10 ـ في قياس العبء الضريبي:

إن تسمية وتبويب الضرائب المباشرة وغير المباشرة كما هو متبع في تصنيفها حالياً يحتاج إلى إعادة نظرية جذرية بتحويل كل الايرادات ذات الجوهر الضريبي إلى ضرائب، والايرادات ذات الطبيعة السعرية إلى أسعار والتخلص من الأسماء الغريبة على حسابات الخزينة، مثل «مختلفة» و «أخرى» والتي يزيد مجموعها عن ربع الميزانية فقط لاغير‍.

سنكتشف بعد هذا الاصلاح أن العبء الضريبي (نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الاجمالي) في سورية ليس نصف ما هو عليه في الدول الأخرى (أي 13 ـ 15% مقابل 25 ـ 30% في الدول الأخرى)، كما نسمع ونقرأ باستمرار كحجة للمطالبة بزيادته. ذلك أن جوهر المسألة هو أنه لا وجود في الدول الأخرى لضرائب متخفية تحت «أسماء حركية» بل كل شيء ينادى باسمه.

وأول ما علمه الله لآدم هو الأسماء كلها، لكن أبناء آدم قاموا بخلط الأسماء ببعضها، تبريراً لمصالح معينة، وإبرازاً لإنجازات ما كانت لتبرز بدون هذا الخلط. السديمي.

وبتقدير أولي، نعتقد بأن العبء الضريبي الحقيقي في سورية، في حال تسوية الإشكال المذكور، سيسجل مستوى 25 نقطة، على الأقل، من الناتج المحلي الإجمالي.

ولا بد من التنبيه هنا إلى أن مؤشر العبء الضريبي يفقد مدلوله إذا لم يقرن بمؤشر الأجر الحقيقي، وذلك عند المقارنة بين بلد وآخر. فقد يترافق انخفاض المعدل الضريبي العام مع تخفيض الأجور الحقيقية في بلدما، بينما يترافق ارتفاع المعدل الضريبي العام مع ارتفاع الأجر الحقيقي في بلد آخر، وتكون الحالة الثانية أفضل من الحالة الأولى. ويشكل ذلك رداً على الذين لم يتعودوا ويصرون عن سابق علم ومعرفة، على فصل المؤشرات عن بعضها تبريراً لسياسات معينة ودون أن يجدوا، وللأسف، من يضع النقاط على الحروف ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.

هكذا إذا دمجنا ما حصل من ارتفاع في الضرائب وفروقات الأسعار مع الانخفاض الذي تعرضت له الأجور الحقيقية والدعم خلال العقدين الأخيرين فسنجد بالتأكيد، أن العبء الضريبي في سورية مرتفع إلى حد كبير ولقد آن الأوان للقطع مع الأفكار والممارسات التي تتناقض مع العلم وحقائق الأمور.


الموازنة العامة وسياسات الانفاق والاستثمار والتسليف والقطع الأجنبي: الانجازات والعجوزات

الموازنة هي خطة أو برنامج عمل تقدمه الحكومة إلى مجلس الشعب، وإلى الشعب، تترجم السياسة الاقتصادية والاجتماعية الشاملة إلى أهداف سنوية رقمية، وليست مجرد برنامج عمل خاص بوزارة المالية يبين الكفاءة في إدارة صندوق بيت المال، وحسب! إن فعالية الموازنة لاتتقرر بذاتها فقط، بل ترتبط بأدوات التخطيط المالي الأخرى كسياسة التسليف وسياسة القطع الاجنبي، وتقاس بالنتائج الاقتصادية الاجتماعية وليس بالنتائج المالية فقط.

ونتساءل: ماهي التطورات التي شهدتها الموازنة العامة (الإيرادات والنفقات) وسياسة التسليف وسياسة القطع الأجنبي من خلال علاقتهما بسياسة الموازنة خلال العقود الأخيرة؟

1 ـ في جانب الإيرادات: كان التطور الأكبر ومنذ عام 1987 هو تضخم الايرادات النفطية مع تزايد انتاج النفط وارتفاع أسعاره في مطلع التسعينات وحتى عام 1997 مقارنة بأواسط الثمانينات. لكن خلط العائدات النفطية بالضرائب المباشرة (ضريبة الدخل) من أجل التأكيد سنوياً على التغيير الجذري في توزيع الضرائب «بالارتفاع المستمر للضرائب المباشرة بمعدلات تزيد عن معدلات نمو الضرائب غير المباشرة وهذا مايحقق العدالة الاجتماعية!!» إنما يشكل تحويراً للحقائق. يجب التراجع عن هذه الممارسة وإجراء فرز واضح يظهر في التقارير المالية التي تقدم إلى مجلس الشعب بتوزيع الضرائب المباشرة إلى ضريبة دخل أرباح الشركة السورية للنفط، وضريبة دخل أرباح جهات القطاع العام ذات الطابع الاقتصادي الأخرى، وضريبة دخل أرباح القطاع الخاص، حتى تظهر مصادر نمو الضرائب المباشرة الحقيقية. وبالطبع عندما يخرج الدخل النفطي جانباً سترتفع ارتفاعاً كبيراً الضرائب غير المباشرة مقارنة بالضرائب المباشرة، وستتضاعف الضرائب غير المباشرة كثيراً إذا أضفنا إليها فروقات الأسعار!

أما بالنسبة للفوائض الأخرى: فائض الميزانية، وفائض السيولة، فمازالت وزارة المالية تقطع حسابات جهات القطاع العام الاقتصادي على أساس الموازنات التخطيطية أي التقديرية، دون النظر إلى الميزانيات الختامية الفعلية، وهذا ما يخالف القانون المالي الأساسي مخالفة صريحة في مبدأ ارتباط جهات القطاع العام بالموازنة العامة بالصوافي، والذي يقضي بأن تأخذ الموازنة العامة حقها منها عندما تتوفر الايرادات الفعلية لديها وتقدم لها إعانة لتغطية العجز عندما تقع في العجز فعلياً.

فالصوافي لايمكن أن تكون تقديرية، وإنما فعلية، وهي ذات اتجاهين. لكن وزارة المالية تعاملت معها تقديرياً وباتجاه واحد: رفد الايرادات العامة بها، وعدم أخذها بالاعتبار عند العجز الذي يتطلب إعانتها في جانب النفقات العامة. وتقتصر إعانات الموازنة العامة على الجهات ذات الطابع الخدمي والاجتماعي دون المؤسسات الانتاجية.

وقد تجاوز التشدد الأحادي الاتجاه في الموازنة الموحدة لدينا النموذج الألماني الديمقراطي الذي جرى تقليده. ففي ألمانيا الديمقراطية، كان النظام المالي لديها يقضي بإبقاء 25% من الأرباح لدى المصانع وكانت نسبة هامة من الأرباح تصرف من قبل إدارة المصنع على الحاجات الاجتماعية للعاملين، كالسكن والغذاء والثقافة والترفيه... الخ، لكننا كنا ملكيين أكثر من الملك، إذ تسحب وزارة المالية لدينا ليس فقط الضرائب، بل مايتبقى من الربح بعد سحب الضرائب، كما تسحب اهتلاكات الابدال والتجديد (فائض السيولة)، حتى فقد العمل في مؤسساتنا العامة أي جاذبية معنوية، بعد أن فقد كلياً الجاذبية المادية بنتيجة تحطيم الأجور الحقيقية وبشكل خاص منذ النصف الأول من الثمانينات وحتى اليوم، كما فقدت إدارة المؤسسات الشروط الضرورية للإدارة الاقتصادية التي لاإدارة بدونها، والتي تتمتع بها المؤسسات الاقتصادية الخاصة، بل والمؤسسات العامة في البلدان الأخرى، وهي الالتزام بالأصول العلمية في تنفيذ التجديد والابدال في وسائل الانتاج حتى تحافظ على فعاليتها الاقتصادية وتواكب التطورات والطلب في الأسواق، وتخفض التكلفة وتزيد الانتاجية والربحية والأجور وتحسن النوعية باستمرار. وأصبح المسؤولون الاداريون في المؤسسات الاقتصادية، بالتالي، موظفين إداريين، منفذين للأوامر الوزارية وغير الوزارية، فاقدي المبادرة والاحساس بالمسؤولية عن نتائج أعمال المؤسسة. وبما أن العطالة والبطالة مفسدة، فقد انصرف الكثيرون منهم تدريجياً إلى «تدبير الرأس» والاعتناء بالمصالح الخاصة، مع تأمين التغطية الكاملة، بعدم تجاهل حصص من يوفرون لهم مثل هذه التغطية.

لقد أصبح هؤلاء الكثيرون وكلاء للغير نيابة، وعن أنفسهم أصالة، في إدارة المؤسسة العامة للصالح الخاص، وهذا ما أسميته في محاضرتي عام 1986: «الخاص في العام والعام في الخاص»!

حسب موازنة 1997، بلغت تقديرات الضرائب والرسوم 91760 مليون ل.س أي بزيادة عنها في موازنة عام 1996 (73238 مليون ل.س) بنسبة 24.74% في عام واحد (بعد زيادتها عام 1996 بنسبة 26.4% مقارنة بعام 1995)، ولم تكن عام 1985 سوى 10 مليار ل.س.

وإذا استثنينا الزيادة الحسابية والناتجة عن تعديل سعر صرف الدولار من 23 ل.س إلى 35 ل.س في عام 1997 التي بلغت 5455 مليون ليرة سورية، فان ما يتبقى من زيادات الضرائب والرسوم الفعلية في عام 1997 يصبح 17.3% ويقابله في الطرف الآخر انخفاض في الانفاق الحكومي بالقيمة الحقيقية بحيث يمكن القول أن حصيلة الطرفين في تخفيض المستوى المعاشي للسكان لاتقل عن 15% من هذا المستوى في عام واحد. وهذا ماينعكس بآثاره السلبية على النمو الاقتصادي العام في نهاية المطاف.

وفي الوقت نفسه بلغت زيادة الفوائض المقدر تحصيلها من القطاع العام لعام 1997 عن عام 1996 38% (ترتفع من 30256 مليون ليرة سورية إلى 41804 مليون ليرة سورية أي بمقدار 11548 مليون ليرة سورية) إن هذه الفوائض والتي تعتبرها الموازنات إيرادات جارية ليست في الحقيقة، بالنسبة للصناعة التحويلية على الأقل، إلا اقتطاعات من الأصول الراسمالية الإنتاجية!

إذن، يمكن القول أن الموازنة العامة لم تشهد أي تطور إيجابي حقيقي في الأداء والانجاز والتنظيم حيث يجب أن يحصل التطور. بالطبع جرى مضاعفة أعداد «المطارح الضريبية» بمعدلات كبيرة، ولكن من بين الفقراء غالباً، مع الاصرار على إعطاء الإعفاءات القانونية والاستثناءات الذاتية لأهم الايرادات والمطارح الضريبية وهو ما أفقد الموازنة العامة مستقبلاً أي امكانية لتوسيع ايراداتها، وضاعف شدة هجومها على المداخيل التي لا تؤمن مستوى المعيشة الضروري، بشكل جعلها سبباً رئيسياً، يضاف إلى الأسباب الأخرى، لارتفاع معدل الفقر والأزمات المعيشية.

وهنا يكمن عجز الموازنة الأكبر والأخطر، وليس فقط في الرصيد الحسابي، الرقمي، للموازنة، والذي بفضل «المخاتلات الحسابية»، مثل اخراج معظم العجز التمويني من الموازنات، وتضخيم «الايرادات المختلفة» (وهي الاسم الحركي «لفروقات الأسعار» التي تشكل بدورها الاسم الحركي للضرائب غير المباشرة، والتي ستتضاعف عند إضافة فروقات الأسعار هذه إليها!!)، وجمع الضرائب المتراكمة عن سنوات سابقة إلى الضرائب المستجدة (مما يظهر ارتفاعاً رقمياً في الضرائب المحصلة يخفي الخسائر الحقيقية الضخمة في القيمة الحقيقية للضرائب المتراكمة المحصلة، نتيجة التضخم وما يلحقها من «تفسخ طبيعي» أخلاقي ومادي بفعل عامل الزمن، وهنا كان المجال الأهم لتحقيق تطور تنظيمي واداري ومالي، لو أريد ذلك، ولكنه لم يتحقق، بل استمرت الفوضى والإبطاء، ليقال للمكلفين عند دراسة تكاليفهم من قبل لجان التحقيق بعد سنوات من تقديمهم الإقرارات الضريبية، يجب أن تدفعوا ضعفي أو خمسة أضعاف ما دفعتم عند تقديم الإقرار (وقد يكون ذلك حقاً) ولكن يفرض عليهم أن يدفعوا فوق هذا الحق «غرامة تأخير» وأرباح استثمار مفترض للمبلغ غير المحصل طيلة فترة التأخير‍‍. هكذا: المتسبب في التأخير يغرم غير المسؤول عن التأخير. وصدق المثل: «حاكمك ظالمك!»، وصدق الشاعر القائل: (من يملك «القانون» في أوطاننا هو الذي يملك حق عزفه).

2 ـ في جانب النفقات: نختصر ما قيل سابقاً: فالانفاق الجاري التقديري ينفق بفعالية يحسد عليها، حتى الليرة الأخيرة، وهنا فقط تظهر دقة التخطيط والتنفيذ: والكثيرون يتذكرون التعميمات والأوامر الحكومية التي كانت تعمم على جميع الجهات الإدارية والاقتصادية في كانون الأول والتي تحمل عبارات اللوم والتقريع للقائمين على هذه الجهات بسبب تقصيرهم في انجاز الانفاق الجاري المخطط، وهكذا يبدأ السباق الموسمي الدوري في النزول إلى الأسواق وتطبيق العقود الوهمية وشراء النفايات وعمل كل ما يمكن عمله «لتنفيذ خطة التنمية الحكومية» وحتى يحصل التطابق بين ما هو مخطط وما هو منفذ، في الانفاق الجاري حصراً!.

وهذا مع معرفة الجميع بأن هذا الانفاق يسمى «الانفاق غير الانتاجي» وأنه يشوبه الكثير من الهدر وإضاعة الموارد، وأنه كان يفضل أن يكافأ من يوفر أعلى نسبة من هذا الانفاق بدلاً من أن يحرض على إتمامه، ناهيك عن المناقلات التي تسحب مما هو ضروري ويحقق خدمات للمجتمع، والذي تتناقص قيمته الحقيقية في السنوات الأخيرة، ليغذي ما هو غير ضروري، ويحقق خدمات «نفسية» ومادية للبيروقراطيين المتنفذين، وحواشيهم ومن يلوذ بهم!

بالمقابل، فإن الانفاق الاستثماري الذي لايبدأ تنفيذه سنوياً حتى الشهر السابع (وهو هدف هام من أهداف تأخير الموازنة كما يبدو!) هو الذي يكافأ، باعتبار التقصير في تنفيذه يظهر على شكل «فائض» في رصيد الميزانية عند قطع الحسابات! هذا ناهيك عن توزيع هذا الانفاق الاستثماري، إذ يكاد هذا الانفاق ينحصر في إنشاء المشروعات الجديدة، والتي تناقصت إلى حد أصبحت معه نادرة جداً، ويهمل الاستبدال والتجديد ليوصل المشروعات القديمة إلى حالة «الخردة» مما يرخص من قيمتها مستقبلاً (عند التخصيص) للمخططين الذين يتربصون بها الدوائر. يضاف إلى ذلك، أنه منذ افتعال أزمة الكهرباء في بلدنا، هذه الأزمة الشهيرة عالمياً، والانفاق الاستثماري في قطاع الكهرباء لوحده يزيد عن ضعف (وبلغ في بعض السنوات ثلاثة أضعاف) الانفاق الاستثماري في كامل الصناعة التحويلية، بل ويزيد في بعض السنوات عن مجموع الانفاق الاستثماري في قطاعي الصناعة الاستخراجية والصناعة التحويلية. ولسنا بحاجة إلى القول هنا أن أكثر من ثلث الطاقة الكهربائية مهدور ومسروق ومضيع ولا توجد محاولات جادة للتخلص من هذا الهدر.

3 ـ أما بشأن علاقة الموازنة بخطة التسليف وخطة القطع، فنقول: أراحت واستراحت! ونقصد: الحكومة. فلا وجود لخطة تسليف، ولا لخطة قطع، على الأقل، منذ عام 1981، حيث وضعت خطة للقطع، للمرة الثانية والأخيرة.

فالمصرف الصناعي «في الثلاجة»، موارده المحددة التي تمنعه من التحول إلى مصرف استثمار وتنمية، وهو المعني الأول بالاستثمار والتنمية، نظرياً، جرى تسليفها في حينها، وأصبح قسم كبير منها غير قابل للرجوع. وبالطبع، ممنوع أن تظهر حسابات المصرف أرقام الديون المعدومة، أو المشكوك في تحصيلها!

أما المصرف الزراعي، وهو المصرف التنموي الثاني، فيقوم بشكل أساسي بالتسليف الموسمي، مما يضعف إلى حد كبير طابعه التنموي، وهو يخرج الديون المعدومة، أو المتأخرة والمشكوك في تحصيلها، بقرارات إدارية من إجمالي التسليفات الواجبة التحصيل ليقول في تقريره السنوي «إن نسبة التحصيل 98% وهي أعلى نسبة تحققها المصارف الزراعية في العالم!»، وحتى لاتظهر الحسابات أيضاً الديون المعدومة أو المشكوك في تحصيلها!

أما مصرف التسليف الشعبي، فموارده من ودائع التوفير، وشهادات الاستثمار، وكذلك صندوق توفير البريد الذي تتشكل موارده من ودائع التوفير لصغار المدخرين عادة، ويفترض أن توظف في خدمة الطبقات الشعبية الدنيا والوسطى. وبالفعل يقوم مصرف التسليف الشعبي بتوفير القروض لأصحاب المهن والموظفين والعمال، والتي يغلب عليها الطابع الاستهلاكي بسبب انخفاض مداخيلهم وعجزهم الدائم، ومع ذلك فهؤلاء الذين لاتقبل رواتبهم وتعويضاتهم المتراكمة ضمانة للقرض، بل يحتاجون إلى كفيلين آخرين للحصول على القرض (40 ألف ل.س كحد أقصى) هم الذين يدفعون على قروضهم التافهة أعلى الفوائد في سورية. هذا في الوقت الذي فتحت فيه خزائن المصرف ذات مرة لفترة محددة (مثل فترات دفع البدل النقدي سابقاً) ليستفيد منها عشرة مستثمرين على أساس القانون 10، قروضاً بمئات الملايين من مصرف التسليف الشعبي وبالفوائد التي تقل حتى عن الفوائد الفعلية التي يدفعها الموظفون على قروضهم. ومنذ أيام صدر قرار وزاري جديد يفتح خزائن صندوق توفير البريد (أكثر من 15 مليار ل.س) (والتي كانت تصب فوائضها في خزينة الدولة) وذلك لإعطاء القروض لأعضاء «الشركة المشتركة» من مستثمري القانون 10 وشركائهم البيروقراطيين، فقط لاغير!.

ونتساءل: مقابل ماذا منح القانون 10 الاعفاءات الجمركية والضريبية والسماح بالاستيراد بخلاف أنظمة الاستيراد المطبقة على العموم لهؤلاء المستثمرين إذا لم يكن مقابل قيامهم بإدخال القطع الأجنبي من الخارج واستثمار أموالهم الخاصة في التنمية في الداخل، على الأقل حتى وضع المشروع في مرحلة الانتاج، قبل أن يطلبوا القروض المصرفية. وإذا لم يفعلوا ذلك فلماذا لايدفعون الجمارك والضرائب والفوائد العادلة على القروض أسوة بغيرهم ويعودوا مواطنين خاضعين للقانون، لاخارجين عليه أو مخرجين منه؟.

أما المصرف العقاري، والذي تتشكل موارده من حسابات شركات القطاع العام الإنشائية والتعاونيات السكنية وإدخارات المواطنين الراغبين في الحصول على القروض السكنية فإن نسبة تسليفاته إلى موجوداته منخفضة جداً، ويبقى الفائض من موجوداته عاطلاً عن الاستثمار رغم أنه يدفع الفوائد عليها! وهذه الأموال تواجه بأكبر طلب على الإقتراض من الجمهور، بسبب الحاجة الماسة للمواطنين إلى السكن، والسكن مبني ومتوفر بمئات آلاف المساكن الجاهزة الفارغة التي لاتجد من يشتريها أو يستأجرها، وتحولت إلى رأسمال اجتماعي وخاص مجمد قيمته أكثر من عشرة مليارات من الدولارات، مما أدى إلى ركود شديد بسبب علاقة القطاع العقاري الواسعة بمختلف الأنشطة الاقتصادية، والذي عادة ماتبدأ في البلدان الأخرى عملية تنشيط الاقتصاد وإخراجه من الركود من تنشيطه، وتستخدم مؤشرات النمو فيه كأحد المؤشرات الهامة على النمو أو الركود الاقتصادي العام.

وأما المصرف التجاري السوري فهو أقرب إلى المؤسسة الادارية منه إلى المصرف، مما يجعل مشكلاته الناتجة عن الادوار المكلف بأدائها من قبل الحكومة هي الأكبر والأخطر. وتكفي نظرة إجمالية بسيطة إلى موارده واستثماراته: فتوظيفاته الداخلية تمثل تسليفاً للقطاع التجاري بشكل أساسي، ذو طابع قصير الأجل وغير تنموي، ويذهب القسم الأعظم منها لمؤسسات القطاع العام التي تدفعها موسمياً ثمناً للمحاصيل الزراعية بالدرجة الأولى، والتي تتضخم عاماً بعد عام مثل كرة الثلج دون أن يعرف أحد مصيرها النهائي، بل دون أن يتساءل أحد عن مبررات تضخيم هذه المدفوعات في الأساس بقرارات رفع أسعار بعض المحاصيل بما لايراعي الأسس الاقتصادية السليمة وإنما يعمل على تخريب مليون هكتار من المراعي بعد ان تستنزف مليارات الأمتار المكعبة سنوياً من المياه العذبة في قلب البادية! وإذا نظرنا إلى توظيفات المصارف التجارية الأخرى، نجد أن ودائع المصرف بالقطع الأجنبي في الخارج وقد زادت في نهاية 1998 عن 250 مليار ل.س (حوالي 5.5 مليار دولار)، تزيد عن نصف إجمالي توظيفات المصرف، وإذا أخرجنا التزامات المؤسسات الحكومية المتراكمة تجاه المصرف من بين الموجودات فسنجد أن التوظيفات الخارجية هذه ستزيد كثيراً عن إجمالي الموجودات الحقيقية المتجددة من ودائع ومؤونات وغيرها.

ونتساءل: أي سياسة مصرفية وأي سياسة تسليف هذه؟

فكما ندعم أسعار القمح المصدر للمستهلك الأجنبي، فكذلك ندعم سياسات التسليف والاستثمار للبلدان الأخرى، ونهمل كلياً توظيف مدخراتنا في خدمة التنمية في الداخل. لاشك أن تحقيق هذه الاحتياطيات يمثل إنجازاً بحد ذاته، ولكن هذا لاينفي السؤال عن الاستثمار الأمثل الممكن لهذه الاحتياطيات في الخارج (حيث تحصل على الحد الأدنى من معدلات الفائدة وليس الحد الممكن والمتاح والمتعامل به في الخارج أي أن هناك فارقاً في سعر الفائدة لايعرف مآله) أو الاستثمار البديل في الداخل للاحتياطيات التي تجاوز المستوى الضروري.

وإذا كان معدل الفائدة السلبي (بسبب انخفاضه عن معدل التضخم) على مدى العقود الماضية، بخلاف ماتقتضيه أبسط قواعد السياسة النقدية، أدى إلى انصراف الكثيرين عن إيداع أموالهم في المصارف المحلية واستثمارها بدلاً عن ذلك في المضاربات العقارية أو الذهب والعملات الأجنبية، أو غير ذلك من الاستثمارات التي لاتحمل طابعاً تنموياً، وبالأحرى استثمارها في الخارج. وكان مانعاً لدخول أموال السوريين العاملين في الخارج إلا بما يغطي حاجاتهم الضرورية في الداخل، فإننا نشهد مؤخراً، مع التقارب بين معدلات الفائدة الثابتة وبين معدل التضخم وبعد إعفاء الودائع المصرفية من ضريبة التركات مؤخراً تزايداً في الودائع المصرفية. وستكون نتيجة ذلك زيادة الضغط على المصارف لإيجاد أشكال استثمار متطورة ديناميكية بعوائد مجزية لهذه الأموال تغطي تكاليفها وتحقق فوائض على تكاليفها هذا الضغط الذي لم تعانيه المصارف في السابق بسبب معدل الفائدة السلبي، وإن لم تستفد آنذاك من الفارق بين معدل الفائدة ومعدل التضخم لأنها مقيدة الحركة بالأوامر الادارية، بل كان المستفيد الأكبر من ذلك الفارق هو المقترضون الخواص، (أصحاب الخطوة!).

إن المصارف تواجه اليوم إذن متطلبات خطيرة ولم يعد أمامها «فترة سماح» من أجل تطوير نفسها إدارياً وتنظيمياً وتقانياً، وتطوير بنية موجوداتها ومطاليبها، والارتقاء إلى المستوى العصري.

وأما خطة القطع، فقد رأينا أنه تحقق إنجاز كمي لابأس به. فالاحتياطيات في المصرف التجاري والمصرف المركزي تغطي الواردات لأكثر من عام ونصف، أو لعشرين شهراً. وهو معدل مرتفع نسبياً. إلا أن ذلك لم يكن نتيجة خطة علمية لادارة القطع الأجنبي وإنما نتيجة قرارات كثيرة يحكمها هاجس واحد وهو تجميع القطع، من موارد الدولة ومؤسساتها، أو إجبار الأفراد على توريد القطع للدولة (وبسبب سياسات سعر الصرف وغيرها تنعدم موارد القطع الاختيارية!)، بل ومن وراء بيع منتجات وطنية بالقطع الأجنبي، لمنتجين أو لمستهلكين في الداخل ربما لم يخرجوا يوماً خارج الحدود وليس لهم أية موارد من القطع الأجنبي! وهذا في ظل المرسوم 24 الذي يعاقب بالسجن 15 عاماً وغير ذلك من عقوبات لمن يتعامل بالقطع الأجنبي شراءً أو بيعاً بخلاف القانون! فالحكومة وحدها تملك «حق» مخالفة القانون، أو إجبار المواطن على مخالفة القانون، لتعاقبه على هذه المخالفة وفق القانون انتقائياً أو حسب الصدفة!

وهنا نسأل: في جميع دول العالم يعتبر المصرف المركزي هو المسؤول عن ادارة القطع الاجنبي وسياسة الاحتياطي واستثماره، فلماذا نقلت هذه المهمة عندنا إلى المصرف التجاري السوري؟ وماهي السياسة المتبعة في استثمار مايزيد عن 350 مليار ل.س في الخارج (للمصرف التجاري والمصرف المركزي)؟ هل هو مبلغ تافه حتى لايثير اهتمام أحد؟ ونتساءل: لماذا لاتستخدم عوائد هذا الاستثمار على الأقل لتغذية موارد الموازنة الاستثمارية؟

إن مجموع الإنفاق بالقطع الجنبي في الموازنة السنوية للدولة يكاد لايزيد عن العوائد المفترضة للأموال في الخارج. ومع ذلك فإن الحكومة مصممة على عدم استخدام موارد القطع الجديدة في تغطية الحاجة إلى القطع الأجنبي على توقيف المشروعات حتى تصل «التحويلات» من الخارج، وعلى ترك مهمة اجتذاب القطع الجنبي وسد الطلب عليه إلى السوق السوداء، وحصر دور المصارف في «لملمة» القطع الإجباري بسعر يقل بضع ليرات عن سعر السوق، من أجل تجميعه في حسابات خارجية، وذلك بعد استخدام الموارد المالية المحلية لشراء هذا القطع مما يؤدي إلى زيادة الاختناقات التنموية نتيجة قطع الدورة الاقتصادية الداخلية، وبالتالي تحقيق الركود الاقتصادي المزمن والمتزايد. إضافة إلى أن مثل هذه «العقلية» تحرم المصارف السورية من مليارات الليرات السورية من الأرباح التي تذهب إلى مصارف خارجية يلجأ إليها السوريون، مجبرين، مطرودين بقرارات حكومية من أجل عملياتهم المصرفية.

لقد أمست الحاجة بالغة الالحاح لإعادة الدورة الاقتصادية الكاملة في اقتصادنا الوطني وضخ الدم في شراينيه وتنشيطه من جديد. ومثل هذه المهمة لايمكن أن ترمى على كتف القطاع الخاص وحده ولا الاستثمار الخارجي في أي بلد في العالم، لأن تصرف هؤلاء يأتي لاحقاً لتصرف الدولة وليس سابقاً. إنها مهمة الدولة وسياستها الاقتصادية، أي مهمة الموازنة العامة، والجهاز المصرفي، وبكلمة أخرى: السياسة المالية، السياسة النقدية، سياسة التسليف وسياسة القطع.

إن الحاجة ماسة لربط هذه السياسات ببعضها، وبشمولها، مع غيرها من السياسات، في سياسة تنموية اقتصادية اجتماعية شاملة واضحة المعالم والأهداف والوسائل والأدوات؟


في «التحليل المالي»  للموازنة العامة للدولة

ـ نسبة الموازنة الى الناتج المحلي الإجمالي:

بالنسبة للموازنة التقديرية: الايرادات المحلية التقديرية تعادل نسبة 20% تقريباً من الناتج. النفقات التقديرية تعادل نسبة 30% تقريباً من الناتج.

ملاحظة: إننا مضطرون لإعطاء نسب تقريبية، أولاً، بسبب احتساب الدولار بسعر صرف مخفض، وثانياً، بسبب عدم ادخال القسم الأكبر من العجز التمويني في النفقات، وتصمت الموازنة وتقرير الموازنة عن ذكر أرقامه!!، وثالثاً: لوجود إيرادات ونفقات خارج الموازنة أيضاً، ورابعاً: لأن الموازنة لاتشير إلى إيرادات ونفقات الإدارات المحلية، وهي تساهم في تشكيل النسبة العامة، وخامساً، يلاحظ تجاهل عوامل هامة مثل انخفاض أسعار النفط وأثره على الموازنة التقديرية، وكأنه لم يكن، مما يقلل من مصداقية وواقعية التقديرات.

ونعتقد أنه، للأسباب المذكورة أعلاه، وفي حال تلافي هذه الأسباب، يمكن أن ترتفع نسبة الايرادات إلى 30% والنفقات الى 40% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي جميع الأحوال، تبقى النسب أقل مما هو عليه في العديد من البلدان التي تلعب فيها الدولة دوراً اقتصادياً هاماً، حتى ولو كان بصورة غير مباشرة من خلال السياسة الاقتصادية، وتحمل فيها الدولة مسؤوليات اجتماعية هامة أيضاً.

بالنسبة للميزانية الفعلية (قطع الحسابات):

ـ ترتفع الإيرادات المحلية الفعلية إلى حوالي ربع الناتج المحلي الاجمالي بسبب من ارتفاع التحصيلات الضريبية الفعلية عن التحصيلات المقدرة. [وهنا يبرز التساؤل الجوهري: لماذا لاتجاري التحصيلات المقدرة التحصيلات المتوقعة، وذلك بعد استمرار ارتفاع التحصيلات الفعلية عن المقدرة لعدة سنوات متتالية؟ لماذا التعمد المزمن في تخفيض التحصيلات المقدرة؟]

ـ تنخفض النفقات المحلية الفعلية (الاستثمارية منها تحديداً) لتشكل حوالي ربع الناتج المحلي الاجمالي، أي يكاد يتعادل طرفا الميزانية الفعلية، حسابياً فقط! إذ تضعف قابلية أرقام الميزانية أيضاً للتحليل بسبب سعر الصرف الحسابي المستخدم، وعدم ادخال العجز التمويني، أو كامل الايرادات والنفقات في الميزانية، وعدم دقة أرقام قطع الحسابات، وعدم حساب الايرادات والنفقات الفعلية للإدارة المحلية والتي يجب أن تؤخذ بالاعتبار في التحليل المالي، وإن كان القانون يربطها بالميزانية بالصوافي. وهناك تحفظات هامة أخرى مثل عدم ادخال عائدات الاستثمارات الخارجية في العائدات الاستثمارية، وعدم احتساب العبء الكامل للدين الخارجي المستحق... الخ.

إن الأسباب المذكورة أعلاه جميعاً تؤكد الضرورة البالغة لما ذهبنا إليه وهو وجوب قيام (جهة مستقلة) بمراجعة الميزانيات وتحليلها وتقويمها من ناحية النتائج والأداء والتوافق مع القوانين والأنظمة وأصول المحاسبة، وبالمساهمة في اقتراح الموازنات التقديرية على أسس صحيحة بحيث لاتتكرر الأخطاء والمخالفات السابقة. وتتقدم هذه الجهة المستقلة عن وزارة المالية بتقرير مستقل الى مجلس الشعب عند مناقشة تقرير الوزارة عن قطع الحسابات حتى تتبين ملاحظات المراجعين والمدققين والمحللين على الميزانية ويستطيع أعضاء مجلس الشعب مناقشتها، وهم لايملكون الامكانية للقيام بدور المراجع والمدقق والمحلل، وليس هذا الدور من وظيفتهم بالضرورة.

إننا، في الحقيقة، أمام موازنات تقديرية وميزانيات فعلية، تعج بالمخالفات القانونية والمحاسبية ولاتعكس الموقف المالي الحقيقي للدولة لامن حيث الايرادات ولا من حيث النفقات، وبالأحرى من حيث الفائض أو العجز. المهم، هو تمريرها في مجلس الشعب، وهذه مسألة في غاية البساطة، وتلقائية، كما أثبتت التجربة، رغم 50 خطاباً على الأقل في نقدها بشدة!.

ـ العبء الضريبي وتوزيع الضرائب:

نعيد القول أنه بتخليص الميزانية العامة من (الأسماء الحركية) وتسمية كل الايراردات والنفقات بأسمائها التي تتطابق مع جوهرها وطبيعتها، فإن العبء الضريبي سيتضاعف على الأقل (من 13% إلى 25% وأكثر من الناتج المحلي الاجمالي) وسيقارب مستواه في الدول مرتفعة العبء الضريبي، ويزيد من ارتفاعه أن العبء الضريبي على المواطن سيكون أكبر بكثير، أي ضعف العبء الضريبي العام بالنسبة للناتج المحلي، بسبب انخفاض نصيب مداخيل العمل الى النصف وارتفاع نصيب مداخيل اللاعمل إلى الضعف من الناتج المحلي الاجمالي خلال السنوات العشر الأخيرة فقط.

أما توزيع الضرائب الى مباشرة وغير مباشرة فيجب قبل احتساب نسبها إخراج النفط من الضرائب المباشرة، وادخال فروقات الأسعار في الضرائب غير المباشرة، وكذلك جزء هام من ايرادات بدل خدمات الدولة، وعند ذلك سنكتشف أن الضرائب غير المباشرة، رغم تضاؤل الرسوم الجمركية فيها، تعادل مرتين أو ثلاث مرات الضرائب المباشرة.

وتسقط أمام الأرقام دعوى «تحقيق العدالة الاجتماعية الضريبية» لتنقلب إلى عكسها تماماً!

فإذا ما علمنا أن معدل نمو الحصلية الضريبية في سنوات التسعينات كان دائماً أعلى وبنسبة ملموسة من معدل نمو الدخل القومي (في عامي 1996 و 1997، مثلاً، بلغ أربعة أضعاف معدل نمو الدخل القومي)، وإذا أضفنا الانحياز الطبقي في التحصيل الضريبي ضد الطبقات الوسطى والدنيا ولصالح أصحاب الدخل غير المحدود، وغير محدد المصدر، فإننا نستطيع تخمين الأثر السلبي للممارسة الضريبية على النمو الاقتصادي وعلى مستوى المعيشة العام.

ـ الطابع الانمائي للموازنة العامة:

يحتل التأكيد على الطابع الانمائي مكاناً بارزاً في خطاب الموازنة، بإبراز الارتفاع المستمر لنسبة الانفاق الانمائي التقديري فيها، حتى تجاوز في السنتن الأخيرتين الانفاق الجاري. وهنا لابد من ملاحظتين: أولاً، إن هذا الخطاب والأرقام التي يستند إليها لايكلف شيئاً، طالما أن العمل بالموازنة يبدأ بعد منتصف العام، رغم مافي ذلك من مخالفة دائمة للدستور والقانون. فالمهم هو الانفاق الانمائي الفعلي الذي كان على مدى السنوات الماضية يقل بنسبة هامة عن التقديرات (20 ـ 40%) مما ضاعف من فترة إنجاز المشروعات أو ألغلى الكثير من المشروعات فعلياً، بحيث أن أي مراجعة لقائمة المشروعات في كل موازنة ستبين تمديد فترات انجازها باستمرارها، ونقلها وترحيلها الى الموازنة اللاحقة، الأمر الذي يجعل ماينفق عليها هدراً في النتيجة يستوجب إعادة تخصيص الاعتمادات لنفس النسبة من الانجاز.

ثانياً، ليس الرقم الاسمي للانفاق هو المهم، حتى ولو أنفق بكامله، بل قيمته الفعلية، أي بالأسعار الثابتة، ليصبح قابلاً للمقارنة عبر السنوات. وبالقيمة الفعلية هناك هبوط مربع ومتلاحق للانفاق الاستثماري اعتباراً من أواسط الثمانينات، ماعدا بعض سنوات مطلع التسعينات، دون أن يبلغ مستواه في النصف الأول من الثمانينات. والنتائج هي مانراها على الأرض في مختلف جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

هذا إضافة إلى الاختلال في توزيع الإنفاق الانمائي والذي أخذ ينصب على قطاع الكهرباء وهو قطاع هام ولكنه يدخل في الخدمات الانتاجية وليس الانتاج المباشرة، فما الفائدة من نمو قطاع الكهرباء في الوقت الذي يتراجع فيه نمو الصناعة التحويلية بكاملها؟

ولابد من ملاحظة هامة حول الإنفاق الانمائي تتعلق بدوره في إحداث تغيرات نوعية إيجابية في البنية الانتاجية. فهل استطاع الانفاق الانمائي اطلاق فروع انتاج طليعية وإنشاء محاور تنمية متقدمة تتجاوز المحاور التقليدية التي أصبحت عاجزة عن تحقيق قيم مضافة ملموسة، وبالأحرى دخول الأسواق الخارجية، العربية والعالمية؟ فبأي تخصصات إذن ندخل تقسيم العمل الدولي القائم حالياً والمستقبلي؟

وفي الحقيقة، إننا لانستطيع أن نستشف وجود هذه التوجهات حتى في مخيلة القائمين على الادارة الاقتصادية، وبالأحرى المالية، ناهيك عن إيجادها على الأرض.

وحتى في الانتاجات التقليدية التي نختص بها كالزراعة والصناعة النسيجية والغذائية والجلدية، مثلاً، فإن انتاجاتنا وطرقنا الفنية لم تعد تجاري العصر أو تستطيع المنافسة لامن حيث التكلفة ولامن حيث النوعية.

وهنا نكتشف أن محاور التنمية الحديثة المتقدمة لا يمكن ولوجها بالعشوائية والقدرية، وبالأحرى، بالخطابية، وإنما بالاستراتيجية والسياسات الاقتصادية والمالية، وبالتخطيط العلمي والتنفيذ الجاد، وكل ذلك مفقود، مفقود، مفقود!

بخصوص الإنفاق الجاري: وهناالطامة الكبرى! إذ باستثناء بند الرواتب والأجور الذي يجري مطابقته على الليرة والقرش، مع «تسقيفه» بسقوف «بلوكوسية» ضد الصواريخ المطلبية، فإن معظم أوجه الانفاق الجاري الأخرى تمر عبر «خِرج مثقوب»، وكأنه لاضابط لها، ولا قانون في البلاد ولامن يحزنون(*) (بل كثيرون هم الذين يحزنون!). وهذه الأشكال المنفلتة من الإنفاق هي التي يجري فيها التنفيذ الكامل لما هو مخطط، من الناحية الرقمية الظاهرية، والتجاوز الفعلي لما هو مخطط، من خلال المناقلات، وأبواب أخرى، مما يضاعف الحاجة الى مراجع حسابات مستقل، ومخول، يبحث عنها في السراديب المظلمة، وما أكثرها!

وبعد، فأي تحليل مالي يمكننا القيام به اعتماداً على مابين أيدينا من موازنات وقطوع حسابات؟ وأي علم ينفع؟


استراتيجيا «المخاتلات» الاقتصادية

جميع جوانب الحياة الاجتماعية، إلا الجانب الاقتصادي، تحتمل المخاتلة، أي الازدواجية أو اللعب على الحيال. في الاقتصاد تنكشف المخاتلة بسرعة، ولكن تكون كلفتها عالية جداً، وتترك ذيولها على المدى الطويل في واقعنا، بعد ان كانت المخاتلات اجرائية، ارتقت الى مستوى السياسة الاقتصادية. وأصبحت الآن تحكمنا «استراتيجيا المخاتلات الاقتصادية»؛ وهي تتضمن في داخلها ما هو اجرائي وماهو سياسة واستراتيجيا معاً بحيث يصعب الفصل بينها، وهذه بعض الأمثلة:

1 ـ التمسك لفظياً بالتنمية المخططة والقطاع العام، في الوقت الذي لم نعد نخطط شيئاً، وانجزنا تخصيص، على الأقل، نصف وظائف الدولة الاقتصادية السابقة، من تجارة خارجية وانتاج وتوزيع أعمال مصرفية وأنشطة قطع أجنبي وخدمات بالاضافة إلى «التخصيص الضمني» (وهو المصطلح الذي مضى على اطلاقه من قبلي خمسة عشر عاماً والذي يعني شفط القيمة من موازنة الدولة ومؤسساتها ومن مداخيل عمل العاملين وجيوب المستهلكين لإعادة توزيع الحصيلة على جيوب محددة). هذا. مع التمسك اللفظي حتى العظم بالملكية الحقوقية للقطاع العام مع التهديد بإقامة الحد الشرعي على كل يد تمتد إلى القطاع العام والمال العام، والذي، على أي حال، لم تقطع بسببه يد واحدة حتى الآن!

2 ـ التمسك بالاعفاء الكامل للقطاع الزراعي من الضرائب منذ الاستقلال (بعد أن كان الاستعمار الفرنسي يقييم الحواجز عند مداخل المدن ليتقاضى الرسوم على المنتجات الزراعية قبل وصولها الى السوق)، وفي أواخر الثمانينات مضاعفة أسعار المنتجات الزراعية التي تشتريها الدولة عدة مرات تحت عنوان دعم الزراعة، وبالمقابل تسلط وبقرارات حكومية الأيدي المخربة على الزراعة لتملأ الفراغ الناشيء عن تراجع الدولة عن الكثير من واجباتها تجاهها بعد الإفساد المكثف لدورها في توفير مستلزمات الزراعة من بذور وأسمدة وأدوية وآلات وأدوات، حتى أصبحت الزراعة القطاع الأكثر تعرضاً للنهب والاستغلال، ثم يفرض على الانتاج الزراعي عند دخوله التصنيع ضريبة انتاج زراعي ترفع تكلفة المنتجات المصنعة منه على المستهلك وتجعلها صعبة التصدير، بينما يجب الانتقال من الموقف المطلق إلى الموقف النسبي عبر سياسة تمايزية في التعامل مع الاعفاء الضريبي ومع الدعم يؤمن للزراعة الاستقرار ويمنع نهبها وغشها من قبل النشطاء الفاسدين.

3 ـ التمسك بالاحتكار الحكومي للنشاط المصرفي والتأميني وعدم السماح، قانوناً، للقطاع الخاص بانشاء مؤسسات مصرفية وتأمينية خاصة، وبالأحرى عدم السماح للمصارف والشركات الأجنبية بالدخول رسمياً إلى سورية، بينما يجري على أرض الواقع منع المصارف من أداء الوظائف المصرفية الأساسية كاستقبال الودائع المصرفية، بفعل سياسة الفائدة التي كانت تقل كثيراً عن معدل التضخم، وبسبب صعوبات التعامل مع المصارف والتي لم تطور أساليب عملها، كما يجري منع المصارف من القيام بالتسليف للأنشطة الاقتصادية على أسس سليمة وواضحة، ومنعها من الاشراف على حركة القطع بحيث تمر جميع موارد القطع للسوريين واستخداماته من خلالها قدر الامكان، وطرد السوريين، وبالتالي، بقرارات رسمية مع نقودهم السورية والاجنبية، ليتعاملوا من خارج الحدود مع بعضهم، أو للاحتفاظ بها في الخارج.

4 ـ تسجيع المستثمرين باعفاءات واستثناءات لا مثيل لها في العالم، حسب قرار المجلس السياحي الأعلى 186، والمرسوم 10 لعام 1986 للشركات الزراعية المشتركة، والقانون 10 لعام 1991 لتشجيع الاستثمار، والاعفاءات السابقة واللاحقة، وذلك بحجة استقدام الأموال من الخارج، ثم تكثيف العقبات والمعوقات، الروتينية والبيرقراطية وغالباً الأخلاقية المسلكية التي يصطدم بها المستثمرون الجادون منهم، حتى لايبقى إلا الذين يرفضون استثمار أموالهم الخاصة مهما توفرت، وإنما فقط يعتمدون إما على أموال الشعب، كشركات النقل، وأما على أموال المصارف الحكومية، فأموال مصرف التسليف الشعبي وأخيراً صندوق توفير البريد والمصرف التجاري أو الصناعي أو العقاري، وبالتالي معاقبة المستثمرين الجادين والاستثمارات الانتاجية الحقيقية باعطاء الاحتكار والحماية للمستثمرين الطامعين فقط في حصيلة مكاسب الامتيازات والاستثناءات، أي في حقوق الدولة والشعب.

ـ المعارضة الحادة لإنشاء سوق للأوراق المالية بحجة حماية «الاقتصاد الاشتراكي» من الرأسمالية والمضاربة، ودعوة السوريين بتصريحات رسمية للذهاب إلى بورصة بيروت، وذلك حتى لاتظهر الأسعار الحقيقية لأسهم بعض الشركات المساهمة السورية والتي تحولت الى «مزارع» خاصة ليس المهيمنون عليها مضطرين للإفصاح عن أعمالهم ونتائجها للجمهور، وحتى للمساهمين، والابقاء على تداول أسهمها بأسعار يحددونها هم في مكاتبهم الخاصة.

ـ خصخصة الكثير من وظائف المؤسسات العامة الاقتصادية، مع المحافظة على الديكور الشكلي الخارجي للقطاع العام، حتى لاتظهر التحولات للملأ وتبقى تجري تحت سطح الأرض، ولكن مع تحميل الاقتصاد والمجتمع تكاليف هذه الازدواجية، أو المخاتلة، الباهظة. وقد وصل التخصيص الضمني، وحتى الظاهري الى البريد والهاتف، بعد شركة اللحوم وشركة الخضار والفواكه، وشركات الإنشاءات العامة (العقود من الباطن)، ومؤسسات التجارة الخارجية، والأنشطة المصرفية (جامعوا الأموال، والصرافون، والمصارف الخارجية) حتى تغلغلت بشكل غير ظاهر المصارف وشركات التأمين الخارجية، والهاتف انتقال والانترنت الى الداخل، من وراء ظهر الحكومة، أو من أمام عينها. وهكذا ضاعت حقوق للخزينة تقدر بعشرات مليارات الليرات السورية بفعل التخصيص المجاني، ومئات المليارات في التخصيص الضمني.

ـ التمسك بأعلى معدلات للرسوم الجمركية في العالم مع توسيع أبواب التهريب والتهرب منها. والذي يشارك بحصيلته المتمسكون المتشددون بعد أن تتضاعف حصيلته بفضل التمسك والتشدد «المبدأي» الذي يمارسونه، مع الإكثار من الثغرات في الجدار الجمركي الذي توزع الى قطع وفتات، مثل الابقاء على حساب الرسوم الجمركية على سعر صرف الدولار الرسمي 11.25 (الخيوط المستوردة يصبح رسمها الجمركي الحقيقي 1.5% بدلاً من 6.5% على الدولار الجمركي 11.25 ل.س، وذلك مقابل 15% في لبنان، مثلاً) بحجة الحيلولة دون ارتفاع الأسعار، علماً بأنه لاأحد في سورية يراقب الأسعار، ومايضيع على الدولة يتضاعف في جيوب محددة ولايذهب إلى العامة.

وتخفيض الرسم الجمركي على المواد الأولية مع الحفاظ عليها بالغة الارتفاع على المواد المصنعة، لكي يتبع ذلك توسيع تعريف المواد الأولية بحيث تتحول المواد المصنعة بمعظمها عند دخول الجمارك إلى مواد أولية شيه معفاة من الجمارك، حتى على سعر الدولار الرسمي، ولتباع هذه المنتجات في نهاية المطاف إلى السمتهلك المحلي بنوعياتها المتدنية بأسعار وأرباح احتكارية محمية من أي منافسة لا سعرية ولا نوعية، ومع كل التجاوزات في مجال السلامة والوقاية والصحة بل والمنشأ غير المعروف!.

والنتيجة هي انخفاض ايراد الموازنة من الرسوم الجمركية مع متمماتها مثل رسوم التجارة الخارجية ورسوم الاحصاء ورسوم استيراد أجهزة الراديو إلى أقل من 15 مليار ل.س (300 مليون دولار)، أي أقل من ربع ايرادات الخزينة اللبنانية على نفس الحجم تقريباً من الواردات، رغم الارتفاع الكبير في معدلات الرسوم الجمركية السورية عن مثيلاتها اللبنانية. وللتذكير فقط، كانت الرسوم الجمركية مع عائدات مؤسسة التبغ تشكل 50% من ايرادات الموازنة في الخمسينات، ولم تعد تشكل اليوم معاً أكثر من 7 ـ 8% وهكذا تكون وزارة المالية وهي الأكثر عناداً في معارضة دخول سورية إلى الغات بحجة خسارة الرسوم الجمركية بسبب دخول الغات، هي الأكثر تفريطاً في الموارد الجمركية، إذ أن نسبة الرسوم الجمركية إلى إجمالي الواردات لا تتجاوز 5 ـ 6% بينما في دول الخليج النفطية، وهي التي تتقاضى أدنى الرسوم الجمركية في العالم، تبلغ النسبة العامة 7% بالمتوسط، وفي لبنان 15 ـ 20%.

إن المخاتلة الجمركية تعتبر المخاتلة الأكبر بين مخاتلاتنا الاقتصادية.

ـ المحافظة على بعض السلع الأساسية المدعومة، المستوردة كالرز والشاي والسكر، والمحلية كالخبز، مع التحايل عليها بتخفيض كمياتها المدعومة كثيراً وتردي نوعياتها، واجبار المواطن على الانطراف عنها إلى بدائلها الخاصة المستوردة أو المحلية، «الخبز السياحي»، وذلك لتمرير عملية رفع الأسعار تسللاً دون الاضطرار إلى رفع الأجور الحقيقية بعد انخفاضها بنسبة الثلثين خلال عقد ونصف العقد من الزمن، أي الاستيلاء على المتممات العينية للأجور النقدية، إضافة إلى رفع أسعار السلع المحلية بنسب عالية، بحيث أن حصيلة هذين المصدرين للشفط من مداخيل الجماهير فاقت الآن في العام الواحد ضعف مجموع الأجور والرواتب في الموازنة العامة.

ـ التمسك ظاهرياً بالأسعار التموينية والتي أصبحت تتحدد احتكارياً من قبل المنتج والبائع دون تدخل فعلي من قبل وزارة التموين اللهم باستثناء منح هذه الأسعار الاحتكارية شرعية قانونية شكلية ليكون المستهلك المجبر على الخضوع لها ضحية مؤامرة مشتركة تمارسها وزارة التموين مع المنتجين والبائعين الخواص، واستخدام أسعار القطاع العام (بعد رفعها بشكل لا اقتصادي مما جعلها باباً واسعاً للشفط من المال العام) كغطاء لرفع أسعار القطاع الخاص دون ارتباط بأي معايير للتكلفة أو أي علاقة بين العرض والطلب، وبالأحرى أي مواصفات نوعية. وهنا نتساءل: كيف استطاعت وزارة المالية «اصطياد» 54 مليار ليرة سورية فروقات ارتفاع أسعار منتجات من القطاع العام، ولم تطرف عينها إلى ارتفاعات أسعار أكثر بكثير من ذلك لدى القطاع الخاص، وتحقق أرباحاً تبلغ أحياناً 200 ـ 300% بسبب رفع الدولار الجمركي، وفتح باب الاستيراد عبر ثقوب تحافظ على «موسم قطاف زبدة» الأرباح الاحتكارية العالية للمستفيدين حصراً من الفتح، ولمدة أشهر طويلة...

وكلنا يعلم أن ليرة واحدة من هذه المداخيل الاحتكارية الناتجة عن فروقات أسعار لم تدخل الميزانية!.

ـ «ترشيد» الاستيراد بربطه بمجموعة من التربيطات، مثل الكوتا، والاستيراد بتسهيلات ائتمانية، والمقايضة، والاستيراد بقطع التصدير، والاستيراد للمغتربين، بصحبة مسافر... الخ بحيث يصبح السماح استثناءاً والمنع قاعدة وحلت القرارات المكتبية ذاتية الطابع محل السياسة العامة، مما ألغى دور الدولة في توجيه الاستيراد الذي دخل منه عن طريق التهريب على مدى سنوات طويلة وما زال مستمراًأكثر مما دخل منه عبر البوابات الرسمية ثم الانتقال إلى فتح أبوابه عبر الثقوب المتصلة حتى لا يستبيح ساحته «كل من هب ودب!»حتى لاتنخفض سماكة الأرباح الاحتكارية لذوي الحظوة (أو الخطوة!) فيه.

إن تربيطات الاستيراد لم توفر على البلاد أية موارد ولم ترشد أي استيراد، لكنها استخدمت لإعادة توزيع الدخل، إذ دفع الاقتصاد الوطني، بمنتجيه ومستهلكيه، ومازال يدفع «خوة» لقبضايات وشطار القطع الأجنبي ورخص المغتربين ولأصحاب «الكوتا» (المخصصات) مبالغ طائلة أدت إلى تكثيف الشفط ومضاعفة تكاليف الانتاج والمعيشة وتحطيم الأجور ورفع معدلات التضخم وتعظيم الطبقة الطفيلية «للشركة المشتركة» التي تتربص بجماهير الشعب الدوائر، وتغذية المصارف الخارجية بأموالها المشفوطة من جيوب الدولة والجماهير، وأصبحت بالنتيجة «أمة الدولار»، في مواجهة «أمة الليرة السورية»على جبهة عريضة في معركة مفتوحة من السياسات والقرارات.

ـ منع السوريين من العمل وسطاء للشركات الأجنبية في العقود التي تجريها الدولة، لكي يتحول هؤلاء من العمل فوق الأرض إلى العمل تحت الأرض، حيث أمكنهم في العتمة مضاعفة تكاليف العقود الحكومية، وبالتالي عمولاتهم، مع التهرب من التزاماتهم الضريبية والتعاقدية.

ـ إعطاء الامتيازات والاستثناءات والاعفاءات بحجة التشجيع على الاستثمار والانتاج، وإذ بالشطار يكتفون بحصاد المكاسب من المتاجرة أساساً برخص الامتيازات والاستثناءات والاعفاءات، أي بما كان حقوقاً للدولة والشعب وجرى تخصيصه لهم قانوناً. وكانت تكلفة هذه «المخاتلة» على الدولة والشعب عشرات مليارات الليرات السورية التي ذهبت إلى جيوب خاصة محددة.

ـ إعلان الساحل وشواطئ البحيرات والأنهار بعرض يتراوح بين 500 متر و3000 متر بقانون صدر منذ ربع قرن، ملكاً للدولة يتحدد أسلوب استثماره لاحقاً (ولم يتحدد حتى الآن). ولا يجوز التصرف فيه من قبل الأفراد بأي شكل من أشكال التصرف، ثم إدارة الظهر لهذه الملكية وتعطيل استثمارها المنظم حتى امتلأت بالإشغالات «الهمجية» وسادها الاستثمار الواقعي الخاص غير المنظم المتخلف المدمر، ولم تفق الدولة ولن تفيق على خطورة هذه الخسارة للملكية العامة التي نتجت عن قصورها في القيام بدورها التنظيمي، والأمر نفسه حصل في أحواض جميع المدن، كما في أطراف مدينة دمشق وغوطتها الغناء، حتى وصل الأمر إلى درجة يستحيل معها الإصلاح. والسبب هو انشغال البيروقراطية بالإشباع المرضي لشهواتها الذاتية عن الادارة العلمية المخططة لبناء وطن حضاري معاصر.

ويفكر اللبنانيون هذه الأيام بسد عجز الموازنة العامة اللبنانية من خلال استعادة الدولة لأملاكها العامة المستغلة من قبل الخواص، بينما لم يخطر ذلك في بال أحد لدينا بعد.

ولماذا نتوقع مثل هذه «الخواطر» المزعجة مادام المعتدون على أهم الأملاك العامة هم «الأقدر على حمايتها» من اعتداء الشعب عليها، ومادامت الموازنة العامة تغص بالبحبوحة والفوائض التي لم تعد مستودعات المصارف تتسع لخزنها كما يقول الرسميون.

ـ التمسك بالتعليم الرسمي، ما قبل الجامعي والجامعي، المجاني، والذي يعتبر في أصله وجوهره من أهم المكاسب الجماهيرية، ولكنه الذي أصبحت كلفته بسبب التردي النوعي أكثر من فائدته للجماهير. فالمتعلمون يتحملون تكاليف تردي المستوى والمضمون، وتراجع مؤهلات المدرسين والوسائل التعليمية والكتب المدرسية والجامعية، وقطع الصلة بين التعليم والعلم والتطور العلمي والتقاني، مما جعل التعليم تجهيلاً بصورة متزايدة، وجعل ارتفاع نسبة الانفاق على التعليم في المرحلتين إلى أكثر من 20% من الانفاق الحكومي يحمل هدراً كبيراً للمال العام من حيث المآل والثمرات، وبالطبع،لاتشكل زيادة هذا الانفاق لوحدها سبباً كافياً لرفع مستوى التعليم وتحسين مخرجاته وإنما يحتاج الأمر علاجاً شاملاً، حتى لا يستمر الاتجاه المتسارع الراهن إلى «التخصيص الضمني» للتعليم، والذي تنفق فيه موارد في الداخل أو في الدول المجاورة والخارج أكثر من كل ما تنفقه الدولة على التعليم، ويستمر الإصرار على عدم رؤية حقائق الأمور وايجاد الحلول العقلانية لها التي توفر الهدر في الخارج والداخل وترفع انتاجية الانفاق العام والخاص على التعليم وتطلق التفكير العلمي والتجربة العلمية في الحياة العامة.

ويستمر الإصرار على انفاق حتى الميزانيات الشحيحة المخصصة للبحث العلمي على كل ما لاعلاقة له بالعلم والبحث العلمي والعلماء والباحثين الحقيقيين، على المظاهر الاعلانية الادعائية الفارغة من الضمون.

ـ تستمر القناعة التي لا تتزعزع لدى الادارة الحكومية بأن نجاحها المتقطع النظير في التخفيض المستمر للأجور الحقيقية يشكل مكسباً صافياً للسياسة الاقتصادية التي تنتهجها، دون محاولة رؤية تكاليف العطالة والعقم والبطالة المقنعة وهروب الكفاءات من العمل العام الاداري والاقتصادي وتكاليف دوران اليد العاملة بنسبة 20 ـ 25% سنوياً في القطاع العام، وقيمة الطاقات الانتاجية المادية والبشرية المهدورة بدون تشغيل انتاجي أو بأدنى مردودية بسبب «هاجس التوفير» والذي لا نرى له أثراً، بل نراه ينقلب إلى «هاجس التبذير» عند التعامل مع الخارج، أو في الداخل مع جميع أنواع الانفاق الأخرى باستثناء الأجور.

ويستمر التخفي في مواجهة أي مطلب لتحسين الأجور وراء الادعاء بعدم توفر التغطية المالية له في الوقت الذي استطاعت فيه الحكومة تجميع 350 مليار ل.س في الخارج، وتكديس «الوفورات» السنوية الضخمة (حسب حسابات الموازنات) منذ مطلع التسعينات، بينما تخفي بالمقابل زيادات الضرائب غير المباشرة وفروقات الأسعار تحت أسماء حركية مختلفة والتي يتحمل تكاليفها أصحاب الرواتب والأجور وعامة أفراد الشعب منن المستهلكين.

ـ انقلاب أرصدة الموازين العامة للاقتصاد الوطني، كالموازنة العامة للدولة والميزان التجاري وميزان المدفوعات أو ميزانيات الجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي، من حالة العجز المتزايد المرتفع حتى أواخر الثمانينات إلى حالة «الفائض» المتزايد المرتفع منذ أواخر الثمانينات.

إن الطريقة التي اتبعت في تنفيذ اتفاقية المدفوعات مع الاتحاد السوفييتي (والتي لا تخلو من طابع المساهمة المتبادلة للجهات الاقتصادية السوفيتية والسورية في تخريب كل منهما اقتصاد الآخر) كانت حصيلتها توزيع 70 مليار ليرة سورية خلال خمس سنوات على «المصدرين الشطار» من النقد المطبوع حديثاً، الأمر الذي كان له (بالإضافة إلى سياسة الأسعار الزراعية، والتسبب في الإنفاق، ودعم أنشطة جامعي الأموال «التنموية» للإجهاز على ما تبقى من مدخرات الجماهير) الدور الأكبر في تخفيض سعر صرف الليرة السورية في السوق من 8 ل.س عام 1984 إلى 50 ل.س عام 1990، وتخفيض الأجور الحقيقية بنسبة الثلثين، وتقويض الانفاق الاستثماري الانتاجي العام والخاص. وفي جوهر الأمر، ما أظهره الميزان التجاري وميزان المدفوعات على أنه فوائض ضخمة بسبب التصدير للاتحاد السوفييتي كان في جوهره استيراداً أو عجزاً متخفياً.

أما ميزان المدفوعات فإنه، باعتقادنا، لا يفصح تماماً عن التحويلات من القطع الأجنبي إلى الداخل والتي تحرم المصارف من استقبالها لتطرد إلى أيدي «أصحاب الحظوة» ليضعوها بدورهم «في خدمة التنمية» فتستخدم في تغطية قيم الواردات بتسهيلات ائتمانية كاذبة، أو بقطع تصدير كاذب، أو المستوردات بأسماء المغتربين المزعومين، مما يرفع أكلاف الانتاج وأسعار المستهلكين بسبب هذه المخاتلات بنسبة 20% على الأقل. وهنا يبرز التساؤل: مادام استيراد القطاع الخاص يجري بقطع التصدير في غالبيته، (مما أدى إلى تضخيم مصطنع لأرقام الصادرات خلق وهماً كاذباً بارتفاع الصادرات وتوازن الميزان التجاري)، فكيف يستطيع القطاع الخاص بصادرات لا تزيد عن ربع مستورداته تغطية هذه المستوردات؟ وكم تبلغ أرباح «عرق جبين» «الشركة المشتركة» المتاجرة بقطع التصدير؟ وبالأحرى كم هي الحصيلة السلبية للإعاقة الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هذه المخاتلات؟.

أما ميزانيات جهات القطاع العام وكيف يجري تطبيقها فتستأهل بحثاً خاصاً بها قدر ما هي منقطعة الصلة بالحقائق تخضع للمساومات المتبادلة بين ادارات هذه الجهات والادارة المالية العامة، هذه المساومات التي دخلتها أدوات الفساد والرشوة للوصول إلى الحلول التوفيقية بالأحرى «التلفيقية» في كثير من الأحيان، تماماً كما يجري لدى دراسة ميزانيات مؤسسات القطاع الخاص بين أصحاب هذه المؤسسات والادارات المالية.

وبعد فلن يكون بالامكان الانتهاء من جرد مكونات «استراتيجيا المخاتلات الاقتصادية» والتي يسود الاعتقاد الحكومي بجدواها أولاً، وبأنها تنطلي على عقول المعنيين والواقعين تحت تأثيرها ثانياً. لكن الاقتصاد، وحده، من بين جميع جوانب الحياة البشرية، لا يتحمل «المخاتلة» ولا تنطلي على الفاعلين الاقتصاديين بأي درجة، حتى إن علماء الاقتصادي أطلقوا صفة «الإنسان الإقتصادي» على عموم الناس، العالم بالاقتصاد والجاهل به، واعتبروا الحساب الاقتصادي «خاصية فطرية» في الإنسان.

لهذا لابد من استراتيجيا اقتصادية بديلة تحل محل الاستراتيجية المتبعة التي استنزفت الاقتصاد الوطني وقوى الشعب العامل قبل أن تستنزف قواها الرسمية.

والاستراتيجيا الاقتصادية البديلة لابد أن تقوم على أسس مختلفة وهي البناء على أسس علمية والافصاح والصراحة والوضوح والمباشرة والمكاشفة والحوار والاعلام المفتوح وتسمية الأشياء بأسمائها والغاء المداورة والأسماء الحركية كلياً من تعاملنا الرسمي وحياتنا الاقتصادية العامة.

والاقتصاد، لذلك كله، هو المجال الأكثر جدلية، والأشد حاجة إلى الاقناع والاقتناع، بين جميع مجالات السياسة العامة.

ومنه، نخلص إلى وجوب تشكيل «اللجنة الاستشارية الدائمة للإصلاح المالي» على غرار «اللجنة الاستشارية الدائمة للنظام المحاسبي الموحد» السابقة، ولكن بعد إلغاء جميع لجان «الترشيد» الفريدة من نوعها في العالم، والتي سلبت السلطات التشريعية والتنفيذية وهيئة تخطيط الدولة صلاحياتها الدستورية والقانونية في وضع الستراتيجيا والسياسات الاقتصادية ومتابعة تنفيذها، لتجعل من نفسها سلطة اقتصادية ذاتية القرار هي الأسعد من نوعها في العالم.

إنها السلطة التي لاتخضع للحساب أو المراجعة لا من قبل السلطة التشريعية ولا من قبل السلطة الرابعة (الاعلامية) ولا، بالأحرى، من قبل الأحزاب المؤيدة أو المعارضة والتنظيمات الاجتماعية ومؤسسات البحث العلمي، ويكفيها أنها تمثل إدارة «الشركة المشتركة» ذات الامتياز. ما فوق الدستوري والقانوني.

أما «اللجنة الاستشارية» التي ندعو التي تشكيلها، وكنا أسميناها في محاضرتنا في ندوة الثلاثاء عام 1996، «المجلس الاقتصادي والاجتماعي» وهو طموح أكبر ليته يتحقق، فيجب أن تكون مرتبطة بسلطات أعلى من السلطات التنفيذية التي تتولى (اللجنة) وضع الدراسات والأنظمة واللوائح المناسبة لتطوير قطاعها. وبالطبع، لن تكون هذه اللجنة من خارج الملاك تماماً، بل لابد أن يشترك في عملها نخبة من أصحاب الخبرة والاختصاص والمعنيين عملياً ونظرياً واقتصادياً ومالياً وسياسياً واجتماعياً بعملية الإصلاح من داخل الملاك وخارجه.

إن ربط عمل اللجنة بسلطات أعلى يفترض أنه يحررها من المصير الشائع القائل «إذا أردت أن تقتل فكرة أو مشروعاً ما فشكل له لجنة». هذا ما يحدث فقط إذا كانت هذه اللجنة بإشراف وتحت وصاية الجهة التي لا مصلحة لها بها. بل بفشل عملها. وفي المجتمعات المتقدمة أكثر الناس حاجة إلى الاستعانة بالاستشارة العلمية هم المسؤولون القائمون على رأس العمل، والذين، مهما بلغوا من العلم الخبرة، وبسبب من ضخامة العمل وضيق وقت الفرد وامكانياته، فإنهم لا يتوصلون إلى اعتبار أنفسهم «آلهة» يحيطون. بكل شيء وإلى اعتبار أي استعانة بأي لجنة أو حتى برأي آخر انتقاصاً من «ألوهيتهم»، كما هو الأمر السائد في المجتمعات «غير المتقدمة». وفي الحقيقة إن مثل هذه «الاعتبارات الكهنوتية»، ليست نفسية الطابع فقط، بل «عملية» بالدرجة الأولى، لأنها تخفي مصالح خاصة، وكنوزاً لا تقدر بمقدار.

وختاماً، فإن ما هو مدون على هذه الوريقات ليست محاضرة «عجز الموازنة العامة وسبل معالجته» بل «روح المحاضرة» والتي بلغت في الأصل 200 صفحة، مليئة بالأرقام والوقائع والتواريخ ونصوص القوانين والقرارات والمواقف والآراء.

لقد اكتفينا بالانطلاق من الوقائع والبيانات الوافرة من أجل بناء الأفكار والتحليلات والاستنتاجات المتضمنة في هذا النص.

ويمكننا تقديم الأرقام التي استندنا إليها لمن يرغب فيها ويسألنا عنها من خلال المناقشة والتعليقات.

شاكراً الاهتمام والمشاركة.


خاتمة و شواهد

إن النظام المالي القائم حالياً هو مجموع التراكمات من القوانين و المواسيم و القرارات والممارسات على مدى نصف قرن من الزمان، وقد أصبح باعتراف الجميع بمن فيهم القائمين على تطبيق هذا النظام في أمس الحاجة إلى إصلاح جذري ليواكب التغيرات الواسعة و المتطلبات المتعاظمة لتحسين فعالية الموازنة العامة للدولة في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية و الاجتماعية.

ولم يعد اسلوب الترقيع أو الغاء مادة من هذا القانون أو ذاك أو اضافة قانون أو قرار أو مادة جديدة لما هو قائم يشكل اصلاحاً، بأي معنى، بل زيادة في التعقيد واضعافاً للفعالية.

من هنا، جاء اقتراحنا بتشكيل "اللجنة الاستشارية الدائمة للإصلاح المالي" لتحديد اتجاهات ووسائل الاصلاح المطلوب، بعد إجراء جرد تقويمي شامل للتجربة السابقة و تحديد علمي لعيوب وأوجه قصور الواقع الراهن، ودراسة عدد من التجارب الأخرى المفيدة، للتوصل من ذلك كله الى صياغة النظام المالي الجديد.

و اعترف، بأنني فوجئت، بعد كتابة محاضراتي، و عند قراءة الرسالة التي تقدم بها السيد وزير المالية للحصول على درجة الدكتوراة في المحاسبة الى كلية الاقتصاد و التجارة بجامعة دمشق، بالكثير من الآراء التي يمكن اعتبارها منطلقات للعديد من الاصلاحات الجزئية في الموازنة العامة للدولة، و بالأخص، في علاقة الموازنة بالجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي، هذه العلاقة التي تحولت الى معوق خطير للإدارة العلمية في المؤسسات الاقتصادية، كما يعترف في عشرات المواقع من الرسالة السيد وزير المالية .

وكذلك الأمر بخصوص الفوضى البالغة في ادارة الدين العام، الداخلي و الخارجي، وآثارها السلبية،بسبب عدم تمكين صندوق الدين العام من اداء دوره كمؤسسة عامة ذات طابع اقتصادي في ادارة الدين العام وفق اصول العمل المصرفي التنموي .

يضاف الى ذلك الدور القاصر الذي يؤديه الصندوق المعدل للاسعار والناتج عن ابتعاد الإدارة الاقتصادية الحكومية عن الأخذ بالاعتبار لجميع الاسس و المعايير الاقتصادية في تسعير المنتجات المستوردة و المحلية  للقطاع العام وفي تحديد سعر الصرف، مما أدى الى نهب واسع للمال العام من خلال قرارات اقتصادية، ( ما اسميناه في محاضرتنا عام 1986 شفط المال العام)، و استنزافاً للمؤسسات الاقتصادية الانتاجية و العوامل التي تسبب الاستنزاف لموارد المؤسسات الاقتصادية والادخارية و الاستثمارية، وفي النهاية تضخيم للعجز الحقيقي( والذي لا يسمح اعداد الموازنة كما يجري حالياً بإظهاره على حقيقته حسابياً ) في الموازنة العامة للدولة، و الذي لا يغطي في نهاية المطاف إلاّ بالاصدار النقدي، الذي يعتبر في جوهره ضريبة غير مباشرة يتحملها ذوو الدخل المحدود بشكل أساسي، ويثري منها غير المنتجين من الطبقات المالكة و"طبقة الدولار" بشكل اساسي، و تجف بسببها عروق الاقتصاد الوطني من كثرة تهريب الاموال من الداخل الى الخارج ( وليس  فقط لهذا السبب!) وفي الحقيقة يجب عند حساب الضرائب غير المباشرة إضافة التمويل بالعجز اليها، لأن الحكومة لدينا،بخلاف الدول الأخرى، القت عن كاهلها اعباء اقتراض الدين الداخلي من السوق، من سداد الاقساط و الفوائد كما في لبنان مثلاً، حيث يشكل عبء الدين هذا 60% من موارد الميزانية، لتحمل هذه الــ 60% ( ولو اتبعت حكومتنا تلك الطريقة لكانت نسبة اعباء الدين العام في سورية اكثر من 60%  من ايرادات الميزانية !) على كتف الجماهير، و بالدرجة الأولى ذوي الدخل المحدود ليسددونها من تخفيض مداخيل العمل الحقيقية، مع افتقادهم الى أي حق قانوني لمطالبة الدولة بالتعويض عن خسارة ليس لهم يد فيها، وانما ناجمة بشكل اساسي عن ضعف كفاءة و فساد السياسات الاقتصادية و المالية و الادارة العامة.

إن القارئ سيستشف، ولا شك، اتجاهات و محاور الاصلاح المطلوب، من متابعة الانتقادات المتضمنة في متن المحاضرة، والتي لم تأت، بالطبع، بكل ما هو مطلوب، لأن ذلك يتطلب عملاً و جهداً  أوسع و أطول بكثير و يستند الى دراسات شاملة و مفصلة.

لكنني وجدت من المفيد الاستشهاد في العديد من القضايا بمقتطفات من رسالة الدكتوراة المذكورة، و التي تضع قارئها أمام تساؤلات هامة، مثل:

ـ كيف نفسر مرور عشر سنوات تقريباً على كتابة هذه "المواقف"، دون أن نجد أي أثر لها على مجال العمل الفعلي، بل مع استمرار الممارسة على التعارض معها على طول الخط، علماً بأن القسم الأعظم من المشكلات المشكو منها هو نتاج قرارات وممارسات عملية وليس نتيجة القوانين و المراسيم التشريعية.

نضرب على ذلك أبرز الامثلة:

فالقانون المالي الاساسي للدولة رقم 92 لعام 1967 لا يتحمل مسؤولية الطريقة التي سادت حتى الآن في التعامل مع القطاع العام الاقتصادي، والتي يكفي أن تقرأ انتقادات السيد وزير المالية لها لنكتشف مساوئها و آثارها السلبية الخطيرة، ورغم انه يقترح حلولاً معينة للتخلص من هذه السلبيات، لكن المواقف العملية كانت على مدى عشر سنوات مناقضة لها، حتى رفض طلب الشركات التي وضعت تحت تجربة الادارة بالأهداف مؤخراً، والتي لم تطلب اكثر مما يقترحه السيد وزير المالية في بحثه المذكور، وهو السماح للشركات بإدارة فوائضها بما يخدم حاجات التطوير فيها .

ويكفي أن نعلم ان القانون المالي نص على ان يصب في موازنة الدولة "فائض الميزانية"، وهذا يعني بعد تحقق ربح فعلي (وليس تقديري)، وأن تقوم الدولة بسد العجز في ميزانيات المؤسسات عند وقوعها في خسارة فعلية، وهو مقتضى مبدأ"الصوافي" .

 ونص القانون على أن تحدد الفوائض بمرسوم تشريعي يصدر لاحقاً.

وبدلاً من المرسوم التشريعي صدرت قرارات وزارية في السنوات اللاحقة تحدد هذه الفوائض بخلاف نص القانون ومبدأ الصوافي، اذ شملت جميع زيادة ايرادات المؤسسات العامة على نفقاتها، التقديرية وليس الفعلية. وما زال هذا الموقف محصناً حتى اليوم.

إننا ندعو الى قراءة "الشواهد" التالية، ونتساءل :

هل يحتاج الإصلاح المالي إلى عشر سنوات للتراجع عن الأفكار العلمية أو تجاهلها لأن تطبيقها لن يساعد على ظهور "الفوائض في الموازنة لأول مرة في تاريخ سورية"، والى ربع قرن آخر للاعتراف بها و العودة اليها من جديد وتطبيقها فعلياً؟

إذا كان الأمر كذلك، فإننا نقترح أن يكون تعيين وزراء المالية، استثناءاً، بمرسوم لمدة 35 عام، دفعة واحدة. وإلا فلن نحلم بإصلاح مالي في القرن الواحد والعشرين.

و لكننا لسنا على اتفاق مع جميع ما ورد في"المقتطفات"التالية، و بالأخص، إذ تتجاهل كلياً وجود شعب وبشر ورواتب وأجور ومستوى معيشة ضروري، وانفاق على البشر يجب ان يتحدد على اسس اقتصادية اجتماعية علمية وانسانية .

فمثلاً عندما نقرأ المطالبة بإعادة تقدير اسعار العقارات وفق اسعارها الجارية، وهو مطلب حق، للوصول الى اسعار حقيقية لكل شىء، نجد تجاهلاً لحقيقة أن تثبيت هذه التقديرات منذ عام 1965 وحتى اليوم،بخلاف الأصول، إنما يرجع الى تجاهل الحكومات المتلاحقة لأهم اصول علم الاقتصاد، وهو الأساس العلمي لتحديد الأجور والرواتب(مداخيل العمل) بقيمة قوة العمل، والتي لا تقتصر على الهواء والماء والخبز «غير السياحي» والشاي والسكر، وانما تشمل كل مقتضيات الحياة الحضارية المعاصرة، وذلك حسب تعريف مؤسس علم الاقتصاد السياسي المفكر الانكليزي آدم سميث منذ عام 1976 !

ولا ندري، كيف لايظهر الاختلال الشديد للعيان، عندما تصبح كلفة المأوى لوحدها(أقساط البيت المشترى بقرض، أو أجرة البيت المستأجر، أو كلفة رأس المال الموظف في شراء المنزل) ثلاثة أضعاف مجموع دخل العمل ؟

ومنذ أكثر من ألفي عام قالها أحد المفكرين الرومان القدماء:" حتى وحوش البرية تملك مأواها. فكيف يخدم مواطنو ايطاليا وطنهم ويدفعون عنه وهم لا يملكون فيه مأواهم"؟

أن اعادة تقدير اسعار العقارات، بعد أن اعيد تسعير جميع السلع والخدمات الأخرى(وليس بالأسعار الحقيقية المماثلة لأسعارها في الدول المجاورة فحسب، بل بأسعار احتكارية عالية مع غض النظر عن حقوق المواطنين في ضمان المواصفات) يفترض اعادة تسعير قوة العمل بقيمتها الحقيقية، وعند ذلك يجب أن تصبح الأجور والرواتب أربعة أضعاف المستويات الحالية،على أقل تقدير، لتعود الى قيمتها الحقيقية قبل عشرين عاماً خلت!

أم أن لكل الأشياء حقوقها، حتى وحوش البرية، ما عدا المواطن الذي يؤدي كل الالتزامات المطلوبة منه للدولة والوطن؟

هذا ونترك التعليق على الشواهد الأخرى لحصافة القارىء، وللمقارنة مع ما جاء سابقاً في متن هذه المحاضرة.


شواهد من «دور البيانات المحاسبية في عملية التخطيط المالي في القطر العربي السوري»

( رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراة في المحاسبة، من السيد محمد خالد المهايني، الى كلية الاقتصاد والتجارة بجامعة دمشق  عام 1992).

ـ ضرورة ايجاد ضوابط وقواعد تشريعية ومالية واقتصادية تحدد مفهوم العجز  المالي وحدوده المقبولة (صفحة 468)

ـ إن الطرق المتبعة في تبويب البيانات في الموازنة العامة للدولة في سورية لا تزال تمارس ضمن اطار من التقليدية وبالتالي وان تطورت عام 1984 فهي لازالت غير قادرة بواقعها الحالي على تلبية حاجات الخطة والتخطيط المالي من المعلومات و البيانات اللازمة(ص125)

ـ ضرورة تطوير التشريع الضريبي.

ـ تشكيل جهاز حديث للاستعلام الضريبي على مختلف القطاعات.

ـ متابعة التركيز على ادخال التقنية الآلية الحديثة في عمليات طرح الضرائب وتحصيلها                لتحقيق الرقابة الواعية عليها وتأمين سائر احصائياتها المطلوبة بشكل دقيق ودوري.

ـ تأهيل الأجهزة التنفيذية العاملة في سائر حقول الضرائب وتدريبها داخلياً وخارجياً وتأمين تطويرها من الناحية الكمية بصورة مستمرة (ص464).

ـ تعديل سعر صرف الدولار الجمركي الذي لايحقق أهداف سياسة ترشيد الاستيراد والاستهلاك وأنظمة التجارة الخارجية(ص463).

ـ اجراء تطوير جذري على تشريع الضريبة المباشرة على ريع العقارات (القانون 178 لعام 1945 وتعديلاته) يتم من خلال اجراء تقدير عام جديد لجميع عقارات القطر لتتناسب مع اسعارها الرائجة مع تخفيض للنسب وتعديل للشرائح الضريبية النافذة ويؤثر ذلك على كثير من الضرائب الأخرى : ضريبة التركات والوصايا والهبات،رسوم التسجيل العقاري، رسم الطابع على العقود العقارية،الضريبة على الدخل العقاري ومعالجة اعفاءات العقارات الزراعية(ص 457).

ـ تبين ان مساهمة القطاع العام في ضريبة دخل الأرباح تشكل القسم الأعظم حيث تتراوح بين 72% و86% خلال اعوام 1980-1990 رغم تزايد مساهمة القطاع الخاص من 185 مليون ل.س عام 1980 ألى 5050 مليون ليرة عام 1990(ص 216).

ـ طرأ تغير ملموس في التركيب الهيكلي للبنية الضريبية في سورية باتجاه التركيز على الضرائب المباشرة وأن نسبة الضرائب والرسوم المباشرة التي تنصب بشكل اساسي على الثروة وراس المال والأرباح ارتفعت من 40.8% عام 1980 الى 67.5% من مجموع الايرادات الجارية عام 1990 وذلك بهدف تحقيق العدالة في التكاليف وتكون المساواة في التضحية والقدرة على الدفع الاساس الذي يحدد العبء الضريبي للمكلف . 

كما ارتفعت نسبة الضرائب والرسوم المباشرة الى مجمل الموارد المحلية للدولة من 17.5% عام 1980 الى 36.4% عام 1990 (ص 216).

ـ نسبة الايرادات الضريبية وغير الضريبية واجمالي الايرادات المحلية الى الناتج المحلي الاجمالي(%)

      اجمالي  الايرادات المحلية

الايرادات غير الضريبية

الايرادات الضريبية

السنة

25.87

14.74

11.13

1980

25.42

12.65

12.77

1985

23.3

10.72

12.58

1990

يتبين انخفاض العبء الضريبي في القطر... و بالتالي ضرورة زيادة مساهمة الضرائب والرسوم في تلبية متطلبات الانفاق العام المتزايدة وبما يقرب نسبة هذا العبء الى ما هو مطبق في الدول الأخرى(ص 221-222).

ـ تستخرج بيانات الضرائب والرسوم والايرادات الجارية مثل فروق الاسعار وأموال الدعم من الموازنات التقديرية لجهات القطاع العام الاقتصادي والتي ترتبط بالموازنة العامة للدولة على اساس مبدأ الصوافي وتستخرج من التقديرات الفوائض الاقتصادية وفروق الاسعار(ص 201).

ـ تتلخص المهمة الاساسية للضرائب في البلدان النامية ضمن مفهوم الوظيفة المالية في سحب الفائض الاقتصادي ووضعه في خدمة التنمية وبالتالي عدم تبذيره في استهلاك تفاخري وانفاق غير منتج(ص 205).

ـ ان الموازنة العامة للدولة لاتظهر كامل عجوز الاقتصاد الوطني مثل:

ـ عدم تخصيص اعتمادات لكامل العجوز التموينية(مساهمة الدولة بتثبيت الاسعار).

ـ عدم تخصيص اعتمادات في الموازنة لتغطية عجز الموازنة التقديرية لصندوق الدين العام وتمثل عجز الاستثمار وتسديدات الدين العام الداخلي والخارجي.

ـ عدم تخصيص اعانات لتغطية كامل عجوز القطاع العام الاقتصادي الخاسرة مما دفعها الى عدم تسديد قيمة استجراراتها من المشتقات النفطية وعدم قدرة الشركات النفطية على توريد كامل التزاماتها تجاه الخزينة وصندوق الدين العام.

ـ تعدد اسعار الصرف المستخدمة في الموازنات التقديرية لجهات القطاع العام وفي تقدير ايرادات الموازنة ونفقاتها يؤدي الى نتائج غير واقعية من الناحية الاقتصادية(ص 196).

ـ إن تعدد اسعار الصرف ...يؤدي غالباً الى تحديد الفوائض الاقتصادية المقدرة في الموازنة العامة بشكل غير واقعي(ص 258).

ـ ضرورة ادخال الضريبة على مجمل الدخل بحيث تشمل :

ـ الدخل العقاري.

ـ دخل المهن والحرف الصناعية والتجارية وغير التجارية.

ـ دخل الرواتب و الأجور.

ـ الدخل الزراعي والحيواني.

ـ دخل ريع رؤوس الاموال المتداولة.

ويكون  كل ما يؤدي من الضرائب النوعية تسليفاً على الضريبة على مجمل الدخل(ص 454).

ـ بينما تؤول الفوائض الاقتصادية(الارباح والاحتياطيات والاهتلاكات والمؤونات غير المخصصة) بكاملها الى صندوق الدين العام تفرض النصوص القانونية النافذة على المؤسسات سداد قروض الدين العام الممنوحة لتمويل المشاريع الاستثمارية ...ان هذه القروض تعد مساهمة للدولة في رساميل تلك الجهات وبالتالي يجب الغاء قيود فوائد القروض المترتبة على الجهات المقترضة في سجلات صندوق الدين العام وسجلات الجهات المقترضة من جهة اخرى(ص 467).

ـ من المناسب ان تحتفظ الجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي بفوائض السيولة لديها لأغراض التوسعات والاستبدال والتجديد انطلاقاًمن مفهوم الاهتلاك الذي يشكل معظم فائض السيولة لتخصيصه لاستبدال الاصول الثابتة للمنشأة وتجديدها وامكانية رفد هذا المصدر التمويلي بقروض متوسطة أو طويلة الاجل من المصارف المتخصصة... وبذلك يتم الاقتصار على توريد فائض الموازنة ايراداً نهائياً لصندوق الدين العام لتمويل المشاريع الاستثمارية الجديدة في القطاعين العامين الاداري والاقتصادي للدولة(ص 470).

وفي جيع الحالات عدم ارهاق الشركات الخاسرة حالياً ريثما تستكمل المعالجة اللازمة لكل منها واعفاؤها من تحويل فوائد السيولة الى صندوق الدين العام نظراً لانعكاس ذلك على سوء وضعها المالي وان احتفاظ الشركات باقساط الاهتلاك لديها لتجديد اصولها الثابتة هي المعالجة الصحيحة لهذا الموضوع من النواحي المحاسبية والمالية والاقتصادية على مستوى المشروع(ص 253).

ـ اعادة الاعتبار الكامل للسياسة النقدية في القطر واعطاء السلطة النقدية المتمثلة بمجلس النقد والتسليف دورها المستقل عن السلطات التنفيذية في الرقابة على عجز الموازنة وحدود التسليف العام ومراقبة تنفيذ القوانين والاجراءات المختصة بالسياسة النقدية والتقيد بها(ص 471).

ـ ان تعدد اسعار الصرف واختلافها من سنة لاخرى يجعل تجميع البيانات النقدية وتلخيصها وعرضها في نهاية العام ينطوي على خسارة كبيرة في المعلومات ويؤثر على صلاحيتها للمقارنة، كما لا يمكّن من الاعتماد تماماً على بيانات الموازنة العامة الفعلية للدولة اساساًلاعداد الموازنة العامة للدولة للعام المقبل .

ـ ان عدم اعتماد مفاهيم محددة بصورة مستمرة للطاقات الانتاجية في اعداد الخطط الانتاجية والموازنات التقديرية لجهات القظاع العام الاقتصادي ينعكس غالباًعلى المبالغة في تقدير الفوائض الاقتصادية وقد تبين ان وسطي التحققات الفعلية لهذه الايرادات يتراوح بين 60-70% خلال الخطتين الخمسيتين الخامسة والسادسة مما يعيق في كثير من الحالات تنفيذ خطط التنمية في بعض الجهات لقصور وسائل التمويل الذاتي لديها ويتعارض ذلك مع مبدأ محاسبي مهم هو مبدأ الحيطة والحذر(ص 198).

[تعليق : ألا يعني هذا أن الواردات المحصلة فعلاً من فوائض القطاع العام التقديرية تزيد بنسبة 30-40% عما يجب تحصيله، وان هذه الزيادة التي تغذي الموازنة العامة ليست في جوهرها إلا اقتطاعاًمن الاصول الراسمالية لجهات القطاع العام الاقتصادي لتركها كومة خردة، كما جاء في محاضرتنا أعلاه؟(المحاضر).].

ـ اذا كانت الفوائض الاقتصادية للجهة المقترضة تؤول بكاملها الى صندوق الدين العام كايرادات استثمارية للانفاق على المشاريع الاستثمارية فمن أين لتلك الجهات تأمين السيولة اللازمة لسداد قروض صمدوق الدين العام الممنوحة لها؟(ص 258).

ـ ان مفهوم العجز (بالنسبة لمؤسسات القطاع العام)وفق ما حده المشرع المالي هو مفهوم حسابي مطلق ...اذ قد يكون العجز "ادارياً" أو "اجبارياً" بسبب سياسة التسعير والأهداف الاجتماعية ولا يكون بالتالي ناجماً عن سوءالادارة ...مما يقتضي التفريق بين العجوز المالية حسب اسبابها وطبيعتها من اجل المراقبة الفعلية لإدارة الأموال العامة (ص258) .

ـ ان جمود التشريع الضريبي لسنوات طويلة، رغم التعديلات الجزئية انعكس على عدم مواكبة تغيرات الأسعار خلال السنوات الطويلة، وبالتالي فإن العبء الضريبي منسوباً الى الناتج اصبح قاصراً عن تأمين الموارد المالية اللازمة لتغطية متطلبات  الانفاق العام المتزايد.

ارتفعت نسبة مساهمة الايرادات الضريبية في تمويل الانفاق العام من 23.5% عام 1980 الى 54.1% عام 1990 (ص 224).

وأما العبء الضريبي العام في سورية فيعادل 13.9% من الناتج (ص 209).

ـ ان محدودية الحسابات القومية وعدم شموليتها ...تقود إلى عدم كفاية الاحصائيات والبيانات الخاصة بالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والمالية للدولة...ان هذا يتبع بالنتيجة ضرورة دعم المكتب المركزي للاحصاء وهو الجهة الفنية المسؤولة عن اعداد الحسابات القومية، بالوسائل والامكانيات الفنية والعناصر المؤهلة بغية زيادة فعالياته ونشاطاته(ص 430).

ـ وعلى الرغم من ان التشريع المالي قد طور مهمات صندوق الدين العام واضاف اليها مهمات جديدة فإن الهيكل الاداري لهذا الصندوق واختصاصاته وآلية عمله لم يطرأ عليها أي تطور ملحوظ... ان الآلية التي تحكم اعمال صندوق الدين العام وفق النصوص النافذة لا تجعل منه الجهاز التمويلي الرئيسي المسؤول عن تمويل برامج التنمية ...(ص 437)

وما زالت حالة التعددية قائمة سواء ما يتعلق منها باستخدام القروض(السحب) أو سداد الالتزامات للجهات الخارجية المقرضة(ص 450).

ـ قصور الحد الادنى المعفى(من الرواتب والاجور)عن تلبية الحاجات الاساسية للمكلفين بالضريبة (علىالرواتب والأجور) بعدالتطورات الاقتصادية والاجتماعية في سورية (ص227).

ـ (من عيوب التشريع الضريبي )عدم النص على فترات زمنية محددة لانجاز كل مرحلة من مراحل التكليف الضريبي (مرحلة التكليف المؤقت ـ مرحلة لجان الفرض ـ مرحلة الدوائر المالية ـ مرحلة لجان اعادة النظر). وكذلك مراحل اللجان البدائية -اللجان الاستثنائية مما ساهم في التراكم الضريبي وطول مراحل التكليف الضريبي (ص227).

ـ عدم توفر الكفاءات العلمية والعملية لكشف المطارح المخفاة جزئياً من خلال الاستعلام الضريبي (ص228 ).

ـ ساهمت أسعار الصرف المتعددة في توسيع نطاق السوق السوداء غير النظامية للقطع وفي تقليص استفادة الجهاز المصرفي من موارد البلاد من العملات الاجنبية كما ساهمت في خلق طبقة من الطفيليين اثرت بدون جهد انتاجي واستفادت من تشوهات اسعار المستوردات مقومة بالعملة السورية .(ص473).

ـ اقتراح اقتصار دور صندوق الدين العام في التمويل على المشاريع الاستثمارية للجهات العامة ذات الطابع الاداري أي مشاريع البنى التحتية وتتولى جهات القطاع العام الاقتصادي تمويل المشاريع الاستثمارية ذاتياً من فوائضها المتحققة وبقروض من المصارف اومن مصرف التنمية المقترح وأن يقتصر الفائض الذي يحول الى الموازنة العامة للدولة على جزء من فائض الموازنة فقط دون فائض السيولة الذي تحتفظ به تلك الجهات لأغراض الاستبدال والتجديد والتوسعات لديها، اضافة الى ضرائب الدخل والضرائب والرسوم الأخرى (ص419 ).

ـ اعادة العمل بنظام مدققي الخزينة في جميع الدوائر المالية لممارسة عملية الرقابة المستحقة على الصرف، والتركيز على البيانات والتقارير الدورية لتتبع تنفيذ الموازنةالعامة للدولة اولاً بأول والبيانات والتقارير الدورية لتتبع تنفيذ الموازنات  التقديرية ايراداً وانفاقاً (ص420).

ـ ان اسلوب حساب الفوائض الاقتصادية لايمكن الادارة المالية من تحديد وتمييز الفوائض الاقتصادية النهائية التي تؤخذ ايراداً نهائياً للموازنة العامة للدولة، مثل حصيلة الدولة من الارباح الصافية الناتجة عن عمليات المتاجرة والتشغيل للمؤسسات العامة والشركات بعد اقتطاع ضريبة الدخل،  والحصيلة الصافية الناتجة عن بيع المنتجات المنجمية بعد تخفيض جميع المصاريف اللازمة لعمليات التنقيب والاستخراج ...الخ،  والفوائض الاقتصادية المؤقتة التي تدفع الى الخزينة العامة بصورة مؤقتة وتدرج في الموازنة العامة للدولة على اساس اعادتها الى الجهة الدافعة عند استحقاقها او وفق شروط صدورها، مثل الحصيلة الصافية لاشتراكات الموظفين والمستخدمين ومساهمات ارباب العمل في صناديق التأمين والمعاشات، والتأمينات الاجتماعية، وتقاعدالموظفين والبلديات ...والحصيلة الصافية لقيم شهادات الاستثمار، والاهتلاكات السنوية المقتطعة من قيم الموجودات الثابتة لدى المؤسسة والشركات العامة ذات الطابع الاقتصادي (ص257).

ـ هناك تناقض قانوني بين سحب كل فوائض المؤسسات وبين الزامها برد القروض، يجب تعديل النصوص التشريعية وتحويل هذه القروض الاستثمارية الى تمويل نهائي يضاف الى رأسمال كل من الجهات المقترضة ضمن رأس المال الثابت ورأس المال العامل عن دورة انتاجية واحدة (ص442)

د. عارف دليلة


(*) بل هناك القانون رقم 36 لعام 1980 نظام إدارة المركبات، والذي يضبط بقواعد بالغة الدقة والتفصيل تخصيص وتحريك الآليات العامة والسيارات الحكومية، والذي لم يعمل به أحد، ولم يلغ، مما يؤدي إلى انفاق فعلي يبلغ عشرات مليارات الليرات السورية خرقاً فاضحاً للقانون! ولو كان القضاء السوري يستقبل دعوى من مواطن عادي ضد خرق الغير للقانون وبالأحرى كما في مصر، مثلاً، حيث استطاع أحد المحامين حل مجلس الشعب المصري بقرار قضائي بسبب مخالفة الدستور في انتخابه، لكان 99% من مستخدمي السيارات الحكومية أمام القضاء حالياً! إننا نستغل هذه المناسبة للإعلان عن مكافأة تقديرية لمن يكتشف مادة في القوانين السورية، مطبقة فعلاً!