركات
الاستعمارية بالعنف والارهاب ، وهذا الارهاب يحظى لدى مفكريها وتربوييها باهتمام
يصل حد القدسية ، يتسع ليشمل انماط التفكير والتطبيق . وهو الوسيلة الاهم للحفاظ
على استمرارية الكيان الصهيوني وبقائه حياً في الوجود .
لقد ادعت الصهيونية ان فلسطين أرض
بلا شعب ، واليهود شعب بلا أرض ، ومن أجل تحقيق التوازن المنطقي الصهيوني يجب ان
تكون فلسطين خالية من السكان لتستوعب الصهاينة القادمين من بلدان العالم ويقيموا
عليها كياناً قومياً مخترقاً كل القوانين الاجتماعية المتعارف عليها لدى الشعوب
ويكون هذا الكيان ذا قوم ديني وسيلته الارهاب مهما تكن النتائج
.
واذا كان لكل منهج فكري اهداف
مرحلية واستراتيجية ، واذا كان لكل نظرية فكرية غايتان فان لمنهج الارهاب الصهيوني
غاياته ايضاً ، ولا يمكن ان يكون هذا المنهج ناجحاً دون ان تتحدد الغايات الكبرى
منه وبالتالي تصبح اسساً راسخة في الذهنية الصهيونية لا يحيد عنها المفكرون ولا
القائمون على رأس السلطة في الكيان ولا حتى المستوطنون .
ان هذه الغايات هي جعل فلسطين
يهودية بأرضها ومعالمها وسكانها وتراثها ، ومن ثم تهديد الوطن العربي والامة
الاسلامية وتراثها وقمع أي تحرك ثوري فيه ، ومن ثم جعل الكيان الصهيوني دولة تتفوق
على ما عداها من جيرانها عسكرياً واقتصادياً وسياسياً ، وباختصار فان هذه الغايات
هي وظائف للارهاب الصهيوني يمارسها الصهاينة منذ نشوء حركتهم وحتى الآن
.
الارهاب الطبيعة والاكتساب
:
قد يتساءل كثيرون هل الارهاب طبيعي
في الإنسان ، وكيف يكون اكتساباً ، هذا السؤال ذو شقين لا يحتاج الى جواب لان هذا
الجواب من المسلمات التي قد يدركها الكثيرون ويفهم تفسيرها المحللون النفسانيون
المختصون وعلماء النفس بشكل عام .
اما ان نسأل السؤال على الوجه الآخر
كأن نقول هل الارهاب الصهيوني طبيعياً في الشخصية الصهيونية أم انه مكتسب كأي من
الدوافع الانسانية المكتسبة ؟
بهذا الشكل نطرح المشكلة على بساط
البحث ونسعى الى تحليلها على اكثر من مستوى .
مستوى يدرس ظاهرة الارهاب عبر تاريخ
الشخصية الصهيونية اليهودية ومستوى يدرس ظاهرة تطبيق هذا الارهاب والنماذج الحية
منه .
ومن ثم اذا اردنا ان نجعل للمشكلة
مستوى ثالثاً فانه يدرس كيفية مواجهة هذا الارهاب على المستوى السيكولوجي (النفسي)
ومن ثم على المستوى العملي الذي يؤكد ويبرر مقولة عنف ضد العدوان وصراع مسلح مع
الارهاب .
من المؤكد ان الارهاب وعقدة
العدوانية وجه واحد من وجوه العنف واذا حاولنا تقصي طبيعة الارهاب اليهودي الصهيوني
فاننا بوجه او بآخر نقوم بتقصي عقدة العدوانية ومحاورها في الشخصية اليهودية
الصهيونية ، وهذا ما يجعلنا نقف طويلاً عند التحليل النفسي وآرائه حول هذه العقدة
التي تمتعت بها الشخصية اليهودية الصهيونية .
يقول فرويد "والتأكيد ذاته على
الوصية لا تقتل تجعل من اليقيني اننا ننحدر من سلالة من المجرمين لا نهاية لها كانت
الشهوة الى القتل تجري في عروقهم كما يمكن ان يكون الحال معنا نحن أنفسنا الآن" (1)
.
وطبيعي ان فرويد يحلل وصية التوراة
ـ لا تقتل ـ تحليلاً يستنتج من ورائه ان اليهود ينحدرون من سلالة من المجرمين تجري
في دمهم عقدة القتل .
ومسار الشخصية اليهودية الصهيونية
وتاريخها يعطينا عدة مؤشرات تفصح عن ان طبيعة هذه الشخصية اندمجت بشكل او بآخر
بعقدة العدوان اما كيف جاءت مفصحة عن تركيبة طبيعية فان كثيرً من العوامل ساهمت في
عجن هذه الشخصية :
1- العامل التوراتي : فالتوارة كما
هو معروف كتبه عدد من احبار اليهود في أزمنة متباينة ومتباعدة حتى وصلنا كما نراه
اليوم . هذا الكتاب كونه كتاباً دينياً لليهود يكرس في توجهه التربوي عقيدة القتل
والاعتداء ويحض عليها . فالإله التوراتي يدعو الى القتل والارهاب والفتك بالناس
وكذلك الكهنة والحاخامات يدعون الى هذه العقيدة من خلال التلمود وكتبهم الاخرى .
لقد كرس احبار اليهود وحتى منظروهم العلمانيون مقولات التوراة في العدوان والارهاب
وهذا التكريس ظل مستمراً مئات السنين حتى اصبحت الطبيعة اليهودية مندمجة تماماً
بالعدوانية .
2- العامل العنصري : لقد كان وما
يزال من الواضح ان الشخصية اليهودية انفردت عن غيرها بالتقوقع والانحسار وعدم
الاختلاط كونها تشعر بفوقية خاصة وعنصرية حادة .
وقد كان للغيتو اليهودي أثره في
تكريس عقدة العدوان والتحفز الدائم .
3- العامل الاقتصادي المالي : لقد
كان وما يزال اليهودي يمتلك السلاح والمال والاتجار بيهما عن الف طريق وطريق ولا
سيما طريق الربا والمحافظة على امتلاك مخزون المال العالمي . وهذا ما جعل الشخصية
اليهودية تمتلك سلاحاً قوياً لتنفيذ العدوان على الآخرين .
فاذا عدنا الى العامل التوراتي
وجدنا انه اقوى العوامل كلها كونه يحتوي بقية العوامل الاخرى . ومن خلال رؤيتنا
لطبيعة العدوان في هذا الكتاب نرى انه عدوان ذو وجوه متعددة فهناك العدوان الفردي ـ
القتل الفردي ـ العدوان الجماعي ـ العدوان المقدس ـ العدوان الموجه للداخل أي قتل
اليهودي لليهودي .
وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد في
سفر الخروج 2 ـ 11 ـ 112 وحدث في تلك الايام لما كبر موسى انه خرج الى اخوته لينظر
في أثقالهم فرأى رجلاً مصرياً يضرب عبرانياً من أخوته فالتفت الى هنا وهناك ورأى
انه ليس هناك احد فقتل المصري وطمره في الرمل .
فنرى ان النص التوراتي يركز على
الاخوة التي تستند على اساس عرقي . ومن المعروف ان موسى عندما قتل المصري لم يكن
نبياً ، ولا هو مسؤول امام ربه . وموسى كشاهد على القتل الفري يُعتبر مثلاً اعلى
لليهودي العنصري يُحتذى اينما وجد يهود .
والشواهد على القتل الفردي كثيرة
وسفر الملوك الاول يعج بقصص القتل الفردي الخارجي والداخلي .
ففي سفر يشوع الاصحاح السادس / 21 /
(وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد
السيف) .
وفي السفر نفسه / 22 / الاصحاح 8 .
وضربوهم حتى لم يبق منهم شارد ولا منفلت واما ملك عاي فأمسكوا به حياً وتقدموا به
الى يشوع وكان لما انتهى اسرائيل من قتل جميع سكان عاي في الحقل في البرية حيث
لحقوهم وسقطوا جميعاً بحد السيف) .
وفي الاصحاح الاول ـ الآية 24 : ثم
اجتاز يشوع وكل اسرائيل معه من لخيش الى عجلون فنزلوا عليها وحاربوها وأخذوها في
ذلك اليوم وضربوها في حد السيف وحرموا كل نفس فيها .
ويستمر يشوع حسب قول الرب والتوراة
بالعدوان على المدن والقرى في فلسطين وفي كل غزوة يقتل الرجال والنساء والاطفال
والدواب .
واذا كانت شريعة التوراة تدعو الى
القتل والفتك بالمخلوقات جميعاً فان الرب التوراتي يدعو الى القتل ، ونستطيع ان
نطلق على هذه الدعوة الإلهية للقتل (العدوان المقدس) بمعنى ان اوامر الرب لا تعارض
. فما دام هو نفسه يدعو الى قتل الآخرين فيعتبر القتل والعدوان عند اليهودي
الصهيوني تنفيذاً لأمر الهي لا يُلام عليه .
يرد في سفر العدد 31 : 1813 (فيخرج
موسى واليعازر الكاهن وكل رؤساء الجماعة لاستقبالهم الى خارج المحلة فسخط موسى على
وكلاء الجيش ورؤساء الالوف ورؤساء المئات القادمين من جند الحرب . وقال لهم موسى :
هل أبقيتم كل أنثى حية ان هؤلاء كن لبني "اسرائيل" حسب كلام بلعام بسبب خيانته للرب
في أمر "فغور" فكان الوباء في جماعة الرب فالآن اقتلوا كل ذكر من الاطفال وكل امرأة
عرفت بمضاجعة ذكر اقتلوها . فطلبُ موسى باعتباره نبي الرب لا يرد ، ويصبح القتل
كالعبادة التي أمرهم بها الههم . وفي كثير من مواقف القتل يحتج الرب على بين
"اسرائيل" لانهم لم ينفذوا وصية يوشع او غيره من قادة اليهود . فاليهودي كان وما
يزال يطلب مزيداً من القتل ومزيداً من الابادة لغيرهم من البشر
.
وفي منحى آخر لطبيعة العدوان نرى ان
الارهاب اليهودي الصهيوني نفسه يتجه نحو الداخل حيث يصبح قتل اليهودي لليهودي امراً
عاديً شائعاً بينهم . والمواقف لا تعد ولا تحصى وهي تفصح عن تلك العقيدة العدوانية
. فيرد في سفر القضاة 20 : 41 ـ 48 (ورجع رجال "اسرائيل" وهرب رجال بنيامين برعوة
لانهم رأوا ان الشر قد مسهم ورجعوا امام بني اسرائيل في طريق البرية . ولكن القتال
ادركهم والذين من المدن اهلكوهم في وسطهم فحاوطوا بنيامين وطاردوهم بسهولة وأدركوهم
مقابل (جبعة) لجهة شروق الشمس فسقط من بنيامين ثمانية عشر الف رجل ، وكان جميع
الساقطين من بنيامين خمسة وعشرين الف رجل .
وفي سفر صموئيل الثاني 3 : 27 ـ 28
: ولما رحل "ابنير" الى حبرون مال به (يؤاب) الى وسط الباب ليكلمه سراً وضربه هناك
في بطنه فمات بدم أخيه (عسائيل) .
وكثرة هي الشواهد وقد لحق القتل
المتجه نحو الداخل النساء والاطفال : ويأتي في سفر الملوك الاول اصحاح 11 فلما رأت
(عثليا) أم (أخزيا) ان ابنها قد مات قامت فأبادت جميع النسل الملكي وأمر يهوديا داع
الكاهن ورؤساء المئات قواد الجيش وقال لهم أخروجوها الى خارج الصفوف والذي يتبعها
اقتلوه بالسيف فألقوا عليها الأيادي ومضت في طريق مدخل الخيل الى بيت الملك وقتلت
هناك) .
إذاً فالقتل والعدوان تملكا
التوراتيين وأصبحا امرً مهماً في العقيدة اليهودية . وما دام التوراة يبيح هذه
الشريعة فان معتنقي الديانة اليهودية الصهيونية يتمثلون طبيعة التكوين التوراتي
الدوي . ولا بد من القول ان هناك تناسباً واقعياً بين تلك الطبيعة التوراتية
والطبيعة الصهيونية . فالصهيوني الذي يتلقى يومياً في المدارس والمعسكرات وجميع
المؤسسات التربوية تعاليم التوراة يكفيه كي تصبح الطبيعة التوراتية العدوانية مثل
الدم في العروق . وهذه الطبيعة العدوانية ان كانت موجهة للخارج او الداخل تجعل من
الشخصية اليهودية شخصية دموية عدوانية لا تعيش بمعزل عنها . ولو حاول المرء
انتزاعها لفقدت الشخصية ذاتها . وفقدت كل مكوناتها . فهي اساس التكوين الطبيعي
الصهيوني الذي لا يمكن ان تنتزع حتى ينتزع الصهيوني نفسه من الوجود
.
ان كان الارهاب سمة اساسية من سمات
التعاليم التوراتية فانه يشكل احد اهم الملامح النفسية التي امتازت بها الشخصية
اليهودية الصهيونية على مر العصور . وتتجه لنظرة فوقية تعصبية تمتع بها الصهيوني
فقد حدد وما زال يحدد خطاً من الحياة متقوعاً محصوراً في عزلة عن المجتمعات . ولا
يخفى علينا كيف انتشرت التجمعات اليهودية الصهيونية المغلقة (الغيتو) في العالم كله
وقد دعا زعماؤهم الى عدم الاندماج وعدم الانخراط في المجتمعات الا بعد ان تحقق
الصهيونية بناء كيان مغتصب في فلسطين والتحكم في العالم سياسياً واقتصادياً
واجتماعياً ومن هنا نشأ لدى الصهاينة حس بالفوقية اولاً وحس بالقلق النفسي ثانياً ،
وهو القلق الذي اصطنعوه ينعدم فيه الشعور بالامان وينمي مختلف الاساليب العدوانية
لمواجهة ما يشعرون به من عزلة وحتى بعد قيام الكيان الصهيوني في فلسطين ظل مشبعاً
بتلك الفوقية التي يحاول تطبيقها على ارض الواقع وبسبب ذلك يصبح العنصر الصهيوني
عدوانياً ينزع نحو الانتقام ممن توهم أنهم ينبذونه او يسيئون معاملته ، وطالما انه
لم يستطع الحصول على حب الآخرين فانه يعمل وبايحاء من طبيعته العدوانية على تحقيق
القوة والسيطرة على الآخرين . وبهذه الطريقة يعوض احساسه بالعجز ويجد منفذاً
للعدوان ويصبح العدون ومن ثم الاستعمار من اهم المنجزات التي يحققها
.
وبهذا الاطار تصبح العدوانية من أهم
العقد التي تميز الصهيوني على المستوى النظري والعملي وقد توصل (فرويد) في تحليلاته
الى ان العدوان مهم في الحياة (وكبح العدوان ضارُ بوجه عام فهو يعمل على الاسقام)
(2) .
وهذا ما يجعلنا نتيقن من أن طبيعة
التركيبة اليهودية هي طبيعة عدوانية في اساسها والتحليل النفسي الذي توصل اليه
فرويد يفصح عن طبيعة اليهودي هذه . فلم يكن فرويد ليتوصل الى هذه التحليلات دون
الاستناد الشخصي النفسي اليهودي عنده على ركائز عدوانية توراتية الاصل . التي تميز
بها الدين اليهودي الصهيوني على مر العصور .
وهذا ايضاً ما يفسر رغبة اليهود
الصهاينة في العدوان لا لسبب مسألة حب العدوان ، فهو نزعة فطرية عندهم ، وقد جاء في
التوراة شواهد كثيرة على فكرة حب القتل من اجل القتل تقول التوراة في سفر (استير) :
"في ذلك اليوم اتى بعدد القتلى في شوشن القصر الى بين يدي الملك ، فقال الملك
لاستير في شوشن القصر : قد قتل اليهود واهلكوا خمسمائة رجل وبني هامان العشرة فماذا
عملوا في باقي بلدان الملك فما هو سؤلك فُيعطى لكل وما هي طلبتك بعد فتقضى ، فقالت
استير ان حسن عند الملك فليعط غداً ايضاً لليهود الذين في شوشن ان يعملوا كما في
هذا اليوم ، ويصلبوا بني هامان العشرة على الخشبة فأمر الملك ان يعملوا هكذا واعطي
الامر في شوشن فصلبوا بني هامان العشرة ثم اجتمع اليهود الذين في شوشن في اليوم
الرابع ايضاً من شهر آذار وقتلوا في شوشن ثلاثمائة رجل وباقي اليهود الذين في بلدان
الملك اجتمعوا ووقفوا لأجل انفسهم واستراحوا من اعدائهم وقتلوا من مبغضيهم خمسة
وسبعين الفاً) .
ضمن النص وخلاله نرى ان القتل
والعدوان الذي فعله اليهود لم يكن لسبب طمع في شيء او الاستيلاء على شيء آخر ..
انما كان القتل للقتل لا سيما ان استير اليهودية مددت زمن القتل اكثر من مرة
واستطاعت ان تأخذ الامر من زوجها الملك الفارسي كي يتابع ابناء دينها القتل
والعدوان فقط من اجل الانتقام من مبغضيهم وهذا ما يثبت قول فرويد السابق من ان
التعصب الديني من شأنه ان يذل الشعوب الاخرى حيث يفترض عدم ولائها له . مما يؤدي
الى إبادتها وهذا ما يجعلنا نؤكد ان حب الارهاب والقتل يتلاصق مع الشخصية اليهودية الصهيونية ويري في العروق كالدم
وشواهد التاريخ الديني التوراتي كثيرة بل هي لا تحصى وهذا ما يجعلنا نؤكد ايضاً ان
التركيبة النفسية اليهودية الصهيونية تعتمد على الارهاب كعنصر هم في عجينة البناء
النفسي والشخصي وهو الاكثر تأثيراً في مسار حركتها التاريخية وعلاقتها مع الآخرين .
واذا كان الارهاب وسيلة مهمة من وسائل الحفاظ على ديمومة الكيان الصهيوني المغتصب
فانه يشكل ايضاً اهم الاطر الفكرية في النظرية الصهيونية .
ومن المسلم به ان أي عنف موجه
للآخرين لابد ان ينهج نهجاً دموياً لا ترعى فيه مصالح الآخرين و الصهيونية عندما
ترتكب اية جريمة ضد العرب المسلمين والمسيحيين في فلسطين او غرها فانها تتجاهل
تماماً النتائج المدمرة والقاتلة . وفي هذا الاطار فان الارهاب الصهيوني لم ولن
يفرق بين النساء والرجال والاطفال والشيوخ ولن يفرق ايضاً بين موقع عسكري ومشفى او
طائرة مدنية او مدرسة أطفال. والغاية الوحيدة من هذا العنف هو الارهاب واقناع
الشعوب انه لا يمكن العيش بسلام دون الاعتراف بالسيف اليهودي المسلط على الرقاب
وتحقق اخضاع الشعوب لهذه المقولة لا يأتي عن طريق المفاوضات السلمية او ما شابه
ذلك. انما يأتي من خلال اساليب الارهاب كالقتل الفردي والجماعي والقهر والطرد وما
شابه ذلك وبشكل مبدئي فان الارهاب يحاط بالهمجية التي من شأنها خلق الظلم الانساني
بشكل واسع وكبير .
ومن هنا كان لا بد من العودة الى
الجذور الفكرية الاولى التي تابعت سير المنهج التوراتي عبر التاريخ تلك الجذور التي
زرعها المفكرون الصهاينة ليخلقوا ذلك التوجه الارهابي على مستويين: 1- مستوى نظري
2- مستوى تطبيقي عملي مدروس بشكل فاضح على كل المستويات .
يبدأ التطلع الحاخام يهودا القالي
وهو حاخام عاصمة الصرب عام 1825. راح هذا الحاخام يعبر في كتاباته عن ضرورة القيام
بمجهود خاص لعودة اليهود الى فلسطين حسب ادعاءاته . وقد استند القالي الى اسطورة
يهودية كان الصوفيون قد غالوا في زخرفتها والزيادة عليها تقول بان المسيح الاول سوف
يسبق مجيء المسيح المنتظر ويقود اليهود في حروب ياجوج وماجوج لفتح فلسطين بحد السيف
.
ويتابع في نشر دعوته الحاخام (زفي
هيرش كاليشر) الذي نشر كتاباً اسماه (السعي الصهيوني) وقد رأى ان الرب سيبارك
اليهود الذين يسعون الى فلسطين ويُيمون المستوطنات تمهيداً لطرد السكان العرب ،
وجعل فلسطين دولة صهيونية خالصة . وقد تبنى فكرة الارهاب كفلسفة عملية للفكرة
الصهيونية بعد القالي وكاليشر عدد من المفكرين والحاخامات امثال (موسى هس) و (بيرتز
سمولنسكين) وموشيه لايب ليوبنسكر وغيرهم .
اما الارهاب في فكر ثيودور هرتزل
فيعتبر الاساس في نظرية الفكر الصهيوني الارهابي ويعتبر هرتزل هذا القانوني
الصهيوني مؤسس الصهيونية السياسية الحديثة وقد كان للإرهاب منهجه وأسسه في عقليته
وتفكيره والمدقق في أفكاره يجد انها تعتمد على ركيزتين أساسيتين :
1- ركيزة دينية
.
2- ركيزة نظرية فكرية
.
وقد عمل طويلاً لأجل توضيح نظريته
الداعية الى اقامة الدولة اليهودية ولم يجد حرجاً في طرح الوسائل الكفيلة لاقامتها
. لقد وجد هرتزل ان الوسائل السلمية لن تقيم دولة لليهود . فالتسامح والطرق السلمية
والمفاوضات وسائل قديمة صلُحت في الماضي ولن تصلح في الحاضر والمستقبل
.
واذا كان لا بد من إقامة الدولة
اليهودية فلن يتم ذلك الا عن طريق العنف والارهاب ويرى ان الذي يعتمد على العنصر
الطيب في الإنسان لإصلاح الامور هو كمن يكتب عن مدينة خيالية فاضلة (3)
.
وفي أواخر القرن الماضي وعندما ناقش
هرتزل الوسيلة الناجعة لإقامة الدولة اليهودية تحدث بكل عنصرية عن وسيلة وحيدة هي
الارهاب يقول (يجب ان نقيم حملة صيد كبيرة ومن ثم نجمع الحيوانات كلها معاً ونلقي
في وسطها القنابل المميتة)(4) .
وقد جاءت وسيلته التي طرحها منهجاً
حقيقياً لتربية الصهاينة تبنوه من بعده في كافة محاولاتهم لاقامة الدولة اليهودية
.. لقد جاء هرتزل ليكمل منهج التوراة الذي ترسخ في الشعور اليهودي وكان هذا المنهج
هو الطريق الوحيد الذي سلك سبيله الصهاينة قبل وبعد قيام الكيان الصهيوني كدولة
.
وباعتبار ان الخيط الطويل يربط بين
إرهاب اليهود عبر التاريخ وإرهابهم الحالي فان الواقع المنظور يشير لنا بوضوح عن
الاعمال الارهابية المعاصرة التي يقوم بها الصهاينة في فلسطين وبعض اقطار الوطن
العربي تجسيداً للارتباط الوثيق بالتوراة العدوانية وتجسيداً للتركيبة النفسية التي
جبل الصهاينة عليها .
وحين نتجاوز تنظيرات هرتزل وموس هس
وماكس نورداو وغيرهم من مفكري الحركة الصهيونية الارهابية نقف امام الصهاينة
العمليين وعلى سبيل المثال لا الحصر نستطيع ان نرى شواهد على هذا الارهاب كتاب
(الثورة) لمناحيم بيغن ومذكرات مقاتل تأليف أحد افراد عصابة شتيرن ثم اعترافات
إرهابية 1943 ـ 1948 للارهابية (غيئوولا كوهين) عضوة الكنيست الصهيوني الحالية .
والمنتقمون لـ (بادزهار) ومذكرات (يوسف فايس) .
وقد قام عدد كبير من الصهاينة الذين
مارسوا الارهاب بالكشف بصراحة جلية عن الاعمال التي ارتكبوها ضد العرب وضد اليهود
كحادثة السفينة (بتريا) التي راح ضحيتها 200 يهودي بحجة منعهم من الدخول الى فلسطين
من قبل الانجليز المحتلين .
نعود الى ما قاله بعض الزعماء
الصهاينة لنرى مدى الارتباط التوراتي الدموي بالفكرة الصهيونية المعاصرة ولنرى مدى
ما فعلته التربية في عقدة الارهاب ضمن التركيبة النفسية اليهودية
.
يقول هرتزل عام 1890 في كتابه
المسمى دولة اليهود : سنحاول ان نخرج السكان المعدمين عبر الحدود بأن نجد لهم عملاً
في البلاد التي نطردهم اليها وننكر عليهم أي عمل في بلدنا واذا انتقلنا الى منطقة
يوجد بها حيوانات مفترسة لم يتعود اليهود عليها كالأفاعي الكبيرة مثلاً سنحاول ان
نستعمل السكان البدائيين للقضاء على هذه الحيوانات .
ويقول موشيه مينوحين نحن أوائل
المتخرجين من المعبد المقدس للقومية اليهودية السياسية نذرنا انفسنا لننقذ الوطن
اليهودي باي ثمن كان ولنطهر فلسطين من كل من لم يكن يهودياً
.
اما جباوتنسكي فيقول مخاطباً : كل
انسان آخر على الخطأ وانت وحدك على الصواب لا توجد في العالم حقيقة واحدة وهي
بكاملها ملكك أنت .
اما مناحيم بيغن تلميذ الارهابي
جابوتنسكي فيقول : تعلمت من أبي اننا نحن اليهود لا بد ان نعود الى أرض فلسطين ـ
اسرائيل كلها . وبكل حزم لذا لقد كنا مقتنعين بالشرعية المطلقة لاعمالنا اللاشرعية
. وفي كتاب (الثورة) جاء على لسانه كتبت هذا الكتاب ايضاً لغير اليهود خوفاً من ان
يكونوا قد نسوا انه من الدمار والنار والدموع والرماد قد خُلق صنف جديد من البشر لم
يعرفه العالم وهو اليهودي المحارب .ويستطرد قائلاً : قال ديكارت : (انا أفكر فأنا
موجود) (انا احارب فأنا موجود) وكن أخي والا قتلتك .
فمن خلال ما تقدم نستطيع ان ندرك
بنية النفسية اليهودية الصهيونية . ونستطيع ان ندرك لماذا يشكل الارهاب لب الحركة
الصهيونية وجوهر الكيان الصهيوني .
واستناداً على هذه المقولات المستندة
اساساً على مقولات التوراة ، قد تعددت الاشكال واختلفت وكان الهدف منها جميعها قتل
العربي أو طرده من أرضه واحتلال بلاده ولهذه الاسباب وجد زعماء الصهاينة أنه لا
مجال للشك بان اخراج العرب من ديارهم لا يتم عن طريق الدبلوماسية ولا عن طريق
الحديث ، انما يتم عن طريق واحد هو الارهاب . وفي سبيل ذلك ونتيجة لظروف كثيرة فقد
قام العمل الارهابي الصهيوني على السرية أولاً وعبر تشكيل منظمات ارهابية تنفذ مخطط
الحركة الصهيونية وأهدافها في اقامة الكيان الصهيوني وتوسعه .
بدأ التفكير جدياً بانشاء اولى
المنظمات الصهيونية عام 1887 وفعلاً انشئت اولى المنظمات وأطلق عليها (أغودات
مكاييم) ثم تأسست رابطة (اغودات عستروت) رابطة العشرات بمبادرة من (ميخائيل هلبرن)
احد الشخصيات البارزة في الشناط الصهيوني في روسيا . وخلال فترة الهجرة اليهودية
الاستعمارية الثانية وُضعت الاسس الاولية للمنظمات العسكرية الصهيونية في فلسطين .
وقد قامت بذلك طلائع الهجرة الثانية من حزب (بوعالي تسليون) الذين سبق لهم ان كانوا
اعضاء في كتائب الدفاع العاملة في بعض التجمعات اليهودية في روسيا وفي 12 نيسان عام
1909 تم تشكيل منظمة (هاشومير) الحارس . ثم تلاها منظمة المجموعات اليافاوية . التي
شكلها الشباب حوالي عام 1918 وتأسست منظمة (مكابي) تحت غطاء رياضي عام 1912 . وابان
الحرب العالمية الاولى تشكلت منظمة (نيلي) التي كان على رأسها (اهرونسون) ثم تشكلت
الكتائب العبرية بقيادة جابوتنسكي وقد ضمت الكتيبة /40/ التي قامت بالحرب في صفوف
البريطانيين ومهدت لاحتلال أجزاء من شمال فلسطين بقوة السلاح . اما المنظمات التي
لعبت الدور الرئيس في الارهاب الموجه وهو تنظيم عسكري فهي :
1- منظمة الهاغاناه وتأسست عام 1921
وركز اعضاء هذا التنظيم تدريباتهم على أعمال النسف والتخريب والهجوم
.
2- منظمة الأرغون وهي المنظمة
العسكرية القومية في أرض (اسرائيل) أسست عام 1931 على يد جماعة مسلحة من حركة
(بيتار) الارهابية . ويعتبر جابوتنسكي الاب الروحي للمنظمة ودافيد رازيل القائد
العسكري و (ابراهام شتيرن) الرئيس السياسي فيها ، وقد انشقت جماعة شتيرن عن الارغون
بحجة التعاون مع الانجليز .
ومن أكثر الاعمال الارهابية شهرة
والتي قام بها مناحيم بيغن مع عصابته مجزرة دير ياسين التي أقاموها ليلة وصباح
15/4/1948 . ودافع الجريمة هو دافع العقيدة الصهيونية حيث قانون الحق المطلق الذي
يضع اليهود في منزلة اعلى من بقية البشر ، الى جانب دافع الاستراتيجية الصهيونية
حيث احكام السيطرة والانتقال من حالة الكمون الى التوسع والهجوم
.
ويرى المرء ان الاهم من المجزرة
نفسها ذلك التوجه الفكري التوجيه التربوي والمباركة المثمرة من قبل زعماء الحركة
الصهيونية ويصل بهم الحد الى تبرير قتل المدنيين بمبررات ذرائعية غير مقبولة حتى
على مستوى الحس المتطرف . فعندما كانت تواجه المنظمات الارهابية الصهيونية بالنقد
او التهجم على أساليبها المنفذة ضد العرب كانوا يتذرعون بأنه من الصعب التحكم في
القنابل بحيث لا تصيب الا هدفها المحدد . وقد عبر عن ذلك الصهيوني المعروف (شاؤول
مائيروف) في اجتماع لمنفذي حزب (ماباي) في 22/8/1936 اذ يقول : الظروف تجعل من
المستحيل ان نؤذي فقط من نريد ان نؤذيه ، فالقنبلة لا تختار هدفها
.
وأعرب الصهيوني (س . يافه) عن هذا
التوجه حي قال : شعارنا يجب ان يكون لن نعامل بلطف أولئك الذين يضرون بنا ولا يجب
ان نكون بارين في أعين انفسنا فنندم اذا اصابت قنبلتنا عربياً لم يشترك في
الهجوم(4) .
ويرى زعماء الصهيونية ان العنف هو
جزء من العلاقات البشرية وبرأيهم يوجد عنف عادل وعنف غير عادل ويوجد عنف تختلف
الآراء حوله . ان احلال البلاد هو أحد الوصايا الكبيرة المرتبطة بأرض "اسرائيل" وقد
جاء في صحيفة يديعوت أحرونوت 8/9/1972 على لسان (اليعار ليفنه) ان تحقيق الصهيونية
قد صاحبته مظاهر عنف كانت احياناً بحكم الضرورة واحياناً لم تكن(5)
.
ورغم التهرب احياناً من مسؤولية الارهاب
لدى بعض الصهاينة فان بعضهم يتباهى بقيامه بأعمال إرهابية ضد العرب. وعندما سُئل
مناحيم بيغن هل قام فعلاً بجرائم ضد النساء الحوامل في دير ياسين ؟ أجاب وهل فعلت
ذلك الا من أجل شعبي(6) .
ويتخذ الارهاب منهجاً تربوياً
تعليمياً مبرمجاً . وحسب التعليمات التي يتلقاها المشرفون على تسيير التعليم وتسيير
حياة المستوطنين والمستوطنات فانهم يرون في الارهاب الكفري المنظم انجح وسيلة لطرد
السكان العرب واسرع طريق لتحقيق الخطط الاستيطانية الصهيونية في فلسطين ، يقول :
(يشعياهو بن فورات) منذ سن السابعة تربيت على العمل العسكري لاحتلال البلاد بقوة
الذراع . لقد ربوني على الاستهتار بالجار العربي ولم يقولوا لي أنهم حثالة البشرية
.
لقد كان واضحاً لجميعنا انه ستكون
حرب تنتظرنا مع العرب . وفي الكيبتورات كانوا ينظرون الى القرى العربية المجاورة
وقد تقاسموا في تفكيرهم أرضيها(7) .
وبهذه الصورة نرى طريقة الحقن
التربوي الصهيوني التي تتم بناء على نظرية الارهاب التي تجد لها مرتعاً خصباً في
عقول الصهاينة ونفوسهم وتعليمهم وتدريبهم على منهجها ، انها تأخذ في هذا المنحى
بعداً نفسياً غريباً تترسخ فيه مفاهيم التباهي بقتل المدنيين او طردهم من اراضيهم ،
والتفكير المستمر في تقسيم اراضيهم على المستوطنين الصهاينة
.
ان المفكرين الصهاينة لا تسحرهم
مقولة أجمل من مقولة الحاخام الاول (عازر) (زينة المرأ سيفه وقوسه) ولذلك كان يقول
جابوتنسكي دوماً (ان التوراة والسيف أنزلا علينا من السماء) ، ولذلك قال ايضاً بن
غوريون ، ان الامبراطورية (الاسرائيلية) سوف تمتد من النيل الى الفرات و "اسرائيل"
لا يمكن ان تعيش الا بالقوة والسلاح(8) .
لقد تنافس الزعماء الصهاينة على خلق
اساليب مبتكرة للإرهاب فنرى مثلاً غولدا مائير تقول (لقد حبذت دوماً ان نجلي العرب
عن هذه البلاد بكل ضمير مرتاح ولكن كيف السبيل الى ذلك لابد من الحرب لانه بالحرب
وحدها يمكن تغيير الحدود).
ويساعد على نمو نظرية الارهاب
الصهيوني وصول عدد من الزعماء الارهابيين الى السلطة لا سيما الى ما يسمى
(البرلمان) . صحيح ان كافة الزعماء الصهاينة اشتركوا فيالارهاب "نظرية وممارسة" لكن
تشكيل دولة للكيان الصهيوني وتطور علاقاتها مع دول كثيرة في العالم جعل الزعماء
والمفكرين الصهاينة يغيرون تكتياكتهم الارهابية . وحتى يظهروا بمظهر المتحضرين فقد
اخفوا الدعم للارهاب واتبعوا وسائل جديدة في خلقه من أهمها المساعدة على خلق حركات
صهيونية عملية متطرفة وايصال زعمائها الى ما يسمى (الكنيست) حتى يحصلوا ويحصل
ارهابيهم على الحصانة الرسمية أمثال (كاهانا) .
ورغم ذلك فان ظاهرة الدعم الارهابي
لهذه المنظمات لا تتوقف عند حدود . فمن ناحية يشكل زعماء الكيان الصهيوني الأوائل
والحاليون أكبر منظم لعمليات الارهابي في السابق والحاضر وهؤلاء الزعماء لا يتخلون
عن دعم الارهاب بالمال والسلاح وتقديم كل التسهيلات التي من شأنها قتل العربي او
طرده وتشريده من أرضه .
وهذا الدعم يتجسد في عدة نواح :
1- دعم الحكومة لمنظمات إرهابية
صهيونية سرية دعماً مالياً وعسكرياً .
2- التستر على هذه المنظمات
وأعمالها ومحاكمة أفرادها محاكمات صورية تنتهي باصدار احكام عفو عمن فضح أمرهم
واعتقلوا امام أعين الناس .
فمن البديهي القول ان مجرد وصول
رموز الارهاب الصهيوني الى السلطة أمثال مائير كاهانا وغيؤولا كوهين ورفائيل ايتان
يجعل لهم حصانة أمنية حكمية شرعية . فالنائب فيما يسمى الكنيست له حصانته مهما قام
من أعمال لا سيما في التجمع الصهيوني . وهذا ما يؤكد ان السلطة الصهيونية تدعم صعود
امثال هذه الرموز الى السلطة .
ومن خلال اقامة المستوطنات في كافة
المناطق العربية المحلة فقد كثرت اعمال الارهاب من قبل المستوطنين وذلك لعدة اسباب
:
الاعتقاد بأن الاعمال الارهابية ضد
العرب هي استمرار لنشاط المنظمات التي خلقت الكيان . أي ان هذه الاعمال الارهابية
استمرار لنهج الهاغاناه وشتيرن والارغون وبذلك الصدد يقول (ابراهام احيطوب) : ان
عملية الاستيطان ساعدت على نشوء عوامل سيكولوجية لظهور ارهاب يهودي في صفوف
المستوطنين بعد اقتناعهم بان لحق بجانب من يخالف القانون (جافار 19/8/1983)
.
2- الدعم السياسي الحكومي للارهاب
.
3- الاحباط الذي يشعر به بعض
المتدينين اليهود والنتائج عن عدم مساهمتهم في بناء الدولة وهنا ترتبط هذه النقطة
بردة الفعل العنيفة ضد العرب لاثبات حق المتدينين بوجودهم على انهم اقوياء وفاعلون
في الكيان . اضافة للشعور لدى المستوطنين بان الحكومة مقصرة في حمايتهم وحفظ أمنهم
وقد جاء في صحيفة القدس الصادرة في 5/5/1984 : لقد نهضنا من أجل الدفاع عن انفسنا .
ان الحكومة يسيطر عليها الخوف من الاحزاب اليسارية والضغوطات الدولية)
.
ومن هنا نجد ان الارهاب الصهيوني
يعتمد أساساً على قناعات بأن العنف هو حياة كل صهيوني ولا حياة للصهيوني بدون ذلك
العنف .
ويركز الفكر الصهيوني ونظريته
العنصرية على انشاء منظمات ارهابية كثيرة في فلسطين وخارج فلسطين وتطال يد هذه
المنظمات المجتمع الامريكي الذي يحمي قادة الصهاينة حماية كاملة وقد كُلفت هذه
المنظمات باعمال متنوعة وتختص كل منها بعمل ما قد ينحصر هذا العمل في منطقة ما
ايضاً دون عمل المنظمة الاخرى ومنطقتها . ولعل الشعارات التي تطرحها هذه المنظمات
الارهابية لا تنحاز عن تعاليم التوراة ومن ثم تعاليم هرتزل وجابوتنسكي وماكس نورداو
وبيغن وابن غوريون وبقية المفكرين الصهاينة بل هي ترجمة للنظرية الصهيونية وافكارها
التي تنمو باطراد .. ان وجود مثل هذه المنظمات يركز على قوة العنف الموجهة للعرب
وتوسيعه وتنظيمه بحيث يشمل كافة القطاعات العربية وكافة اشكال الارهاب
.
1- حركة لجنة الأمن : (جمعية
المحافظة على الأمن) وقد اسست عام 1979 وقد ساهم في أنشائها الجنرال الفاشي رافائيل
إيتان رئيس اركان جيش العدو السابق . وقد برر (موشي ليفي) وجود الارهاب اليهودي
قائلاً (ان سبب فشل المخابرات الاسرائيلية في قمع الارهاب العربي يعود الى مساندة
الحكومة لهذه المجموعات ومنها حركة لجنة الامن) .
2- حركة متسياء وقد أسسها وطورها
الحاخام العنصري حاييم دور كمان وهدفها تهجير العرب وإقامة حكم التوراة في دولة
(اسرائيل الكبرى) .
3- مجموعة لفتا وقد اسسها الصهيوني
شمعون برادة وقد خططت لتدمير المسجد الأقصى .
4- المنتقمون : وهي احدى حلقات كاخ
وقامت بإلقاء قنابل على مقهى عربي في القدس .
5- مجموعة عين كارم احدى روافد
التنظيم الارهابي TNT
.
6- حركة (ارض اسرائيل الكبرى) وقد
أُسست بعد عام 1967 على يد الجنرال ابراهام ليوفه وهو في الاصل احد قياديي منظمة
شتيرن الإرهابية وضمت هذه الحركة عدداً من كبار مفكري الصهاينة ولها الآن ثمانية
مقاعد فيما يسمى البرلمان الصهيوني (الكنيست) .
7- مركز هاراب : هي مدرسة الحاخام
كوك وتعتبر من أهم المدارس العنصرية وقد تخرج منها الحاخام العنصري (ليفنغر)
.
8- غوش إمونيم ، وتشكل فلسفة هذه
الحركة المبادئ الاساسية للاستيطان في الارض وتحظى بدعم كبار قادة حزب حيروت مثل
بيغن وشارون وشامير . وبسبب هذا الدعم تمكنت الحركة من الوصول الى مكانة سياسية
عالية وهي بالتالي تمارس الضغوط على اية حكومة صهيونية في فلسطين المحتلة وذلك
لتوسيع دائرة الاستيطان .
9- حركة كاخ : ومؤسسها الحاخام
العنصري مائر كاهانا وتعتبر من أكثر الجماعات الصهيونية تطرفاً . ونشر كاهانا
كتاباً بعنوان Neveragain ـ لن يحدث ثانية . وطالب فيه أن يغير اليهود أساليبهم في التعامل
مع العرب ، فدعا الى الارهاب والقتل وقد انضم الى المخابرات المركزية الامريكية
CIA ـ وكان من دعاة دعم الحرب الامريكية في فيتنام . وتضم الحركة
العديد من الشخصيات ذات التاريخ الإرهابي أمثال (إيلي الذئب) و(يوئيل ليرنز) و(يوسي
ديان) و(يهودا ديمنتر) و(جاد سروطان) ويطالب الجميع بمضاعفة أعمال الارهاب ضد العرب
. ومن اعمال هذه الحركة وضع خطة لتفجير المسجد الاقصى ولعدة مرات . وقتل أعضاء
الحركة عضواً من حركة السلام الآن اليهودية والمدعو (اجيل جرينسفنغ) واطلاق النار
على باص عربي في القدس وتفجير قنابل يدوية في القدس الشرقية واشعال النار في سيارات
عربية وتمزيق إطارات بعضها .
حركة تسومت : وقد أسسها رفائيل إيتان ويعتبر إيتان من أوائل من أدخلوا العنف
والمعاملة الفظة ضد العرب على أيدي الجيش الصهيوني المغتصب ، وهو لا ينكر كراهيته
للعرب عندما كان قائداً للمنطقة الشمالية يقول في سياق احد أحاديثه : علينا ان نقيم
فوق كل حجر يقذفونه عشر مستوطنات وهنا لن يستطيعوا قذفنا في الحجارة ونكون قد
وضعناهم كالصراصير في قنينة مسممة . ومن أعضاء الحركة البارزين (اليعازر كوهين
والمحامي يعقوب حيروتي) .
ومن أساليب الارهاب الصهيوني في
داخل فلسطين قيام هذه الحركات الارهابية بتسميم مياه الشرب ووضع مواد كيماوية غازية
مسممة على أبواب ونوافذ بيوت العرب لأجل تسميمهم . اضافة لذلك فان عمليات الارهاب
تتنوع وتتشعب ، فتبدأ بالارهاب الفردي حيث يقتل أفراد هذه المنظمات بعض العرب الذين
ينفردون في الطرقات والشوارع والمزارع والحدائق . اضافة لاستخدام الرصاص والسكاكين
وغيرها من الأدوات .
اما الارهاب الجماعي فقد يشمل
الهجوم على البيوت والقرى وتكون النتيجة مزيداً من القتل والارهاب للإنسان العربي
.
ومنذ بدء الانتفاضة بدا واضحاً ان
قرارات السلطة الصهيونية المغتصبة كانت ولا تزال تقتضي مزيداً من العنف ومزيداً من
الارهاب المنظم والقتل . وقد استخدم جيش العدوان أساليب شتى لمواجهة الاطفال
والنساء والرجال . وقد أفادت كافة التقارير ان الغاز الذي يُطلق على الشعب ليس الا
غازاً ساماً قاتلاً وليس كما تدعي سلطات الاحتلال بانه غاز مسيل للدموع ... اضافة
لذلك فان الجنود يقومون بالنسف المتواصل لبيوت السكان العرب وسرقة ما يمكن سرقته من
المنازل الاخرى كما جرى في مدينة بيت ساحور .
اضافة لذلك فان السلطات الصهيونية
والعصابات السرية تصدر نشرات سرية دورية تدعو الى الارهاب وذلك ليكون حقن العنصر
اليهودي بالعنف اسهل على الكيان وعلى منهجه التربوي الدموي . وتنادي هذه النشرات
والصحف بضرورة طرد العرب من قراهم وأراضيهم وقد جاء في صحيفة (نكورا) علينا ان نعمل
بعد كل عملية تخريب على قطع جزء آخر من غصن أرض "اسرائيل" العربي ، علينا ان نشجعهم
على ترك البلاد ويجب أن يحسوا بأن الارض تُسحب من تحت أقادمهم . وعلى الحكومة ان
تبادر باخراج العرب وتعويضهم قبل ان يأتي يوم نضطر فيه الى تعبئة العرب في باصات
ونقلهم الى الجسور كما حدث في اليونان وبنغلادش . وجاء ايضاً (يجب مواجهة عرب نابلس
وطردهم من البلاد ، الحل الوحيد هو تهجير العرب) .
فهذه هي طبيعة التربية الارهابية
اليهودية ، انها تواصل واضح لمقولات التوراة والتلمود ، وهي بذلك تشكل أكبر خطر على
الامة العربية والاسلامية بل على العالم كله .
هوامش
الفصل
(1)
سيغموند فرويد أفكار لأزمنة الحرب والموت ص37 .
(2)
سيغموند فرويد الموجز في التحليل النفسي ص20 .
(3)
تيودور هرتزل . الدولة اليهودية . إصدار مركز الابحاث بيروت 1936
.
(4)
النصوص الاساسية للفكرة الصهيونية ص118 بيروت مركز الابحاث 1980
.
(5)
يديعوت احرونوت ورد النص في مقتطفات وثائقية .
(6)
مناحيم بيغن مقابلة أجرتها معه صحيفة حركة هتحيا إبان التعليق على كتباه الحرية
.
(7)
يشعياهو بن فورات . الصهيونية فكراً وممارسة . مركز الدراسات الفلسطينية 1977 .
تحقيق نجيب الأحمد .
(8)
دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني .
(9)
غولدا مائير رئيسة وزراء العدو بعد عام 1967 ـ 1973 من المتشددات الارهابيات في حزب
العمل الصهيوني .
مراجع
تمت الاستفادة منها
1-
نجلاء بشور : تشويه التعليم العربي في فلسطين المحتلة مركز الأبحاث الفلسطينية
بيروت 1968 .
2-
(ص) يديعون احرونوت .
3-
نجيب الأحمد . الصهيونية هدفاً وفكراً وممارسة ، مركز الدراسات الفلسطينية دمشق
1978 .
4-
هآرتس .
5-
مجلة الأقلام العراقية .
6-
إذاعة العدو .
7-
صحيفة الدستور الاردنية .
8-
جيروزاليم بوست .
9-
جرجي كنعان . العنصرية اليهودية دار النهار بيروت 1983 .
10-
العهد القديم (التوراة) .
11-
جاك ديروجي . المافيا في اسرائيل المؤسسة الجامعية للدراسات بيروت 1981
.
12-
اسرائيل الثانية ترجمة فؤاد جديد . مكتب الدراسات الفلسطينية بيروت 1981
.
13-
جرجي كنعان سقوط الامبراطورية الاسرائيلية دار النهار بيروت عام 1968
.
14-
مجلة فلسطين الثورة 1/1/1980 .
15-
المناضلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال . م. ت . ف دائرة الاعلام والتوجيه (الحرث)
1975 .
16-
سيغموند فرويد . أفكار لأزمنة الحرب والموت .
17-
الموجز في التحليل النفسي فرويد .
18-
تيودور هرتزل . الدولة اليهودية اصدار مركز الابحاث الفلسطينية بيروت 1968
.
19-
النصوص الاساسية للفكرة الصهيونية مركز الابحاث 1970 .
المصدر
: التربية الصهيونية من عنصرية التوراة ـ إلى دموية الاحتلال / تأليف الأستاذ حَسَن
البَاش